- En
- Fr
- عربي
تربية وطفولة
إنّه بالفعل مشكلة متحركة، فهو دائم الحركة قليل التركيز، لا يتعلّم من أخطائه، لا يعرف الصبر ولا يتحمّل الإحباط، ليس هذا فقط بل هو كثيرًا ما يصطدم بقطع الأثاث، وأحيانًا يجد صعوبة في ارتداء القميص أو ربط شريط الحذاء. وعلى الرغم من أنّ هذه الصفات يشترك فيها بنسبة أو بأخرى معظم الأطفال، إلّا أنّ %50 فقط منهم يعانون بالفعل مشكلة فرط النشاط.
من المبالغ فيه أن نصف مشكلة فرط النشاط لدى الطفل بالمرض، لكنّها بالتأكيد مشكلة، والأهل يحتارون غالبًا في التعامل معها. فأحيانًا تراهم يفرحون لحيوية الطفل، لكن هذه الحيوية تتحول إلى مصدر إزعاج وقلق للعائلة، إذا زادت عن حدّها واتّخذت طابع الاستمرارية.
يُعدّ النشاط الزائد مشكلة سلوكية، تظهر لدى بعض الأطفال بين عمر 6 و 8 سنوات، ويلاحظ وجودها لدى الذكور بنسبةٍ تصل إلى 4 أضعاف ما هي عليه لدى البنات.
يتميّز الأطفال ذوو النشاط الزائد باندفاعهم بحركةٍ غير هادفة، فهم لا يمتلكون القدرة على التركيز في تحركاتهم وتصرفاتهم، وبما أنّهم لا يستفيدون من تجاربهم ولا يتذكّرون عواقب ما حدث لهم أو تعرّضوا له، فما يكتسبونه من خبراتهم السابقة يبدو ضئيلًا.
الأعراض والسلوكيات
تتّصف حركات هؤلاء الأطفال بالاندفاع وعدم التبصّر وقلّة الصبر، وهم لا يكملون المهمات الموكلة إليهم عادة، ويرتكبون الأخطاء نتيجة الاندفاع وليس عدم الفهم، كما أنّهم لا يتحملون الإحباط مهما كان بسيطًا، وحديثهم يفتقر إلى التسلسل المنطقي وتختلط فيه الألفاظ أحيانًا بسبب السرعة. ويعاني الطفل المصاب بالنشاط الزائد مشكلة أخرى وهي عدم قدرته على التركيز بشكلٍ جيد وتُعرف بـ«اضطراب الانتباه». فهو يتصرّف من دون تفكير، وبصفةٍ عامة لا يستغرق وقتًا كافيًا في تحليل المشكلة المطروحة أمامه، ويظهر درجة من النزق وكثرة التململ، ولا يستطيع التركيز على أمر واحد، بل ينتقل من شيء إلى آخر، علاوة على أنّه بشكلٍ عام كثير الشكوى.
يظهر السلوك العدواني كأحد الأعراض المصاحبة لهذه المشكلة وبصفةٍ خاصة بين الأولاد الذكور، إضافة إلى التعابير الانفعالية الشديدة، وسرعة التحوّل من نشاط إلى آخر وتقلّب الحالة المزاجية بين المرح والانزعاج.
في المدرسة لا يستطيع الطفل الجلوس داخل الصف فترة طويلة في مقعده، وهو لا يحافظ على أدواته، ويصرّ على تناول طعامه في الوقت الذي يحلو له، كما يكثر اصطدامه بقطع الأثاث وبالآخرين بشكلٍ لافت للانتباه، وهو لا ينضبط بالطرق العادية، ولا يلتزم المهمات الموكلة إليه. وهناك عدد من الأطفال المصابين بالنشاط الزائد، قد يعانون أيضًا من اضطراب وعدم تناسق الحركات العصبية العضلية الدقيقة، فيجدون صعوبة في ربط أزرار القميص أو شريط الحذاء أو الإمساك بالأشياء الصغيرة، علاوة على سقوط الأشياء الدقيقة من أيديهم.
كما نشاهد لدى عدد منهم مشكلات في الكلام واللغة منذ مراحل الطفولة المبكرة. وقد يُلاحَظ أيضًا الأرق، وسلس البول الليلي (التبوّل اللا إرادي خلال النوم)، والكوابيس وآلام البطن. وتجدر الإشارة إلى أنّ المشكلات السلوكية التي تحدث لدى بعض الأولاد تؤثّر على تكيّفهم داخل المدرسة وبالتالي على تحصيلهم الدراسي. إنّ السلوكيات التي سبقت الإشارة إليها لا تمثّل مشكلة بحدّ ذاتها إذا كانت موجودة عند الطفل بصورةٍ نادرة وغير متكررة، إذ إنّ الأولاد من مختلف الأعمار، قد يظهرون بعض التصرفات السلوكية الشاذة، استجابة منهم لموقفٍ معيّن أو سبب ما، وهي سرعان ما تزول بزوال السبب المؤدي إليها. لكن هذه السلوكيات تُعتبر مشكلة في حال تكرارها باستمرارٍ وبدرجةٍ شديدة.
