- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
هل تصل إلى مستوى مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؟
تنشط في الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن حركة احتجاجية سياسية اقتصادية تسعى الشركات الأوروبية من خلالها لتكريس مقاطعة كل ما يمت بصلة للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من الاحتجاجات الإسرائيلية على هذه السياسات. وتستند الشركات الأوروبية في قراراتها، على أحكام المحكمة الدولية في لاهاي (2004)، والتي قضت حينها بأن المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، غير شرعية وتخرق البند 49 من ميثاق جنيف، الذي يحظر على دولة محتلة أن توطن سكانها في المناطق التي احتلتها. وكان الاتحاد الأوروبي، قد أعلن عبر مفوضته للشؤون الخارجية كاثرين آشتون عن قرار يدخل حيز التنفيذ مطلع العام 2014، يقضي بقطع أي علاقات اقتصادية أو علمية أوأكاديمية، بين الاتحاد و مؤسسات ومصانع ومزارع لها استثمارات أو وجود في المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967.
ويعتبر الأوروبيون أن كل إنتاج صناعي أو زراعي في هذه المستوطنات غير مشروع لأنه يخالف القانون الدولي ولأنه قام على أراضي وحقوق الآخرين بالإرهاب والاغتصاب! وقد غضب حكام إسرائيل لذلك وهاجموا البرلمان الأوروبي وانتقدوا بشدة موقف وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري لأنه اشار إلى امكان توسيع المقاطعة إذا فشلت المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين. في السياق ذاته، اتهم وزير حماية الجبهة الداخلية، وهو عضو المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية غلعاد أردان، وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بتغذية المقاطعة الدولية ضد إسرائيل. كما حذّر مسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية من أن إسرائيل ليست مستعدة لمواجهة المقاطعة. وكان أردان قد أفاد للإذاعة العامة الإسرائيلية بإنه «لا شك أن الرسالة التي يمررها وزير الخارجية الأميركي، كيري، تبدو مثل تغذية نوايا المقاطعة ضد إسرائيل وليس كفاحًا ضدها»، في اشارة إلى تصريحات كيري بأن فشل المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية سيصعد المقاطعة الدولية ضد إسرائيل. كما اعتبر أردان أن «الإدارة الأميركية لا تفهم للأسف الواقع في الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني» وتابع قائلًا بأن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على «الجانب غير الصحيح»، أي إسرائيل، وأن التوقعات كانت أن يشرح كيري للجانب الفلسطيني ما الذي سيحدث لهم في حال استمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في «رفضه للسلام»!!
الجدير بالذكر أنه منذ التوقيع على أوسلو، تمكّن المستوطنون من تدشين أكثر من مائة نقطة استيطانية تقع في محيط المستوطنات. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية التزمت أمام إدارة الرئيس بوش بإزالة كل النقاط الاستيطانية؛ إلا أن الحكومات الإسرائيلية لم تحرّك ساكنًا. ومع أن جميع هذه النقاط الاستيطانية التي تُدشَّن في محيط المستوطنات القائمة تُعتبر «غير قانونية»، حسب تعريف الحكومة الإسرائيلية لأنها أقيمت بدون إذنها، إلا أن الحكومة والجيش يحرصان على توفير الأمن وكل مرافق الخدمة لقاطنيها. وفي الوقت ذاته يحرص المستوطنون على محاولة المسّ بإرادة الصمود والبقاء لدى الفلسطينيين الذين يقطنون بالقرب من المستوطنات؛ وذلك عبر استهداف مصالحهم ومنازلهم وتجريف أراضيهم وتسميم آبارهم؛ والاعتداء الجسدي عليهم؛ ووصل الأمر إلى حد جلب قطعان من الخنازير البرية لتعيث فسادًا وخرابًا في حقولهم. وإلى جانب ذلك، يحرص اللوبي الداعم للمستوطنين في الحكومة والكنيست الإسرائيلي على تنفيذ سياسات تستهدف المسّ بالحياة الطبيعية للفلسطينيين في محيط المستوطنات؛ مثل رفض منح رخص البناء في هذه المناطق؛ وتدمير كل منزل يُبنى من دون ترخيص، والقيام بمصادرة أراضٍ فلسطينية خاصة، بزعم أن الخطوة جاءت لأغراض عسكرية، وبعد ذلك يتم تسريبها للمستوطنين.
من ناحية اخرى، أشارت صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية إلى أن خسـائر إسـرائيل في حـال اشـتداد المـقاطعـة وخـاصـة لنحـو 70 مصنعا في المسـتوطنات وللمزارعين من مسـتوطنات غور الأردن، قد تصـل إلى 20 مليـار دولار بالإضافـة إلـى فصـل 10 آلاف عامـل مـن العمـل في الفتـرة القريبـة المقبلـة.
وكانت صحيفة «هآرتس» قد اشارت إلى أن الخلاف يتسع داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن سبل التصدي لظاهرة مقاطعة إسرائيل في أنحاء العالم، موضحة بأن معسكرًا يقوده وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتس يرى وجوب الخروج لنضال معلن شامل لمواجهة هذه الظاهرة، وبالتالي يطلب شتاينتس لأجل ذلك ميزانية تبلغ مئة مليون شيكل. ويعتقد المعسكر الآخر الذي تقوده وزارة الخارجية أن هذا الاجراء سيكون لمصلحة المنظمات التي تشجع على المقاطعة، فقط. وبالتالي قام شتاينيتس في الأسابيع الاخيرة بصياغة مسودة خطة لمكافحة ظاهرة المقاطعة بأمل التصديق عليها في جلسة الحكومة الخاصة بهذا الشأن، وتشمل الخطة التي تكلف مئة مليون شيكل خطوات وحملات دعائية وحملات قانونية عنيفة على المنظمات التي تشجع على مقاطعة اسرائيل.
