- En
- Fr
- عربي
الموساد الإسرائيلي وتجنيد العملاء والجواسيس
المقدِّمة
إن ظاهرة الجاسوسية قديمةٌ في التاريخ وهي من أعمال الدولة والأجهزة الأمنيَّة التابعة لها، والتي تهدف إلى الحصول على المعلومات التي تحتاجها لتأمين مصالحها، وبناء سياساتها وتقوية نفوذها بين باقي الدول. لا يقتصر عمل الجاسوسية على السياسة والدبلوماسية والمجال العسكري أو الأمني، بل يتعداه ليطاول جميع المجالات ومنها العلوم، الإقتصاد، الصناعة والتكنولوجيا، من هنا نستطيع القول أن الجاسوسية تكتسب الأهميَّة في زمن السلم كما في زمن الحرب مع تبدُّل أولوياتها، كما أن نطاقها يطاول الدول الصديقة أو الحليفة مثلما يطال الدول العدوة.
إذا كانت المعرفة تشكِّل ضرورة للإنسان كي يواكب عصره كعنصرٍ واعٍ ومؤثِّر في دائرة وجوده، فإن معرفة دائرة المخابرات تشَكّل ضرورة قصوى لإنسان العصر، ذلك أن الجاسوسيَّة تبلغ حدًا من الأهميَّة يجعلها تقرِّر مصير الشعوب والدول، عرف الإنسان منذ القِدم أهميَّة أنشطة المخابرات والجاسوسيَّة وخصوصًا جمع المعلومات وتحليلها، والتي بنتيجتها نهضت شعوب وأمم، وتقوَّضت دعائم أخرى إنطلاقًا من مدى إتقانها لفنون الحصول على المعلومات، وحسن استخدامها، وبخاصة تلك التي تحتاجها في استمراريتها وتعزيز وجودها.
يعتبر جهاز الموساد أحد أكثر أجهزة المخابرات السريَّة غموضًا في العالم، وتحوطه السلطات الإسرائيليَّة بكتمانٍ شديدٍ، لدرجة أن إسم رئيس هذا الجهاز لا يُعلن إلا بعد أن يصبح الرئيس السابق للموساد، فهذا الجهاز يشكّل الخط الدفاعي الأول الذي تعوِّل عليه إسرائيل في القيام بعمليات التجسُّس والتصفية الجسديَّة ومكافحة عمليات المقاومة. ينصبُّ الهدف الرئيس للموساد على الدول العربيَّة والمنظمات التابعة لها والمنتشرة في أنحاء العالم، كما يتركَّز نشاط عملائها أيضًا في الدول الغربيَّة والأمم المتحدة.
كان واضحًا أن العدو الإسرائيلي لن يسكت عن هزيمته في حرب تموز/يوليو 2006، وقبلها اندحاره عن الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانيَّة المحتلَّة في أيار/مايو 2000، لذلك جاء تركيزه على تجنيد العملاء ومحاولة اختراق الساحة اللبنانيَّة وزرع الفتنة بين اللبنانيين، بهدف تحويل هزيمته إلى إنتصار. وممَّا لا شك فيه أن المناخ السياسي غير المستقرّ الذي عرفه لبنان في تلك الحقبة، شكّل بيئة مؤاتية أمام العدو للنفاذ إلى الداخل. إلاّ أنّ حال انعدام الاستقرار يصبح عديم الجدوى ما لم يتوافر له بعض ضعاف النفوس الذين يتم تجنيدهم تحت تأثير الإغراءات الماديَّة أو الجنسيَّة، مما يؤدّي إلى إقامة علاقات مشبوهة، يهدِّدهم العدو بعدها بفضح أمرهم في حال عدم تعاونهم.
إن معرفة الأساليب التي تتَّبعها الأجهزة الإستخباراتيَّة الإسرائيليَّة في تجنيدها للعملاء، هي من الأمور المهمَّة التي يجب معرفتها من قبل أفراد القوى الأمنيَّة بهدف توعيتهم حول هذه الأساليب وبالتالي ضمان عدم وقوعهم في براثنه، لأن جريمة التجسُّس هي من أعظم الجرائم التي قد يرتكبها الإنسان بحق أُمَتِهِ ووطنِهِ ودينِهِ. وقد أثبت جهاز المخابرات في الجيش اللبناني خلال السنوات السابقة قدرته على كشف شبكات التجسُّس وتوقيفها، لكن يبقى للمواطن دورٌ مهم في مساعدة الأجهزة الأمنية للقيام بمهماتها في مكافحة الجاسوسية.
هذا وتكتسب الدراسة المتعلِّقة بتجنيد العملاء من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي واستغلالهم والتخلِّي عن بعضهم أهميَّة خاصة في ظلِّ ما كشف النقاب عنه من اكتشاف لشبكات التجسُّس الإسرائيليَّة في لبنان خلال السنوات الأخيرة من خلال رفع مستوى الحسِّ الأمني لدى القوى العسكريَّة والأمنيَّة، وذلك بمعرفة الأساليب التي يتَّبعها جهاز الموساد الإسرائيلي في تجنيد العملاء، بالإضافة إلى إظهار خطورة جريمة التجسُّس على أمن لبنان والقوى العسكريَّة والأمنية، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للجاسوسيَّة وتوضيح عواقبها على الجاسوس نفسه.
تتناول الدراسة موضوع عملاء الموساد الإسرائيلي والتخلِّي المدروس عن بعضهم، علمًا بأن كل ما يقوم به الموساد هو في مجمله أعمال سريَّة، وذلك ينطبق على أيِّ جهاز مخابرات في العالم، أي أن القضيَّة المطروحة غير مرئيَّة وكل ما يمكن التوصُّل إليه يتمّ إما عن طريق المصادر المتوافرة والتي تشكِّل في أغلبها ما يسمح الجهاز بنشره، أو عن طريق كتابات خصوم الموساد، والتي قد يكون بعضها دعائيًا أو على الأقَّل تختلط فيه الحقيقة بالخيال. هذا الواقع لا ينفي أن هناك بعض الحوادث المؤكَّدة والمسلَّم بها، بدليل توقيف عدد كبير من العملاء وإحالتهم القضاء وصدور أحكام بحقِّهم.
أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة
إعتُبر التجسُّس في الماضي عملاً مشينًا، ملاصقًا للخيانة، وكان من خلال النظرة الإجتماعيَّة نشاطًا غامضًا ومنبوذًا، كما كانت الدول تُنكر إستخدامها له وتتَّهم به أعداءها. أمّا في أيامنا هذه، فقد تبدَّلت نظرة الناس تجاه التجسُّس، فالدول لا تُعلن عن عمليات التجسُّس حتى لا يُضر هذا الإعلان بمصالحها، لكنها تمنح جواسيسها أوسمة وتلقبِّهم بالأبطال مثل تكريم إسرائيل لشولا كوهين[1]، أو تسمح لهم بنشر مذكّراتهم، وتفاخر بانتصاراتهم، وتتستَّر على فشلهم، كالسماح للجاسوس فيكتور أوستروفسكي بنشر مذكراته[2].
يُشدِّد العديد من كبار قادة الإستخبارات في إسرائيل على أن المعلومة الإستخباراتيَّة تمثِّل في الحقيقة جزءًا أساسيًا من النظريَّة الأمنيَّة الإسرائيلية. ويقول رئيس شعبة الإستخبارات الإسرائيلي الأسبق شلومو غازيت «أن توافّر المعلومات الإستخباراتيَّة الدقيقة منح الجيش الإسرائيلي القدرة على توجيه ضربات قاسية وخاطفة للجيوش العربيَّة والمقاومة الفلسطينيَّة، وهذا ما أدَّى إلى تقليص فترات الحروب مع الدول العربيَّة، الأمر الذي سمح بعودة الحياة الطبيعيَّة إلى مسارها في إسرائيل بسرعة كبيرة». من ناحيته يقول الخبير الأمني الإسرائيلي أمير أورن أن قدرة إسرائيل على الحصول على إستخبارات ممتازة مكَّنتها من الاحتفاظ بجيش نظامي صغير، بحيث أنه لا يتُم استدعاء قوات الإحتياط إلا في حال شُنَّت حرب هجوميَّة على الدولة.
تنطلق أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة من افتراض وجوب زرع عملاء لها في كل المؤسَّسات في العالم العربي، من أجل الحصول على المعلومات التي يمكن على أساسها إتِّخاذ القرارات السياسيَّة والعسكريَّة المناسبة. وتتَّخذ الإستخبارات الإسرائيليَّة النظريَّة القائلة بأن لدى كل إنسان نقاط ضعف، من هنا أهمية إنطلاق التفتيش عن ضعاف النفوس وتجنيدهم. وتخضع عمليَّة الإيقاع بهؤلاء والسيطرة عليهم لخطوات معقَّدة. من هذا المنطلق، أجاد رجال الموساد إستخدام هذه النظريَّة وأخذوا يجرِّبون كل السُبل لتجنيد عملاء لهم في كل مكان، فمن كان يبحث عن المال وجد ضالته لديهم، ومن كان يسعى وراء نزواته أرسلوا إليه النساء لإغرائه، ومن ضاقت به الحياة في بلده أمَّنوا له عملاً وهميًا يقوده في النهاية إلى مصيدة الجاسوسيَّة، من دون أن يدري.
نشأة أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة ومهماتها
حرِصت الحركة الصهيونيَّة منذ قيامها على تنفيذ العمليات السريَّة لتحقيق أهدافها في احتلال الأراضي الفلسطينيَّة، فكانت البداية عندما أُنشأت منظَّمة سريَّة في العام 1904 أُطلق عليها إسم "بيلو"، وكان هدفها التأثير على السلطات العثمانيَّة للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، لكن السلطان عبد الحميد الثاني وقف موقفًا صلبًا إزاء الهجرة اليهوديَّة ممّا دفع بهذه المنظمة إلى المساهمة بإسقاطه وإيصال زعماء حزب «تركيا الفتاة» إلى الحكم، والذين فتحوا باب هجرة اليهود إلى فلسطين على مصراعيه.
تتميَّز نشأة الإستخبارات الإسرائيليَّة بأنها سبقت نشوء الكيان الإسرائيلي، وهي ترجع إلى انعقاد أول مؤتمر للحركة الصهيونيَّة في بازل في العام 1897 حيث وضع الأُسُس والمخطَّطات والسياسات التي ينبغي عليها اتِّباعها للوصول إلى أهدافها. في العام 1914، تمَّ إنشاء منظمة سريَّة إسمها يلي[3] إتَّخذت منطقة عتليت[4] مقرًا لها، وكانت مهمتها الأساسيَّة مساعدة بريطانيا في الإستيلاء على ممتلكات الدولة العثمانيَّة في أثناء الحرب العالميَّة الأولى، وجمع المعلومات عن القوات التركيَّة والألمانيَّة، وقد نجحت هذه الجماعة في نقل المعلومات التي تمثَّلت في سرقة أسرار غـاز "الخردل" وبعض الأسلحة الألمانيَّة الحديثة ونقلها إلى بريطانيا.
مع إنشاء كيان إسرائيل الجديد الذي أُطلق عليه إسم «جيش الدفاع الإسرائيلي»، تمَّ تأسيس مجموعة الإستخبارات الإسرائيلية أو مؤسَّسة الإستخبارات الإسرائيلية، وقد تألفت من الأجهزة الآتية:
- وكالة شين بيت "Shin Bet".
- الإستخبارات العسكريَّة أمان "Aman".
- إدارة الإستخبارات الخارجيَّة.
- مجمَّع الهجرة.
يعتبر جهـاز الإستخبارات العسكريَّة "أمان"، الجهاز المُسيطر على الأنشطة الإستخباراتية العسكرية الإسرائيلية الداخلية والخارجية، سُمِّي عند تأسيسه "إدارة إستخبارات الجيش"، ثم عُرف لاحقًا بإسم "أمان" أي الأمن، وقد كُلِّف بمهماتٍ عديدةٍ منها جمع المعلومات عن الجيوش العربيَّة، الرقابة على الصحف الإسرائيليَّة، ضمان الأمن داخل الجيش الإسرائيلي ومكافحة الجاسوسيَّة، تزويد وزارة الدفاع المعلومات حول القوات العسكريَّة العربيَّة وقياداتها، والوحدات القتاليَّة ودراسة إمكاناتها وأهدافها.
في العام 1951، عمدت الحكومة الإسرائيليَّة إلى إعادة تنظيم البُنية الأساسيَّة لأجهزة الإستخبارات والأمن الإسرائيليَّة تنظيمًا شاملاً، فتكوَّنت لجنة مديري الأجهزة "أفعادات"، التي عَمِلت على تنظيم الأجهزة وخدماتها وفق المهمات والمسؤوليات من خلال دمج مخابرات البحريَّة، مخابرات الطيران وجهاز الأمن في جهاز الإستخبارات العسكريَّة، أما جهاز الإستخبارات السياسيَّة فقد جُعل مستقلاً عن وزارة الخارجيَّة وأُعيد تنظيمه كجهاز للمخابرات السريَّة والذي عُرف لاحقًا بجهاز الموساد. أمَّا جهاز مكافحة الجاسوسيَّة والأمن الداخلي "الشين بيت" ويعرف أيضًا بإسم "الشاباك"، فهو إختصار للإسم الكامل بالعبريَّة الذي يعني "إدارة الأمن العام"، وكانت مهمته تعقُّب أعداء الدولة العبريَّة داخل إسرائيل، فهذا الجهاز مسؤول عن جمع المعلومات حول أجهزة الإستخبارات الأجنبيَّة الصديقة والمعادية ونشاطهـا.
جهـاز الإستخبارات السريَّة (الموسـاد)
يُطلق إسم "الموساد" على جهاز الإستخبارات الخارجيَّة الإسرائيلي، والإسم الكامل للموساد هو "مؤسسة الإستخبارات والمهمات الخاصة". حرصت الدولة العبريَّة منذ تأسيس هذا الجهاز على إضفاء هالة من الغموض وستار من السريَّة والتكتُّم الشديدين على تنظيمه وأعماله وأنشطته التجسُّسيَّة وعملياته الخاصة. تأسَّس الموساد فى العام 1951 بقرار صدر عن أول رئيس وزراء للدولة العبريَّة دايفيد بن غوريون، ليشكِّل ذراع الإستخبارات الخارجيَّة الرئيسة ضمن أجهزة الإستخبارات السريَّة المتعدِّدة التي عملت في حينها على خدمة الحركة الصهيونيَّة ودولتها، التي لم يكن قد مضى على إعلان قيامها فى الجزء الأكبر من حدود فلسطين التاريخيَّة سوى ثلاث سنوات.
تشكَّل هذا الجهاز على أنقاض الدائرة السياسيَّة التي عملت فى نطاق وزارة الخارجيَّة الإسرائيليَّة، وكانت مهمتها الرئيسة جمع المعلومات خارج إسرائيل، وقد عمل الموساد فى البداية تحت تسميات مختلفة، منها "المركز الرئيسي للتنسيق"، ثم "المؤسَّسة الرئيسة للاستخبارات والأمن" وانتهى أخيرًا بظهوره بإسمه الرسمي الحالي "مؤسسة الإستخبارات والمهمات الخاصة"، وتلخَّصت مهـامه في:
جمع المعلومات من خارج إسرائيل وذلك عبر زرع العملاء والجواسيس في مُختلف دول العالم، وخصوصًا الدول ذات الأهميَّة الإستراتيجيَّة، والدول العربيَّة المؤثّرة على أمنها وقدراتها العسكريَّة.
