- En
- Fr
- عربي
دراسات قانونية
بتاريخ 29 /3 /2019، صدر القانون رقم 126 المتعلق بتعديل قانون التجارة البرية، حيث أدخل المشترع اللبناني قواعد جزائية جديدة تتعلق بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة بهدف حماية الذمة المالية للشركات، ووضع ضوابط لمديريها وجعلهم تحت المساءلة الجزائية في حال أقدموا على الاستئثار بمقدرات الشركة عن سوء نية إن كان لمصالحهم الخاصة أو لمصلحة الغير.
لم تكن تُعرف هذه الجريمة في لبنان ما قبل العام 2019، وبطبيعة الحال لا جريمة دون نص إلى أن أدخلها المشترع بموجب أحكام المادة 253 مكرر 1 من قانون التجارة البرية، حيث حصل تقاطع قانوني بموجب هذا التعديل ما بين إدارة الشركات التجارية عن سوء نية وتكييف هذا العمل بصورة جزائية لأول مرة بتاريخ لبنان.
وتعود أصول جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة في فرنسا إلى سنة 1935، بموجب مرسوم رقم 8، ولقد نص عليها المشترع الفرنسي في المادة 6/242 من القانون التجاري بالنسبة للشركة المساهمة؛ ونص عليها في المادة 3/241 بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة، وتكمن أهمية الموضوع في معرفة العناصر المكونة لمفهوم الاستعمال التعسفي لأموال الشركة. فاقتضى التنويه.
المفهوم القانوني والعناصر المكونة للمسؤوليات الجزائية والمدنية لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة
القسم الأول: المفهوم القانوني:
إنّ جريمة سوء استخدام أصول الشركة (Abus de biens sociaux) في القانون اللبناني، تعني استخدام أموال الشركة أو ممتلكاتها بشكل مخالف لمصلحتها ولأغراض شخصية من قبل الشخص المسؤول عن إدارتها. تُعتبر هذه الجريمة من الجرائم الاقتصادية المهمة التي تستهدف حماية الشركات والمساهمين والدائنين.
إنّ إقدام أي شخص بصفته رئيس مجلس إدارة الشركة (أو أعضاء مجلس الإدارة والمديرين والمفوضين بالتوقيع)، على ارتكاب مخالفات عن سوء نية أو على اختلاق الغش وتجاوز حد السلطة للسيطرة على أعمال الشركة، وتغطية التلاعب بالحسابات وغيرها من الأمور التي تشكّل أضرارًا بمصالح الشركة، تشكل جريمة سوء استخدام أصول الشركة وتخالف أحكام المواد 158، 159، 161، 166، 107 من قانون التجارة البرية أيضًا.
تندرج أفعال الأشخاص المذكورين أعلاه تحت خانة سوء استخدام أصول الشركة، وفق المادة 253/ 1 من قانون التجارة البرية التي تنص على ما يأتي:
«يعاقَب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة تتراوح من خمسة وعشرين إلى مئة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، أو بإحدى هاتين العقوبتين، رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والمديرون والمفوضون بالتوقيع الذين يقدمون على الإضرار بالشركة عن سوء نية:
1- باستعمال أموال الشركة أو إمكانياتها الائتمانية بما يضر بمصالحها وذلك لغايات شخصية.
2- من خلال العمل لمصلحة شركة أخرى أو مؤسسة أو فرد يكون لأي منهم مع أي من هؤلاء مصلحة مباشرة أو غير مباشرة.»
تقابلها المادة 242/ 6 من قانون التجارة الفرنسي:
كما هو الحال في جميع الجرائم الجزائية، يجب أن تتوافر العناصر المادية والمعنوية فيها، تتمثل العناصر المادية لهذه الجنحة باستعمال أموال الشركة أو إمكانيتها الائتمانية، أي ذمتها الائتمانية التي يضعها المنشئون في العقود الائتمانية، بتصرف الشركة من أجل استثمارها بشروط محددة متفق عليها بين أصحاب الذمة الائتمانية والشركة المستثمرة. على أن يكون استعمال هذه الأموال والإمكانات الائتمانية مضرًّا بمصالح الشركة.
كما يتمثل العنصر المعنوي الأساسي لهذه الجنحة على سوء النية بحيث يقدم المسؤولون على الإضرار بمصالح الشركة عن سوء نية، أو يقوم العنصر المعنوي على الإضرار بالشركة لغايات شخصية أي لمنفعة مرتكبها، مهما كان نوع هذه الغاية وأسبابها.
