النقاش الإسرائيلي حول الخطر النووي الإيراني بين خياري الحرب والديبلوماسية

النقاش الإسرائيلي حول الخطر النووي الإيراني بين خياري الحرب والديبلوماسية
إعداد: العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر
عميد ركن متقاعد، باحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، كاتب ومحلل سياسي في جريدة الديار

1- المقدمة

يبدو أن التهديد الإسرائيلي بتنفيذ هجوم جوي وصاروخي ضد المنشآت النووية الإيرانية قد تراجع بشكل كبير خلال شهر نيسان/ أبريل 2012 نتيجة الضغوط الأميركية والانتقادات اللاذعة التي وجّهها قادة أمنيون إسرائيليون (سابقون وحاليون) إلى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع إيهود باراك المصرّين على ضرورة اعتماد الخيار العسكري في مواجهة الخطر النووي الإيراني.

 

تراجع احتمال وقوع الحرب بعد أن كان قد بلغ أوجه خلال الأشهر الأولى من هذا العام، وقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالًا على صفحتها الأولى يوم الاثنين 30 نيسان/ أبريل 2012 تحت عنوان «الخبراء يعتقدون بتراجع احتمال الصدام مع إيران». ورأى بعض هؤلاء الخبراء أن احتمالات وقوع حرب قد تراجعت من %60 إلى %30. لكن ما زالت احتمالات حصول صدام خلال هذا العام مرتفعة نسبيًا، وهي عالية مقارنةً مع ما كانت عليه الأمور في صيف السنة الماضية وخريفها[1].

 

ثمة قناعة لدى عدد من الخبراء المتتبعين الموضوع الإيراني بأنه من الممكن عودة أجواء التهديد إلى ما كانت عليه بعد الاجتماع الثاني بين إيران ومجموعة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا في بغداد في 23 أيار/ مايو 2010، ويمكن توقّع عودة أجواء التوتر والتهديد إذا فشلت المحادثات في تحقيق أي تقدم أو في حال تأجيل الاجتماع أو إلغائه[2].

 

يمكن الاستنتاج أن التطوّر الإيجابي في الموقف الإيراني خلال محادثات إسطنبول لجهة القبول بالبحث عن مخرج من المأزق الراهن قد أفسح المجال لإعطاء العمل الديبلوماسي المزيد من الوقت ولتفكيك تعقيدات موضوع تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي دفع جميع «الصقور» في الولايات المتحدة وإسرائيل إلى التزام موقع دفاعي مؤقّت وانتظار ما ستسفر عنه محادثات بغداد.

 

كان الرئيس أوباما قد واجه كل الضغوط التي مورست على إدارته وعلى الكونغرس لتحديد «الخطوط الحمراء» التي تفصل ما بين خياري الديبلوماسية والحرب والتي يتقرّر على أساسها اعتماد الولايات المتحدة الخيار العسكري ضد إيران[3].

 

تعرّض موقف نتانياهو وباراك لانتقادات لاذعة من قادة إسرائيليين سابقين وحاليين، وعلى رأسهم رئيس الموساد السابق مئير داغان والحالي تامير باردو، ولاحقًا من رئيس «شين بيت» السابق يوفال ديسكين، ومن رئيس الأركان الحالي بيني غانتز. ودخل على خط هذا النقاش الساخن رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت حيث قال في مقابلة مع كريستيان أمنبور على شبكة «سي.أن.أن.»: «أعتقد أن اللجوء إلى القوة هو آخر الخيارات، وإني أفضّل أن يكون ذلك منوطًا بأميركا وبمساندة المجتمع الدولي، وذلك في حال فشل الجهود الأخرى». واعتبر أولمرت أن دور إسرائيل يجب أن يكون ثانويًا في حال اعتماد مثل هذا السيناريو. وأضاف: «يجب أن يبقى القرار بيد الولايات المتحدة، التي تقرّر حجم العمل العسكري وأهدافه، ويمكن أن تكون إسرائيل جزءًا من هذا الجهد ولكن يجب أن لا تقوده»[4].

 

يُظهر النقاش الإسرائيلي (السابق والراهن) مدى الخلاف الكبير داخل إسرائيل وخصوصًا ما بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع والخبراء الأمنيين والعسكريين بالإضافة إلى عدد من السياسيين. كما أنه يؤكّد تعارض المواقف بين القيادة الإسرائيلية والرئيس أوباما وإدارته، والذي يرفض الانسياق إلى الخيار العسكري في المرحلة الراهنة، ويرى أن الأولوية يجب أن تعطى للعمل الديبلوماسي لإيجاد مخرج من الأزمة مع إيران حول برنامجها النووي.

 

يهدف هذا البحث إلى استعراض مجريات النقاش الإسرائيلي والانقسام الحاصل حول خياري الحرب والديبلوماسية في ما خصّ الملف النووي الإيراني، مع ضرورة استطلاع أبعاد الخيار الإقليمية والأميركية، وسوف يتناول بحثنا خطة نتانياهو وباراك للهجوم على إيران، والصعوبات التي يمكن أن تعترضها، ورأي الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين فيها. بالإضافة إلى الخيارات الإسرائيلية البديلة للحرب العسكرية. ويبقى السؤال الأساسي المطروح: هل تملك إسرائيل القدرات العسكرية اللازمة لتنفيذ سيناريو الحرب بنجاح؟ وهل يريد نتانياهو شنّ حرب على إيران أم أنه يستعمل التهديد كوسيلة لابتزاز الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي؟ ولا بدّ في هذا السياق من التساؤل أيضًا حول إمكان إحداث اختراق في جدار الموقف الإيراني المتصلّب خلال مؤتمرَي اسطنبول وبغداد، وحول قدرة إسرائيل على استغلال أي ثغرة لتعطيل العملية الديبلوماسية والعودة إلى قرع طبول الحرب ضد إيران.

 

2- النقاش الاستراتيجي في أبعاده الإقليمية

نجحت إسرائيل من خلال توقيع معاهدة كامب دايفيد مع مصر العام 1979 في تحقيق أمنها المباشر والحؤول دون اندلاع حرب تقليدية كبيرة كحرب العام 1973، حيث لم يبق أمامها سوى بعض التهديدات والمخاطر المحدودة التي يمكنها التعامل معها وإنهاؤها الواحدة تلو الأخرى. ولحق الأردن مصر في توقيع اتفاقية «وادي عربة للسلام»، والتي وجد فيها مخرجًا للتخلّص من الضغوط الفلسطينية والسورية، وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني «بضمانة» إسرائيلية.

 

إلى ذلك إستطاعت إسرائيل من خلال غزوها لبنان العام 1982 التخلّص من الوجود الفلسطيني المسلّح في جنوب لبنان والبقاع الغربي وبيروت، في حين كان لبنان يواجه سلسلةً من الانقسامات والحروب الداخلية التي أدّت إلى تفتيته. أوجدت هذه الحالة اللبنانية، وعلى الرغم من استمرار أجواء العداء بين سوريا وإسرائيل، نوعًا من التوافق الضمني بما يحقق مصالح الطرفين في لبنان، وبموافقة أميركية – أوروبية. ونجحت سوريا بعد توقيع اتفاق الطائف العام 1989 في ضبط جميع القوى والجماعات السياسية والمسلحة في لبنان، بما فيها تلك المنتشرة في الجنوب بعد عملية «عناقيد الغضب» الإسرائيلية، والتوقيع على تفاهم نيسان، الذي دخلت فيه سوريا كطرف ضامن لتطبيقه.

 

أعطى الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003 ضمانات أمنية واستراتيجية جديدة لإسرائيل، حيث أسقط إمكانات قيام جبهة شرقية تضم سوريا والعراق ولبنان، تعوّض على سوريا الخسارة التي تسبّب بها خروج مصر من الصراع بعد توقيع معاهدة كامب دايفيد[5].