السعي لتجنيد اليهود الذين يتبوؤن مراكز مهمة في الدول الأجنبيَّة بهدف الحصول على المعلومات، خصوصًا الأسرار التكنولوجيَّة المتطوِّرة من جميع دول العالم ومتابعة حصول الدول العربيَّة والإسلاميَّة عليها.
التنسيق مع أجهزة الإستخبارات في الدول الصديقة في مجال الإهتمامات المشتركة التي تحقِّق مصالح الجانبين وبخاصةٍ المصالح الإسرائيلية.
رصد النشاطات الإقتصاديَّة والتطوُّر التكنولوجي في منطقة الشرق الأوسط لمنع دولها، وخصوصًا الدول العربيَّة من امتلاك أي تكنولوجيا متقدّمة تؤثّر على ميزان القوى مستقبلاً، والعمل على بثِّ التفرقة بين الدول العربيَّة والإسلاميَّة لعدم حشد قواها ضد إسرائيل.
متابعة الأنشطة والعمليات الموجَهة ضد الأهداف الإسرائيليَّة في الخارج ورصدها.
يُعتبر جهاز الموساد من أجهزة الإستخبارات القليلة في العالم التي تعتمد في انتشارها على دعم مجموعات المتطوّعين، حيث يُمثِّل اليهود المنتشرون في أنحاء العالم عنصرًا مهمًا في تنفيذ الخطط والبرامج والإختراق الأمني. يُعرف عن جهاز الموساد إهتمامه بالدعاية الإعلاميَّة لأعماله في محاولة لإبرازه على المستويين الداخلي والخارجي، ولإيهام الإسرائليين بأنهم يملكون جهازًا قويًا من خلال إلقاء الضوء على إنجازاته.
يتميَّز جهازا الموساد والشاباك في المجال البشري، أي تجنيد العملاء وإجراء التحقيقات مع الجواسيس، والعمليات الوقائيَّة والتنفيذيَّة الخاصة بهما، وفي حين أن الموساد يتَّسم بديناميكيَّة خاصة في ما يتعلق بالعمليات السريَّة خارج البلاد، فإن الشاباك يتميَّز بهذه الديناميكيَّة في العمليات داخل الأراضي التي تُسيطر عليها إسرائيل. أمَّا جهاز "أمان" فيُعدّ أكبر جهاز إستخباراتي إسرائيلي من بين جميع الأجهزة الأخرى في ما يتعلَّق بالهيكل التنظيمي والإداري لأجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة، كما أنه الأبرز بين بقيَّة الأجهزة في مجالات التنصُّت، التصوير الجوي، والمهمات الخاصة.
إن الخلفيَّة التاريخيَّة التي توضح الظروف والملابسات والقواعد التي تمَّ من خلالها تأسيس جهاز الموساد تختلف كثيرًا عن أُسُس مقارنته بأجهزة الإستخبارات في الدول الأخرى، بسبب اختلاف طبيعة نشأته وتكوين دولته، ولم ينجح هذا الجهاز في الحدّ من تأثير العوامل النفسيَّة التي تجعل معنويات الإسرائيليين في حال اهتزاز دائم وعدم توازن وقلق أمني وشعور بالتهديد، والتي تفرض ابتعادهم عن مسار الحياة الطبيعيَّة المطمئنة كالشعوب الأخرى المستقرَّة في أوطانها. تحتَلّ أجهزة الإستخبارات والأمن الإسرائيليَّة أهميَّة بالغة في البنية الإسرائيليَّة، وقد أدَّت أدوارًا رئيسة وخطيرة في مجال تعزيز وجود الكيان الإسرائيلي وحمايته وتوسُّعه، لهذا تعتبر هذه الأجهزة من أهمّ أدوات الإستراتيجية الإسرائيلية ونظريتها الأمنيَّة والذراع الطويلة في مواجهة تحديات الأمن القومي الإسرائيلي بمختلف أشكالها. تعتمد القيادة الإسرائيلية على هذه الأجهزة وما تقدِّمه من معلومات وتقديرات إستخباريَّة على الأصعدة الإستراتيجية والعملياتية والتكتية في عمليَّة صنع القرارات وفي توجيه سياساتها الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.
تقوم نظرية الإستخبارات الإسرائيلية على أساس تعدُديَّة الأجهزة الأمنيَّة والإستخباراتيَّة والبحثيَّة بهدف خلق حال من التنافس في ما بينها من أجل خدمة الأمن القومي الإسرائيلي وللتقليل من احتمالات الخطأ والمباغتة العربيَّة، بالإضافة إلى بناء أجهزة متعدِّدة تقوم على أساس التخصُّص في المهمات والعمل حسب الموقع الجغرافي، كما أن الخبرة الإستخباراتيَّة التي يتلقاها المسؤولون الإسرائيليون من الغرب بشكل خاص تنعكس هي الأخرى على وضع نظريَّة الإستخبارات موضع التطبيق في مجالات التنظيم والتخصُّص، ولهذا نجدها في الغالب من حيث المهمات والمسؤوليات والتنظيم تتشابه مع مثيلاتها من الأجهزة الأخرى في الدول الغربيَّة.
تنبع فلسفة الإستخبارات الإسرائيليَّة من طبيعة المجتمع الإسرائيلي حيث أن السمة الغالبة لهذا المجتمع هي التنافر وعدم الانسجام نتيجة لتعدُّد الجنسيات واختلاف البيئات التي قدِم منها اليهود للإستيطان في فلسطين، فقد نقلت جماعات المهاجرين عاداتها وتقاليدها وطرق معيشتها المتباينة إلى إسرائيل، ويتَّضح ذلك التنافر في التفرقة العنصريَّة السائدة داخل الكيان الإسرائيلي بين طوائف الإشكنازيم والسفاراديم واليهود السود (الفلاشا) وغيرهم، وتتأكَّد هذه الخلافات أيضًا داخل المجتمع الإسرائيلي حيث ينقسم إلى جناحين رئيسين، الأول ديني والثاني علماني، الأمر الذي ترك بصمات إجتماعيَّة سلبيَّة على مُجمل الحياة داخل إسرائيل، وفي ضوء هذا الواقع تعمل القيادة الإسرائيليَّة على صهر المجتمع الإسرائيلي في بوتقة واحدة في محاولة منها لخلق مجتمع متجانس له طابعه وسماته المشتركة.
عمليات الإستخبارات الإسرائيليَّة
على الرغم من الحرص الشديد الذي يبديه مسؤولو الموساد حول سريَّة نشاطات الجهاز وعملياته إلا أن التسريبات التي تمَّت بقصد أو من دون قصد، تسمح بإلقاء نظرة على سجلّ "النجاح والفشل" للعمليات التي نفَّذها أو التي نُسب إليه الوقوف وراء تنفيذها، هذا ويرتبط إسم الموساد بسلسلة طويلة من الإخفاقات والعمليات الفاشلة التي هزَّت صورته وألحقت ضررًا بعلاقات إسرائيل على المستوى الدولي.
أبرز العمليات الناجحة لأجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة
إختطاف طائرة "ميغ21" الروسيَّة من قبل الطيار العراقي منير روفا إلى إسرائيل العام 1966 ممَّا ساهم في كشف بعض أسرار القوة الجويَّة في مصر وسوريا والعراق وساعد في تحقيق التفوُّق الجوي الإسرائيلي في حرب العام 1967.
تنفيذ عمليَّة إنقاذ ركاب طائرة فرنسيَّة في مطار «عينتيبي» في أوغندا العام 1976 بعد أن تمَّ اختطافها في رحلة من تل أبيب إلى باريس من قبل أربعة عناصر من الجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين، بهدف الضغط على إسرائيل لإطلاق موقوفين فلسطينيين لديها ولدى بعض الدول الأجنبيَّة، أسفرت العمليَّة عن مقتل الخاطفين وإنقاذ الرهائن بإستثناء أربعة إسرائيليين قتلوا في أثناء العمليَّة.
إغتيال عدد من قادة تنظيم أيلول الاسود الفلسطيني وأعضائه الذين نفَّذوا في العام 1972 عمليَّة ميونيخ فى ألمانيا والتي قتل خلالها 11 رياضيًا إسرائيليًا كانوا يشاركون فى دورة الألعاب الأولمبيَّة التى أُقيمت هناك، وقد نفَّذ فريق إغتيالات تابع للموساد، شُكِّل بقرار من رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير، قرارًا بقتل 12 فلسطينيًا بسبب ضلوعهم في تنفيذ عمليَّة ميونخ.
تفجير المخزن الفرنسي في ميناء (La Seyne Sur Mer) الذي احتوى الرؤوس النوويَّة قبل نقلها إلى العراق في العام 1979، في عمليَّة سمِّيت "أبو الهول"، وتدمير منشآت المفاعل النووي العراقي "أوزيراك" العام 1981.
سرقة تصاميم طائرة الميراج الفرنسيَّة من سويسرا في العام 1968 بواسطة العميل ألفرد فرانكنشت، والتمكُّن من تطوير التصاميم لصنع طائرة "كفير".
خطف القائد الألماني النازي أدولف إيخمان من الأرجنتين ونقله إلى إسرائيل حيث حوكم بتهمة إرتكاب جرائم ضد الاسرائيليين وأُعدم بتاريخ 31 أيار/مايو 1962.
إستدراج مردخاى فعنونو، وهو عالم نووي يهودي، من لندن إلى روما ثم خطفه وإحضاره إلى إسرائيل في العام 1986، حُكم عليه بالسجن بتهمة التجسُّس وإفشاء أسرار حول مفاعلها النووي فى ديمونا الذي عمل فيه مهندسًا.
أبرز العمليات الفاشلة لأجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة
توقيف السلطات المصريَّة شبكة كاملة من الجواسيس العام 1954 في ما عُرف بفضيحة "لافون"، فقد قام 13 مصريًا يهوديًا بوضع متفجّرات في منشآت أميركية وبريطانية في القاهرة والإسكندرية بهدف توتير العلاقات بين مصر والدولتين وإضعاف نظام الحكم الثوروي في مصر، وإظهار افتقاره إلى الإستقرار أمام العالم، وقد أدَّى هذا الفشل إلى استقالة موشيه دوشاريت من رئاسة الوزراء ووزير الدفاع بنحاس لافون ورئيس الإستخبارات بنيامين غبلي.
إكتشاف العميل «إيلي كوهين» الذي يُعدّ أحد أشهر الجواسيس في تاريخ إسرائيل على الإطلاق حيث تمَّ تجنيده من قبل الموساد وزرعه داخل قيادات الحكومة السوريَّة خلال العام 1960 وتمكَّن من تزويد إسرائيل معلومات في غاية الأهميَّة، وذلك قبل القبض عليه وإعدامه علنيًا في دمشق العام 1966.
عدم التمكُّن من كشف النوايا المصريَّة والسوريَّة خلال الإعداد لحرب تشرين في العام 1973.
فضيحة العميل جوناثان بولارد الذي التحق بخدمة الإستخبارات البحريَّة الأميركيَّة في العام 1979، حيث عمل محلّلاً إستخباراتيًا مدنيًا، وتدرَّج في عمله حتى أصبح له حقّ الإطلاع على العديد من المعلومات الحسَّاسة، ثم تمَّ تجنيده لصالح الإستخبارات الإسرائيليَّة، واستطاع تزويدها كمًّا هائلاً من المعلومات الخاصة بإسرائيل والدول العربيَّة ودول أخرى، حُكم عليه في العام 1987 بالسجن المؤبَّد، وفى منتصف التسعينيات منحته الدولة العبريَّة الجنسيَّة الإسرائيلية فى نطاق ضغوطها على السلطات الأميركية لإطلاق سراحه، لكن محاولاتها لم تنجح على الرغم من تعهُّدها أمام الولايات المتحدة ودول أخرى، بألا تستخدم اليهود فيها لمهمات تجسُّس أو لخدمة أي جهاز مخابرات إسرائيلي، لأن مثل هذا الإستخدام سيُلحق الضرر الكبير بالمواطنين اليهود في تلك الدول.
في تموز/يوليو العام 2004، حاول جهاز الموساد الحصول على جوازات نيوزيلانديَّة لاستخدامها في تنفيذ عمليات إغتيال ضدّ عدد من قادة حزب الله والتنظيمات الفلسطينيَّة في مختلف أنحاء العالم، إلا أن المحاولة فشلت وأُلقي القبض على عنصرين من الموساد، حكم عليهما بالسجن لمدة ستّة أشهر، وقد طالبت السلطات الدولة العبريَّة بالإعتذار، إلا أن هذه الأخيرة خشيت من أن الإقدام على خطوة كهذه سيثير القضاء فى نيوزيلاندا، فيعيد محاكمة الجواسيس ويضاعف عقوباتهم، لذلك إختارت الصمت، واتهمت نيوزيلاندا، حكومة إسرائيل بالعودة إلى سياسة إستخدام يهود العالم لخدمة جهاز الموساد.
نجاح أجهزة الإستخبارات اللبنانيَّة في كشف عدد كبير من شبكات التجسُّس التي نفّذت مهمات تخريب من خلال تزويد الموساد المعلومات بالإضافة إلى تنفيذ بعض الإغتيالات لصالحه، مثل شبكة العميل محمود رافع الذي نفّّذ عمليَّة إغتيال الأخوين مجذوب.
إخفاق الموساد في 25 أيلول/سبتمبر 1997 في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الأردنيَّة عمان، عندما حاول عميلان للموساد حقنه بمادة سامَّة، إلا أن العمليَّة فشلت وألقي القبض على العميلين، ولم يوافق العاهل الأردني آنذاك الملك حسين بن طلال على تسليم عميلي الموساد إلا بعد تقديم إعتذار رسمي من إسرائيل عن الحادثة وإحضار الترياق المضاد للسمّ لإنقاذ مشعل، وأدَّت هذه الحادثة إلى إستقالة رئيس جهاز الموساد داني ياتون.
إخفاق المخابرات الإسرائيلية في معرفة مدى قدرة حزب الله على المواجهة والذي كان من الأسباب الرئيسة في إخفاق الجيش الإسرائيلي وخسارته في حرب تموز/يوليو 2006
إرتكبت الإستخبارات الإسرائيليَّة سلسلة من التقديرات الخاطئة، وعلى الرغم من أن الكشف عن هذه الإخفاقات يمسّ صورتها التقليديَّة، يرى قادتها وجوب التقدّم نحو تحسين الأداء، وعدم ارتكاب أخطاء مصيريَّة، على الرغم من أن من يعترف بأخطائه من العاملين في عالم الإستخبارات أِقليَّة، فالحقيقة أن الأجهزة الأمنيَّة الإسرائيلية، قد أصابها الكثير من مظاهر الفساد والترهُّل مع مرور الوقت، وبسبب كونها أجهزة تجسُّسيَّة سريَّة تعمل بعيدًا من الأضواء وخارج أُطُر الرقابة القانونيَّة والقضائية، من هنا الدعوات المتكرّرة، ولاسيَّما بعد كل فضيحة كبرى أو فشل ذريع تتعرَّض له، إلى ضرورة إجراء إصلاحات داخليَّة، وإعادة تنظيم جذريَّة لأقسامها وهياكلها وحتى مهماتها ووظائفها.
