- En
- Fr
- عربي
تربية وطفولة
تدرّج من البساطة إلى التعقيد والعوامل المؤثرة عديدة
يتدرج النشاط العقلي عند الطفل من البساطة إلى التعقيد، وذلك وفق تدرجه في العمر وفي مراحل النمو. ويتأثر هذا النشاط بالمواقف والخبرات التي يكتسبها كل طفل، وبالقدرات التي يمتلكها.
مراحل النمو العقلي
يقسم جان بياجيه (أحد أهم علماء النفس في هذا المضمار) النمو العقلي عند الطفل إلى ثلاث مراحل: المرحلة الحسية – الحركية التي تمتد حتى عمر السنتين، وخلالها يميّز الطفل عناصر البيئة المحيطة به ويكتشف بعض خصائص الأشياء، ثمّ المرحلة الذاتية التي يتمركز نشاط الطفل العقلي فيها حول ذاته، وصولًا إلى مرحلة التفكير المنطقي (في عمر السادسة تقريبًا).
ويرى بياجيه أن للتنشئة الاجتماعية دورًا مهمًا في تطور النشاط العقلي للطفل، وذلك من خلال تشجيعها لعمليات الادراك والتذكّر والتخيّل والتفكير.
ما هو الذكاء؟
كثيرًا ما تتردد على مسامعنا كلمة الذكاء أو الذكي والتي تستخدم لوصف سلوك شخص في موقف معين، أو لتفوق طفل في المدرسة، أو لتصرف لبق في موقف حرج... فما هو الذكاء، وكيف نستطيع تعريفه علميًا؟
تعددت تعريفات الذكاء، إلّا أنّ معظمها يركّز على اعتباره قدرة عقلية على التعلم. وهناك من اعتبر أنّه القدرة على مواجهة المشاكل، أو التكيف مع المواقف الجديدة، أو القيام بنشاطات متنوعة تتميز بالصعوبة، والتعقيد، والابتكار.
والذكاء بشكل عام، عبارة عن أسلوب متكامل للسلوك يميّز بين فرد وآخر في التكيّف مع البيئة المتغيرة.
وما يهمنا توضيحه هو أنّ اختبارات الذكاء والدراسات، أثبتت تأثير عوامل البيئة الفعّال على النمو العقلي عند الأطفال، إلى جانب العوامل البيولوجية، والاستعدادات الجسدية. فالأسرة بما تقدمه من خبرات لازمة، ومؤثرات جيدة، وكذلك دور الحضانة، وفي ما بعد المدرسة، تتيح للطفل خبرات غنيّة تساهم في النمو العقلي السليم.
ويؤدي الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة دورًا مهمًا أيضًا في النمو العقلي، وذلك بسبب المؤثرات المتنوعة التي توفرها الأسرة الغنية لأطفالها.
النمو الجسدي والنمو العقلي
تتوازى، عادة عملية النمو الجسدي مع عملية التطور العقلي عند الطفل، وتسير هاتان العمليتان جنبًا إلى جنب، وربما تتأثر عملية التطور العقلي بتأخر عملية النمو الجسدي، وغالبًا ما يكون المتخلفون عقليًا أقل نموًا (من حيث الوزن والطول) من الأطفال العاديين، أو الأذكياء.
فالعاهات أو الإعاقات الجسدية تؤثر بشكل سلبي على الذكاء، إذ أنّ «غياب» عضو من أعضاء الجسم أو قصوره، يؤثر سلبًا على استقبال المؤثرات الخارجية، واكتساب الخبرات التي تساعد في النمو العقلي. لذا فإنّ مراعاة النمو الجسدي السليم للمولود، والاهتمام بصحته وإخضاعه للعلاج اللازم عند الحاجة، وعدم تعريضه لخطر الإصابة بالعاهات، أمور أساسية ينبغي عدم التهاون فيها.