 

تعتبر إسرائيل أن خروج سوريا من لبنان في نيسان/ أبريل العام 2005، وبضغط أميركي وأوروبي، قد شكّل السبب المباشر لحرب العام 2006 مع حزب الله، وذلك بعدما شعر الحزب ومن خلفه إيران بحرية الحركة والقرار، وزوال كل الضوابط. وبعد الغزو الأميركي للعراق وجدت إيران الفرصة سانحة للاضطلاع بدور إقليمي حلمت به لعقود طويلة، سواء في أيام الشاه محمد بهلوي أو بعد قيام الجمهورية الإسلامية. وكان من الطبيعي جدًا أن يتعارض هذا الدور مع طموحات إسرائيل إلى توسيع نفوذها إلى مناطق البحر الأحمر والخليج. وتشكّل إيران بمواردها البشرية والجغرافية والاقتصادية، بالإضافة إلى تحالفها الاستراتيجي مع سوريا وحزب الله وبعض المنظّمات الفلسطينية، علاوة عن فائض النفوذ الذي اكتسبته في العراق بعد الانسحاب الأميركي، قوة إقليمية كبرى لم يعد باستطاعة إسرائيل احتواؤها بمفردها، وقد بات من الضروري اللجوء إلى الولايات المتحدة وأوروبا للتعامل أو المساعدة في التعامل مع هذا التهديد الاستراتيجي لأمنها، خصوصًا في ظل الجهود الإيرانية الحثيثة لامتلاك التكنولوجيا النووية. في ظل هذا الواقع الاقليمي الجديد، الذي أعطى لإيران دور القوة الاقليمية الساعية إلى مد نفوذها وفرض هيمنتها وصولًا إلى حدود إسرائيل مع لبنان وغزة لم يعُد بإمكان إسرائيل الاعتداد بميزان القوى الذي فرضته على الدول العربية المجاورة أو من خلال فرض هيمنتها على الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة[6].

 

في النقاش الإسرائيلي لصعود إيران كقوة إقليمية ساعية إلى الحصول على السلاح النووي، يجري التركيز الآن على مناقشة الخطر المترتب على امتلاك إيران السلاح النووي. ويشعر الخبراء الأمنيون الإسرائيليون بحالة من الاطمئنان حيال إمكان حدوث مواجهة تقليدية واسعة مع إيران وحلفائها في المشرق العربي. فإيران لا تمتلك في الوقت الراهن القدرات اللوجستية والقيادية اللازمة للمشاركة في عملية عسكرية واسعة بعيدًا عن حدودها، لكن يبدو أن أمد هذا القصور اللوجستي لن يطول في ظل تركيزها على زيادة قدراتها البحرية[7].

 

يدرك المسؤولون والخبراء الإسرائيليون المشاركون في النقاش حول امتلاك إيران التكنولوجيا النووية أن إيران ما زالت بعيدة عن صنع القنبلة النووية واجراء اختبارات من أجل التأكد من حسن تصميمها واشتغالها. ويدرك هؤلاء أن أفضل ما يمكن أن تقوم به إيران خلال فترة سنة أو سنتين هو إجراء تجربة نووية صغيرة تحت الأرض، وليس أكثر من ذلك[8]. لكن إلى جانب القلق من امتلاك إيران التكنولوجيا النووية فإن القيادات الإسرائيلية ترى في التحالفات الاقليمية الواسعة التي أقامتها إيران تهديدًا حقيقيًا للأمن الإسرائيلي. ويخلص النقاش الإسرائيلي إلى أن نجاح إيران في تحصين تحالفاتها الاقليمية، إلى جانب اقترابها من امتلاك السلاح النووي سيعطيها قدرًا من الثقة بالنفس والمناعة، ما سيدفع دول المنطقة وكل من الولايات المتحدة وأوروبا إلى القبول بها كواقع لا يمكن تغييره أو تجاهله[9]. وإذا نجح الرئيس الأسد في دحر المعارضة السورية وتفتيتها والبقاء في السلطة فإن ذلك سيصبّ في مصلحة إيران، بحيث يمكنها الاعتداد بامتلاك دائرة من النفوذ الحقيقي تمتد من حدود افغانستان مرورًا بالعراق وسوريا ووصولًا إلى لبنان. وستتحوّل إيران فعليًا إلى قوة إقليمية كبرى، تملك المساحة الجغرافية والموارد اللازمة لتهديد أمن إسرائيل، على الرغم من كل التفوّق التكنولوجي الذي تملكه هذه الأخيرة[10].

 

هناك العديد من المؤشرات التي تدلّ إلى أن إسرائيل قد قرّرت التخلي عن تعاطفها مع بقاء الرئيس الأسد في السلطة، وذلك بسبب الهواجس الاستراتيجية الجديدة، وباتت تفضّل قيام حكم سني بديل في دمشق، كوسيلة لكسر دائرة النفوذ الإيراني، وتقوية التيارات السنية المناوئة له. ثمة قناعة لدى عدد كبير من المشاركين في النقاش داخل إسرائيل حول ما يجب فعله تجاه قوة إيران المتنامية، ومفادها عدم إقدام إسرائيل بمفردها، ومن دون استعداد أميركي للمشاركة، على شن أي هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية، وأن الحكمة تقضي بأن تستمر إسرائيل بشن حربها النفسية والمخابراتية ضد إيران، الأمر الذي يفسح المجال أمام الرئيس أوباما للإنصراف كليًا إلى إدارة معركته الرئاسية الثانية. ويشدّد العديد من الخبراء الإسرائيليين على التحذير من خطورة شن إسرائيل هجوم أحادي من خلال استعمالها بعض المطارات في اذربيجان المجاورة، من دون إعلام واشنطن مسبقًا بالأمر، حيث يمكن أن يتسبّب ذلك بإقفال مضيق هرمز بواسطة الألغام، وبالتالي التسبّب بأزمة إقتصادية دولية واسعة. ويؤكّد النقاش الدائر في إسرائيل أنه في ظل اعتماد إسرائيل الكلي على الدعم والمساعدات الأميركية (المال والسلاح) تتحتّم مراعاة تل أبيب المصالح الأميركية في المنطقة، وبالتالي فإن أي قرار بالهجوم على إيران يجب أن يكون مشتركًا بين إسرائيل والولايات المتحدة. ويؤدي هذا الترابط الاستراتيجي بين البلدين إلى فرض ضوابط على لجوء إسرائيل إلى قدراتها الجوية والصاروخية بشكل قد لا يقتصر فيه الأمر على إيران، بل يمكن أن يتوسّع ليشمل دولًا أخرى[11].

 

3- التهديدات الإسرائيلية

إستبقت إسرائيل صدور التقرير الجديد عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول تطوّر قدرات إيران لإنتاج السلاح النووي بحملة إعلامية واسعة ترافقت مع مجموعة واسعة من النشاطات العسكرية التي كان هدفها المباشر الإيحاء أن حكومة نتانياهو هي في صدد الإعداد لشنّ ضربة إستباقية ووقائية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية[12].

 

في رأي خبراء عسكريين لا تعني التسريبات الإسرائيلية حول هذه الاستعدادات العسكرية أننا بتنا على أبواب حرب وشيكة بين إسرائيل وإيران، مع احتمال أن تتوسّع لتتحوّل إلى حرب إقليمية، تشارك فيها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. لكن هذا الاستنتاج لا يقلّل من عمق الأزمة القائمة حول الاتهامات التي ساقها التقرير الدولي الجديد، والتي يمكن أن توظّفها حكومة نتانياهو من أجل الإيحاء بجدّية استعداداتها لمثل هذه الضربة العسكرية التي تحدّثت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية أوائل العام الحالي[13].

 

يبدو بوضوح أن الظروف الموضوعية لشن مثل هذا الهجوم لا تتوافر في الوقت الراهن، وأن الهدف من كل هذه الضجة الإعلامية وما رافقها من مناورات جوية في إيطاليا أو داخل إسرائيل، لا يعدو كونه محاولة إسرائيلية لتحريك المجتمع الدولي من أجل بذل المزيد من الجهود لاحتواء البرنامج النووي الإيراني[14]. لكن ذلك لا يعني إطلاقًا أن إسرائيل ستقف مكتوفة الأيدي في المستقبل عندما تتأكّد من فشل الجهود الدولية في احتواء المشروع النووي الإيراني. في هذا الاطار لا بدّ من توقّع استمرار إسرائيل في السياسة الضاغطة التي تنتهجها الآن سواء على الصعيد الإعلامي أو على صعيد استكمال الاستعدادات العسكرية، بانتظار توافر الظروف المناسبة لشن ضربة وقائية ضد خطر امتلاك إيران لسلاح نووي، والذي يصفه الثنائي نتانياهو – باراك بالخطر المصيري.