الموساد وآليَّة إستدراج العملاء
يؤكّد خبراء الموساد أن ظروفهم تختلف عن باقي الأجهزة الإستخباراتيَّة في العالم، لأن الخطر الذي يتهدَّدهم قائم باستمرار، وأن أي تراخٍ أو ضعفٍ تتعرّض له إسرائيل من شأنه إصدار الحكم بنهايتها، لذا فهم يتستَّرون خلف أعذار واهية في تنفيذ عملياتهم الإجراميَّة حيث يصبح التجنيد في الموساد، من وجهة نظرهم، عمليَّة فنيَّة تحتاج لمهارات عالية وإيمان راسخ بالمسألة الصهيونيَّة لتحقيق أهداف إسرائيل التوسعيَّة في جميع الأقطار العربيَّة.
لا يوجد قيود أو تحديدات لدى الموساد في استخدام وسائل تجنيد العملاء عملاً بمبدأ الغاية تبرِّر الوسيلة، ويمُرّ العميل غالبًا بعدة مراحل تبدأ بدراسة الجدوى من تجنيده لصالح الموساد، وذلك وفق أهميَّة المُرشَح وموقعه ودرجة تأثيره، ثم بمرحلة الترشيح ومن خلالها تتُمّ دراسة المُرشَّح من جميع النواحي النفسيَّة والإجتماعيَّة والسياسيَّة والعلميَّة، وخلال مرحلة إختيار العميل وتجنيده يتَبع عناصر الموساد جميع السُبل لكي يتعاون فيها العميل.
إن كلمة "عميل سري" لا تعني جاسوسًا بالمعنى الشامل، فالعميل السرِّي هو من يعمل لحساب دولة ما بناءً على طلبها، سواء كان موظفًا أو متطوّعًا فإنه في نظرها عميل حتى ولو خان بلده من أجلها، الوحيدون الذين يفرِّقون بين عميل وعميل هم البريطانيون، فتقاليدهم التي تفرِّق دائمًا بين ما هو إنكليزي وغير إنكليزي دفعتهم إلى تسمية العميل الغريب «مخبرًا»، وحده البريطاني بنظرهم يستحق لقب عميل.
يُصبح من الضروري أحيانًا، وفي سبيل إستمراريَّة العمل، البحث عن عملاء جدد لتحسين مستوى العمليات الجارية او للقيام بعمليات جديدة، لذا فإن عمليَّة رصد العملاء تُعتبر نشاطًا دائمًا ومستمرًا لإختيار العملاء الجدد ودراستهم، أما عمليَّة «تطويع العميل» فهي الطريقة التي تتُّم بها رعاية العميل وتشجيعه وتجنيده. ولا يدرك العميل في أغلب الأحيان أنه أصبح عميلاً في بداية تجنيده بل يكتشف ذلك بعد تورُّطه في أعمال التجسُّس، واللافت في الأمر أن بعض الجواسيس الذين سقطوا في قبضة المخابرات العربيَّة كانوا يجهلون أنهم عملاء لإسرائيل وتبيَّن لهم ذلك فقط عندما ووجهوا بالحقائق والأدلَّة التي تدينهم وتؤكِّد تورّطهم بالتجسُّس، ذلك أن صائدي العملاء يستخدمون كل أسلحة التأثير النفسي والمغريات لخداعهم وتشتيت تركيزهم.
تتنوّع أساليب الموساد في تجنيد العملاء وتدريبهم والسيطرة عليهم وتختلف باختلاف الهدف ومجال العمليات، وحسب القسم المسؤول عن العميل في المركز الرئيس، لا توجد قاعدة واضحة محدَّدة تستلزم الحصول على موافقة المركز الرئيس قبل تجنيد عملاء، فالإسرائيليون مستعدّون لاستغلال أي نوع من الدوافع لكسب عملاء جدد كما أنهم يستغلُون إلى حدٍ بعيدٍ نقاط الضعف التي يتصف بها أولئك العملاء. يركِّز الموساد على تجنيد الأشخاص ذوي الأهميَّة في دولهم كالذين يعملون في حقل القوات المسلحة والأجهزة الأمنيَّة، وقد تمكّن جهاز الموساد من تسجيل الكثير من النجاحات في تجنيد العديد من ضِعاف النفوس بطرقٍ كثيرةٍ وحسب دوافع هؤلاء الأشخاص، مُستغلِّين نقاط الضعف لديهم إضافةً إلى تقديم الإغراءات المختلفة لهم. لقد نجحت أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة في تجنيد الطيار العراقي الذي هرب بطائرته نوع «ميغ» إلى إسرائيل في الستينيات، وكذلك نجحت في تجنيد أحد العلماء العراقيين المدعو «حليم» أحد خبراء الصناعة النوويَّة حيث حصل الإسرائيليون على الكثير من المعلومات منه حول المفاعل النووي العراقي وعن العالم المصري يحيى المشد، الذي كان مشرفًا على البرنامج النووي العراقي وقد اغتاله الموساد في فرنسا في العام 1980 بسبب عدم تعاونه معهم.
الظروف المساعدة لتجنيد العملاء
يقول يعكوف بيري، الرئيس الأسبق للشاباك في كتابه "الآتي لقتلك"، أن عمليَّة تجنيد العملاء تعتمد بشكل أساس على القدرات الإبداعيَّة التي يتمتَّع بها القيِّمون على هذه المهمة، وقدرتهم على تطوير أدائهم بما يتناسب مع حجم المسؤوليَّة الملقاة على عاتقهم، ويصف العمليَّة بأنها «حرب عقول» مفتوحة. لكن من خلال بيري، الذي يُعتبر من أهمِّ ضباط الموساد الذين نجحوا في تجنيد عملاء عرب، فإن عمليَّة تجنيد العملاء، تقوم على الظروف الآتية[5]:
المنتصر يخترق المهزوم
عند نشوب صراع بين كيانين، وفي حال حقَّق أحد طرفي النزاع إنتصارًا على الطرف الآخر، فإن مواطني الطرف المهزوم، يُبدون إستعدادًا للتعاون مع الطرف المنتصر، وإذا أسفر النزاع عن نجاح طرف في إحتلال أرض الطرف الآخر، فإن ذلك يهيّء "الظروف المثاليَّة" لتجنيد العملاء لصالح المحتلّ، هذا ما مكَّن إسرائيل من تجنيد عملاء لها َإبان احتلالها لجنوب لبنان.
ضعف الشعور بالإنتماء الوطني
يربط "شفطاي شفيت"، رئيس جهاز الموساد السابق، بين إستعداد قطاعات في العالم العربي للتعاون مع إسرائيل وبين وجود الأنظمة الشموليَّة القمعيَّة في العالم العربي، ويضيف في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي في العام 2004 أن حكم الأنظمة الشموليَّة في العالم العربي هو عامل مهم في تقليص الشعور بالإنتماء الوطني بسبب سياسة القمع التي تنتهجها، الأمر الذي يجعل بعض مواطني الدول العربيَّة مستعدّين للتعاون مع إسرائيل إحتجاجًا على حكوماتهم وأنظمتهم.
ضعف أو قوة العامل الديني
إن العامل الديني لدى العرب والفلسطينيين يمثِّل درعًا واقيًا يقلِّص استعدادهم للتعامل مع الإستخبارات الإسرائيليَّة. وهذا العامل يعود في الأساس إلى المعتقد الديني والموقف من الصهيونية وقضيَّة القدس التي تختصر جوهر الصراع بين العرب وإسرائيل.
الحاجات الماديَّة والإقتصاديَّة والعاطفيَّة
تشكِّل الحاجات الماديَّة والإقتصاديَّة والعاطفيَّة نقاط ضعف تستطيع الأجهزة الاستخباراتيَّة إستغلالها لتجنيد العملاء.
لقد قامت القوى العظمى، على مرّ التاريخ، بتوظيف الأقليات الدينيَّة والإثنيَّة في خدمتها، والإسرائيليين لم يشكِّلوا إستثناءً للقاعدة. فقد أدَّى انتشار الجماعات اليهوديَّة في أرجاء العالم إلى قيام شبكة إتصالات إسرائيلية، لا تقوم بتسهيل عمليَّة تبادل البضائع والأموال فحسب، وإنما تقوم أيضًا بنقل المعلومات، وتستخدم إسرائيل كل الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافها، ما يُعرِّض في كثير من الأحيان اليهود المنتشرين في العالم للأخطار بسبب إستغلال الموساد للإمتيازات والحقوق التي يتمتَّعون بها في دول الإنتشار، ومنها سرقة جوازات سفر عائدة إليهم أو تزويرها، مما أدَّى في كثيرٍ من الأحيان إلى نجاح مهماته من الناحية التكتيَّة، إلا أنها شكَّلت فشلاً إستراتيجيًا إنعكس سلبًا على إسرائيل وعلى يهود الشتات.
إضطلعت أجهزة الإستخبارات بدورٍ أساسيٍ في رسم إستراتيجيات إسرائيل وأساليب تطبيقها، وممَّا لا شكَّ فيه أن تلك الأجهزة كانت تعتمد بشكل أساسي على العنصر البشري بصرف النظر عن التقدّم التكنولوجي ومدى إستفادة أجهزة الإستخبارات من هذا التقدُمّ. وقد شكَّل الانسان العربي هدفًا أساسيًا ودائمًا لصيَّادي الجواسيس من ضباط الموساد وإن اختلف اهتمامهم بتجنيده باختلاف مكانته الإجتماعيَّة، فأفلت الكثير من الوقوع في شرك الجاسوسيَّة، إلا أن القليل أسقط نفسه ضحيَّة المال والجنس والمخدرات.
إشكاليَّة مكافحة الجاسوسيَّة في ظل التطوّر التكنولوجي وتقنيَّة تبادل المعلومات ونقلها
أكَّد تقريرٌ تحت عنوان "العدو الخفي"[6] أن الثورة المعلوماتيَّة التي جعلت من عالمنا الواسع قرية صغيرة رافقتها ثورات أخرى جعلتها محكومة من قبل قوة لامركزيَّة، وأضاف التقرير أن شبكة الإنترنت شكَّلت بعد انتشارها واحدة من أهمّ أذرع تلك القوة التي بدأت بتغيير العالم بعد أن خلقت متنفسًا للشباب للتعبير من خلاله عن معاناته مشاكل العصر والتغييب والخضوع والتهميش، والتمدُّد أفقيًا وبصورة مذهلة في نشر تلك الأفكار والتفاعل معها.
ولعل أخطر جوانب التجسُّس، هو إنتفاء فكرة وجود التجسُّس الواقعي في أذهان الناس، لكن الحقيقة هي أن أي جاسوس قادر اليوم على مشاهدة ما يجري داخل جدران بيتك والإستماع إلى ما يقال داخل مكتبك، وتسجيل الإتفاقات السرَّية أو اللقاءات العاطفيَّة أينما وحيثما تمَّت، فكل واحدٌ منَا معرّضٌ لعين رقيبٍ أو خائنٍ، أو معرَّض ربما لخطر الموت، ذلك أن كلاً منا يُثير إهتمام الجاسوس ويشكّل هدفًا محتملاً له. ولهذا تستخدم الإستخبارات الإسرائيليَّة وسائل تكنولوجيَّة متطوِّرة للتنصُّت والمراقبة والحصول على المعلومات، ويعود التفوُّق الإسرائيلي في هذا المجال إلى إستقطاب الكفاءات العلميَّة لليهود المنتشرين في العالم.
منذ أن دخلت التكنولوجيا حياتنا ساد الإعتقاد بأنها بداية عصر سريَّة المعلومات، لكن وبعد سنوات قليلة جاءت أنظمة التجسُّس المتطوِّرة لتبدِّد تطَّلعات صانعي التكنولوجيا الهادفة لمزيد من الخصوصيَّة والسريَّة في عصر المعلومات والإنترنت، وأصبحت تفاصيل حياتنا وأسرارنا مباحة أمام من يمتلك هذه التقنيات، فتحوَّل الإنترنت والفضاء الافتراضي إلى ساحة حرب معلوماتيَّة هدفها المزيد من الهيمنة والسيطرة لتحقيق مصالح الدول.
وقد وصلت تكنولوجيا التجسُّس في العالم إلى مرحلة مرعبة مع التقدّم التكنولوجي الهائل الذي تشهده البشريَّة، وأصبح بمقدور الأجهزة الإستخباراتيَّة أن تصوِّر أي شخص أو تتنصَّت عليه أو تتعقَّبه على أقل تقدير بواسطة عدد من الأجهزة الإلكترونيَّة التي يقتنيها، ولا يقتصر الأمر على التنصّت على المكالمات بل إنه يتعدى ذلك بكثير، إذ يمكن تحويل جهاز الهاتف الخلوي إلى أداة للتجسُّس بتشغيل المايكروفون الداخلي أو الكاميرا بحيث يتسنَّى تسجيل كل تحرّكات الشخص المستهدف من دون علمه أو حتى من دون استعمال الهاتف.
لا يقتصر الأمر على أجهزة الهواتف الخلويَّة، فكل جهاز رقمي حديث تقريبًا يمكن تجهيزه ليستخدم في أعمال التجسُّس، بدءًا من أجهزة الكمبيوتر وليس انتهاءً بشاشات البلازما والـ(LCD) ومشغِّلات الموسيقى الرقميَّة (MP3) والأجهزة الرقميَّة الموجودة في السيارات، وقد سوَّقت شركات عالميَّة شاشات (LCD) وبلازما تحتوي على كاميرات مراقبة خفيَّة بهدف مراقبة الأطفال أو المنزل في غياب الأهل، لكن طرح هذه التكنولوجيا تجاريًا يرجِّح إمكان إستخدامها من قبل أجهزة الإستخبارات ذلك أن معظم التقنيات التي تسوَّق تجاريًا تكون قد استخدمت لأغراض عسكريَّة أو أمنيَّة كما هو الحال بالنسبة لنظام التخابر الخلوي ونظام تحديد الموقع (GPS).
على الرغم من الدور الكبير الذي تضطلع به التكنولوجيا في أعمال التجسُّس، إلا أن العنصر البشري يبقى المصدر الأهم في الحصول على المعلومات، ويتَّفق قادة الأجهزة الإستخباراتيَّة الإسرائيليَّة على أفضليَّة المعلومات التي يمكن الحصول عليها حول العالم العربي من مصادر بشريَّة، أي عن طريق تجنيد عملاء في الدول العربيَّة. وفي هذا المجال، يؤكّد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر، الذي شغل في الماضي منصب رئيس جهاز الشاباك، أن المعلومات التي يتُمّ الحصول عليها من المصادر البشريَّة موثوقة أكثر من المعلومات التي يمكن الحصول عليها بالوسائل الإلكترونيَّة، مثل التنصُّت والأقمار الإصطناعيَّة، التي غالبًا ما يصعُب ترجمتها أو تفسيرها[7].
يجزُم ديختر أن بعض المعلومات الحيويَّة لا يمكن الحصول عليها إلا عبر المصادر البشريَّة، من هنا يرى قادة الأجهزة الإستخباراتيَّة الإسرائيليَّة، أن إسرائيل مطالبة بمضاعفة الإستثمار في مجال تجنيد المزيد من المصادر البشريَّة داخل الأراضي الفلسطينيَّة وفي الدول العربيَّة للحصول على المعلومات الحيويَّة، وينتقد آليَّة عمل وكالة الإستخبارات الأميركيَّة التي تعتمد بشكل أكبر على الوسائل الإلكترونيَّة في الحصول على المعلومات، ويعتبر أن هذا هو أحد الأسباب الذي جعل مهمة الولايات المتحدة الأميركية بالغة الصعوبة في كل من العراق وأفغانستان.