وفي ذلك، ذكرت «هآرتس» بأن مصادر سياسية إسرائيلية أكدت بأن «الخلاف لا يقتصر فقط على وزراء الحكومة، بل يمتد ايضًا إلى داخل الوزارات ودوائرها والمؤسسات المعنية مباشرة بالمقاطعة، كما يشمل هذا الخلاف تقدير مدى ومستوى خطر الظاهرة وأضرارها على اسرائيل»، مشيرة إلى أن «كل مسألة المقاطعة وسبل مواجهتها، باتت غير مفهومة ولا يمكن تقديرها جيدًا، وخاصة أن الخلاف لا يقتصر فقط على كيفية المواجهة، بل يوجد ايضًا سوء تنسيق وفوضى ومصالح شخصية بين المؤسسات والشخصيات السياسية في إسرائيل». ونشرت الصحيفة المذكورة، لائحة باسماء المنظمات والمؤسسات الدولية الاقتصادية، التي تقاطع إسرائيل، حيث جاء على رأس اللائحة «صندوق التقاعد الحكومي في النرويج»، الذي قام ببيع أسهمه في شركة «البيت معرخوت» للصناعات الامنية والعسكرية، كما أعلن أنه لن يستثمر بعد الان في الشركتين الاسرائيليتين الرائدتين وهما «افريقا اسرائيل»، و«دانيا سيبوس». وقد ورد في لائحة الشركات المقاطعة لاسرائيل ايضًا شركة القطارات الحكومية الالمانية، التي انسحبت من إقامة شبكة للسكك الحديدية في إسرائيل، على خلفية مرور أحد خطوط الشبكة في الضفة الغربية. وكذلك عددت الصحيفة مؤسسات وشركات اقتصادية وأهلية أعلنت مقاطعة إسرائيل في كل من الولايات المتحدة وأستراليا وهولندا وبريطانيا وإيرلندا، أما وزارة خارجية جنوب أفريقيا، فأعلنت أن كل وزراء الحكومة يقاطعون إسرائيل ويرفضون زيارتها.
على الرغم من كل ذلك فإن الكثير من الأميركيين والأوروبيين لا يستوعبون بعد حقيقة ضخامة مشاريع الاستيطان الإسرائيلي خلال 46 سنة من الاحتلال للضفة الغربية، علمًا بأن هذه المشاريع إنما تهدف إلى ترسيخ السيطرة والهيمنة الإسرائيلية على الأرض والشعب في فلسطين التاريخية.
وفي هذا المجال يدّعي المسؤولون الإسرائيليون دائمًا بأن الدافع لأعمال الاستيطان هذه إنما يكمن في الاحتياجات الأمنية المرتكزة على ذريعة «العداء الفلسطيني للسلام»، وفي إدعاء إسرائيل لملكية الأرض انطلاقًا من مزاعم تاريخية ودينية مرفوضة من القانون الدولي. وكان من الممكن أن يتسع فهم هذه الحقيقة فيما لو قام بعض الغربيين بزيارات للضفة الغربية وشاهدوا الحقائق التي خلقتها إسرائيل على الأرض ومنها حجم الإنفاق الإسرائيلي على 150 مستوطنة محتلة من قبل 550 ألف مستوطن بما فيهم 200 ألف في القدس الشرقية لوحدها، هذا بالاضافة إلى الزيادة المتفا قمة في البنية التحتية العسكرية والمكونة من جدران ونقاط تفتيش لجيش الاحتلال والمخصصة حصريًا لغايات أمنية واستراتيجية إسرائيلية من دون أي اعتبار لحقوق الفلسـطينيين وأملاكهم. وحتى لا يشهد الزوار الأجانب كل هذه المخالفات، لا عجب أن يقوم وزير الدفاع الإسرائيلي بإصدار أوامره بمنع الزوار الأجانب من زيارة الضفة الغربية من دون ترخيص من الوزارة.
بعض المراجع الاسرائيلية حاول شن حرب شعواء ضد الشركات والجهات الدولية التي التزمت المقاطعة متهمًا إياها باتخاذ مواقف لاسامية. لكن المؤرخ الاسرائيلي المعروف زئيف شترينهيل الخبير في شؤون الفاشية في أوروبا قال في مقال له نشرته صحيفة هآرتس إن «معاداة السامية ليست الدافع وراء حملة مقاطعة المستوطنات التي تتسع في أوروبا»، بل «هي أولاً نوع من الانتفاضة على الاستعمار والفصل العنصري السائدين في الاراضي الفلسطينية» وأضاف أن «هذا الرأي يشاطره فيه أفراد من جميع أطياف الساحة السياسية الدولية، بما في ذلك أشخاص يحتقرون معاداة السامية ويدعمون إسرائيل بالكامل».
في الختام وعلى الرغم من أي شيء فإنه يصعب جدًا الركون إلى خيار المؤسسات الدولية وتهديدها بمقاطعة إسرائيل، وعلى أهمية هذا الخيار، فالسؤال الأهم المطروح هو مدى استعداد أميركا للذهاب مع الأوروبيين نحو الضغط الفعلي والمؤثر على إسرائيل. ولا يقل أهمية عن ذلك السؤال أصلًا عن الحدود التي يمكن لأوروبا أن تصل إليها في هذه المقاطعة، وهل حقًا بوسعها أن تصل إلى ما وصلت إليه في مستوى مقاطعتها لنظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا؟