 

تدرك القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية المخاطر والتداعيات التي يمكن أن يرتبها تنفيذها مثل هذه الضربة «الوقائية»، وهذا ما يمنعها من الانسياق نحو تكرار المغامرتين الناجحتين ضد مفاعل «تموز» في العراق، ومفاعل «الكبر» في سوريا. وفي الواقع لا تتوقف الحسابات الإسرائيلية عند ما يمكن أن تقوم به إيران وبعض حلفائها من ردود فعل عسكرية تستهدف الداخل الإسرائيلي، بل تتعدّى ذلك إلى احتساب النتائج وخصوصًا لجهة مفاعيل الضربة على البرنامج النووي الإيراني وحجم الأضرار التي يمكن أن تصيبه، وتأثير ذلك على الأجندة الإيرانية لامتلاك أول سلاح نووي. هناك العديد من المصاعب والعقبات التي يُواجهها المخططون الإسرائيليون، والتي تترك الكثير من الشكوك حول جدوى تنفيذ هجوم كهذا ، بالمقارنة مع الأثمان الباهظة التي يمكن أن تتكبدّها إسرائيل من جراء الدخول في مواجهة مفتوحة مع إيران ومع حزب الله في جنوب لبنان[15].

 

4- المصاعب والتداعيات

ستواجه إسرائيل في حال ركوبها مغامرة تنفيذ تهديداتها بضرب المنشآت النووية الإيرانية، مجموعة من المصاعب والتداعيات التي سيكون من الصعب جدًا تجاوزها، ومن أبرزها[16]:

-1 توزيع البرنامج النووي الإيراني على عدد كبير من المنشآت والمواقع تفصل بينها مسافات طويلة، ما يجعل إمكان تعطيل هذا البرنامج مهمة مستحيلة، مع الأخذ بعين الاعتبار الامكانات الإسرائيلية، التي قد لا تسمح بتنفيذ الهجوم ضد أكثر من أربعة إلى ستة مواقع إيرانية.

-2 لا تتوافر أي ضمانات حول نجاح القصف الإسرائيلي لبعض المنشآت الإيرانية الحساسة التي جرى بناؤها تحت الأرض أو في أقبية حفرت تحت الجبال مثل منشأة «قم» لتخصيب اليورانيوم.

-3 ثمة مواقع إيرانية سرّية لم يتم التعرف إليها من قبل أجهزة الاستعلام الدولية، وتعطي الفرصة لإيران للاستمرار في تنفيذ برنامج سرّي يوصلها إلى امتلاك السلاح النووي، على غرار ما فعلت في السابق كل من الهند وباكستان وإسرائيل. من هنا فإنه لا يمكن توقع وقف البرنامج النووي الإيراني إلا إذا قرّرت طهران ذلك.

-4 يدرك المخططون الإسرائيليون ضخامة تداعيات الهجوم على إيران ومخاطره ، كما يدركون مدى حاجتهم إلى مشاركة الولايات المتحدة في هجوم كهذا من أجل التأكّد من إمكان نجاحه في تدمير القسم الأكبر من البرنامج النووي الإيراني. وتبقى الصعوبة الكبرى في استحالة إقناع الولايات المتحدة بالمشاركة بعمل عسكري كهذا سواء بسبب التعقيدات التي سيخلّفها على المستويين السياسي والاستراتيجي أو بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تواجهها أميركا في الوقت الراهن. وسيؤدي أي إقفال «مؤقّت» لمضيق «هرمز» إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، وإلى تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية على المستويين الأميركي والدولي.

 

تحاول إسرائيل من خلال هذا التصعيد في الموقف الإعلامي الذي يوحي بقرب موعد تنفيذ هجوم جوي وصاروخي ضد إيران، أن تدفع النقاش حول البرنامج النووي الإيراني على ضوء المعلومات والاستنتاجات التي تضمنها تقرير الوكالة الدولية، نحو التأكيد أن الجهود الديبلوماسية المترافقة مع سياسة العقوبات لن تؤدي إلى أي نتائج ملموسة، وأنها باتت تعكس ضعف القوى الغربية وتقصيرها في معالجة الرفض الإيراني لكل المخارج المطروحة. ويشدّد الموقف الإسرائيلي الراهن على أن الوقت لا يعمل لمصلحة المبادرات الغربية لاحتواء المشروع الإيراني، وأن إيران قد أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من صنع أول سلاح نووي، ما سيعرّض الأمن الإسرائيلي لتهديد مصيري، وبالتالي بات من حق إسرائيل أن تعد العدة لاحتواء هذا التهديد من خلال عمل عسكري حاسم، وأن تطالب الولايات المتحدة والدول الغربية بتقديم المساعدة اللازمة لضمان نجاح العملية الهجومية[17].

 

يبدو أن القيادة الإيرانية قد أدركت أبعاد الخطة الإسرائيلية فردّت بقوة على لسان المرشد الأعلى الإمام علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد، أنه سيجري الرد على أي نوع من التهديد والهجوم بقوة وبقبضة من حديد. ويؤشر موقفها المتشدّد إلى قناعتها أن الظروف الاقتصادية والاستراتيجية الراهنة التي تواجهها الولايات المتحدة ستحملها على رفض الانسياق مع أي مطلب إسرائيلي باللجوء إلى الخيار العسكري في المدى المنظور. وهنالك اعتقاد عام أن الاستراتيجية الأميركية ستقتصر في المرحلة الراهنة على استكمال النظام الدفاعي القادر على احتواء الخطر الإيراني وبمشاركة ست دول عربية خليجية، بقيادة المملكة العربية السعودية. قد نجحت الولايات المتحدة أخيرًا في ضمّ تركيا إلى استراتيجية الاحتواء هذه من خلال نصب رادارات إنذار وكشف على الأراضي التركية[18].

 

5- نقاش الخبراء الإسرائيليين

إعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أن إسرائيل يجب أن تتخذ قرار التعامل مع خطر حصول إيران على السلاح النووي، وأن هذا القرار يجب أن لا ينتظر اليوم الذي تحصل فيه طهران على القنبلة النووية، بل البرهة التي تقترب فيها من «منطقة المناعة»، والتي تشكّل السقف الذي لا يعود من الممكن في ظلّه منع إيران من الحصول على السلاح. ورأى باراك في قرار إيران نقل عمليات تخصيب اليورانيوم من منشأة «ناطنز» إلى منشأة «فوردو» القائمة داخل جبل قرب مدينة قم اختراقًا لهذا السقف، بحيث تصبح أي عملية عسكرية تشن على إيران من أجل منع حصولها على القنبلة عقيمة ومن دون جدوى[19].

 

أثار موقف باراك شكوكًا لدى الولايات المتحدة حول النوايا الإسرائيلية، ومخاوف من أن تقوم إسرائيل بشن هجوم جوي ضد إيران من دون إعلامها بذلك. ردت واشنطن أن التعبير الذي استعمله باراك (منطقة المناعة) ليس له تعريف واضح، وأنه يؤشر إلى أن إسرائيل تنظر إلى المعضلة من زاوية ضيّقة، وأن هناك خيارات أخرى لتعطيل البرنامج النووي الإيراني غير الهجوم العسكري[20].

 

يدرك الجميع مدى تأثير مثل هذا الموقف الأميركي الرافض للخيار العسكري الإسرائيلي على الوسط السياسي والإعلامي داخل إسرائيل، خصوصًا بعد دخول وزير الدفاع الأميركي ليون أنيتا ومختلف القيادات العسكرية على خط المعالجة واستيضاح النوايا الإسرائيلية. واستدعت خطورة الموقف تدخّل الرئيس أوباما من خلال مخابرة هاتفية أجراها مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

 

فجّر الموقف الإسرائيلي نقاشًا واسعًا في الولايات المتحدة وإسرائيل تركّز على البحث عن إجابات عن عدد من الاسئلة: هل يمكن أن تهاجم إسرائيل إيران؟ اذا كان لديها القدرات العسكرية هل تنفّذ هجومًا كهذا؟ ما هو توقيت هذا الهجوم؟ وما هي الخطة المعتمدة؟

 

صدرت عشرات التصريحات والمقالات الصحافية، وخصّصت محطات التلفزة حلقات عديدة لمناقشة هذه العناوين مع مسؤولين حاليين وسابقين وخبراء استراتيجيين في الولايات المتحدة وإسرائيل. وبلغ النقاش حدود إثارة أزمة ثقة بين واشنطن وتل أبيب ما استدعى تدخّل رئيس الوزراء نتانياهو ليحزم الأمر ويطلب إلى الجميع التزام الصمت وإقفال النقاش[21].