التفوُّق التقني لدى إسرائيل
تستخدم الإستخبارات الإسرائيليَّة وسائل تكنولوجيَّة متطوِّرة للتنصُّت والمراقبة والحصول على المعلومات، وتؤكِّد الإحصائيات أن إسرائيل تأتي في الدرجة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية على قائمة الدول المنتجة للتقنيات المعلوماتيَّة وبخاصة الأمنيَّة منها، ويعود التفوُّق الإسرائيلي في هذا المجال إلى استقطاب الكفاءات العلميَّة لليهود المنتشرين في العالم.
ساهم نزوح عدد كبير من اليهود إلى إسرائيل في ارتفاع نسبة العلماء والمهندسين فيها، كما أن إسرائيل عمدت إلى استقدام عدد كبير من العلماء من حول العالم وخصوصًا من الإتحاد السوفياتي السابق، وكان لهم دور بارز في تطوير الصناعة الإسرائيليَّة في جميع المجالات وبخاصة في التكنولوجيا والمعلوماتيَّة، وتخصِّص الحكومة الإسرائيليَّة حوالى ثلاثة مليارات دولار من موازنتها السنويَّة للإنفاق على البحث العلمي.
إن الدعم الذي تحظى به إسرائيل من بعض الدول العظمى كالولايات المتحدة الأميركية بالإضافة إلى التعاون بين أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية وأجهزة إستخبارات هذه الدول، مكَّنها من الحصول على تقنيات تكنولوجيَّة متطوِّرة في المجال العسكري والأمني، كما تعمل على تطوير الأنظمة والتقنيات التي تحصل عليها، هذا وتسعى إسرائيل بشكل مستمر للحصول علـى المعلومـات التكنولوجيَّة السريَّة بواسطة العمليات السريَّة المشروعة وغير المشروعة.
هذا وتستخدم إسرائيل التكنولوجيا في مجالات عدَّة في عمليات التجسُّس، فمن التجسُّس الالكتروني الذي تستخدم فيه الأقمار الإصطناعيَّة وطائرات التجسُّس في اعتراض الإتصالات اللاسلكيَّة والإتصالات الخليويَّة والتشويش عليها، إلى الأجهزة الإلكترونيَّة صغيرة الحجم التي يستخدمها العملاء والجواسيس في المراقبة والتصوير وإرسال المعلومات وتلقيها والتي تصنع خصيصًا لهذا الغرض، وأصبحت إسرائيل توظِّف التقنيات المتاحة للإستعمال العام لصالحها مثل إستخدام شبكة الإنترنت كوسيلة للإتصال الآمن بعملائها وفي الوقت ذاته تستخدمها في تجنيد العملاء.
تمتلك إسرائيل منظومة من أقمار التجسُّس الإصطناعيَّة، تشتمل الآن على خمسة أقمار تجسُّس تختلف أعمارها في الفضاء وهي:"EROS-A1"و"EROS-B" وقد أُطلقا في الفضاء في كانون الأول/ديسمبر من العام 2000 وفي نيسان/أبريل من العام 2006 على التوالي، و"أفق 5" و"أفق 7" اللذان أُطلقا في أيار/مايو من العام 2002 وحزيران/يونيو من العام 2007 على التوالي، وآخرها"TecSAR" الذي أطلق في العام 2008 من الهند، وقد بُنيت هذه الأقمار كلها بواسطة شركة الصناعات الجويَّة والفضائيَّة الإسرائيليَّة [8]. كما تعتمد إسرائيل في عمليات التجسُّس النظام الرقمي "ايشلون"(Echellon) هو إسم يطلق على نظام آلي عالمي لاعتراض أي إتصالات والتقاطها، مثل مكالمات الهاتف، الفاكس، رسائل البريد الإلكتروني، وأي إتصالات مبنيَّة على الإنترنت، وإشارات الأقمار الإصطناعيَّة بشكل روتيني يومي لأغراض عسكريَّة ومدنيَّة، بالإضافة إلى إستخدام الطائرات من دون طيار بالتعاون بين «وحدة 8200» وسلاح الجو الإسرائيلي، كما تستخدم هذه الطائرات في تنفيذ عمليات الإغتيال كونها مزوَّدة صواريخ خاصَّة تقوم بإطلاقها على الأشخاص بهدف قتلهم. وبهذا تصبح "وحدة 8200" إضافة إلى أنها ذراع إستخباراتي إلكتروني، وحدة تنفِّذ عمليات ومهمات ميدانيَّة.
يستخدم جهاز الموساد وسائل تكنولوجيَّة متطوَّرة للتنصُّت والمراقبة والحصول على المعلومات، إضافة إلى إستخدام أساليب التجسُّس من زرع أجهزة تنصُّت وكاميرات تصوير وأجهزة إلكترونيَّة دقيقة وحسَّاسة غير مرئيَّة وبأنواع مختلفة يصعب إكتشافها، ذلك أن التطوُّر التكنولوجي بلغ مراحل متطوِّرة من التحديث وقدرة التمويه والإخفاء لنقل المعلومات. وقد تطورَّت الأجهزة والتقنيات التي يستعملها الجواسيس في تنفيذ مهماتهم، وعلى الرغم من أن الكثير من هذه التقنيات أصبحت بمتناول الأشخاص العاديين مثل الكاميرات أو آلات التسجيل الدقيقة، ولم يعد إستعمالها حكرًا على الجواسيس، تبقى الميزة الأهمّ للأجهزة المعتمدة من قبل الموساد هي إختلاف حجمها الذي ساهم إلى حدٍّ كبير في تسهيل تمويهها ونقلها وإخفائها، كما ساعدت سعتها الكبيرة على إمكان تخزين كمٍّ كبيرٍ من المعلومات، والأهم من ذلك، إمكان تشفيرها بحيث لا يعود بالإمكان الإطلاع على مضمونها أو طريقة عملها إلا لمن يمتلك تقنيات متطوِّرة تخوِّله القيام بذلك.
وتبيَّن من التحقيقات التي أجرتها مديريَّة المخابرات في الجيش اللبناني، أن شبكات العملاء التي تمَّ اكتشافها، قد خضع أفرادها لدورات تدريبيَّة داخل إسرائيل وخارجها، وقد كُلفت من قبل الجهاز المذكور تنفيذ عمليات مختلفة، وزوِّدت لهذه الغاية أجهزة إتصال ومراقبة سريَّة ومتطوِّرة، كما زوِّدت خرائط دقيقة لأماكن عديدة في لبنان، ومستندات مزوَّرة وحقائب تحتوي مخابئ سريَّة، وشبكات مرمَّزة. كما ضبط بحوزة العملاء تقنيات إستقبال وإرسال متطوّرة جدًا ومموّهة، منها كاميرات تصوير خاصة، تُزرع في عدد من الأدوات للتمويه، وأجهزة كومبيوتر مع ذاكرة متنقلة ذات سعة كبيرة (FLASH-MEMORY) مزوَّدة نظام تشفير خاص بحيث لا يمكن فتحها أو قراءة ما في داخلها إلا بعد فك رموز التشفير، وتقنيات جديدة للإرسال والإستقبال المباشر، مثل أجهزة راديو صغيرة تحتوي على جهاز إرسال خاص مزوَّد ببطاقة هاتفيَّة مما يحوِّلها إلى جهاز يلتقط بث جهاز آخر بواسطة الأقمار الصناعيَّة[9]. بعد تسلسل الكشف عن شبكات الموساد في لبنان يحاول جهاز الموساد تغيير تقنياته وأساليبه لمواءمتها مع تقدُّم أجهزة مكافحة التجسُّس اللبنانيَّة، وذلك للتأقلم مع واقع التقدّم التقني والمعلوماتي لدى الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة، فيبادر مع سقوط كل عميل إلى تغيير أساليب عمله في تجنيد عملائه وفي تحريكهم، وإلى تمويه الأجهزة التي يزوِّدهم إياها، بحيث يضع في تصرّفهم أدوات إلكترونيَّة معقَّدة ومتطوِّرة.
مكافحة التجسُس
تُعد عمليَّة مكافحة التجسُّس من العمليات الصعبة التي تسعى الأجهزة الأمنيَّة في الدول إلى تخصيص قدرات مهمة في سبيل مكافحتها، وعلى الرغم من الدور الذي تضطلع به التكنولوجيا المتطوِّرة في كشف الجواسيس والعملاء، كما حصل في اكتشاف تورُّط جهاز الموساد في قتل محمود المبحوح في دبي، إلا أن معظم الجواسيس الذين يتمُّ كشفهم يكون عن طريق المصادفة كما حصل مع اكتشاف الجواسيس إيلي كوهين في سوريا وشولا كوهين في لبنان، ذلك أن معظم الجواسيس يتمتعون بغطاء إجتماعي أو سياسي أو دبلوماسي، أو يكونون من الأشخاص الذين لا يثيرون الشكوك، فحتى لو كانت القدرات التقنيَّة على قدر كبير من التطوُّر، يبقى العنصر البشري هو الأساس في مكافحة الجاسوسيَّة.
تعتبر عمليات التجسُّس، من أهم الوسائل التي يستخدمها العدو الإسرائيلي ضد لبنان للحصول على معلومات، يستفيد منها في أثناء أعماله العسكريَّة، أو لتنفيذ إغتيالات وتفجيرات إرهابيَّة، وقد تمكَّن الجيش في الأعوام المنصرمة من تفكيك العديد من الشبكات العميلة، إثر تمكّن مديريَّة المخابرات بالتعاون مع الأجهزة الأمنيَّة، من كشف عشرات الشبكات المتعاملة مع الموساد وتوقيف معظم أفرادها، وقد ضبط بحوزة هؤلاء، أجهزة إتصال وكاميرات تصوير متطوِّرة للغاية، في ما اعترفوا بإقدامهم على جمع معلومات عن مراكز عسكريَّة وحزبيَّة، ورصد تحرّكات مسؤولين سياسيين وعسكريين، والتحضير للقيام بأعمال تخريبيَّة لصالح العدو[10].
كان لافتًا حجم شبكات التجسُّس الإسرائيليَّة المنتشرة في لبنان وكان لافتًا أكثر القدرات التي أثبتتها المؤسّسات الأمنيَّة اللبنانيَّة في كشف هذه الشبكات. ويبدو أن قرار السلطات اللبنانيَّة في نشر المعلومات التي تتعلَّق بعملها وإنجازاتها عبر وسائل الإعلام، أظهر أن المعركة بينها وبين أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة قد باتت معركة علنيَّة، وتصرُّف الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة لناحية السماح بنشر تفاصيل عمليات توقيف الشبكات وأسماء العملاء، ما هو إلا لإظهار قدرة هذه الأجهزة على كشف العملاء على الرغم من محدوديَّة الوسائل التقنيَّة التي تمتلكها.
كما كان واضحًا إنزعاج جهاز الموساد من انكشاف شبكاته في لبنان، ومن الدور الذي قد تكون أدّته في كشفها معدات متطَّورة تمَّ تسليمها إلى الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة، علمًا أن الجهات الأوروبيَّة المانحة لا يتعدّى دورها حدود التدريب وتقديم المشورة، كما أن البرامج المعلوماتيَّة المستخدمة فيها هي من أصل أميركي. ويعتبر الإسرائيليون أن بعض المساعدات الأمنيَّة الأوروبيَّة للبنان يُعدّ خرقًا لميثاق غير مكتوب بين الأجهزة الأمنيَّة الإسرائيليَّة والأوروبيَّة؛ وبين أجهزة تعمل من أجل هدف واحد هو "مكافحة الإرهاب"، خصوصًا بعد سقوط ما يزيد عن 70 جاسوسًا في قبضة الأمن اللبناني.
يأتي الحديث عن كشف المزيد من العملاء في لبنان، في ظلِّ إجماع إسرائيلي على ضرورة تكثيف العمل الإستخباراتي في العالم العربي. فحتى قبل أن تصدر لجنة فينوغراد[11]، التي أمرت الحكومة الإسرائيليَّة بتشكيلها للتحقيق في أسباب فشل إسرائيل في حرب لبنان الثانية، تقريرها الأولي، شدَّد عدد من كبار المسؤولين في الجيش وأجهزة الإستخبارات على أن الإستنتاج الرئيسي الذي تمَّ التوصّل إليه هو ضرورة مضاعفة الدولة الجهود والإمكانات في مجال جمع المعلومات عن العالم العربي، وتحديدًا المعلومات المرتكزة على مصادر بشريَّة، أي عن طريق تجنيد عملاء[12].
إكتسب محقّقو مديريَّة الإستخبارات في الجيش طوال السنوات الماضية خبرة واسعة في أساليب عمل الإستخبارات الإسرائيليَّة ، فعلى الرغم من التقنيات المتواضعة المتوافرة لديها، تمكنَّت المديريَّة من كشف شبكات التجسّس الإسرائيليَّة، وهي تركِّز على وجوب الإستمرار في العمل بعيدًا من الضجيج ومن السعي إلى مكاسب سياسيَّة، وذلك لأن طبيعة المهمة تتطلّب درجة عالية جدًا من السريَّة، وتأخذ بعين الإعتبار كيفيَّة تعامل إسرائيل مع هذا الأمر، وسط إهتمام وترقُّب لردة فعل العدو ونوعيَّة تعليقاته على ما يجري حول حرب سوف يخسر فيها الكثير، وسوف تكون أولى نتائج كشف الشبكات تدمير معنويات شبكات العملاء المنتشرة في أكثر من مكان، حيث أن هناك قوائم بعشرات المشتبه فيهم أو الذين هم تحت المراقبة.
بدأت إسرائيل، تتلمَّس المعاني العمليَّة لسقوط فرضيَّة سيادة إستخباراتها على الساحة اللبنانيَّة، وأدركت أنها ليست اللاعب الوحيد والمهيمن فيها إستخباراتيًا. وإحدى أهم التداعيات السلبيَّة لتساقط شبكات العملاء في لبنان، الإنكفاء الإسرائيلي القسري عن هذه الساحة، والإنتقال من موقع المبادر إلى موقع المدافع عن النفس من دون تبنِّيها هؤلاء العملاء، وتأمل إسرائيل عدم إستمرار الأجهزة المعنيَّة بمكافحة التجسُّس في لبنان في عمليات التوقيف، فهذه الإستمراريَّة توحي بأن ثمة «بنك أهداف» لدى هذه الأجهزة، يسمح لها باختيار التوقيت المناسب أمنيًا، للكشف عن شبكات عملاء وتوقيفهم، مع إدراكها أن لبنان لم يعد ساحة سهلة لتغلغل إستخباراتها فيه.
إن الفشل الإسرائيلي الفاضح هو خير دليل على أن أسطورة الموساد بدأت تتكسّر على الرغم من المحاولات الحثيثة التي تُبذل من قبل قيادات الأجهزة الإسرائيليَّة في التخفيف من أهميَّة هذا الحدث خصوصًا بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به في لبنان، فعلى الرغم من التفوُّق التكنولوجي الكبير في مقابل القدرات التقنيَّة المتواضعة، إستطاعت الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة تحقيق إنتصار كبير على جهاز الموساد مما يثبت أن عمليَّة مكافحة التجسُس لا تحتاج إلى أسلحة ومعدات متطوّرة، بقدر ما تحتاج إلى ذكاء وعلم وتنبّه ووعي وطني وإلى الثقة بالنفس وبالقدرات الفكريَّة للأجهزة الأمنية اللبنانيَّة.