النمو اللغوي
يتطور النمو اللغوي عند الطفل في البكاء والصياح خلال الأشهر الأولى من عمره، وتأخذ الصيحات نوعًا من التمايز ذي الدلالة، أو تصبح معبرة عن شيء معين له دلالته. والأم تدرك ذلك بشكل جيّد، وتعرف إذا كان طفلها جائعًا أو موجوعًا، أو بحاجة إلى «تنظيف» من خلال نوعيّة صياحه، وتدرك أيضًا صيحات الفرح والسرور والراحة. في الشهر الثالث والرابع يبدأ الطفل بالمناغاة، ثم يبدأ بالاستجابة لأصوات من حوله بإدارة رأسه. وفي الشهر السادس يصبح قادرًا على تمييز الأصوات المختلفة. أمّا في الشهر العاشر فيستطيع فهم بعض الأوامر. ويرى العلماء أنّ الطفل يبدأ باستعمال الكلمات بين الشهر الثاني عشر والرابع عشر، ولا يتعدى تحصيله اللغوي في هذه السن الثلاث كلمات. أما في عمر السنتين فيحصّل حوالى 300 كلمة، وحوالى 900 كلمة في سن الثلاث سنوات. وفي سن الست سنوات يصل تحصيله إلى حوالى 2500 كلمة.
لا يقتصر النمو اللغوي عند الطفل على عدد الكلمات، بل يشمل صحة إخراج الحروف، وهذه العملية تتقدم مع تقدم عمره، وتتأثر كغيرها من عمليات النمو بعوامل مختلفة. فأي عجز في أجهزة الكلام والسمع يؤخر النمو اللغوي، كما أن الزوائد الأنفية وأمراض اللّوزتين قد تؤدي إلى عيوب في النطق. كذلك، تتأثر عملية النمو اللغوي بالذكاء، فالأطفال الأذكياء يسبقون أقرانهم العاديين في الكلام بحوالى أربعة أشهر، بينما يصحب التخلف العقلي عادة التأخر في الكلام.
النمو الانفعالي
تؤثر الحياة الانفعالية للطفل إلى حد كبير في توجيه سلوكه، وتؤدي دورًا مهمًا في سلامته النفسية. ويعرّف علماء النفس الانفعال بأنّه تعبير عن حالة سارة أو غير سارة، يستجيب لها الكائن الحيّ بكامل كيانه، كمواقف الصراع والتوتر، أو إشباع الحاجات والرغبات. ويتميز النمو الانفعالي عند الأطفال في الأشهر الأولى من العمر بحالات تأثر ناتجة عن عدم إشباع الحاجات الجسدية، كالطعام والنوم. فإذا أشبعت هذه الحاجات تبدأ عملية تحول الانفعالات إلى ابتهاج وسعادة، بينما تتحول إلى ضيق وتوتر في حال عدم إشباعها.
وإجمالًا تتميز الانفعالات في مرحلة الطفولة المبكرة بالحّدة، والتوتر، والتغيّر السريع، وهي تتأثر بتوسيع المحيط الاجتماعي للطفل، كإلحاقه بدور الحضانة، أو إيجاد صحبة مناسبة له بين أطفال في عمره. وفي نهاية السنة الخامسة يكون الطفل أكثر استقرارًا في حياته الانفعالية، مع العلم أنّ البيئة الاجتماعية، وأسلوب التربية يؤديان دورًا مهمًا في تحديد نمط الانفعالات ومنحها شكلًا مميزًا. أمّا في مرحلة الطفولة المتأخرة (من 5 إلى 13 سنة)، فتتميز انفعالات الطفل بالهدوء، إذ يمكّنه نموه العقلي من فهم المواقف الاجتماعية، ممّا يتيح له التحكم بتعابيره الإنفعالية، بما يتناسب ومتطلبات المجتمع، وذلك وفق أنماط الثقافة والتعليم التي يكون قد حصل عليها من أسرته.