- En
- Fr
- عربي
قانون دولي إنساني
تعريفها، تنفيذها وآثارها
تعتبر المعاهدات الدولية من أهم وسائل التعامل الدولي وقت السلم، وركيزة أساسية وضرورية للتعاون بين الدول، كما جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، إذ نصّت الفقرة الثالثة منه «على تحقيق العدالة، واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات بين الدول»(1).
المعاهدة اتفاق يعقد بين أشخاص القانون الدولي(2). والشخصية الدولية كانت تقتصر على الدول إلى أن ظهرت المنظمات الدولية وأصبحت من أشخاص هذا القانون(3).
لكلمة معاهدة مرادفات كثيرة، مثل اتفاقية واتفاق وعهد وميثاق ونظام وعقد وإعلان وبروتوكول وتسوية... إلخ، وهي جميعها تتطلّب وجود وثيقة مكتوبة - على الرغم من أنّ تصريح ممثّل دولة ما ملزم لدولته كما جرى العرف الدولي - وانعقاد الوثيقة بين أشخاص القانون الدولي، وأن تكون لها نتائج قانونية تخضع للقانون الدولي. وتوجد نقاط مشتركة ما بين العقد والمعاهدة مثل الرضا الذي هو أساس الرابطة القانونية، ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين، ومبدأ نسبية الآثار والنتائج.
ومن أوجه الاختلاف، أن الإكراه في العقد يُفسد الرضا، ويُبطل العقد، أمّا في المعاهدة فقد كان مشروعًا قبل ميثاق الأمم المتحدة (معاهدات الصلح مثلًا)(4).
تقسم المعاهدات إلى نوعين أساسيين:المعاهدات الشارعة أو المشرّعة والمعاهدات التعاقدية. وتبرم المعاهدة مثل أي اتفاق دولي، وهذا الإبرام يمرّ بمراحل: المفاوضات، التحرير، الـتصديــق، فالـتـسـجـيــل والنشر. ويلي التسجيل في الدول الأطراف في المعاهدة، تسجيلها في الأمم المتحدة. ولا بد من توافر شروط التعاقد وهي: الأهلية، الرضا، مشروعية موضوع التعاقد، والتوافق بين الالتزامات الراهنة والسابقة(5).
تنفيذ المعاهدات
يبدأ تنفيذ المعاهدة الدولية عادة من تاريخ التنفيذ المنصوص عنه فيها، وإذا لم يُذكَر هذا التاريخ أو لم ترد الإشارة إليه في المعاهدة يعتبَر تاريخ تبادل التصديقات، أو إيداعها في المكان المعين هو تاريخ التنفيذ. وقد يكون للمعاهدة بعض النتائج والآثار قبل تنـفيـذهـا، كـمـقدمـات لهذا التنفيذ، كأن تضع إحدى الدول شروطًا معيّنة للبدء بالتنفيذ، مثل رفع الحجز عن أرصدة لها محتجزة في دولة طرف في المعاهدة. وقد يكون التنفيذ متدرّجًا كأن يقوم كل طرف بإجراء يقابله إجراء من الطرف الآخر أو الأفرقاء الآخرين في المعاهدة المتعددة الأطراف، أو أن يتمّ التنفيذ بالتدرج وفق مراحل محدّدة، تكون الأطراف نفّذت خلالها الموجبات الملقاة على عاتق كلّ منها. ويحدث أحيانًا أن يتم تنفيذ بعض الموجبات في المعاهدة قبل تصديقها، ولحين تصديقها، إلّا أنّ الدستور الفرنسي حرّم في العام 1958 تنفيذ معاهدة ما لم يتم التصديق عليها بعد. أما في المعاهدات التي يتم بموجبها إنشاء منظمات دولية، فإن الاتفاق ينص على تاريخ البدء بالتنفيذ بالنسبة إلى الأطراف، كما أنّه ينص على تاريخ بدء التنفيذ بالنسبة للدولة التي تنضمّ لاحقًا. وتصبح المعاهدة إلزامية للدولة التي تصادق عليها وفق قوانينها الداخلية، وسلطاتها المختلفة.
تضمّ المعاهدة أحيانًا ملاحق تنفيذية تعتبر جزءًا منها، وبخاصة إذا ما تضمّنت مواضيع تقنية شائكة تتطلب خبرات وتقنيات متطورة. وقديمًا كانت تطلب ضمانات للتنفيذ من دولة ما، أو من مجموعة دول، من خلال بعض الإجراءات مثل احتلال إقليم، أو تخصيص مورد مهم من موارد الدولة لضمان تنفيذ الموجبات الملقاة على عاتقها. مع ظهور المنظمات الدولية والعمل بالمواثيق الدولية المعاصرة أبطِلت هذه الإجراءات. ويمكن اليوم الاستعانة بإحدى المنظمات الدولية التي تتمتّع بالحيادية والاختصاص للمساعدة في تنفيذ التعهدات المتبادلة. والمثال الأبرز على ذلك، الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى أو ما يعرف بـ«ميثاق العمل المشترك». فقد كلّفت هيئة الطاقة النووية الدولية الإشراف التقني على المنشآت النووية الإيرانية، وضمان الجانب التقني من المعاهدة عبر إخضاعها للتفتيش الدوري، والتأكد من أعمال التخصيب وسقفه التقني، وسلميّة المشروع بمجمله، وطمأنة الدول الكبرى، على أن تقوم الأخيرة بتنفيذ موجباتها. وتتمثّل هذه الموجبات برفع الحجز عن الأرصدة الإيرانية المودعة في المصارف الغربية، ثم العودة إلى مجلس الأمن لاستصدار القرارات اللازمة لرفع الحظر المالي والتجاري والحصار الاقتصادي عن إيران.