 

ونظرًا إلى أهمية الموضوع على المستويين الجيوستراتيجي والأمني، نجد أنه من الضروري استعادة بعض المناقشات التي جرت في إسرائيل حول طريقة التعامل مع هذا التحدي الإيراني وتحليلها، مع التركيز على العناوين الأساسية وعلى آراء عدد من الخبراء الاستراتيجيين والسياسيين المعروفين بأبحاثهم الجدّية أمثال: الجنرال شلومو بروم والدكتور الباحث في الشؤون النووية شايي فيلدمان والخبير في العلاقات الدولية السفير شيمون ستاين، وآخرين.

 

إنطلق النقاش في معظم الأحيان من فرضية تقول إن حصول إيران على السلاح النووي يشكّل «تهديدًا مصيريًا» لإسرائيل، وذلك انطلاقًا من التهديدات الصادرة على لسان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وغيره من القادة حول ضرورة محو إسرائيل من الوجود. ويرى الاستراتيجيون والخبراء أن هذا النقاش لم يعتمد الدقة المطلوبة حيث تجنّب المشاركون فيه اعتماد تعريف واضح لعبارة «الخطر المصيري»[22]. ورأى البعض أنه من الناحية الفنية يمكن لإيران في حال حصولها على بضعة رؤوس نووية أن تفكر باستعمالها لتدمير إسرائيل. لكن وزير الدفاع ايهود باراك لم يتبنّ هذه الفرضية حيث اعتبر إسرائيل دولة قوية تملك وسائل الرد المناسب على كل أنواع التهديدات التي تواجهها. ويعتبر آخرون أمثال رئيس الموساد الحالي تامير باردو والرئيس السابق إفرايم هليفي أن إيران لا تشكّل «تهديدًا مصيريًا» بمجرد الحصول على السلاح النووي، طالما أن إسرائيل تمتلك وحدها قوة نووية كبرى في المنطقة[23].

 

يرى الخبراء أن المهم في الأمر ليس حصول إيران على السلاح النووي بل في قدرة إسرائيل على استعمال عامل الردع لديها لمنع إيران من استعمال هذا السلاح. في المقابل تتأثّر مفاعيل الردع بقدرة إيران على إجراء حساب للربح والخسارة في حال استعمال السلاح النووي، وأيضًا على مدى إدراك القيادات الإيرانية لحجم «العقاب» الذي يتوقّعونه. وهنا يطرح السؤال: هل يعتبر من يتحدّثون عن الخطر المصيري أن قادة إيران هم «فاعلون عقلانيون»؟ إذا كانوا كذلك فإنهم لن يخوضوا «المغامرة المميتة»، في مواجهة حصول إيران على القنبلة النووية. يمكن لإسرائيل اعتماد عامل الردع النووي في مواجهة الخطر النووي الإيراني، بدل ركوب المغامرة العسكرية مع كل ما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات على إسرائيل وعلى المنطقة وعلى الاقتصاد العالمي[24].

 

ويتحدّث الباحثون الإسرائيليون عن تأثير حصول إيران على السلاح النووي على المستوى الاقليمي، حيث أن الأمر لا يقتصر على المعادلة الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل، بل يشمل الدول العربية الرئيسة وأيضًا تركيا. وقد يتسبب امتلاك إيران القنبلة النووية بخلل في موازين القوى بينها وهذه الدول، بحيث لا يمكن تصحيحه إلا بسعيٍ حثيث من قبلها للحصول على السلاح النووي، ما يفتح سباقًا نحو التسلّح وبالتالي حصول مزيد من الانتشار النووي[25]. كما يمكن أيضًا أن تتحرّك إيران بعد امتلاكها السلاح النووي باتجاه فرض هيمنتها على كل منطقة الخليج، وبالتالي تدخّلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول من خلال الاعتماد على فائض القوة الذي تملكه أو من خلال تحريك الشرائح الشيعية داخل هذه الدول.

 

فردود الفعل في حال حصول إيران على السلاح النووي لن تقتصر على إسرائيل بل ستشمل تركيا ومصر والسعودية، وان أي قرار تتخذه إسرائيل لتفعيل عامل الردع لديها لمواجهة التهديد الإيراني، سيشجع الدول الثلاث على العمل للحصول على السلاح النووي. أما بشأن سوريا فإن الخبراء الإسرائيليين يرون أنها غارقة في حال من الفوضى، وأنه سيمر وقت طويل قبل استعادة قواها ودورها على المستوى الاقليمي. ولا يبدو أن إيران على استعداد لتوفير مظلة واقية للنظام السوري وذلك تجنبًا للاصطدام بالقوة الاقليمية والدولية التي تفتش عن صيغة للتدخّل ضد نظام بشار الأسد. لكن في حال تمكّن النظام السوري من قمع الانتفاضة وإخمادها، فإنه يمكن أن يستفيد مستقبلًا من المظلة النووية الإيرانية في المواجهة مع إسرائيل[26]. لا يأخذ الخبراء الإسرائيليون أي موقف واضح حول مدى استفادة حزب الله وحماس من العامل النووي الإيراني. ويبقى من المشكوك فيه أن تحاول إيران استعمال مظلتها النووية لحماية حزب الله في حال تعرّضه لهجوم إسرائيلي كاسح.

 

يمكن أن تقنع الولايات المتحدة كل من السعودية ومصر بعدم السعي إلى الحصول على سلاح نووي خاص بهما، بل بالاستعاضة عن ذلك بمظلة نووية أميركية في مواجهة التهديد النووي الإيراني. أما بشأن تركيا فإن الاستنتاج يذهب إلى أن تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي، وتقع حكمًا تحت المظلة النووية لدول الحلف، كما أنها ستدخل ضمن الدول التي ستتركّز على أراضيها شبكة الدفاع الصاروخية الجديدة.

 

يشمل النقاش الإسرائيلي عامل الوقت، إي تصوّر الفترة اللازمة لإيران لبناء أول سلاح نووي انطلاقًا من المعلومات التي وفرها تقرير الوكالة الدولية الأخير أو من المعلومات الخاصة التي تملكها الولايات المتحدة وإسرائيل. ويذهب النقاش إلى طرح مسألة الاختيار ما بين إقرار ضربة استباقية لمنع إيران - أو تأخيرها - من الحصول على القنبلة، أو القبول بسياسة العزل والعقوبات المشددة التي تعتمدها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. يبقى محور النقاش الأساسي ما يأتي: هل إن الوقت الفاصل عن صنع القنبلة هو كاف لتؤدي العقوبات المشدّدة كامل دورها ومفاعيلها على المستويات السياسية والاقتصادية والتقنية كلها بحيث تتراجع إيران عن جهودها الراهنة لامتلاك السلاح النووي.

 

يذهب بعض الخبراء إلى أن عمليات التخريب الجارية على البرنامج النووي، مع التركيز على إضعاف قدرات إيران على التخصيب قد يؤخّر حصولها على كميات كافية من اليورانيوم المخصّب بدرجة %20، والذي يمكن تحويله في فترة قصيرة إلى وقود نووي[27].

 

ويذهب البعض الآخر إلى الاستنتاج أنه قد يكون من المنطقي عدم التسرّع وتنفيذ هجوم على إيران، وذلك بانتظار منح عمليات التخريب والعقوبات المشدّدة الفترة اللازمة من أجل إقناع إيران بالقبول بتسوية. لكن يبدو أن نتانياهو ما زال يرفض هذا الخيار.

