قضايا بيئية

المياه الجوفية كنز لبنان السائل
إعداد: الجندي أمير هليّل

مشروع حماية يعد بمياه خالية من التلوث

حماية المياه الجوفية واجب كحماية الحدود والأرض والسكّان. ولأول مرة في لبنان، يُطرح مشروع حماية المياه الجوفية، ويبدأ العمل فيه، مع مشروع حماية مياه نبع جعيتا بالتحديد. مجلة «الجيش» زارت المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية، والتقت الأستاذ جان ابي رزق، مساعد مدير المشروع، فكان هذا اللقاء.

 

• لماذا البدء من نبع جعيتا تحديدًا؟ وما هو مشروع حماية المياه الجوفية في لبنان؟
- نبع جعيتا، هو النبع الذي يوفّر 70% من مياه الشرب لسكان بيروت، نحن نتكلم عن مليون نسمة تقريبًا، من هنا أهميته. ولكن هذا النبع معرّض لمخاطر كثيرة بسبب غياب شبكة صرف صحّي في منطقة كسروان، أي منطقة تغذية هذا النبع.
مشروع حماية المياه الجوفية هو مجموعة دراسات وتدابير تسبق إنشاء شبكات الصرف الصحّي ومحطّات التكرير، فنضمن بها مخزون المياه النظيفة الموجودة في باطن الأرض، وحمايتها من احتمالات التلوّث وتسرّب أي أضرار إليها. وهذا المشروع أتى هدية من الدولة الألمانية، في إطار الشراكة، مع وزارة الطاقة والمياه ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، ومجلس الإنماء والإعمار، بالإضافة الى التعاون مع بلديات المنطقة والجمعيات الأهلية الموجودة هنا.


• عمليًا، كيف يعمل هذا المشروع؟ نحن كلبنانيين كيف نراه على الأرض؟
- لدينا مهمات كثيرة، أوّلها تحديد مصادر مياه نبع جعيتا، وتحديد مساحة الأرض التي تغذّي هذا النبع. بعدها تأتي الدراسات لتحديد المخاطر الملوّثة لمياه النبع، ومن ثمّ يتم إدخال مبدأ حماية المياه الجوفية في كل المخططات الكبيرة التي تنوي الدولة تنفيذها على الأرض. وواجباتنا تقتضي أيضًا بتقديم النصائح والإرشادات لمؤسسات الدولة المنفّذة للمشاريع، ليأتي التنفيذ مطابقًا لمبدأ حماية المياه الجوفية ومتوافقًا معه.


• كيف تعملون على تحديد مصادر مياه النبع؟
- مصدر المياه الجوفية، هو مياه الأمطار وذوبان الثلوج، يبدأ التحديد بمعرفة طبقات باطن الأرض، هنا نعمل جيولوجيًا، فنقوم بمسح جيولوجي كامل ومفصّل للمنطقة، فالخرائط الموجودة حاليًا تعود إلى فترة الثلاثينيات. وبعد المسح، نحدد سرعة المياه وانتقالها من منطقة الى أخرى في باطن الأرض، ونحدد إذا كان هناك وصلة بين منطقة وأخرى. نضع «تلوينة» في منطقة إرتباط مع المياه الجوفية، نسجّل كمّيتها وفي أي ساعة وأي دقيقة وضعت، وفي هذه الأثناء نراقب الينابيع الأخرى المحتمل أن تظهر فيها هذه التلوينة، فنحدد بذلك سرعة المياه وكيفية تنقّلها في جوف الأرض.


• كيف تحددون المناطق الحساسة التي تمر بها المياه؟ وهل هناك خريطة معيّنة؟
- هناك خريطة حساسية المياه الجوفية، ونحن من وضعها. وهي تمرّ بمراحل عديدة، واحدة منها جيولوجية. 70% من صخور لبنان هي صخور كارستية، اي صخور كلسية لها شكل خارج الأرض تسمّى «شخاريب»، وفي باطن الأرض هي مغاور وفراغات. هذا النوع من الصخور حسّاس جدًا، فأي وصلة بين المياه السطحية والمياه الجوفية عند هذه الصخور، يسرّع انتقال الملوّثات الى باطن الأرض، فيصبع سريعًا وخطرًا جدًا على المياه الجوفية. من خلال هذه الخريطة، نحدّد مناطق حسّاسة وندعو الى تحويلها الى مناطق محمية. هذه الحماية تأتي من تغيير شروط الاستثمار في المنطقة، فالنشاط البشري يجب أن يتحول الى نشاط واعٍ ومسؤول وصديق للبيئة وللمياه الجوفية.


• تعني بالنشاط البشري، البناء وغيره؟
نعم، البناء، السياحة، الصناعة، الزراعة... النشاط البشري يجب أن يحمي المياه الجوفية، لأنه وبكل بساطة، هذه هي المياه التي نشربها. كل لبنان يشرب من مياه جوفية.


• ماذا حقّق المشروع لغاية الآن؟
- شاركنا باليوم العالمي للمياه، وقدّمنا فيلمًا وثائقيًا بعنوان «مياه بيروت». بالإضافة الى حركة إعلامية كبيرة في المرئي والمسموع والمكتوب، وحملات توعية في كل مدارس منطقة كسروان، ونحضّر لمشاريع أخرى بالتعاون مع بلديات المنطقة وجمعياتها.


• هل من دور للجيش في حماية المياه الجوفية في لبنان؟
- بكل تأكيد. فالجيش لديه مؤسساته ومراكزه المنتشرة على جميع الأراضي اللبنانية. نعني بذلك تجمّعات بشرية تكون أحيانًا بالقرب من أماكن حسّاسة بالنسبة إلى المياه الجوفية. نحن نعوّل كثيرًا على مناقبية الجيش وطريقة تفكيره التي تهدف دائمًا الى التطوّر والتقدّم. لذلك قمنا بزيارة الى مديرية التعليم بهدف إطلاق تعاون بيننا، وألقينا محاضرة في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان حضرها عدد كبير من الضبّاط، خصوصًا من اللواء الحادي عشر وفوج المدرعات الأول المنتشرين في كسروان والمتن، وكل ذلك لجعل مواقع العسكريين وتجمّعاتهم صديقة للمياه الجوفية، ومساهمة في حمايتها.


• إذا تم من خلال مشروعكم التوصل الى شروط وقوانين لضبط نشاطات السكان، كم من الوقت نحتاج للتوصل الى مياه جوفية دائمة النظافة في لبنان؟
- مع وضع قوانين وشروط تنظّم النشاط البشري فوق الأرض، ومن حسن حظّنا ان المياه الجوفية الآتية من تجمّع الأمطار وذوبان الثلوج، تتجدّد في لبنان كل ثلاث سنوات تقريبًا، نستطيع القول ان ثلاث سنوات كافية لجعل مياه هذا النبع او ذاك غير معرّضة لأي تلوّث ونظيفة.