التخلي عن العملاء، هل هي سياسة الموساد الإسرائيلي؟
غالبًا ما تهتم أجهزة الإستخبارات بعناصرها الذين تنتهي مدة عملهم للحفاظ على سريَّة العمليات التي قاموا بتنفيذها، وكذلك لاحتمال الإستفادة منهم في مهمات جديدة، أو للإستفادة من خبراتهم السابقة ومن الوسائل التي أتيحت لهم خلال فترة عملهم، إلا أن التصرُّف حيال العملاء لا يخضع لمعايير محدَّدة، فطريقة التعاطي مع عميل تمَّ الإستغناء عن خدماته لسببٍ من الأسباب تختلف حكمًا عن طريقة التعاطي مع عميل قرَّر التوقّف عن تزويدهم بالمعلومات.
يتمتَّع الجاسوس بمعارف ومهارات يكتسبها من خلال التدريبات التي يخضع لها، أهمَّها كيفيَّة الحفاظ على أسرار عمله خلال فترة خدمته فضلاً عن كونه يخضع للحماية من قبل الجهاز المسؤول عنه، فالجاسوس يشكِّل خزَّان معلومات ذات أهميَّة وهدف تسعى خلفه أجهزة الإستخبارات حتى لو تَّم الإيقاع به بعد فترة طويلة من عمله. إن وقوع الجاسوس في يد العدو يمثِّل كارثة للجهاز المسؤول عنه، لأن هذا الكشف قد يؤثّر على العلاقات بين الدول أكانت هذه الدول عدوّة أم صديقة، كما حصل مع جوناثان بولارد الذي التحق بخدمة الإستخبارات البحريَّة الأميركيَّة العام 1979، وعمل محللاً إستخباراتيًا مدنيًا، وتبيَّن في العام 1985 أنه يتجسَّس لصالح إسرائيل، وقد استطاع أن يزوّد مشغّليه بكَمٍّ كبيرٍ من المعلومات قبل أن يتم توقيفه والحكم عليه بالسجن المؤبّد في العام 1987، وقد انعكست هذه الحادثة سلبًا على العلاقة بين البلدين.
يُعتبر وقوع الجاسوس من ضمن المخاطر المتوَّقعة والمحسوبة في مجال عمل أجهزة الإستخبارات، ويمكن القول أن وقوع الجاسوس هو أمرٍ واردٍ في أي وقت مهما كانت خبرته ومكانته في مجال التجسُّس، لذلك يتُمّ تدريبه على التفلُّت من المُلاحقة وعلى مقاومة أساليب التحقيق للتخفيف من المخاطر التي قد تترتَّب من جراء فضحه المعلومات، بالإضافة إلى ذلك ولمزيد من الحيطة فإنه لا يعرف أي شيء يختصّ بجهاز الإستخبارات الذي يعمل لحسابه لناحية أسلوب عمل الجهاز في التجنيد وكيفيَّة متابعة عملائه، لذا فإن معرفته بالعاملين معه ضمن الجهاز تقتصر على المُشغِّل المُشرف عليه والذي يشِّكل صِلة الوصل بينه وبين الجهاز.
إذا كان وقوع العميل أمرًا متوقَّعًا فإنه ليس سهلاً وعاديًا على الجهاز الذي جنَّده وعلى الدولة التي يتبع لها هذا الجهاز، فسقوط العميل يعني فشل مهمة الجهاز وفضح نواياه، كما قد يؤدّي إلى سقوط على مستوى الجهاز وحتى على مستوى الحكومات. لقد أدَّت فضيحة لافون التي تمحورت حول شبكة جواسيس يهود في مصر العام 1954 إلى استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه دوشاريت ووزير الدفاع بنحاس لافون ورئيس الإستخبارات بنيامين غبلي. هذا بالإضافة إلى أن وقوع العميل يُلزم القيِّمين على الجهاز بتغيير سياسات وطرق عمله وأحيانًا تنظيمه.
غالبًا ما يؤدّي وقوع عميل إلى كشف شبكة عملاء بكاملها وبخاصة الشبكات التنفيذيَّة التي تكون مكلّفة تنفيذ عمليات التخريب أو الإغتيالات، ذلك أن توزيع المهمات من مراقبة وملاحقة وتنفيذ تفرض معرفة كل عميل بهويَّة ومهمة عميل أو أكثر ضمن الشبكة ذاتها، فقد نقلت صحيفة «الأهرام المصريَّة» عن قائد شرطة دبي أن عدد المتَّهمين في اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح بلغ ثمانية وعشرين متهمًا، وأنّ «ارتفاع عدد المتهمين يعود إلى محاولة الموساد إستخدام فرق عديدة للمراقبة، وتغيير أفرادها، حتى لا يكشف أمر المتهمين»، لافتًا إلى أنّ «العمليَّة الأخيرة أظهرت أن الموساد، كأي جهاز آخر، يضُم الأذكياء وأيضا الحمقى».
اللافت في المشهد اللبناني خلال السنوات الأخيرة، تساقُط شبكات الموساد الواحدة تلو الأخرى على نحو غير مسبوق منذ تاريخ بدء نشاطه في لبنان، ذلك الجهاز الذي يحيط به الغموض وتتَّسم عملياته بسريَّة كبيرة وتقنيات حديثة يصعُب إكتشافها، ولقد أعطيت تفسيرات عديدة لهذا الإكتشاف المتتابع للشبكات، دفعت البعض إلى الحديث عن أن هناك قرارًا إسرائيليًا بحرق بعض الشبكات، بينما رأى البعض الآخر أن خبرة أجهزة الإستخبارات اللبنانيَّة وتطوُّر أساليب التحقيق بإلإضافة إلى التجهيزات التقنيَّة، أدَّت إلى توقيف عدد كبير من الشبكات.
إن التفسيرات المتداولة لا تقدّم جوابًا موضوعيًا إزاء هذا الكَمّ من الشبكات المكتشفة، حيث لا يُعقل أن تضحّي إسرائيل بهذا العدد الكبير من عملائها، التي جهدت لسنوات طويلة في العمل على تنظيمهم، وإعدادهم، وتدريبهم، وتجهيزهم التقنيات المتطوِّرة ليقوموا بالدور المنوط بهم في مراقبة ورصد حركة السياسيين والأجهزة العسكريَّة وقيادات المقاومة وكوادرها وأنشطتهم، والقيام بالعديد من العمليات الأمنيَّة الحسَّاسة، بعد أن تمَّ اكتشاف بعضها في السنوات الماضيَّة التي شهد خلالها لبنان مسلسل الاغتيالات والتفجيرات المتنقلة بهدف تعميق الانقسام الداخلي، وإثارة الفتن المذهبيَّة.
لم تأتِ إنجازات لبنان في مجال مكافحة عملاء الموساد بشكل عادي إذ جهدت الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة في سبيل كشف هذه الشبكات، وتعقُّبها، لذا خاضت حربًا سريَّة مع الجانب الإسرائيلي طيلة السنوات الماضيَّة، من متابعة ورصد ومراقبة وحرب إستخبارات صامتة، نتج عن هذه الحرب كشف عدَّة شبكات، وكان لهذه الأجهزة إنجازات كبيرة في فترة التسعينيات، إلا أنها لم تصل بعد إلى المرحلة التي تمكِّنها من إنهاء دور هذه الشبكات في الداخل اللبناني، مع أنها في الفترة الأخيرة إستطاعت إلقاء القبض على العشرات منها.
لعلَّ ما تَّم كشفه عن أفراد الشبكات، وما تَمّ بثه من إعترافات يوحي أن هذه الشبكات تعمل بشكل يجعلها بعيدة كل البعد من الشبهات، فهي تعمل في أوساط معروفة بانتمائها القومي والعروبي، والتزامها الديني، والإجتماعي، ومعظم أفرادها من الشخصيات البارزة المعروفة في أوساطها والمحترمة في مجتمعاتها، حيث تحظى باحترام القوى السياسيَّة والحزبيَّة والرسميَّة وحتى المقاومة، وهذا ما جعلها فوق الشبهات، كما جعلها بمنأى عن الشكّ، فضلاً عن أن كل ذلك وفَّر لها إمكان الحركة اللّينة، وتأمين المعلومات المطلوبة ورصدها بكل بساطة، من دون إثارة الإنتباه.
يعتبر إكتشاف الشبكات التخريبيَّة إنجازًا أمنيًا يسجّل في خانة الجيش ومديريَّة المخابرات فيه، نظرًا إلى خطورة هذه الشبكات وحجم الإستهدافات التي قامت بها على الأراضي اللبنانيَّة، كما يدلّ مستوى تجهيزها ومخطّطاتها على سعي العدو الإسرائيلي الدائم والمستمر لاستهداف الساحة اللبنانيَّة، من خلال عمليات الإغتيال والتفجير وزرع الفتن وتخريب الإستقرار الداخلي، وهو ما فتئ يمارسه منذ احتلاله للأراضي اللبنانيَّة، واستمّر به بعد تحريرها في العام 2000.
الموقف الإسرائيلي من سقوط العملاء
طالبت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بتأليف لجنة تحقيق لمعرفة أسباب الإخفاق الذي تعرضَّت له الأجهزة الإستخباراتيَّة الإسرائيليَّة جراء السقوط المتسلسل لشبكاتها في لبنان، في ما حاولت صحيفة «هآرتس» الوقوف عند الأسباب المحتملة لهذا السقوط. وذكرت «يديعوت» أن هناك حال من السخط تنتاب أوساطًا مختلفة في إسرائيل، بسبب الإنتكاسة التي أصابت أجهزتها الإستخباراتيَّة في لبنان، مشيرةً إلى عدد من «الأسئلة المحيّرة» التي تطرحها تلك الأوساط حيال تهاوي شبكات التجسُّس التي تستغلُّها هذه الأجهزة. وأوردت الصحيفة الأسئلة كما يأتي:
ماذا حدث لمبدأ السريَّة التامة؟ وكيف يحدث أن يسقط أحد العملاء وبعده العشرات من أعضاء الشبكة؟ وكيف يعقل أن يعرف العملاء بعضهم بعضًا؟ وهل تربطهم علاقة أخرى؟
لماذا استخدم العملاء جهاز إتصال يبث على الموجات، مع أنه في الوقت الحالي بالإمكان إرسال أي شيء عن طريق البريد الإلكتروني وبصورة مشفّرة، فلماذا استخدم العملاء طرق الإتصال القديمة؟
تساءل المحلِّل السياسي الإسرائيلي «العاموس هرئيل» عن معنى الصمت الإسرائيلي حول شبكات التجسُّس التي يتمّ القبض عليها تباعًا في لبنان، وطرح عددًا من التساؤلات حول حجم الأضرار الحقيقيَّة، وحول ما إذا كانت الحكومة الإسرائيليَّة تحقِّق بما يحصل بشكل معمَّق، وأن مشاهدة الشبكات التلفزيونيَّة العربيَّة، التي توثِّق بالتفصيل الكشف عن شبكات التجسُّس الإسرائيليَّة في لبنان ليست متعة محبَّبة في هذه الأيام.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد طالبت بوجوب تحديد المسؤوليَّة في الأسباب التي أدَّت إلى الكشف عن هذه الخلايا التي تُعدّ مهمة لإسرائيل، والتي استغرق بناؤها سنوات، لماذا لم تقم الجهات المختصّة بإجراءات لإنقاذ باقي أعضاء الخليَّة؟ إذ كان من الواجب أن توقف جميع أنشطة الخلايا الأخرى بعد اكتشاف الخليَّة الأولى في العام 2005، وهل يُعقل أن تعطى الأوامر لبعض العملاء بإتلاف الأجهزة الموجودة لديهم بدلاً من إنقاذهم عن طريق تهريبهم إلى إسرائيل؟ وطالبت المسؤولين بالإجابة عن هذه التساؤلات.
رأى محرّر صحيفة «هآرتس» المتخصّص في شؤون التجسُّس والإستخبارات، يوسي ميلمان، الذي يُعَدّ مقرّبًا من رئيس الموساد الإسرائيلي مائير داغان، أن إكتشاف الشبكات التجسُّسيَّة في لبنان "لا يبشّر إسرائيل بالخير". وأضاف ميلمان"أن شيئًا غريبًا يحدث في لبنان، فخلال نصف عام تقريبًا، كشفت أجهزة الأمن اللبنانيَّة ثلاث شبكات تجسُّس عملت لمصلحة إسرائيل، بحسب تقارير أجنبيَّة، في ما الموساد كعادته، لم يعلِّق على هذه الأنباء، ولا يجدر بأحد أن يتوقّع صدور تعليق منه إذ إنه سيترك المتورّطين لحالهم، وعلى الإسرائيليين أن يكتفوا بالتقارير الصادرة عن وسائل الإعلام اللبنانيَّة والعربيَّة، التي تستقي معلوماتها من السلطات اللبنانيَّة".
ضمن إطلالات نادرة لخبراء ومعلقِّين إسرائيليين، والإمتناع عن التعليق على أخبار شبكات التجسُّس المتساقطة تباعًا في لبنان، وصف الخبير الإسرائيلي في الشؤون الإستخباراتيَّة والإستراتيجيَّة، رونين برغمان، موجة إعتقالات شبكات التجسُّس الإسرائيليَّة في لبنان، بأنها «ضربة موجعة» بالنسبة إلى أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة، ومن التفاصيل التي نُشرت، يظهر أن شبكات بأكملها قد سقطت، وذلك يعكس النقاش الدائر منذ سنوات طويلة في بعض أجهزة الإستخبارات في العالم. فبعض الآراء الإستخباراتيَّة ترى وجوب تجنيد عميل واحد من دون ربطه بغيره من العملاء فإذا ألقي القبض عليه، لا يمكنه أن يعترف إلا بمعلومات تتعلّق به فقط. يعتبر برغمان أن "الرؤية الإستخباراتيَّة تقِرّ بوجود قدرة محدودة على العمل لناحية تجنيد عملاء وعملاء ثانويين آخرين بهدف توسيع النشاط وتكوين شبكة من العملاء"، مشدّدًا على أن الخطر في لبنان "هو أن يؤدّي إلقاء القبض على عميل واحد إلى الإيقاع بالشبكة كلها"، وأعرب عن خشيته على مصير العملاء، ذلك أن هناك شبكات كهذه، وإذا كانت مفتعلة من إسرائيل، فإنها حرب سريَّة، وينتج عنها ضحايا، يمكن أن تدفع حياتها ثمنًا، لأن عددًا من العملاء الذين أُلقي القبض عليهم سابقًا قتلوا، ولهذه الحرب ثمنها. وخلُص إلى أن "كل عميل يجري إكتشافه وإعتقاله، يعمل إلى جانبه وبطريقة مستترة وناجحة عشرات من العملاء الآخرين، وفي نهاية الأمر فإن كشف شبكة تجسُّس أو إعتقال عميل، هو جزء من اللعبة، ومع كل الأسى الكامن في القضيَّة، فإن هذا هو واقع الحياة لنشاط كهذا يحيا في عالم الظل".
وقد ذكرت صحيفة «هآرتس» أن ضبط شبكات التجسُّس يعكس الاحتكاكات بين أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة التي تنشط في لبنان، وهي الموساد، وشعبة الإستخبارات العسكريَّة أمان والشاباك. وكتب محلِّل الشؤون الإستخباراتيَّة والإستراتيجيَّة في "هآرتس" يوسي ميلمان، أن «محاولات إبرام معاهدة لتوزيع العمل بين أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة لم تنجح دائمًا في حلّ الإحتكاكات بينها». ونقل ميلمان عن محلّلين في إسرائيل تقديرهم أن أحد الأسباب التي أدَّت إلى القبض على أعضاء شبكات التجسُّس الإسرائيليَّة في لبنان، هو الخلل في مبدأ "الفصل الهيكلي" لبُنى الشبكات، أي في علاقة الشبكات بعضها ببعض.