 

-6 خطة نتانياهو لضرب إيران

نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في صفحتها الأولى في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 مقالًا للصحافي الإسرائيلي ناحوم بارنيا تحت عنوان «الضغوط النووية» اتهم فيه رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع إيهود باراك ببذل جهودهما للتحضير لعملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. كما يتهم رئيس الوزراء بأنه ينطلق في مقاربته من نظرة رؤيوية (مستمدّة من سفر الرؤيا) ومن ثقة مطلقة بقدرة إسرائيل على شن هجوم جوي كاسح لتدمير المنشآت النووية الأساسية في إيران، وذلك انطلاقًا من تجاربها السابقة والناجحة في شن هجمات وقائية ضد المفاعل النووي العراقي العام 1981، وضد الموقع النووي السوري في موقع «الكبر» في شمال سوريا في أيلول/ سبتمبر العام [28]2008. ويعتقد نتانياهو وباراك أن إسرائيل ستكون قادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني من الجو على غرار ما فعلته في التجربتين السابقتين. وفي إطار توسيع النقاش داخل إسرائيل حول احتمال لجوء نتانياهو وباراك إلى خوض مثل هذه المغامرة الخطيرة، نشرت الصحيفة في اليوم التالي تحقيقًا حذّرت فيه من التداعيات التي يمكن أن تترتّب على هذا الهجوم ضدّ إيران، حيث يفترض توقع سقوط أعداد كبيرة من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى على عشرات المدن الإسرائيلية، مع احتمال أن تتعرّض عشرات الأهداف الإسرائيلية المنتشرة في دول عديدة لهجمات إرهابية يشنّها عملاء إيرانيون. كما أنه لا يستبعد سقوط بعض الطيارين أسرى في أيادي الحرس النووي الإيراني[29].

 

أثار مقال بارنيا والتحقيق نقاشًا واسعًا داخل إسرائيل، شارك فيه الإعلام وبعض السياسيين إلى جانب عدد من القياديين الأمنيين والعسكريين. فعبّر وزير داخلية إسرائيل ايلي يشاي من حزبٍ شاس عن الهواجس التي تراوده حول ما يمكن أن يحدث من ردود فعل على أي هجوم إسرائيلي ضد إيران بقوله: «إني مصاب بأرق وقلق حول إمكان شن إيران وحليفها حزب الله من لبنان هجومًا ضد إسرائيل». في ظلّ هذا النقاش، أجرت صحيفة «هآرتس» استفتاءً حول الموضوع، كشف عن أن أكثر من نصف الرأي العام الإسرائيلي لا يؤيّد شن مثل هذا الهجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية[30].

 

تخلّلت هذا النقاش الساخن جملة اتهامات ضد نتانياهو مفادها أنه ينطلق من رؤية إيديولوجية، ومن القياس على عمليات عسكرية سابقة من أجل توريط إسرائيل في حرب خطيرة، من دون إعطاء الشعب الاسرائيلي الفرصة لمناقشة النتائج السياسية والعسكرية التي يمكن أن تترتب عليها. وتُقارن اندفاعة نتانياهو وباراك بما حدث في الولايات المتحدة العام 2003 في شأن قرار الحرب على العراق، حيث اتخذ بوش مدعومًا من نائب الرئيس تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد قرار الحرب، على الرغم من كل النصائح التي أسداها له ضباطه وقادة الأجهزة الاستعلامية.

 

كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد استبقت هذا النقاش بإطلاق حملة دبلوماسية بدأت أواسط شهر أيلول/ سبتمبر 2011 حيث كلفت السفراء الإسرائيليين بالعمل على إقناع دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دول غربية أخرى، بفرض عقوبات قاسية ضد إيران في محاولة جديدة لدفعها للتخلي عن عمليات تخصيب اليورانيوم وذلك على ضوء صدور تقارير من الوكالة الدولية للطاقة النووية تتهم فيها إيران بالسعي إلى صنع قنبلة نووية يمكن استعمالها بواسطة الصواريخ الباليستية. أرادت الخارجية الإسرائيلية أن تستبق في حملتها الديبلوماسية ما سيحمله التقرير الدولي الجديد الذي أصدرته الوكالة الدولية في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، والذي كان من المتوقّع أن يتضمّن تفاصيل تؤشّر إلى جهود إيران الحثيثة لصنع قنبلة نووية[31].

 

تلتقي إسرائيل مع الولايات المتحدة على ضرورة استعمال النتائج التي أوردها تقرير الوكالة الدولية من أجل فرض عزلة كاملة على إيران. وتقترح الخارجية الإسرائيلية، وفق ما أبلغه السفراء لواشنطن، وباريس، ولندن وبرلين، أن تشمل العقوبات الجديدة قطع كل الاتصالات مع البنك المركزي الإيراني، وفرض حظر على مشتريات النفط الإيراني، وتقييد حركة الطيران المدني والمراكب البحرية التجارية الإيرانية[32].

 

يبدو أن الحملة التي شنتها وزارة الخارجية لم تقنع نتانياهو وباراك حيث تحدّث تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» الاربعاء 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 عن سعيهما إلى تسويق فكرة الهجوم الجوي ضد إيران داخل مجلس الوزراء، كما عن نجاحهما في إقناع وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بدعم خيار الهجوم بعدما كان قد أبدى سابقًا معارضة واضحة للخيار العسكري[33].

 

إن ما يحدث داخل إسرائيل سواء لجهة إدخال تحسينات واجراء تجربة على صواريخ «أريحا3-» والتي تحوّلت إلى صواريخ عابرة للقارات، بالإضافة إلى التحسينات التي أدخلت على صواريخ «كروز» الجوالة التي تستعمل من الغواصات، يؤكّد إجراء استعدادات واسعة ليشمل الهجوم أسلحة الجو والبحر والصواريخ أرض – أرض البعيدة المدى.

 

وقد ربط بعض التقارير التي نشرتها وسائل الاعلام بين المناورات التي تجري في الداخل الإسرائيلي لمواجهة خطر تعرّض إسرائيل لقصف مصدره إيران وحلفاؤها، بالإضافة إلى المناورات الجوية التي نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي في جزيرة سردينيا الإيطالية، وبين الاتهامات التي ساقها ضدها عدد من القادة الأمنيين والعسكريين السابقين والحاليين. وكان أول من كشف عن نوايا نتانياهو وباراك في الإعداد لمثل هذا الهجوم على إيران، الرئيس السابق لجهاز «الموساد» مئير داغان في 11 آذار/ مارس 2012، حيث اعتبر ذلك «أسوأ فكرة على الإطلاق»، إذ أن الهجوم سيتسبّب بكارثة وحرائق تغطي المنطقة ما بين المتوسط والخليج وبحر العرب، وستكون نتائجه غالية الثمن على القوات الأميركية العاملة في منطقة الخليج[34].

 

ويبدو من المعلومات المتوافرة في الاعلام الإسرائيلي والأميركي أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مع المؤسسات الأمنية الرئيسة تعارض كل خطط نتانياهو سواء في الإعداد لضرب إيران أو للسياسات التي يتّبعها تجاه الفلسطينيين ومواقفه من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتصرّ على ضرورة ملاقاة هذا الأخير في منتصف الطريق. لكن وعلى الرغم من هذه المعارضة التي ظهرت إلى العلن، هناك معلومات عن محاولات تبذل من قبل نتانياهو وباراك لاستكمال جهودهما من أجل تسويق فكرة الهجوم وبالتالي الإلتفاف على القيادات العسكرية والأمنية المعارضة لهذا الخيار.

 

لقد ربط عدد من المحللين في فترة سابقة خطة الهجوم وتوقيته بالقرار الأميركي للإنسحاب من العراق في نهاية العام 2011، متهمين نتانياهو بمحاولة جر الأميركيين إلى حرب يبدأها مع إيران قبل انسحابهم من العراق، وعلى أساس أن القوات الأميركية في العراق والكويت ستتعرض إلى هجمات إيرانية مباشرة أو بواسطة الحلفاء مما سيدفعها إلى الدفاع عن نفسها وعن قواعدها وبالتالي الإنزلاق لتكون شريكة لإسرائيل في حرب واسعة وطويلة. لم يحدث ذلك بسبب الضغوط الأميركية. لكنه بقي من المستبعد أن يذهب نتانياهو وباراك نحو اعتماد خيار كهذا من دون الحصول على موافقة أميركية[35].