قد تكتشف الدول غموضًا في بعض بنود المعاهدة أو في نص من نصوصها أو تناقضًا فيها، ويكمن الحل بالعودة إلى روح المعاهدة وإلى قواعد الأخلاق والعدالة. وعلى الدول أن تلجأ إلى الوسائل السلمية لحلّ مثل هذه المسائل، وإذا تعذّر ذلك، عليها اللجوء إلى التحكيم الدولي أو القضاء الدولي(6). وأما إذا أقدمت إحدى الدول الأطراف في المعاهدة على إلغاء المعاهدة من جانبها أو الانسحاب منها أو اتخاذ قرار باعتبارها غير موجودة بعد سنتين من بدء التنفيذ، فإنّنا نصبح أمام مسألة تتعلّق بآثار المعاهدة...
آثار المعاهدات
للمعاهدات الدولية عدّة آثار تطاول أطرافها والغير، والدولة الموقّعة وقوانينها الداخلية. وسيقتصر بحثنا على آثار المعاهدة على أطرافها.
تختلف الآراء في الفقه الدولي حول تحديد الأساس القانوني لصفة الإلزام، ومنها في هذا المجال أنّ إرادة الدولة هي الأساس، وقاعدة العقد شريعة المتعاقدين هي الأساس، وثمّة من يعتبر أنّ الضرورات السياسية وأدبياتها، والتوازن والاستقرار في المبادلات الدولية هي الأساس. إلّا أنّ ما يُجمع عليه الفقه الدولي ويذكّر به دائمًا هو الصفة الإلزامية للمعاهدة.
في هذا السياق يمكن التساؤل حول النتائج المترتبة على إلغاء الولايات المتحدة الاتفاق النووي مع إيران بعد سنتين من بدء التنفيذ، والمحددة مدته بعشر سنوات، بحجة أن إيران لم تحترم روح الاتفاق. إنّ إلغاء المعاهدة من قبل دولة طرف فيها لا يلغيها من وجهة نظر القانون الدولي وبخاصة قانون المعاهدات. وتعتبر الجهود المبذولة من قبل الدول الأطراف في المعاهدة من قبيل الوسائل السلمية لتجاوز الخلافات حولها.
لقد نصّ النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، والذي يعتبر جزءًا من الميثاق الأممي، على أنّ صلاحية تفسير أي معاهدة دولية تعود إلى هذه المحكمة، كما يعود إليها تحديد الالتزامات المتبادلة. ولما كانت المحكمة تصدر فتاوى في الاستشارات التي تطلبها الأمم المتحدة، فإنّ هذه الاستشارات غير ملزمة للدول إلّا من الناحية المعنوية. وعندما تختار الدولة رفع دعوى أمام هذه المحكمة، فإنّ الحكم الصادر أيضًا غير ملزم، ما لم تصرح الدولة صاحبة العلاقة بالقبول بالحكم قبل إجراءات الدعوى، ففي هذه الحال يكون الحكم الصادر عن المحكمة ملزمًا لطرفيّ الدعوى.
أخيرًا، إنّ الانسحاب بطريقة تعسّفية من أي معاهدة دولية يعرّض السلم والأمن الدوليّين للخطر في ظل عدم الاستقرار في العلاقات الدولية عدا عن كونه مخالفًا للمواثيق الدولية والأعراف.
الحواشي:
(1) نصّت الفقرة الثالثة من ديباجة الميثاق في مقدمته على ما يلي: «وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلّها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي»...
(2) قبل القرن العشرين كانت الدول فقط من أشخاص القانون الدولي. لمزيد من التفاصيل راجع: الدكتور محمد المجذوب، القانون الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة السابعة، 2007، صفحة 564 وما بعدها.
(3) أكّدت محكمة العدل الدولية في فتوى أصدرتها في العام 1949 على حق المنظمة الدولية بالتمتع بالشخصية الدولية، المرجع السابق، صفحة 568.
(4) وُقّعت معاهدة فرساي في العام 1920 تحت الإكراه من قبل الدول التي خسرت الحرب.
(5) نصت المادة 53 من قانون المعاهدات على بطلان أي معاهدة بطلانًا مطلقًا إذا كانت عند إبرامها تتعارض مع قاعدة أمرة من قواعد القانون الدولي... وتنص المادة 64 على أنّه إذا ظهرت قاعدة أمرة جديدة فإنّ إي قاعدة قائمة تصبح لاغية...
(6) راجع نص المادة 36-2-أ من نظام محكمة العدل الدولية الملحق بميثاق الأمم المتحدة.