- En
- Fr
- عربي
كتاب
صدر للصحافي والباحث محمود برّي كتاب جديد بعنوان «النانوتكنولوجي: وعود كبيرة...مخاطر كبيرة»، وهو الكتاب الخامس في سلسلة معارف، الصادرة عن «مؤسسة الفكر العربي».
الكتاب، كما يدل عنوانه، يتناول موضوعًا علميًا بحتًا، هو النانوتكنولوجي، العلم ما بعد الصناعي. وقد نجح الكاتب بأسلوبه الإنسيابي السلس، وشروحاته المعمّقة، في تبسيط الموضوع المطروح وتقديمه بعبارات سهلة الفهم، بعيدة عن التعقيد، الأمر الذي يمنح قارئه متعة مزدوجة إذ يكتسب معلومات علمية قيّمة مستمتعًا في الوقت نفسه بأسلوب أدبي غني بالبلاغة والوصف وحسن التعبير.
في عرضه لتكنولوجيا «النانو» يقسم برّي بحثه إلى خمسة أقسام، يشرح خلالها مفهوم النانو متناولًا إنجازاته الواعدة في ميادين الصحة وعلم الفضاء والزراعة والصناعات الإلكترونية، إلخ..ثم يعرض مخاوفه والمخاطر التي يمكن أن تنتج عن سوء استخدامه.
مفهوم النانوتكنولوجي
كلمة «نانو» مشتقة من لفظة «نانوس» الإغريقية، ومعناهـا: القزم، وبالتـالي فعلم النانو، بداية، يهتم بالمقاسـات الصغيـرة للمـواد. وبمـا أن المــواد تتكـوّن من ذرات، فهــو يهتـم بمقاسات مكوناتهـا الذريـة. ويُعـرّف الباحـث النانوتكنولوجـي باعتبارهـا العلـم الحديـث ما بعد الصنـاعي، الذي يتنـاول المـادة فـي مكوّناتهـا الدُّنـيا، أي الـذّرّة والجُزيئة، فيعالــج هذه المكوّنـات، يفصلهـا ويدمجهـا ويخلطهـا ويرصفهـا، ويجمع بين بعضهـا والبعض الآخـر كما يشاء وفـي أشكـال شتـّى غيـر الأشكـال الـتي تكـون عليهـا فـي الأســاس، ممـا يمكــن أن ينتـج عـنه في أحيان كثيـرة ظهور تراكيـب جديـدة ومـــواد غريبـة غيــر معروفـة مـن قبل.
ثورة علمية
تكنولوجيا النانو، كما نراها اليوم أشبه بأفلام الخيال العلمي، لكنها ستتيح يومًا تحقيق نجاحات مذهلة لخدمة البشرية. فعلى المستوى الطبي مثلاً يعدنا النانو بتأمين العلاج لأكبر معضلة طبية وهي مرض السرطان، وذلك من خلال استخدام جُزيئات الذهب النانوية التي تبيّن أن لها خاصية اختزان الضوء. ولمعالجة السرطان يجري ضخّ جُزيئات نانوية من الذهب في النسيج المصاب بالمرض الخبيث، فتدخل هذه الجزيئات إلى الخلايا المريضة وتلتصق بها، بينما لا تقترب من الخلايا السليمة. بعد ذلك يجري بث ضوء لايزري نحوها، فتمتص الضوء وتحتفظ به. ويتم في المرحلة الأخيرة اعتماد تقنية تعمل على تحويل ذلك الضوء الذي امتصّته إلى حرارة تحترق بفعلها الخلية السرطانية ويجري تدميرها، من دون أيّ مسّ بالخلية السليمة، ويتحقق الشفاء من دون أضرار جانبية.
وقد حققت التجارب المخبرية على الفئران في هذا المجال نجاحاً تاماً، حيث يُتوقع متابعة الأبحاث للمزيد من التأكّد والاطمئنان قبل المباشرة بتطبيق هذه الوسيلة العلاجية على البشر.
وفي عالم الزراعة، يعد النانو بثورة كبرى على صعيد إستصلاح الأراضي، وزيادة خصوبة التربة ما يضاعف من إنتاج المحاصيل وبأقل مدة زمنية ممكنة، كمثل إيجاد ثلاثة مواسم لإنتاج القمح في السنة الواحدة. كما بات بالإمكان من خلال هذا العلم المعجزة معالجة مياه الشرب وتنقيتها بعيد تفجرها في ينابيعها، وانسيابها في مجاريها مهما خالطها من قذارات بشرية وتلوثات نووية كما يحصل في غير بلد في العالم. ومن خلال تقنية النانو أيضاً، صار بإمكان العلماء صنع سفن فضائية، الواحدة منها بحجم الذرة، تنطلق بفعل طاقة مستمدة من محيطها في الفضاء، ومتكيفة مع أي درجات حرارة، أو درجات برودة تصادفها، داخل النظام الشمسي وخارجه، وسرعتها تفوق سرعة الضوء بأضعاف مضاعفة، وهي مزودة كل ما من شأنه أن يساعد البشر على اكتشاف الكواكب والمجرات على اختلاف قربها وبعدها، وما فيها وما حولها، وإرسال بث صوريّ ومعلوماتيّ متواصل يتعلق بها.
مخاوف ومخاطر
ككل جديد في مجالات التقدم العلمي، يحمل النانو مخاوف ومخاطر كثيرة، فالجموح في الاستخدام السيئ لهذه التقنيه قد يكبد البشرية عواقب مدمرة، لذلك يجد هذا العلم ردود أفعال رافضة ومستنكرة وأحياناً ساخرة، خصوصًا أن النانوتكنولوجي لا تزال علمًا حديثًا لم يذهب إلى أقاصي تجربته واكتشافاته، وبالتالي فإن الاختبار وحده سيثبت مكانة هذا العلم وجدواه، ويسهم فى خوضه وتطويره والاستفادة منه إلى أقصى الحدود.
النانو والكهرباء.. والجدة!
يختم برّي كتابه بتشبيه قصة النانوتكنولوجي بقصة جدّته والكهرباء، ويرويها بأسلوبه الساحر، الخفيف الظل، الذي اعتدنا عليه نحن «رفاق القلم» في مجلة «الجيش»، حيث كان الأستاذ بري يومًا مدير تحريرها. وخلاصة القصة التي حصلت في الماضي البعيد، أن جدّة الكاتب عندما سمعت نبأ وصول التيار الكهربائي للمرة الأولى الى قريتها النائية، اعتبرت ذلك ضربًا من التجديف والشعوذة وراحت تستغفر الله، لكنها ما لبثت أن غيرت رأيها في ما بعد إذ شعرت بالنعيم الذي نقلها إليه ذلك الضوء الصغير المعلّق في سقف الغرفة!
ذات غد غير بعيد، يؤكد الكاتب، «سوف نتصرف جميعًا كما تصرفت جدتي، وسندخل في موكب هذه التقنية الجديدة، من حيث ندري أو لا ندري!».