الإستغناء عن خدمات العميل
تستخدم تسمية عميل في العادة للدلالة على الأشخاص الذين يعملون في أسفل الهرم الإستخباراتي وهم عادة من الأجانب ويُعتبرون أدوات لتنفيذ عمليات جهاز الإستخبارات في الخارج، ولا يُستخدم مصطلح عميل لوصف المحترف في جهاز الإستخبارات، لذلك فإن السيطرة على العميل تُعتبر ذات أهميَّة قصوى لأنها تعني تقيُّد العميل بتعليمات جهاز الإستخبارات الذي قام بتجنيده ويعمل لحسابه.
تُستخدم الوسائل الماليَّة بلباقة كعنصر دائم للسيطرة على العميل وبخاصة بالنسبة للمستغلين من العملاء في الحرب النفسيَّة والعمليات شبه العسكريَّة حيث لابد من توافر عنصري السيطرة والمودَّة الشخصيَّة، وعندما تنتفي الحاجة للعميل أو لا يعود مرغوبًا فيه تتُمّ عملية إنهاء التعامل معه واستبعاده على الرغم من حساسيَّة الموضوع وقطع العلاقة سواءً كان بشكل ودِّي أو عدائي. تكون إجراءات إنهاء علاقة العمل مع العميل عادة عبارة عن عمليَّة تفاوض لتسوية المسائل الماليَّة وتخلّيه عن المطالبة بأي شيء بعد ذلك ويبدو ظاهريًا أن التسوية الماليَّة تتوقّف على الخدمات السابقة التي أدَّاها العميل، إلا أنها في الحقيقة تكون على أساس تفادي الضرر الذي يمكن أن يسبّبه العميل إذا لم يكن إنهاء العمل معه بناءً على طلبه، وهنا تظهر أهميَّة السيطرة على العملاء ومناورات الحديث عن الوفاء والإخلاص ووحدة الهدف.
يرى باحثون أن هناك إرتباطًا عاطفيًا بين جهاز الإستخبارات وعملائه، فإهتمام ضابط الإستخبارات بالعملاء الذين يعملون معه وبأُسرِهِم في أثناء غيابه ومواصلة الإنفاق عليهم يعكُس حال من الإرتياح النفسي لدى العميل خصوصًا وأنه يعمل في مجال لا مساومة فيه نظرًا لاحتمال مواجهته الموت أو السجن مدى الحياة في حال انكشاف أمره، وهو يحتاج لضمانة قويَّة تساعد أسرته على مواجهة الأعباء، فالعميل معرَّض وبشكل دائم لإنهاء عمله مثلما هو معرَّض لانكشاف أمره وإعدامه أو سجنه أو موته في ظروف غامضة نتيجة صراع الإستخبارات أو فقدانه قدرته على توفير المعلومات لسببٍ أو لآخر. في جميع الحالات، يسعى الجهاز الذي طوَّع العميل إلى بناء علاقة دائمة معه لتجنُّب تحوُّله إلى عميل مزدوج، وبخاصةٍ إذا كان يحتفظ بأسرارٍ مفيدةٍ ومهمةٍ. لذلك يتُم إسكاته بالتهديد عند الضرورة، أما إذا كان العميل على درجة كبيرة من الأهميَّة فتتم مساعدته لبدء حياة جديدة في بلد آخر.
أهميَّة العميل لجهاز الموساد
يُشكّل العملاء بالنسبة لأجهزة الإستخبارات التي تسعى إلى تجنيدهم أهميَّة بالغة، فتجنيد العميل هو إنجاز بحد ذاته لما يتطلَّبه من جهد ومثابرة، يبدأ بإختيار الشخص ولا ينتهي بتجنيده، فبعد مرحلة التجنيد يتطلّّب العميل متابعة وتدريب وملاحقة بالإضافة إلى التأكد المستمرّ من صحة المعلومات وصدقيَّتها والتي يقدّمها للجهاز، من دون أن ننسى هاجس تحوُّله إلى عميل مزدوج.
إن أهميَّة الشخص المستهدف للتجنيد تزيد من الجهد الذي يتطلّبه النجاح في الوصول إليه، وهذا قد يتطَّلب سنوات من الملاحقة والمراقبة لكشف نقاط الضعف التي يمكن من خلالها إخضاعه أو إغراؤه للعمل، فتجنيد موظَف أو مسؤول في مؤسسة حكوميَّة يخضع لإعتبارات كثيرة أهمَّها أن عدم النجاح في تجنيده يؤدّي إلى فضح الجهاز من قبل دولة الشخص المستهدف، الأمر الذي قد يترتَّب عنه إشكالات على صعيد الدول.
من هنا نجد أن خيار التخَّلي عن العميل هو خيار مُستبعد إلا في بعض الحالات التي يصبح فيها عبئًا على الجهاز، أو أصبح يُشكِّل خطرًا على عناصر الشبكة التي يعمل معها، من هنا قد يتَّخذ التخلّي عن العميل أشكالاً عدَّة قد تصل إلى حدِّ قتله أو التسبُّب بقتله وذلك وفق خطورة المعلومات ودقتها والتي قد يكشفها، وبالتالي تعريض الجهاز للخطر، أمَّا عند الشك في أن يكون العميل مزدوجًا فيتُمّ تكليفه بمهمة جلب معلومات مؤكدة ليتُمّ تحديد مدى صدقيته. وهناك بعض الحالات التي قد يعمد فيها جهاز الإستخبارات إلى قتل العميل أو التسبّب بقتله:
العملاء الذين نفذوا عمليات على قدر كبير من الأهميَّة، مثل عمليات الإغتيال، كون كشفهم يؤدّي إلى إدلائهم بمعلومات خطيرة.
مسؤولو شبكات العملاء ويخشى أن يؤدّي كشفهم إلى فضح الشبكة بأكملها.
في حال تبيَّن أنه عميل مزدوج.
أمَّا في الحالات التي لا يعود فيها العميل ذات منفعة للجهاز أو أن وجوده يشكّل عبئًا مثل عدم قدرته على الحصول على المعلومات، ولا يشَكّل أي خطر فيتُّم تركه بعد التوصّل إلى تسوية معه.
إن صفة السريَّة تنطبق على جميع أجهزة الإستخبارات في العالم، وتحيط الدول أجهزتها بطابع من الغموض والكتمان، إن لناحية تنظيمها وطريقة عملها أو لناحية العمليات والمهمات التي تنفّذها، حيث تبقى هذه المعلومات طيَّ الكتمان إلا إذا اكتشفت بسبب فشل ما أو بسبب خرقٍ في مكان آخر، ويعتبر جهاز الموساد من أكثر أجهزة الإستخبارات في العالم غموضًا، من هنا فإن أكثر المعلومات التي تنشر حول هذا الجهاز مصدرها الجواسيس الذين تمَّ فضح أمرهم.
يترافق مع كل فشل يُمنى به جهاز الموساد خلال عملياته، حملة إعلاميَّة واسعة تقودها أجهزة الإعلام الإسرائيليَّة واللوبي اليهودي المنتشر في العالم للتخفيف من أهميَّة هذا الفشل ولكسب تأييد الرأي العام العالمي والدولي ولتأكيد حقها في القيام بأي عمل من شأنه أن يؤمّن لها حماية كيانها، ويساعدها في ذلك تصوير نفسها بموقع المعتدى عليه في الوقت الذي تقوم بتنفيذ الإغتيالات في أرجاء العالم.
بالإضافة إلى الفشل، يتهدَّد الموساد خطر آخر يتمثَّل في خرقه من قبل أجهزة الإستخبارات العدوَّة أو في فقدان السيطرة على أحد العاملين في الجهاز كما حصل مع الجاسوس فيكتور أوستروفسكي الذي نشر مذكراته بعد استقالته من جهاز الموساد في العام 1990 في كتاب "BY WAY OF DECEPTION" وتضمَّن الكتاب معلومات حول كيفيَّة تطوّعه في الموساد وتدريبه وعن بعض العمليات التي نّفذها.
يشكِّل العملاء والجواسيس الخطر الأهمّ ذلك أن الجهاز يستطيع أن يخفِّف من إمكان حصول الخرق وأن يتعامل مع مضاعفات الفشل في العمليات، لكن ماذا عن العملاء؟ تتأتى أهميَّة هذا الخطر على الموساد من اكتشاف شبكاته مما يؤدّي إلى التسبُّب بخسائر ليس أقلَّها كسر الهالة التي تحيط بالموساد، من هنا يحيط الموساد عملاءه بالإهتمام والحماية اللازمين، وقد عرف تاريخ الموساد أحداثًا كثيرة أثبتت هذا الحرص، يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر:
السعي لإطلاق سراح الجاسوسة اليهوديَّة الأصل شولا كوهين التي تمَّ توقيفها من قبل المكتب الثاني في الجيش اللبناني في العام 1962، بعد صدور حكم الإعدام بحقِّها وتخفيفه إلى عقوبة السجن عشرين عامًا. بعد صدور الحكم عليها، إتَّصلت الحكومة الإسرائيليَّة بلجنة مراقبة الهدنة التي تعمل على الحدود بين البلدين، وطلبت تدخّلها لدى الحكومة اللبنانيَّة للبحث في إطلاق سراحها مقابل الإفراج عن عدد من العسكريين أوقفوا عند الحدود، وبقيت في السجن حتى العام 1967 حيث أُطلق سراحها في عمليَّة تبادل أسرى بعد حرب الأيام الستَّة.
قصة الجاسوس الإسرائيلي في سوريا إيلي كوهين، الذي أوقفته الإستخبارات السوريَّة بتهمة التجسُّس في العام 1964 وقد حاولت إسرائيل جاهدة من خلال وساطة بريطانيا والولايات المتحدة الأميركيَّة، للتدخّل لدى سوريا وإقناعها بعدم إعدامه فلم تفلحا بذلك، وأُعدم في دمشق في العام 1964.
على أثر إخفاق الموساد في العام 1997 في إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الأردنيَّة عمان، وبعد أن أُلقي القبض على العميلين، قدّمت إسرائيل إعتذارًا رسميًا عن الحادثة للأردن وزوَّدته بالترياق المضاد للسمّ لإنقاذ مشعل للتمكّن من إطلاق سراح العميلين.
الجاسوس جوناثان بولارد وهو أميركي من أصل يهودي، عمل محللاً إستخباراتيًا مدنيًا لصالح الإستخبارات البحريَّة الأميركيَّة، واستطاع تزويد إسرائيل كمًا هائلاً من المعلومات الخاصة بإسرائيل والدول العربيَّة ودول أخرى، وقد تمَّ القبض عليه في العام 1997 وحكم عليه بالسجن عشرين عامًا، وقد فشلت مساعي إسرائيل الدبلوماسيَّة في إطلاق سراحه فعمدت إلى منحه الجنسيَّة الإسرائيليَّة للتمكّن من المطالبة بالإفراج عنه بالطرق القانونيَّة.
من هنا نرى الأهميَّة التي يحظى بها عملاء الموساد، وقد تكون السياسة التي يتَّبعها في حماية عملائه من أسباب نجاحه لناحية الثقة التي يعطيها للعملاء، فهو لا يتخلَّى عنهم حتى لو اضطُّر إلى دفع أثمان باهظة، ذلك أن المال والعقيدة لا يشكّلان ضمانة كبيرة للعميل الذي يخاطر بحياته ومستقبله ومكانته الإجتماعيَّة، وحتى بوظيفته في سبيل خدمة الجهاز، فمهما كانت درجة الإقتناع بالعقيدة الصهيونية ومهما كان حجم المبالغ المعطاة له فهي لا تعادل المخاطر التي يتعرَّض لها.
الواضح من خلال الأمثلة التي تمَّ التطرُّق إليها أن الموساد ومن خلفه الحكومة الإسرائيليَّة، قد عملوا على إنقاذ عملائهم الذين تمّ القبض عليهم من حبل المشنقة، لكن ماذا عن تصريحات المحللين السياسيين في الصحف الإسرائيليَّة؟ بعضهم يُلقي اللَّوم على أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة وفي مقدَّمها جهاز الموساد لعدم تدارك الأمور والعمل على تهريب العملاء الذين قبض عليهم في لبنان، بينما يعتبر البعض الآخر منهم أن وقوع هؤلاء العملاء في أيدي أجهزة الإستخبارات اللبنانيَّة هو من ضمن المخاطر المتوقّعة والخسائر المحسوبة.
قد يكون التضارب في الآراء حول توقيف هذا العدد من الشبكات التابعة للموساد في لبنان متعمدًا، ذلك أن تسارع هذا الحدث وضخامته يضعان هذه الأجهزة أمام خيارين، أولهما هو إظهار امتعاضها من التوقيفات وبالتالي الإعتراف بفشلها، وبذلك تضع نفسها في موقع ضعيف تجاه المنظمات الدوليَّة ومجلس الأمن بسبب الخرق الفاضح لسيادة لبنان، أما ثاني الخيارات فهو التخفيف من أهميَّة هذا الموضوع بتجاهله واعتباره من ضمن الخسائر المحسوبة، وهذا أيضًا ينعكس سلبًا عليها، إذ بذلك تكون قد ساهمت في كشف عملائها ولم تؤمّن لهم الحماية المطلوبة، وبالتالي ستواجه في المستقبل صعوبات كثيرة في تجنيد عملاء آخرين، ناهيك عن تعريض شبكاتها المتبقّية في لبنان للشعور بأنهم متروكون، وبذلك سيسعون لحماية أنفسهم من خلال الإستسلام للأجهزة اللبنانيَّة.
تخلُّص الموساد من عملائه
يعمد جهاز الموساد في أحيان كثيرة إلى التخَّلص من أحد عملائه ولأسباب متعدّدة منها إكتشاف أن العميل هو في الواقع عميل مزدوج، إخفاء أي خيوط تربط الجهاز بجريمة قتل، إغتيال أو عمليَّة تفجير وبخاصةٍ إذا كانت مهمة العميل تقتصر على تنفيذ هذا العمل بالذات، في الحالة الأولى يهدف قتل العميل المزدوج إلى إرباك الجهاز الذي جنَّده وفي الوقت عينه جعل العملاء يخافون العمل مع الأجهزة المعادية للموساد حتى لو كان في بلادهم، أما الحالة الثانية فهي تهدف إلى طمس جميع الحقائق والإثباتات حول هذه الجرائم والتي قد تشير إلى ضلوع جهاز الموساد في تنفيذها.
أما في أساليب قتل العميل فمن البدهي أن يتُمّ التخَلّص منه بطريقة لا تثير الريبة، لذلك تستعمل عناصر الموساد أساليب مختلفة عن تلك المعتمدة في تنفيذ الإغتيالات، فقد يتمّ التخلّص منه بدهسه في أثناء سيره على الطريق أو بحادث سير، كلّها أساليب لا تلفت النظر إلى أن هناك شيئًا غير إعتيادي، وهي النتيجة التي يسعى إليها الموساد.
في العام 1980 وبعد إقدام عناصر الموساد على إغتيال العالم النووي المصري يحي المشد في فرنسا بسبب عدم تعاونه معهم، قُتلت فتاة تدعى كلود ماغال وهي غانية كانت على علاقة به وكانت مهمتها مراقبته، وكانت برفقة المشدّ في غرفته قبل مقتله، وقد تمَّت تصفيتها بدهسها في أثناء مرورها على الطريق وذلك قبيل توجهها إلى مركز الشرطة الفرنسيَّة لإعطاء معلومات تملكها عن ظروف إغتياله، وتبيَّن في ما بعد أنها كانت تزوِّد الموساد بالمعلومات من دون أن تعرف هويَّة مستخدميها.
