متقاعد يتذكر

المعاون الأول المتقاعد علي الزغبي
إعداد: باسكال معوض بو مارون
تصوير: الرقيب الأول بسام شومان

بدموعه يروي قصة التصاقه بالمؤسسة العسكرية

كلما تقدم الانسان في العمر اشتد حنينه إلى الماضي، فكيف اذا كان هذا الماضي في حضن مؤسسة تقوم الحياة فيها على قيم الشرف والتضحية والوفاء...
المعاون الأول علي الزغبي خدم في الجيش أكثر من ثلاثة عقود، وحين أحيل على التقاعد، روت دموعه قصة التصاقه بهذه المؤسسة وحبه لها.

يقول المعاون الأول المتقاعد علي الزغبي: عندما تطوعت في الجيش كان عمري فعلياً ستة عشر عاماً. لكنني غيرت تاريخ ميلادي ليتم قبولي. وعندما التحقت بدورة الاغرار لاحظ أحد الضباط ان الشعر الذي في ذقني لم يكن قد اكتمل بعد، فأصرّ علي أن أحلق يومياً...
بعد انتهاء الدورة تمّ تعييني في الفوج الثالث في ثكنة ضبيه التي كانت آنذاك مجموعة من «الهنغارات»، الاّ اننا كفوج لم نبق فيها سوى ثلاثة أشهر انتقلنا بعدها الى ثكنة ويغان التي تدعى اليوم ثكنة محمد زغيب، حيث بدأت، اضافة الى عملي كعسكري، أدرس في مدرسة ليلية لأحسن مستواي العلمي.
وفي احدى الليالي وبينما كنت أدرس على ضوء الشمعة بعد أن نام الجميع، رآني ضابط في الجيش كان منزله مقابل الثكنة، فلفته انكبابي على الدراسة ليلاً وخدمتي الممتازة كجندي نهاراً، فطلب مني ورغم قلة خبرتي، أن أعمل كأمين سر في الشعبة الثالثة، فجرى نقلي الى هذه الشعبة في وزارة الدفاع، إلا ان حلمي كان أن أحمل البندقية ضد العدو.
تحققت آمالي بعد حوالى 3 أشهر، حين بدأت الأمور تتأزم في الجنوب اللبناني، وتم استدعاؤنا كفوج للإلتحاق برفاقنا على الحدود اللبنانية. وفي أوائل العام 1948 تمركز الفوج في بلدة علما الشعب لمدة 3 أشهر، ثم في حزيران من العام نفسه انتقلنا الى عيترون مع خطة هجومية لمحاربة الاسرائيليين. فانطلقنا بمواكبة فوج المدفعية والمدرعات، وكنا أول الواصلين إلى ميدان المعركة الشهيرة. قائد الجيش ورئيس الأركان كانا آنذاك يراقبان سير المعركة من بلدة بنت جبيل. وكما هو معلوم ربحنا المعركة وتقدمنا الى قَدَس وديشوم من القرى السبع، حيث تمركزنا حوالى 4 أشهر تولى بعدها «جيش الإنقاذ» المهمة عنا.
بعد عودتنا بقيت فترة في الفوج الثالث انتقلت بعدها لأعمل كأمين للمستودعات في مصالح الجيش. وفي خلال أحداث العام 1958، تمّ استدعائي للتدرّب على عمل المحاكم العسكرية التي كان يجري تأسيسها في المناطق اللبنانية.
بدأت عملي ككاتب على قوس المحكمة بعد اجراء الامتحانات اللازمة، وانخرطت بشكل كامل في هذا العمل الذي استهواني كثيراً فبرعت فيه. وقد عملت كرئيس لقلم المحكمة العسكرية المنفردة في بيروت وجبل لبنان لمدة سنتين أسست في خلالها دفاتر المحكمة، وكذلك الأمر بالنسبة للمحكمتين العسكريتين في صيدا والفياضية. وفي هذه الفترة حصلت على شهادة قضائية عليا موقعة من اللواء فؤاد شهاب قائد الجيش آنذاك.
بعد فترة عُينت في دائرة الاستنطاق في المحكمة العسكرية، ثم نقلت العام 1973 الى مديرية القضايا في وزارة الدفاع ومن ثم عدت الى المحكمة العسكرية، لكن الحرب ما لبثت أن اندلعت، وازاء تدهور الأمور والأوضاع في الوطن، وعدم قدرتي على فعل أي شيء للمساعدة، قدمت طلب تسريحي، الذي تم قبوله بعد فترة طويلة (العام 1978)، فخرجت برتبة معاون أول. وأذكر انني بكيت عندما تم تبليغي مذكرة تسريحي من الجيش على الرغم من انني طلبتها بنفسي.
وختم قائلاً: كان الجيش جزءاً مهماً من حياتي وسيبقى كذلك حتى آخر يوم من عمري.