(يراجع بهذا المعنى، د. الياس ناصيف، شرح تعديلات قانون التجارة البري، منشورات زين الحقوقية، الطبعة الأولى 2021، ص 325-326).Art. L. 242-6: Est puni d’un emprisonnement de cinq ans et d’une amende de 375 000 € le fait pour:
1- Le président, les administrateurs ou les directeurs généraux d’une société anonyme d’opérer entre les actionnaires la répartition de dividendes fictifs, en l’absence d’inventaire, ou au moyen d’inventaires frauduleux;
2- Le président, les administrateurs ou les directeurs généraux d’une société anonyme de publier ou présenter aux actionnaires, même en l’absence de toute distribution de dividendes, des comptes annuels ne donnant pas, pour chaque exercice, une image fidèle du résultat des opérations de l’exercice, de la situation financière et du patrimoine, à l’expiration de cette période, en vue de dissimuler la véritable situation de la société;
3- Le président, les administrateurs ou les directeurs généraux d’une société anonyme de faire, de mauvaise foi, des biens ou du crédit de la société, un usage qu’ils savent contraire à l’intérêt de celle-ci, à des fins personnelles ou pour favoriser une autre société ou entreprise dans laquelle ils sont intéressés directement ou indirectement;
4- Le président, les administrateurs ou les directeurs généraux d’une société anonyme de faire, de mauvaise foi, des pouvoirs qu’ils possèdent ou des voix dont ils disposent, en cette qualité, un usage qu’ils savent contraire aux intérêts de la société, à des fins personnelles ou pour favoriser une autre société ou entreprise dans laquelle ils sont intéressés directement ou indirectement. — [L. no 66-537 du 24 juill. 1966, art. 437.]
القسم الثاني: لجهة المسؤوليات: المسؤولية الجزائية:
إن توافر أركان جريمة إساءة استعمال أموال الشركة المذكورة أعلاه يرتب قيام المسؤولية الجزائية على المرتكبين حيث حدد المشترع نطاق التطبيق على الأشخاص المخلّين والمخالفين كما حدد مقدار العقوبة لهم.
يعتبر هذا الجرم من الجرائم المالية حيث صنّفها المشترع من الجرائم الجنحية علمًا بأنّ القانون الفرنسي وفي تطور تشريعي لافت، قد تَشدَّد في مقدار فرض الغرامات على هذا النوع من الجرائم.
بالمقابل، فقد اشترط المشترع اللبناني لتطبيق العقوبة المذكورة في المادة 253 مكرر 1 من قانون التجارة البرية مسألة سوء النية، لكي يكون متجانسًا مع نوعية المخالفات التي قد يقوم بها الأشخاص المحدَّدون في المادة المذكورة.
وهذا ما يفتح لنا الباب للحديث عن مبدأ المساواة في الأسلحة Le Principe de L’e´galite des armes بين أطراف الدعوى الجزائية والذي أمسى واحدًا من أهم أركان الدعوى العادلة Le Procès équitable وهو ما يعطي الوازن بين أطراف الدعوى خصوصًا لجهة حق الدفاع.
تجدر الإشارة إلى أن الجرائم الجزائية تسقط بمرور الزمن (الحق العام) ومن بينها هذه الجريمة بطبيعة الحال، والمحدد بثلاث سنوات على الفعل والذي يسري من تاريخ وقوعه إذا كان ظاهرًا ومن تاريخ اكتشافه إذا كان خفيًا.
المسؤولية المدنية:
إنّ المشترع بشكل عام أعطى الحق للمتضرر من الجرائم الجزائية التوجه إلى القضاء الجزائي أو القضاء المدني تحصيلًا لحقوقه.
فقد نصت المادة 121 من قانون الموجبات والعقود على ما يلي:
الجرم عمل مضرّ بمصلحة الغير عن قصد ومن دون حق وشبه الجرم عمل ينال من مصلحة الغير من دون حق ولكن عن غير قصد.
والمادة 122 من القانون عينه:
كل عمل من أحد الناس ينجم عنه ضرر غير مشروع بمصلحة الغير يجبر فاعله إذا كان مميزًا على التعويض، وفاقد الأهلية مسؤول عن الأعمال غير المباحة التي يأتيها عن إدراك.
ونصت المادة 7 من قانون أصول المحاكمات المدنية على ما يلي:
الدعوى هي الحق الذي يعود لكل ذي مطلب بأن يتقدم به إلى القضاء للحكم له بموضوعه.
في حين نصت المادة 7 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ما يلي:
للمتضرر من الجريمة أن يتخذ صفة الادّعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق الأول في الجناية والجنحة أو أمام القاضي المنفرد في الجنحة والمخالفة. وله أن ينضم إلى الدعوى العامة أمام محكمة الجنايات.
يحرك المتضرر بادعائه دعوى الحق العام إذا لم تحركها النيابة العامة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مسؤولية رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والمدير العام تجاه الشركة عن أي فعل قد يلحق ضررًا بها أو التأثير سلبًا على ذمتها المالية، مما يجعل الشركة عرضة لدعوى مسؤولية تسمى دعوى الشركة المسندة إلى مخالفة القانون أو النظام أو الغش…
الخلاصة:
إنّ الشركات التجارية هي العامود الفقري للاقتصاد اللبناني وتعتبر العصب الرئيسي في الحياة الاقتصادية اليومية، وإنّ تطور مسار التشريع اللبناني لجهة التعديلات الجذرية التي أُدخلت على قانون التجارة البرية ومنها ظهور نص جزائي دخل حيز التطبيق في العام 2019 والمتمثل بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة (Abus de biens Sociaux) كان أمرًا واقعًا في محله القانوني، وعلى أمل استمرار «التطور التشريعي» في مختلف المجالات الحقوقية والقانونية.