نفذَّت مديريَّة الإستخبارات في الجيش اللبناني في العام 1994عمليَّة القبض على العميل أحمد الحلاق الذي كان متواريًا في الحزام الأمني في الجنوب، وشارك رمزي نهرا في عمليَّة إعتقاله وتسليمه إلى مديريَّة الإستخبارات. أوقف نهرا بعدها من قبل أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة بسبب تورُّطه في هذه العمليَّة وهو المعروف بعلاقته الجيدة مع هذه الأجهزة، وتمّ توقيفه في إسرائيل وأُفرج عنه في العام 1998 خلال عمليَّة تبادل الأسرى، وفي العام 2002 تَّم تفجير سيارته بواسطة عبوّتين ناسفتين زرعتا إلى جانب الطريق مما أدَّى إلى مقتله، وصدر في العام 2009 قرار إتِّهامي بحقّ أربعة موقوفين بجرم التعامل مع الإستخبارات الإسرائيليَّة وتزويدها بمعلومات عن الشهيد رمزي نهرا قبل إغتياله وبتفجيرعبوة ناسفة في بلدة إبل السقي الجنوبيَّة أدَّت إلى مقتله[13].
مصير العملاء بين السقوط والإستغناء
لم تحقِّق إسرائيل إنتصاراتها على الدول العربيَّة من خلال جيشها أو أسلحتها فقط ولكنها تغلّبت عليهم من خلال المعرفة وتوافر المعلومات والإهتمام بكيفيَّة الحصول على المعلومات الإستخباراتيَّة بوصفها سلاحًا مهماً في هذا العصر فالإستخبارات توفِّر رؤية واضحة الأهداف والمعالم لشكل الصراع وأبعاده وأولوياته ولا يتحقّق ذلك إلا من خلال جهاز إستخبارات قويّ تتوافر له جميع وسائل التكنولوجيا والأموال والأفراد من ذوي الكفاءات والمؤهلات اللازمة.
كل ما يقوم به الموساد من أعمال أو ما يتعلّق به من أخبار هي في مجملها أعمال سريَّة، وكل ما يمكن التوصّل إليه إما عن طريق المصادر المتوافرة والتي في أغلبها مما يسمح به الموساد أو من قبل كتابات خصوم الموساد والتي قد يكون بعضها دعائيًا أو على الأقل تختلط فيه الحقيقة بالخيال، إلا أن هذا لا ينفي أن هناك بعض الحوادث المؤكّدة التي تظهر كيفيَّة تعامل الموساد مع عملائه وجواسيسه.
إن تجنيد العميل هو عمليَّة معقّدة وتتطلّب مجهودًا وإمكانات كبيرة، بالإضافة إلى تزويده التقنيَّات الحديثة للتمكن من تنفيذ المطلوب منه، من هنا نجد أن التخلّي عن العميل يخضع لإعتبارات كثيرة لا يمكن تحديدها أو معرفتها نظرًا إلى ضآلة المعلومات المتوافرة عن هذا الجهاز، ولا يمكن أن نستند في تحديد سياسة الموساد في التعاطي مع عملائه إلا إلى بعض العمليات التي تم كشف النقاب عن تفاصيلها، والتي ربما قد تكون معلومات مضلِّلة، فهذا الجهاز الذي احتَّل موقعه بين أهم أجهزة مخابرات العالم قد يكون من الصعب جدًا تحديد سياسته.
إن التساؤلات التي تثيرها قضيَّة توقيف شبكات التجسُّس في لبنان، من حيث ردود الفعل الإسرائيليَّة وحال الذهول التي تعبّرعنها التحليلات السياسيَّة في صحفها حول الأسباب التي أدَّت إلى هذا السقوط المتتالي، يدفعنا إلى التأكيد أن هذا الإنجاز تحقَّق بفضل جهود الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة وفي مقدّمِها مديريَّة المخابرات في الجيش اللبناني، التي استطاعت وبالإمكانات المحدودة التي تمتلكها أن توقع بالشبكات العميلة على الرغم من تزوّد هذه الأخيرة أجهزة عالية التقنيَّة.
باتت الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة تمتلك قدرات وخبرات وتقنيات تكنولوجيَّة تخوِّلها مواجهة التكنولوجيا الإسرائيليَّة المتفوِّقة، وهو أمر لابد من أخذه في الإعتبار، ذلك أن الحرب الإستخباراتيَّة لم تعد مجرّد مسألة تجنيد عملاء بل هناك محاولة إسرائيليَّة لتجاوز الإستعلام البشري نحو حيازة تقنيات تخوّلها كشف لبنان بكل مكنوناته، وبكل تأكيد فإن تكنولوجيا الإتصال والمراقبة المتاحة للإستخدام حاليًا تخطاها الزمن في مقابل تلك المتوافرة لدى أجهزة الإستخبارات ووكالات التجسُّس العالميَّة المتطوِّرة، إذ إن هذه التكنولوجيا لا يكشف عنها إلا بعد أن تصبح عادمة الجدوى بالنسبة للأجهزة التي تمتلكها، وبالتالي فإن التقنيات المتطوِّرة للتجسُّس ستظَلّ حكرًا على الدول المتقدّمة تقنيًا.
هل هناك علاقة بين الضغوط الإسرائيليَّة الهادفة إلى إقناع بعض الدول بإجراء مراجعة للتعاون الأمني مع لبنان، وبين ما يسعى إليه لبنان، على أكثر من صعيد إقليمي ودولي، للحصول على مساعدات عسكريَّة لجيشه وباقي أجهزته الأمنيَّة؟ يأتي طرح السؤال في ضوء حملة إسرائيليَّة منظّمة تتعمّد تسمية جهات أمنيَّة خارجيَّة، وتحديدًا أوروبيَّة أو أميركيَّة، بأنها قدّمت مساعدات للأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة وساهمت في عمليَّة كشف الشبكات الإسرائيليَّة التي جرت في لبنان في العام 2009 وأسـفرت عن إلقاء القبض على نحو 25 شبكة، فكّّك معظمها الجيـش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وقد عزا مصدر أوروبي الطلب الإسرائيلي إلى غضب الموساد من انكشاف شبكاته في لبنان ومن الدور الذي قد تكون إضطلعت به في كشفها معدّات متطوِّرة، تمَّ تزويد لبنان إليها.
تتعدَّد طرق الجواسيس وأساليب تجنيدهم وعملهم بتعدّد الظروف والأشخاص لكن الهدف يبقى واحدًا وهو شراء النفوس والمعلومات بالمال. إن العمل التجسُّسي يستمرّ باستمرار حاجة الجهة المستخدمة إلى خدمات الجاسوس ممَّا يعرّضه إلى خطر التخلِّي عنه وفضح أمره لغايات تدركها تلك الجهات وحدها، بينما يشكّل الوقت العامل الأساس في تحديد طريقة ومهلتة إنهاء خدمة الجاسوس ومواجهة مصيره بين الإغتيال والسجن أو الإعدام.
إذا كان البعض قد ذهب إلى حد القول إنه تمّ تفكيك معظم الشبكات الإسرائيليَّة في لبنان، فإن الواقعيَّة تقتضي القول إنه تمّ توجيه ضربة أمنيَّة وإستخباراتيَّة فعليَّة للإسرائيليين، لكن الإسرائيلي لا يتوقّف عن التجنيد وهناك شبكات مازالت تعمل ليلاً ونهارًا، وفي المقابل، هناك جهد إستثنائي يجب أن يتعزَّز أكثر فأكثر من قبل الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة من أجل إحكام الطوق على شبكات جديدة، وبالتالي خلق مناخ يصعب معه على الإسرائيلي تجنيد شبكات جديدة، وهي ليست مسؤوليَّة أمنيَّة بقدر ما هي مسؤوليَّة سياسيَّة وطنيَّة.
أساليب مواجهة التجسس الإسرائيلي
على المجتمع الدولي عدم الإكتفاء بإدانة الأساليب التي تنتهجها أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة تجاه جميع الدول وبخاصة تجاه الدول العربيَّة، بل أخذ إجراءات وفرض عقوبات بسبب اعتدائها على سيادة الدول من خلال تنفيذ أعمال إرهابيَّة كالإغتيالات وبث الفتن والتفجيرات وغيرها من الأساليب والتي تدُلّ على استهتار إسرائيل بمختلف القوانين والأعراف الدوليَّة، مستغّلة تعاطف الدول الغربيَّة معها.
كما يتحتّم على أجهزة الإستخبارات فـي الدول العربيَّة زيادة التعاون في مجـال تبادل المعلومـات والعمل المشترك لتحقيق أهدافها في إفشـال المخطّطـات الإسرائيليَّة ومنعها من اختراقها، ويمكن تفعيل هذا الدور بإنشاء مراكز دراسات للتعاون المشترك بين أجهزة الإستخبارات في هذه الدول لتعميم الخبرات والمعلومات وتبادلها في سبيل مواجهة التهديدات التي تفرزها أنشطة أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة ذات التأثير على الأمن القومي العربي.
على الدولة اللبنانيَّة المتابعة المستمرّة لأنشطـة أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة لاتِّخـاذ الإجـراءات الضروريَّة ولتفويت الفرصة علـى تلك الأجهزة التـي تسعى إلى افتعال أزمـات سياسيَّة وإقتصاديَّة وعسكريَّة بما يخدم مصالحها، وذلك من خلال زيادة الوعـي الأمني داخل الأجهزة والمؤسسات الرسميَّة وتوعية المواطنين حول الأساليب التي تعتمدها أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة في تجنيد الجواسيس والعملاء والحصول على المعلومات السريَّة والمهمَّة.
من الضروري أن تعمل الدولة اللبنانيَّة على تنمية روح الإنتماء والولاء للوطن داخل جميع فئات المجتمع، لحرمان أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة إستخدام بعض العناصر من أجل القيام بأعمال تخريبيَّة داخل الدولة مما يؤدّي إلى زعزعة الإستقرار الداخلي والإضرار بمصالح الدولة، ويجب العمل على زيادة الثقة بين أجهزة الأمن والمواطنين لتتكامل جهودهما لكشف العملاء والجواسيس.
بات لزامًا على الدولة اللبنانيَّة العمل على عدم توفير بيئة مناسبة لنشوء شبكات العملاء، من خلال إجراء الدراسات اللازمة حول الأسباب التي أدَّت إلى لجوء عملاء الشبكات التي تمَّ إلقاء القبض عليها خلال السنوات الأخيرة للتعامل مع الموساد والعمل على إيجاد الحلول اللازمة لها، واعتماد سياسة تنشئة وطنيَّة تحدِّد بدقة مخاطر العدو الصهيوني وأطماعه ومخطَّطاته الإجراميَّة.
يجب على الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة إعطاء الأهميَّة اللازمة لتطوير أجهزة الإستخبارات وخصوصًا في المجالات التكنولوجيَّة والعلميَّة، لتتمكَّن من تنفيذ مهماتها في ظلّ تنامي دور التكنولوجيا فـي العصر الحديث وامتلاك إسرائيل لهذه التكنولوجيا، كما يجب عليها توعية أفرادها وتحصينهم ماديًا ومعنويًا لتفادي اختراقها من قبل أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة. كما عليها العمل بالإمكانات المتوافرة والتركيز على قدرة عناصرها في اختراق شبكات التجسُّس الإسرائيليَّة وكشفها والتصدي لها من خلال التعاون في ما بينها، على الرغم من الإمكانات المحدودة، وذلك بالإستفادة من الخبرات السابقة في هذا المجال والتوجيه الصحيح لأنشطتها في سبيل حماية الوطن وأهله.
إن المواجهة مع العدو الإسرائيلي في لبنان، ليست حالة ظرفيَّة بقدر ما هي خيار دفاعي مستمرّ طالما بقي الخطر الإسرائيلي جاثمًا على حدود الوطن، من هنا ضرورة البقاء على استعداد دائم لمواجهة هذا العدو وأطماعه ومخططاته ولاسيما وأن لبنان هو في رأس قائمة استهدافاته، وبخاصة بعد الهزائم التي مُني بها في العام 2006 وبعد كشف قسم كبير من شبكات التجسُّس التي عمل طويلاً على تدريبها وزرعها في سبيل تحقيق أهدافه ومطامعه التي باتت معروفة وجليَّة.
الخاتمة
بَنَت إسرائيل جبروتها وغطرستها على قوة إستخباراتها وعلى رأسها جهاز الموساد الذي يقوم بدور لا يقلّ أهميَّة عن دور الجيش في بقاء دولة إسرائيل، فبالإضافة إلى عملياتها العدوانيَّة من هجمات محدَّدة ومباغتة، وتفجيرات، وإغتيالات لرجالات السياسة والعلم والثقافة، فهي تعمد إلى التدخّل في الخلافات الداخليَّة العربيَّة، وحياكة المؤامرات على البلدان الصديقة، وغيرها من الأعمال التخريبيَّة، ذلك أن إسرائيل تستغلّ الصراعات بين الدول العربيَّة، وبين التنظيمات السياسيَّة، وبخاصةٍ الفلسطينيَّة، كما تقوم بأعمال التجسُّس وتحصيل المعلومات والبيانات، لتجعل الجيش الإسرائيلي في وضعيَّة تسمح له بالتخطيط الجيِّد، والتنفيذ الناجح لضرباته الوقائيَّة، ولمبادراته العدوانيَّة.
يُعتبر جهاز الموساد الإسرائيلي، بمثابة أسطورة في الدولة العبريَّة مع أنه لم يكُن دومًا على مستوى هذه السمعة، كما يُعتبر أحد أكثر أجهزة الاستخبارات غموضًا في العالم، وتحيطه السلطات الإسرائيليَّة بكتمان شديد، لدرجة أن إسم رئيس هذا الجهاز لم يكن يعلن إلا بعد أن يصبح الرئيس السابق للموساد، هذا الجهاز لا يظهر منه سوى بعض النشاطات إما لأنه ليس في الإمكان إخفاؤها، أو لأن جهاز الموساد قد سرَّب عنها معلومات إستكمالاً لأهدافه ومنها التأثير الإعلامي والنفسي.
لقد استفادت أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة من التطوُّر الحاصل في مجال التكنولوجيا الإلكترونيَّة والإتصالات، واستطاع جهاز الموساد إستغلال شبكات الإنترنت لتجنيد العملاء والحصول على المعلومات منهم، هذا بالإضافة إلى استعمال الهاتف الخلوي، وأجهزة مموّهة ومتطوِّرة مزوَّدة أنظمة أمان لإرسال المعلومات وإستقبالها عبر الأقمار الإصطناعيَّة، مما سهَّل عمل الشبكات وجعل من الصعوبة بمكان كشفها من دون الحصول على أجهزة متطوِّرة لمراقبة هذه الإتصالات وكشفها، بالإضافة إلى صعوبة تعقُّب العملاء بسبب إنتفاء حاجتهم إلى الإنتقال إلى داخل إسرائيل لإيصال المعلومات أو تلقي التعليمات.
إن الحرب القائمة بين أجهزة التجسُّس الإسرائيليَّة والأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة، لا تقدّم جديدًا على المواجهة التي أطلقتها إسرائيل منذ ما قبل قيامها كيانًا فوق أرض فلسطين. وإن كانت أشكال التجسُّس وجمع المعلومات والتخريب قد اختلفت من جيل إلى أخر، فإن اعتداء إسرائيل على سيادة الدول المحيطة بها لا يمثِّل أي جديد في سياستها إزاء خصومها، بل إن هناك أسبابًا كثيرة تدفعها إلى مضاعفة نشاطها الأمني في لبنان، بعد الذي واجهته فيه خلال ربع قرن.