 

يبدو بوضوح أن هناك توافقًا في التقييم الذي تعتمده واشنطن للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني وبين رؤية القادة العسكريين والأمنيين في إسرائيل، حيث يتفق الطرفان على ضرورة استكمال الجهود الديبلوماسية وتشديد نظام العقوبات وتنفيذ المزيد من عمليات التخريب ضد المنشآت النووية الإيرانية.

 

7- الحرب السرية ضد إيران

أشارت السلطات التايلاندية عن ضلوع ثلاثة عملاء إيرانيين في التحضير لهجوم يستهدف السفارة الإسرائيلية في تايلاند. وتحدثت المعلومات التي نقلتها وكالات الإعلام الدولية عن وقوع انفجار غامض ومفاجئ في منزل مؤلف من طبقتين، نتيجة خطأ تقني إرتكب عند إعداد متفجّرة مصنوعة من مادة سي4- الشديدة الانفجار. وبعد ملاحقة الأشخاص الضالعين في هذه العملية وتوقيفهم تبيّن للسلطات أنهم إيرانيون وفق ما أذاعته الشرطة التايلاندية[36].

 

كان قد سبق حصول هذا الحادث أن تعرضت في العاصمة الهندية نيودلهي في 14 شباط/ فبراير 2011 سيارة ديبلوماسية تابعة للسفارة الإسرائيلية لانفجار جرحت من جرائه زوجة الملحق العسكري الإسرائيلي. وتحدّثت معلومات وسائل الاعلام من نيودلهي عن مسؤولية عملاء إيرانيين عن الحادث، ونقلت - ومن دون سابق إنذار أو مقدمات - أخبارًا عن محاولة نسف سيارة أحد الموظفين في السفارة الإسرائيلية في العاصمة الجورجية تبليسي. وتوحي هذه الأحداث المتلاحقة وكأننا أمام مسلسل من الأعمال البوليسية.

 

كان من الطبيعي أن تنكر السلطات الإيرانية ضلوعها في مثل هذا المسلسل، وأن تدّعي أن شريط الرعب المزعوم هو من صنع المخابرات الإسرائيلية ويأتي في سياق الحملة التحريضية التي تقودها حكومة نتانياهو من أجل تغطية عملياتها السرية داخل إيران من جهة، ومن أجل تغطية الأخبار المتناقلة حول خطة عسكرية لضرب المراكز النووية الإيرانية من جهة ثانية، إضافة إلى محاولة إسرائيل إقناع الولايات المتحدة الأميركية بعدم معارضتها، وبتوفير الدعم من أجل احتواء ردود الفعل الإيرانية «القاسية» على مثل هذا الهجوم.

 

يبدو بوضوح منذ فترة سنتين على الأقل أن هناك حربًا سرّية تشنها إسرائيل ضد إيران من أجل تخريب جهودها لإنتاج الوقود النووي سواء من خلال استهداف أجهزة التحكّم في وحدات «الطرد المركزي» المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، أو من خلال تنفيذ سلسلة من الاغتيالات لعدد من علماء إيران النوويين وقد نجح «الموساد» الإسرائيلي في تنفيذ بعضها في قلب العاصمة طهران.

 

تفيد معلومات مصدرها طهران عن نجاح «الموساد» الإسرائيلي في تطويع عدد من العملاء المحليين من أجل تنفيذ مسلسل من الاغتيالات لأبرز العاملين في البرنامج النووي الإيراني، ومن بينهم رئيس منشأة «ناطنز» النووية المخصصة لأعمال تخصيب اليورانيوم. وتأكيدًا لوجود مثل هذا المخطط الإسرائيلي، أصدرت محكمة الجنايات في طهران حكمًا قضى بإعدام المواطن الإيراني مجيد جمالي فاشي شنقًا لضلوعه في اغتيال أحد العلماء النوويين، وبعد اعترافه بأنه قد جرى تطويعه وتدريبه داخل إسرائيل على عملية الاغتيال التي نفّذها[37].

 

وتتحدث المعلومات الإيرانية عن أول عملية اغتيال كان قد جرى تنفيذها في 12 كانون الثاني/ يناير 2010، وكان هدفها الفيزيائي النووي مسعود علي محمدي، وذلك بواسطة دراجة نارية ملغومة ركنت أمام منزله. واستهدف انفجار في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة نفسها إثنين من العلماء الأكاديميين النوويين، بواسطة قنبلة لاصقة مغناطيسيًا ألصقها على جانب سيارتهما عميلان يركبان دراجة نارية تجاوزت سيارتهما في أثناء سيرها في الشارع أمام جامعة الشهيد بهشتي في طهران، وقد قتل العالم مجيد شهرياري، وهو من مؤسسي منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بينما نجا زميله العالم فريدون عباسي الذي تمّت ترقيته لاحقًا ليصبح أحد المسؤولين الكبار في المشروع النووي الإيراني وفق ما أفادت مصادر الوكالة الدولية للطاقة الذرية[38].

 

تؤشر هذه العمليات إلى نجاح عملاء الموساد في إحداث اختراق مخابراتي وأمني كبير داخل طهران، وذلك استنادًا إلى ما يتطلبه النجاح في تنفيذ مثل هذه الاغتيالات ضد أشخاص يفترض تأمين حماية مشدّدة حولهم. وكانت الإتهامات الإيرانية قد شملت الولايات المتحدة في شن هذه الحرب (غير التقليدية)، والتي تقوم على تنفيذ هجمات سرية لتأخير إحراز أي تقدم إيراني سريع في تطوير الوقود النووي.

 

وسارعت الولايات المتحدة بلسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون بالإضافة إلى الناطق الرسمي بإسم البيت الأبيض إلى إنكار مشاركة الولايات المتحدة في اغتيال العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشان في 11 كانون الثاني/ يناير 2012، أو الضلوع في أي عملية اغتيال أخرى. في المقابل لم يبادر أي مسؤول إسرائيلي إلى انكار إمكان أن تكون المخابرات الإسرائيلية وراء هذه الحرب السرّية ضد البرنامج النووي الإيراني والقائمين عليه.

 

وسبق أن تعرّضت أجهزة السيطرة الالكترونية لأجهزة «الطرد المركزي» العاملة في إيران لهجوم العام 2010 بواسطة فيروس «ستوكس نت» حيث تسبّب ذلك بتعطيل عدد كبير من أجهزة «الطرد المركزي» في منشأة «ناطنز»[39].

 

رفضت الولايات المتحدة ربط عمليات الاغتيال والتخريب داخل إيران بنشاط طائراتها «من دون طيار» فوق إيران، واعتبرت أن الموضوعين منفصلان نهائيًا، مع تأكيدها أن الحرب على الإرهاب لا تتضمّن قتل مدنيين داخل إيران.

 

ورأى الصحافي الإسرائيلي رونين برغمان من صحيفة «يديعوت أحرونوت» وهو متخصّص في الشؤون المخابراتية أن «جهاز الموساد قد اعتاد خلال سنوات استهداف أعداد من بينهم من لهم علاقة بالانتشار النووي»، وأضاف أن «حصيلة عمليات الاغتيال هي شلّ القدرات العلمية والعلماء، والتهويل على من يسلم منهم»[40].

 

ويبدو أن نتائج هذه الحرب السرّية قد دفعت رئيس الموساد السابق مئير داغان إلى القول في مقابلة تلفزيونية «لقد تخلّفوا (الإيرانيون) عن الرزنامة التي جهدوا للحفاظ عليها».

 

من المؤكد أنه لا يمكن توقع أن تشكّل هذه الحرب السرّية أداة فاعلة لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي. إلا إن الإرباك والتهويل لا يمكن أن يغنيا عن عمل حاسم لمنع إيران من الحصول على القنبلة، سواء عن طريق اعتماد الخيار الديبلوماسي أو العسكري.

 

8- القيادة العسكرية تعارض

في ظاهرة غريبة تمثل خروجًا فاضحًا على كل الأعراف والتقاليد السياسية والعسكرية، عبّر رئيس الأركان الجنرال بيني غانتز في مقابلة نشرتها صحيفة «هآرتس» الأربعاء 25 نيسان/ أبريل 2012 عن موقف يتعارض كليًا مع مواقف رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو حول المشروع الإيراني النووي، والاستراتيجية التي يمكن أن تعتمدها إسرائيل لمواجهته[41].