أسباب فرط النشاط عند الأطفال
هناك مجموعة مركّبة من الأسباب التي يمكن اعتبارها مسؤولة عن مشكلة الحركة الزائدة أو فرط النشاط عند الأطفال. ومنها نشاط الجزء تحت القشري في الدماغ، أو ضعف نمو الدماغ كما يحدث في حالات نقص الأوكسجين خلال دقائق الولادة، إضافة إلى عدد من العوامل الوراثية والنفسية. وقد تؤدي العوامل التربوية والاجتماعية أيضًا دورًا فاعلًا في تطوّر الحالة. ويحدث نقص الانتباه وفرط النشاط عند الأطفال المصابين بهذه المتلازمة بسبب عدم قدرة الدماغ على التمييز بين الحوافز الرئيسية أي التنبيهات المهمة، مثل شرح المدرّس في الصف أو تعليمات الأم وتوجيهاتها، وبين الحوافز الثانوية العابرة، أي التنبيهات غير المهمة للدفاع، مثل صوت سيارة عابرة أو صوت جرس المدرسة. فالطفل المصاب يهتم بالحوافز الثانوية ما يشغله عن التركيز في الحوافز الرئيسية.
هل العلاج ممكن؟
في ما يتعلق بمضاعفات مرض فرط النشاط وعلاجه، قد يحدث تحسّن في حالات كثيرة مع نمو الطفل ونضج جهازه العصبي، فينخفض معدّل الحركة الزائدة عنده ويصبح مماثلًا لأقرانه بشكلٍ عام، وهو ما قد يعتبره البعض مؤشرًا على تحسّن الحالة. إلّا أنّ الدراسات الحديثة أثبتت أنّ الأولاد الذين تتحسّن حالاتهم من ناحية الحركة الزائدة قد تستمر معاناتهم من اضطرابات الانتباه مثل الشرود وقلّة التركيز والسلوك العدواني وضعف الذاكرة وأحيانًا الجنوح، ما قد ينعكس على مستواهم الدراسي وتحصيلهم العلمي، وذلك لدى أكثر من 50% من الأولاد ذوي المعدلات الطبيعية للذكاء. وقد تُلاحظ أيضًا اضطرابات في الحياة الاجتماعية، إذ تتعرض نسبة كبيرة من هؤلاء الأولاد للحوادث والاضطرابات النفسية، وهنا يجب على الأهل أخذ الحيطة والحذر في التعامل معهم. كذلك يجب عليهم مراعاة أن تكون البيئة المحيطة بالطفل سواء داخل المنزل أم خارجه آمنة قدر الإمكان تجنبًا للحوادث. ويتعيّن عليهم أيضًا مراعاة مشاعر الطفل، وتجنّب الضغط عليه، ووصفه بالفوضوي وعديم الجديّة أو ضربه وتأنيبه، لما قد يؤدي إليه ذلك من تدهور سريع في الحالة. إنّ المصابين بفرط النشاط قابلون للتعلم والتدريب في معاهد تأهيلية خاصة، وهو ما يتمّ تحديده في ضوء شدة الحالة، وبناء على ما يقرّره الطبيب.
يعتمد علاج حالات فرط النشاط على إعطاء بعض الأدوية، ضمن شروط خاصة وتحت إشراف طبي مستمر، وكذلك على تنظيم البيئة المحيطة بالطفل، وتدريبه من خلال أسلوب اللعب على القيام بحركات منتظمة تكون مفيدة لتدريبه على ضبط حركاته، بشرط أن تعطيه انطباعًا إيجابيًا ولا تكون سببًا للفشل والإحباط، ويُستحسن تخصيص مكافآت للطفل في حالة استجابته للتدريب وقدرته على ضبط نفسه. ومن الضروري كذلك، العمل على مساعدة الطفل على تطوير مهاراته الاجتماعية من خلال تكليفه ببعض المهمات والأعمال الجماعية مع أقرانه أو زملائه في الصف، والإشادة بسلوكه عند نجاحه في تنفيذ المهمة. وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الأطفال يبدون ميلًا إلى أنواع معيّنة من الأطعمة، وبخاصة تلك التي تحتوي على المواد الملوّنة الصناعية، والمواد الحافظة وبعض الأحماض التي تكثر في الأغذية المعلّبة والمصنّعة. وعمومًا يجب مراعاة تجنّب الأطعمة المعلّبة، كما ينصح أيضًا بعدم إعطاء الطفل أغذية غنية بالطاقة مثل الشوكولاتة، والاتجاه نحو إعطائه غذاءً متكاملًا غنيًا بالخضار والفواكه.