أظهرت كثرة الشبكات التي تم توقيفها مؤخرًا في لبنان، إصرارًا إسرائيليًا على تقديم نماذج متنوّعة من العملاء، بينهم رجال أعمال وموظفون في الدولة وفي مؤسّساتها المدنيَّة أو الأمنيَّة، وشخصيات ذات حضور من الناحيتين الاجتماعيَّة والسياسيَّة، ويمكن تمييز عنصر مشترك بين جميع من أوقفوا أخيرًا، وهو أن غالبيَّة العملاء لا يعانون ضائقة ماليَّة إستثنائيَّة تفرض عليهم خيارًا من هذا النوع، والأكثر خطورة هو الطابع الإجتماعي العام، ونقص الروادع الوطنيَّة، مما يدعو إلى البحث عن الأسباب التي أدَّت إلى تعاملهم لكي تتمكّن الدولة من المعالجة السليمة.
وعلى الرغم من الصمت المطبق الذي فرضته إسرائيل على نفسها حيال سقوط شبكاتها التجسُّسيَّة في لبنان خشية الإضرار بسمعة أجهزة إستخباراتها وعملائها، فإن التساؤلات التي صدرت عن بعض المحلّلين الإسرائيليين جعلت البعض يطالب بإجراء تحقيق لمعرفة أسباب الإخفاق الذي تعرَّضت له أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة والأسباب المحتملة لهذا السقوط، فكل فشل يتعرَّض له هذا الجهاز الذي يشكِّل ذراع الإستخبارات الخارجيَّة لإسرائيل، يؤدّي إلى اهتزاز صورة إسرائيل داخليًا وخارجيًا كمثال للدولة القويَّة والقادرة.
إن الطريقة التى تميِّز العمل التجسُّسي للموساد، تستند إلى العنصر البشري الذي يشكِّل مصدرًا مباشرًا لجمع المعلومات، من هنا سعي هذا الجهاز إلى تأمين الحماية والغطاء اللازمين لعملائه، فمن ناحية أولى يشكِّل هذا الإهتمام ضمانة تساهم بشكل كبير في إستقطاب العملاء وتجنيدهم، ومن ناحية ثانية فهو يؤمّن المحافظة على استثماره في العنصر البشري في مقابل الإمكانات الكبيرة المخصّصة له.
سعى جهاز الموساد دائمًا إلى حماية عملائه وجواسيسه، وقد وصل في كثير من الأحيان إلى حدِّ تقديم تنازلات وتضحيات كبيرة في سبيل استعادة عميل قبض عليه في بلد ما سواء كان هذا البلد عدوًا أو صديقًا، كما أنه وفي حالات كثيرة تخلَّى فيها عن عملاء له، لأنه فشل في توفير عناصر الحماية لهم، واقتصر اهتمامه على حصر الأضرار في انكشافهم لتفادي توريط الدولة الإسرائيليَّة في المسؤوليَّة عن الجرائم المرتكبة.
يبدي قادة أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة، وبخاصة جهاز الموساد، حرصًا شديدًا حول نشاطات هذه الأجهزة وعملياتها، من هنا ندرة المعلومات حول طبيعة تعاملها مع عملائها بعد انتفاء الحاجة إليهم. هذا ويدرك الذين يتم تجنيدهم للعمل مع إسرائيل أن الموساد لا يمنحهم بوليصة تأمين على الحياة وأن احتمال كشفهم هو أمر وارد في كل وقت، وبالتالي يدرك العميل أنه ليس في أعلى سلَّم أولويات الجهاز حتى لو تمَّ الإيحاء له بذلك.
وقد حقَّقت الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة وعلى رأسها مديريَّة الإستخبارات في السنوات الأخيرة، إنجازًا أمنيًا كبيرًا ونوعيًا في كشف شبكات التجسُّس الإسرائيليَّة وتوقيف أفرادها، في ظِّل الإمكانات التقنيَّة المحدودة والتي لا تتماشى مع مستوى تجهيز هذه الشبكات، ممَّا يُظهر حجم الجهد المبذول ويؤكِّد قدرة الجيش اللبناني على كشف مخطَّطات العدو الإسرائيلي الدائمة والمستمرة لاستهداف الساحة اللبنانيَّة.
تبقى أسئلة كثيرة على قدر كبير من الأهميَّة، كيف نجح الموساد بتجنيد هذا العدد الكبير من العملاء؟ كيف سيتم إستثمار النجاح الذي حقّقته الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة لسدّ الثغرات التي سمحت للعدو بالتغلغل في مجتمعنا؟ متى ستتمكّن الدول العربيَّة من وضح خطة تعاون لمواجهة هذا الخطر الذي يهدّد مجتمعاتنا وأمننا؟ يبقى الجواب على هذه الأسئلة رهنًا بما سيكشفه المستقبل حول العمليات التي نفَّذها هذا الجهاز، ومصير العملاء الذين شكَّلوا الأداة لتنفيذها، ويبقى الأهم أن يدرك كل متعامل مع العدو أنه مهما كبر شأنه يبقى بنظر الجهاز الذي جنده وبنظر وطنه خائنًا.
المراجع
أولاً: الدراسات والأبحاث
• وليد الحاج-بحث عسكري لنيل إجازة ركن حول "الإرهاب الصهيوني" - كليَّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان -2009.
• كميل عطا - بحث عسكري لنيل إجازة ركن حول "صراع المخابرات على الأرض اللبنانيَّة" - كليَّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان - 1988.
• عمر أبو صباح - بحث عسكري لنيل إجازة ركن حول "أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة" - كليَّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان - 2008.
• خازن الخازن - بحث عسكري لنيل إجازة ركن حول "تنظيم ونشاطات أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة" - كليَّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان - 1984.
ثانيًا:الكتب العربيَّة.
• أسعد مفرج - "موسوعة عالم المخابرات" - NOBILIS - 2005.
• ترجمة هشام عبدالله/جورج خوري/مهاهر الكيالي - "عن طريق الخداع" - BY WAY OF DECEPTION - المؤسسة العربيَّة للدراسات والنشر - 1990.
• حكمت البعيني - "الجاسوسيَّة والجاسوسيَّة المضادة" - منشورات البحر المتوسط - 1992.
• مجدي ناصيف - "وثائق سريَّة للإستخبارات الإسرائيليَّة" - مكتبـة مدبولي - 1988.
• صالح زهر الدين - "المنطقة العربيَّة في ملف المخابرات الصهيونيَّة" - المركز العربي للأبحاث والتوثيق - 1985.
• صلاح نصر - "حرب العقل والمعرفة"- الوطن العربي للنشر والتوزيع - 1985 .
ثالثًا: المجلات والصحف.
• إحسان مرتضى - "الجاسوسيَّة الصهيونيَّة في حيثياتها ومخاطرها"
مجلة الجيش -2009.
• إسكندر شاهين - "كيف سقط عملاء الموساد في أيدي الأجهزة اللبنانيَّة" - صحيفة الديار -2010.
رابعًا: مواقع الانترنت.
• سمير قديح - "من قصص تجنيد العملاء" - www.alwatanvoice.com/arabic/content - 16/1/2006.
• رائد الجمّال - "التجسُّس الإلكتروني وإختراق الأنظمة العربيَّة" - www.arab-eng.org/vb/t45727.html - 22/2/2007.
• صالح النعامي - "الموساد ثورة في طرائق تجنيد العملاء" -http://www.wata/forums/showthread.php -23/7/2007.
• الحقيقة الدوليَّة - "العدو الخفي" - http://www.factjo.com/fnes - 9/4/2008.
• موقع الجيش اللبناني - "مكافحة التجسس" - http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?cat=7&ln - 1/8/2008.
• عدنان أبو عامر - "60 عاما على المخابرات الإسرائيليَّة" - http://www.aljazeera.net/N - 15/2/2009.
• ويكيبيديا، الموسوعة الحرة - "الجاسوسيَّة" -http://ar.wikipedia.org/wik - 4/4/2009.
• حسن عليق - "إسرائيل تسأل عن أسباب السقوط المتسلسل" - alakhbar.com /taxonomy/term/56?page=9 - 25/4/2009.
• رفعت سيد أحمد - "العدو:الموساد" - http://www.brmasr.com/vie - 4/7/2009.
• محمد خواجة - "هل عادت عواصم العالم مسرحًا للموساد" - http://www.souriaalghad.n - 26/9/2009.
• عبدالوهاب محمد الجبوري - "إستخبارات وجاسوسيَّة" - http://www.arabvoice.com/modules.php - 5/12/2009.
• أحمد البهنسي - "المخابرات الإسرائيليَّة إعرف عدوك" - http://www.islamonline.net/servlet/Satell - 7/12/2009.
• عبدالوهاب محمد الجبوري - "مفهوم نظريَّة الاستخبارات الإسرائيليَّة وفلسفتها وأسلوب عملها" - http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-.html، - 9/12/2009.
• حنان اخميس - "المخابرات الصهيونيَّة الخارجيَّة "الموساد" - http://www.spf.gov./index. - 5/12/2009.
• كلوفيس مقصود - "إفتضاح جديد للعقيدة الصهيونيَّة" - http://www.sautalarab.com/index.php - 7/12/2009.
• ويكيبيديا الموسوعة الحرة - "الموساد" - http://ar.wikipedia.org/wik - 9/12/2009.
• صالح النعامي - "كيف تبرّر إسرائيل إختراق مصر إستخباريًا" - http://www.wata.cc/forums - 20/12/2009.
• إبراهيم عرب - "إسرائيل تطور أقمارًا إصطناعيَّة للتجسس" - http://www.sadasoria.com/arabic/index - 28/12/2009.
• حسين ايوب - "إسرائيل تتلقى أقسى ضربة أمنيَّة" - http://assafir.com/Windows/PrintSection.aspx - 5/1/2010.
• اسكندر شاهين - "شبكات جديدة لـ"الموساد" - http://www.sawtakonline.com/forum - 11/2/2010.
• دنيا الوطن - "الموساد حائر في قدرة الاجهزة الامنيَّة اللبنانيَّة" - http://www.islamonline.net.org - 11/2/2010.
• حسن حردان - "لماذا تساقطت شبكات الموساد في لبنان؟" - http://www.souriaalghad.net/index.php - 11/2/2010.
• يحي دبوق - "سقوط الموساد في لبنان" - http://www alakhbar.com/ar/taxonomy/ - 11/2/2010.
• حنان اخميس - "علم المخابرات الجاسوسيَّة، كيفيَّة تدريب العملاء" http://www.alwatanvoice.c 12/2/2010.
• إبراهيم الأمين وحسن عليق - "الحرب السريَّة مع العدو: شبكات جديدة إلى الواجهة" - http://www alkhbar.comt -14/2/2010.
• الوطن السوريَّة - "الموساد يغيّر تقنياته وأساليبه" - http://www.inbaa.com/mod - 23/3/2010.
[1]- شولا كوهين هي جاسوسة عملت لصالح جهاز الموساد في لبنان، لقبت "لؤلؤة الموساد".
[2]- فيكتور أوستروفسكي، جاسوس سابق للموساد، أصدر كتاب"BY WAY OF DECEPTION"1990، تضمَّن مذكراته عن الفترة التي قضاها في الموساد.
[3]- إختصار للعبارة العبرية "بيتساح يسرايل لويشاكير" أي "مجد إسرائيل لم يسقط".
[4]- قلعة أثرية مهجورة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
[5]- إحسان مرتضى، "الجاسوسيَّة الصهيونية في حيثياتها ومخاطرها"، مجلة الجيش، العدد 292، تشرين الأول/أكتوبر2009.
[6]- "العدو الخفي، الحقيقة الدولية"، العدد111، 9 /4/ 2008، متوافر على الموقع: http://www.factjo.com/fullnews.، الإنترنت، الدخول:10/2/2010.
[7]- محمد خواجة، "هل عادت عواصم العالم مسرحًا للموساد"، 26/9/2009 ، متوافر على الموقع: http://www.souriaalghad.net، الإنترنت، الدخول: 5/12/2009.
[8]- إبراهيم عرب، "إسرائيل تطوّر أقمارًا إصطناعية للتجسس"، مرجع سبق ذكره.
[9]- اسكندر شاهين، "شبكات جديدة للموساد"، متوافر على الموقع: http://www.sawtakonline.com/forum، الإنترنت، الدخول:11/2/2010.
[10]- "مكافحة التجسس"، موقع الجيش اللبناني، 1/8/2008، متوافر على الموقع، http://www.lebarmy.gov.lb/article.asp?cat=7&ln=ar، الإنترنت، الدخول: 5/12/2009.
[11]- لجنة إسرائيلية نظرت في فشل الجيش الإسرائيلي في حربه على لبنان في العام 2006.
[12]- يحي دبوق، "سقوط الموساد في لبنان"، متوافر على الموقع: taxonomy/ ar/ al-akhbar.com ، الإنترنت، الدخول:11/2/2010.
[13]- أسعد مفرج، "موسوعة عالم المخابرات"، نوبيليس، الطبعة الأولى، بيروت،2005، ص 19-26.
The Israeli Mossad and the recruitment of agents and spies
The spying phenomenon goes way back in history and it is commissioned to the State and its agencies. Spying activities aim at acquiring much needed intelligence information to guarantee state interests, set up policies, and bolster influence among other nations. Spying is not limited to politics, diplomacy, military, or security fields; rather, spying affects all fields of life.
The Mossad agency is considered one of the most mysterious secret intelligence agencies in the world and Israeli authorities encompass it with a high level of secrecy since it constitutes the first line of defense that Israel relies on in its spying operations, physical liquidation and thwarting resistance operations. The Mossad’s main objective turns toward Arab countries and affiliate organizations around the world. The activities of Mossad agents focus on western countries and the United States.
This study earns a special importance in light of what was revealed about the discovery of Israeli spying networks in Lebanon during the past few years by revealing the modus operandi used by the Mossad to recruit new agents in addition to showcasing the dangers of spying against Lebanon’s security and Lebanese security agencies and military. Furthermore, the study sheds light on the dark sides of spying and clarifies their consequences on the spies.
Le Mossad israélien et le recrutement d’agents et d’espions
Le phénomène d’espionnage est ancien dans l’histoire constitue un des actes de l’Etat et des services sécuritaires qui lui sont affiliés, et qui vise à avoir les informations nécessaires pour assurer leurs intérêts, établir leurs politiques et renforcer leur pouvoir parmi le reste des pays. L’acte d’espionnage ne se limite pas à la politique, la diplomatie, le domaine militaire ou sécuritaire. Il touche tous les domaines.
Le Mossad est considéré comme étant un des services de renseignements secrets le plus ambigu du monde. Il représente la première ligne de défense d’Israël au niveau des opérations d’espionnage, de liquidation corporelle et de la lutte contre les opérations de la résistance. Le but principal du Mossad vise les pays arabes et leurs organisations déployées partout dans le monde. L’activité de ses agents se concentre également dans les pays occidentaux et aux Nations Unies.
Cette recherche revêt une importance spéciale surtout après que des réseaux d’espionnage israéliens furent dévoilés au Liban lors des dernières années, et ce en connaissant les moyens adoptés par le Mossad israélien pour recruter les agents, en montrant la menace du crime d’espionnage sur la sécurité du Liban et les forces militaires et sécuritaires, en mettant l’accent sur les côtés sombre de l’espionnage et en clarifiant ses répercussions sur l’espion lui-même.