مواسم وخيرات

النباتات المعدّلة وراثيًا
إعداد: د. حسين حمود

بفضل الهندسة الوراثية، أمكن تعديل خصائص في بعض النباتات والكائنات، ما أدى إلى فوائد مهمة على صعيد تحسين الإنتاج ومقاومة بعض الآفات الزراعية. في المقابل، يضعنا التعديل الوراثي أمام مخاطر عديدة.

 

تعريف النباتات المعدّلة وراثيًا

هي نباتات يتمّ تغيير خصائصها الوراثية، عبر استخدام تقنيات الهندسة الوراثية، التي تقوم بنقل الجينات من صنف إلى آخر لا تجمعه به أي صلة قرابة، وذلك بهدف تعديل أو إضافة صفة وراثية جديدة. وهنا لا بد من التمييز بين ما يسمّى بالتأصيل التقليدي وبين الهندسة الوراثية. فالتأصيل التقليدي يسمح بتلقيح الجينات ونقلها بين نبتتين من الصنف نفسه أو من صنفين قريبين، كالبطاطا والبندورة، ولكن لا يمكنه أن ينقل الجينات من زهرة النرجس مثلًا إلى نبتة الأرز كما هي الحال في الهندسة الوراثية.

 

الهندسة الوراثية:  آلياتها وطرقها
تبدأ الهندسة الوراثية بتحديد الجين المسؤول عن الصفة التي يراد إضافتها للنبات المراد تعديله وراثيًا، وعزله بمساعدة أنزيمات. الخطوة الثانية هي اختيار النبات وإدخال الجين إلى المادة الوراثية للنبتة (الجينوم) عن طريق أحد النواقل الأربعة الآتية:
1- بكتيريا متخصصة تسمّى Agrobacterium، وهي تتميّز بالقدرة على إدخال جيناتها إلى النبات، وقد عزلت وراثيًا بحيث لا تسبّب أمراضًا.
2- بندقية الجينات، وهي طريقة يتمّ فيها تغليف الجين المطلوب بغبار الذهب، ومن ثم يتمّ إدخاله إلى الخليّة النباتية تحت ضغط عالٍ.
3- الصعق الكهربائي Electroporation، ويقضي باستخدام الكهرباء لإدخال الجين المطلوب عبر إحداث فتحات في الخلية المتلقية.
4- الفيروسات المعدّلة وراثيًا، ويمكن استخدامها كنواقل جينيّة، حيث أن الفيروسات تمتلك خاصية إدخال الجينوم الخاص بها إلى داخل النباتات.

 

لمحة تاريخية عن التعديل الوراثي
تعرّف العلماء خلال أربعينيات القرن الماضي إلى السلاسل الوراثية في الكائنات الحيّة، فحدّدوا الجينات التي تتحكّم بصفاتها، وراحو ينقلون هذه الجينات إلى نباتات من أنواع مختلفة بهدف زيادة الإنتاجية. خلال الثمانينيات تمكّن العلماء في بلجيكا من إنتاج نوع جديد من البطاطا ذي مناعة على بعض المركّبات الكيميائية، وذلك في سياق عملهم على إنتاج أنواع من النباتات ذات مناعة ضدّ مبيدات الأعشاب وضدّ الحشرات والأمراض الزراعية. وخلال العام 1994 أنتجت شركة أميركية بندورة تبقى طازجة لمدّة طويلة. وفي العام 2008 أدى التعديل الوراثي إلى ظهور نوع من الجزر يُنتج الكالسيوم ويُشكّل علاجًا لترقق العظام.
في المقابل، واعتبارًا من العام 2000، بدأت ردود الفعل العالمية المحذّرة من مخاطر المحاصيل المعدّلة وراثيًا بالظهور، خصوصًا بعد أن تبيّن أن الذرّة المعالجة جينيًا قد تتسبّب بحدوث بعض أنواع الحساسية لدى بعض الأفراد. هذا الأمر دفع شركة أفنتس غروب إلى سحب منتجاتها المهندسة جينيًا من الأسواق، ما أدّى إلى تكبّدها خسائر بقيمة 60 مليون جنيه استرليني.

 

أهم فوائد التعديل الوراثي
1- تمديد فترة الحفظ من خلال التأثير على أنزيم Polyphenil oxidase المسؤول عن تعفّن الغذاء مع مرور الوقت، وتستخدم هذه الخاصية لإبقاء منتجات مثل البندورة والتفاح طازجة لمدة أطول.
2- زيادة الأهمية الغذائية للمنتج، فالأرز الذهبي مثلًا اكتسب هذه الصفة من خلال إدخال فيتامين A إليه.
3- إنتاج نباتات تتحمّل الظروف البيئية الصعبة من صقيع وجفاف وملوحة وغيرها.
4- إنتاج نباتات مقاومة لمبيدات الحشائش.
5- إنتاج نباتات مقاومة للحشرات والأمراض.
6- إستخدام النباتات المعدّلة وراثيًا لإنتاج الأدوية، فالموز المعدّل وراثيًا والذي يحتوي على لقاح مضاد لفيروس إلتهاب الكبد الوبائي، يعتبر الوسيلة الأسهل لتقديم هذا اللقاح للأطفال بدلًا من استخدام الحقن الطبية الموجعة.