فقد عبّر الجنرال غانتز عن اعتقاده بأن إيران لا تريد الإقدام على صنع القنبلة النووية وحيازتها، وذلك انطلاقًا من تقويمه أن «القيادة الإيرانية مؤلفة من أشخاص عقلانيين جدًا». يلتقي هذا التصريح مع ما سبق أن عبّر عنه وزير الدفاع إيهود باراك للإذاعة الاسرائلية العامة في اليوم نفسه إذ قال إن إيران «لم تقرر إنتاج القنابل النووية حتى الآن».

تتناقض تصريحات المسؤولين الإسرائيليين مع مضمون خطاب نتانياهو الأخير الذي انتقد فيه اجتماع إسطنبول حيث اتهم «الأشخاص الذين يرفضون التهديد الإيراني بأنهم لم يتعلموا شيئًا من محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية».

 

ويتناقض موقف غانتز من نوايا إيران النووية مع ما دأبت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية على تكراره من اتهامات ضد إيران، وخصوصًا مع تصريحات سلفه الجنرال غابي اشكنازي. لكن غانتز ينفي وجود مثل هذا التناقض في الموقف الداخلي حول أهداف إيران، مؤكّدًا ضرورة اعتماد مقاربة هادئة وبعيدة من ردات الفعل الغاضبة، حيث يقول «إذا امتلكوا القنبلة فنحن الدولة الوحيدة في العالم التي ينادي أحدهم بتدميرها، ويبني أيضًا الأسلحة لقصفنا. يجب أن لا نفقد الأمل، فنحن دولة هادئة. إن دولة إسرائيل هي الأقوى في المنطقة، وستبقى الأقوى. يمكن، لا بل يجب صنع القرارات بهدوء ورويّة ومسؤولية تاريخية، ومن دون أن نصاب بالهستيريا». يبدو بوضوح أن هذه التصريحات تلتقي مع الأفكار التي عبّر عنها نظيره الأميركي رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن دامبسي، في أثناء زيارته قبل ثلاثة أشهر لدولة إسرائيل حيث وصفت مهمته أنها محاولة لتهدئة روع القيادات الإسرائيلية، وتأخير اللجوء إلى الخيار العسكري في مواجهة إيران[42].

 

لم يقتصر الخلاف بين المقاربة التي اعتمدها كل من غانتز ونتانياهو حول وجود نوايا إيرانية لصنع القنبلة أو الوقت الذي تمتلك فيه إيران الوقود النووي والتكنولوجيا اللازمة لصنعها، بل تعدّى التناقض هذه الأمور إلى التقويم الخاص للقيادات الإيرانية، حيث وصفهم غانتز بالعقلانيين، فيما يصر نتانياهو على أنهم أصوليون ومتعصبون ومصممون على تدمير إسرائيل. وهذا يطرح السؤال: هل تحوّل الجنرال غانتز إلى داعية للسلام؟

 

صبّت تصريحات الجنرال غانتز في اتجاه «الموقف المتراجع» نفسه، الذي بات يعبّر عنه وزير الدفاع باراك بعد زيارته الأخيرة لواشنطن. ويبدو أن توقيت هذا الاعتدال يخدم التوجهات الأميركية والأوروبية للبناء على اجتماعات إسطنبول في 23 أيار/ مايو 2012، والتي من المقرر أن تُستأنف في بغداد. وتتركّز وجهة النظر الغربية على ضرورة بذل المزيد من الجهود الديبلوماسية المترافقة مع العقوبات الاقتصادية لإقناع إيران بالتخلي عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم وفتح جميع منشآتها النووية أمام المفتشين الدوليين. وسيكون هناك متسع من الوقت للعودة إلى الخيار العسكري في حال فشلت القنوات الديبلوماسية في تحقيق الأهداف المرجوة. ولا بدّ أيضًا من الإشارة إلى مدى إدراك كل من باراك وغانتز حاجة إسرائيل إلى الحصول على الدعم الأميركي غير المحدود ديبلوماسيًا ولوجستيًا واستعلاميًا لأي عملية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية.

 

وكان من الطبيعي أن تثير تصريحات غانتز المتعارضة مع مواقف رئيس الحكومة نتانياهو بعض التساؤلات والتفسيرات داخل إسرائيل وخارجها. وقد عبّر خبير الشؤون الإسرائيلية – الإيرانية مئير جافدانفار، عن ترحيبه بهذا التطور في الموقف الإسرائيلي، والذي أبعد النقاش عن الهوس الهستيري الذي اتسم به خلال الأشهر الماضية. وقال جافدانفار: «لا أحد في إسرائيل يريد أن يرى إيران تتسلّح نوويًا، فالمعضلة تكمن في أن نتانياهو قد اتخذ موقفًا مغاليًا من البرنامج النووي الإيراني، وربطه بإمكان حدوث محرقة يهودية جديدة، ما تسبّب بإضعاف مشروعية الهواجس الإسرائيلية تجاه إيران»[43]. ورأى بعض الخبراء الأميركيين أن تصريحات غانتز المتعارضة مع مواقف نتانياهو ستعرّض مستقبله العسكري للخطر، ولكنها تعطي دليلًا قاطعًا على أن النقاش الإسرائيلي للموضوع النووي الإيراني قد تحوّل إلى جدل بيزنطي. واستنتج أحد هؤلاء أنه إذا لم يطرح نتانياهو إقالة غانتز من منصبه، فهذا يعني أن الأخير قد نسّق الأمر مع الأول.

 

هذا وصدرت بعض الاجتهادات في الاعلام الإسرائيلي من أجل تفسير الأسباب التي دعت غانتز لارتكاب مثل هذه المخاطرة في معارضة مواقف نتانياهو في قضية أساسية وحساسة مثل الموضوع النووي الإيراني، وكان من أبرزها:

-1 القول إن غانتز قد ارتكب خطأ يمكن أن يندم عليه، وإن فعلته هذه مردها الضغوط التي يتعرّض لها في موقعه كرئيس للأركان.

-2 شعور غانتز بالمسؤولية تجاه الرأي العام الإسرائيلي دفعه إلى الادلاء برأيه لتنوير الناس حول موضوع يضع إسرائيل بين خياري الحرب والسلام.

-3 وجود معارضة سياسية واسعة لخيارات نتانياهو الداعية لشن حملة عسكرية ضد إيران، والتقاء غانتز في مواقفه مع عدد كبير من الأمنيين والقادة العسكريين السابقين.

-4 إلى ذلك يمكن وضع تصريحات غانتز في سياق السياسة المزدوجة التي يحاول أن يلعبها نتانياهو مع الرئيس أوباما، فهو يريد الاستمرار في ممارسة الضغوط على هذا الأخير وعلى المفاوضين الغربيين من خلال التمسّك بمواقفه المتشدّدة من جهة، ويطمئن الشعب الإسرائيلي وأيضًا الغرب أن الحرب ليست حتمية في هذه المرحلة من خلال تصريحات غانتز المعتدلة، والتي لم تستبعد إمكان اللجوء إلى الخيار العسكري في حال فشل الديبلوماسية القريبة مع إيران.

 

تلتقي تصريحات غانتز مع المواقف التي عبّر عنها رئيس الدولة شيمون بيريز في خطابه الذي ألقاه يوم ذكرى محرقة النازية، والذي بدا فيه أنه يقف على طرفي نقيض مع مواقف نتانياهو[44]. ولكن هذا لا يعني أن هذا النقاش سينتهي بانتصار فريق على آخر بل هو مرشح لمزيد من الاحتدام على ضوء النتائج التي يمكن أن تسفر عنها المحادثات المقرّر عقدها في بغداد في 23 أيار/ مايو 2012.