 

... ومخاطره
مقابل الفوائد التي حققها التعديل الوراثي، ظهرت مخاوف من مخاطر هذا التعديل، مثلًا بات من الممكن زيادة محاصيل القمح والكولزا وقصب السكر وفول الصويا، بعد أن أصبحت هذه الأنواع المعدّلة قادرة على مقاومة مبيدات الأعشاب. وبالتالي أمكن التغلّب على آفة زراعية من دون إلحاق الضرر بالمحاصيل. لكن انتقال المناعة إلى بعض الأعشاب الضارّة، يجعل من الصعب مكافحتها.
وقد طرحت المشكلة نفسها في ما يتعلق بالذرة والبطاطا والقطن التي عدّلت وراثيًا على نحو أتاح إنتاجها مادة سامة تقاوم الحشرات، إذ يمكن أن تنتقل المناعة إلى الحشرات نفسها.
كما ويحذّر بعض علماء البيئة من النباتات المعدّلة وراثيًا التي يمكن أن تنتشر وتتهاجن مع كائنات طبيعية أخرى، وهو ما يؤدي إلى نشوء أنواع جديدة من النباتات التي لا يمكن التنبؤ بحجم تأثيرها في عملية التوازن الطبيعي على الكرة الأرضية.
إضافة إلى ذلك، الجمعية الطبية البريطانية أصدرت في العام 2004 تقريرًا مفصلًا حول مخاطر هذه الأغذية المعدّلة وراثيًا والتي يمكن أن تسبّب لدى الإنسان ردود فعل تحسسية خطيرة، وتشكّل خطرًا على صحة من يتناولها على المديين المتوسط والبعيد. وأكد التقرير أن هذه الأغذية تسبّبت بإضطرابات عصبية لدى أشخاص تناولوا حبوبًا تحتوي على حامض أميني تنتجه بكتيريا تمّ تعديل خصائصها الوراثية في الولايات المتحدة الأميركية.

 

إنتشار زراعة النباتات المعدّلة وراثيًا في العالم
في أواخر العام 2008، بلغت مساحة الأراضي المزروعة بنباتات معدّلة وراثيًا نحو 125 مليون كيلومتر مربع، أي ما يساوي مساحة فرنسا وألمانيا معًا. وتحتكر ثلاث دول 80% من الإنتاج العالمي المعدّل وراثيًا وهي: الولايات المتحدة الأميركية (50%) والبرازيل والأرجنتين (30%). وبدورها تنتج كندا وكينيا والهند 15% من الإنتاج المذكور. وقد شهدت المساحات المزروعة بالمحاصيل المعدّلة وراثيًا خلال العقد المنصرم ارتفاعًا ملحوظًا في 25 بلدًا في العالم، لكنها ظلّت محدودة للغاية في أوروبا، حيث لا تتجاوز المساحة الإجمالية المزروعة بنباتات معدّلة وراثيًا الألف كيلومتر مربّع، غالبيتها في إسبانيا. أما أهم المحاصيل المعدّلة وراثيًا في العالم فهي: فول الصويا والذرة والقطن وعبّاد الشمس. وللإشارة فالذرة هي النبات الوحيد المعدّل وراثيًا الذي يزرع في أوروبا.
وتمنع دول كثيرة زراعة النباتات المعدّلة وراثيًا وأبرزها، أستراليا، اليابان، نيوزيلندا، بعض المناطق في كاليفورنيا، فرنسا، ألمانيا، النمسا، هنغاريا، اليونان، اللوكسمبورغ، إيرلندا، بولندا، وبلغاريا.

 

 مواقف متضاربة
يستند أنصار التعديل الوراثي في خصائص النبات إلى الإيجابيات التي حققتها هذه التقنية، كتخفيض استخدام المبيدات الزراعية، والانتاجية العالية للنبات، والقدرة على مقاومة الآفات الزراعية... وهو ما يعد بتلبية حاجات البشرية المطّردة إلى الغذاء من جراء الانفجار السكاني، وتراجع مساحة الأراضي الزراعية، والتدهور البيئي. ويؤكّد هؤلاء أن النباتات المعدّلة وراثيًا ستسهم في زيادة الأمن الغذائي العالمي من خلال إنتاجيتها العالية.
في المقابل يطالب معارضو التعديل الوراثي بالتريّث وبمزيد من الأبحاث، خصوصًا في ظلّ توافر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي لم يتمّ استغلالها في كثير من دول العالم. هذا التضارب في المواقف دفع الاتحاد الأوروبي إلى المطالبة بضرورة أن تكشف شركات الأغذية عن محتويات منتجاتها الغذائية. كما تمّ إصدار تعليمات وتشريعات خاصة بالسلامة الحيوية للإنسان والحيوان، وإقرار بروتوكول الأمان الحيوي في العام 2001 الذي وقّعت عليه 130 دولة في مونتـريال. وينظّم هذا البروتوكول حركة الكائنات المعدّلة وراثيًا بين الدول، ويُلزم الدول المصدّرة لتلك الكائنات إعطاء كل المعلومات المطلوبة للدول المستوردة.