 

9- موقف الرأي العام الإسرائيلي

يرى بعض المحللين الإسرائيليين أن هناك مجموعة من العوامل السياسية الداخلية التي يمكن أن تتعارض مع خطة نتانياهو لخوض المغامرة من خلال اتخاذ قرار بضرب المنشآت النووية الإيرانية. ومن أبرز هذه العوامل الداخلية مدى تأثير هذه الضربة على خيارات الناخبين الإسرائيليين في الانتخابات العامة التي من المتوقّع أن تجري ما بين العام الحالي والعام المقبل. يدرك نتانياهو أن بإمكانه الفوز في هذه الانتخابات إذا لم يطرأ أي تغيير هام يؤثّر سلبًا على ثقة الناخبين بقدراته القيادية على إدارة شؤون الدولة. وتسود أجواء من الشك والغموض حول عنصرين أساسيين سبق أن أشرنا إليهما: الأول، مدى نجاح الضربة الجوية في تدمير المنشآت الأساسية المستهدفة، والثاني، حول طبيعة ردود فعل إيران وحلفائها وقساوتهم على الضربة الإسرائيلية، وقدرة إسرائيل على تحمّل الخسائر المرتقبة عليها. ويزيد من حجم القلق الذي يساور نتانياهو إدراكه عدم توافر القناعة والحماسة اللازمتين لدعم خيار كهذا لدى حلفائه من الصقور في الإئتلاف الحكومي أو لدى الرأي العام الإسرائيلي.

 

وقد أظهرت الاستفتاءات الشعبية التي جرت في إسرائيل خلال شهري شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2012 عن وجود عدم رغبة لا بل معارضة لدى الرأي العام الإسرائيلي لقيام إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في حال غياب تعاون ودعم أميركيين. وأظهر استفتاء أجرته المؤسسة الإسرائيلية «داهاف» في أواخر نيسان/ أبريل 2012، أنه في حال عدم وجود تنسيق أميركي لأي هجوم ضد إيران فإن نسبة المعارضين لهجوم كهذا تبلغ %62 في مقابل %31 داعمين له. في المقابل عبّر %62 عن موافقتهم على شن الهجوم ضد طهران في حال تنسيق تنفيذه مع الولايات المتحدة مقابل %34 من الرافضين له[45].

 

رأى أحد الخبراء الإسرائيليين في معرض قراءته السياسية لهذه النتائج التي أسفر عنها استفتاء «داهاف» أن الرأي العام الإسرائيلي «لا يعارض حق إسرائيل في شن الهجوم، ولكنه يعبّر عن قلقه حول امتلاك القدرة على تنفيذ هجوم كهذا بفعالية مع عدم وجود دعم دولي له، فالإسرائيليون لا يرغبون أن يشار إليهم أنهم أشرار هذا العالم»[46].

 

ويتأثر الرأي العام الإسرائيلي بنتائج الاجتماع الأخير الذي جرى بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء نتانياهو في البيت الأبيض حيث عبّر الرئيس الأميركي عن رفضه القاطع لفكرة الهجوم العسكري ضد إيران من قبل إسرائيل. ويبدو بوضوح أن الدول الأوروبية تقف هذا الموقف، وقد عبّرت عنه صراحة في أكثر من مناسبة. وكان ردّ وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان على هذه المعارضة الأميركية والأوروبية أن قرار الهجوم ليس من اختصاص الآخرين، وأن معارضة «الحلفاء» لن تؤثر على قرار إسرائيل. لكن يبدو أن الرأي العام الإسرائيلي لا يشاطر ليبرمان هذا الموقف. وتؤكّد استطلاعات الرأي العام في إسرائيل أن شعبية الرئيس أوباما لم تتأثر بسبب مواقفه المعارضة للضربة العسكرية، وأن أكثرية الإسرائيليين ما زالت تؤيد إعادة انتخابه لرئاسة ثانية. فالتقويم الذي أجراه أوباما حول النتائج التي يمكن أن يسفر عنها الهجوم العسكري على إيران وتداعياته الضارّة اللاحقة يتقاطع مع آراء أكثرية الإسرائيليين.

 

في استطلاع آخر أجرته مؤسسة «داهاف» ما بين 22 و26 شباط/ فبراير الماضي كانت نسبة تأييد الرأي العام لهجوم إسرائيلي لا تدعمه الولايات المتحدة %16، في الوقت الذي أيّدت نسبة %42 هجومًا تدعمه واشنطن، بينما عارض %32 تنفيذ أي هجوم بغض النظر عن الموقف الأميركي.

 

لا يعبّر هذا الموقف من وجهة النظر السياسية عن قلق الإسرائيليين من لجوء الولايات المتحدة إلى معاقبة إسرائيل أو التخلي عنها في وقت الشدّة، فهم متيقِّنون أن الولايات المتحدة ستهرع لمساعدتهم سياسيًا (%38)، أو أنها ستدخل الحرب إلى جانب إسرائيل (%27) متناسيةً معارضتها وتحفظاتها عن القرار الإسرائيلي الأحادي الجانب[47].

 

يبدو بوضوح تراجع النقاش الداخلي الإسرائيلي حول موضوع الضربة العسكرية ضد إيران منذ عودة نتانياهو من زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وخلافه العلني مع أوباما حول هذا الأمر، والذي نقله هذا الأخير لاحقًا إلى منبر منظمة «ايباك» الداعمة لإسرائيل. فقد تمنّى نتانياهو بعد عودته إلى إسرائيل إلتزام الصمت حيال الموضوع الإيراني، وذلك خوفًا من التداعيات السياسية التي يمكن أن تحدث في حال الاستمرار به وبالتالي تأجيج الخلاف مع الإدارة الأميركية.

 

يبدو الآن أن أي نقاش يشارك فيه مسؤولون رسميون مع باحثين ومحللين من خارج الحكومة سيكون محمّلًا بالتناقضات. ولا يعود هذا الأمر إلى الاختلاف القائم في وجهات النظر المتعارضة حول فعالية الهجوم أو المخاطر المترتبة عليه، أو حول خطورة ردود فعل إيران وحلفائها مثل حزب الله وحماس، بل إلى الأجواء «المشحونة» التي يمكن أن يفجّرها في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. ويترافق هذا التراجع في النقاش الإسرائيلي في الموضوع الإيراني مع ظاهرة انقطاع التواصل المعتاد ما بين القيادات الأمنية ووسائل الاعلام، وخصوصًا بعض الصحافيين الذين عرفوا بقربهم من الأجهزة الأمنية.

 

تفيد نتائج استفتاء أجرته المؤسسة الإسرائيلية «ديالوغ» في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 أن الرأي العام يؤيد بنسبة %51 فكرة سحب موضوع الهجوم على إيران من التداول مقابل %39 يعارضونه، وذلك خوفًا من الاضرار بالأمن الوطني. وقد أثارت نتائج هذا الاستفتاء حفيظة بعض الصحافيين والمعلّقين الذين رأوا أنها تؤكّد التقليد القديم القائل بضرورة ترك القرار «لحكمة» القيادات السياسية».

 

وعلّق أحد الصحافيين على ذلك بالقول: «يعبّر موقف الرأي العام عن عدم وجود خوف لديه. لكن ذلك سيدفع حفنة من المسؤولين إلى الاعتقاد بأنه يمنحهم ثقته وطاعته الكاملتين». وفي هذا السياق أكدت نتائج استفتاء أجرته «ديالوغ» في أذار/ مارس 2012 ثقة %50 من الآراء بنتانياهو وباراك مقابل معارضة %38 [48].

 

وأثار الموقف العام انتقادات ثلاثة محللين بارزين، هم: شلومو بروم، وروبرت ستاين وشايي فيلدمان، حيث رأوا ضرورة وجود نقاش عام حول الموضوع يمكّن المسؤولين الاستفادة منه، وخصوصًا لجهة تركيز نقاش المدنيين على الأبعاد الاستراتيجية بهدف تفادي الوقوع في الأخطاء السابقة أو في أخطر منها[49].

 

في النتيجة تسيطر أجواء من الشك والغموض حول حقيقة موقف نتانياهو وباراك وخيارهما بين خوض المغامرة أو الإنصات لإرادة مواطنيهم وقبول النصائح الأميركية.

 

01- خداع الإسرائيليين وابتزازهم

كتب المعلق السياسي الإسرائيلي ألوف بن في صحيفة هآرتس في 15 أذار/ مارس الماضي مقالًا تحت عنوان «نتانياهو يحضّر الرأي العام الإسرائيلي لحرب على إيران» قال فيه: «يحاول نتانياهو (منذ عودته من واشنطن) إقناع الرأي العام الإسرائيلي بأن التهديد الإيراني هو حقيقي ومصيري، وبأن هناك طريقة واحدة فاعلة لوقفه، ومنع حصول محرقة ثانية، وذلك عبر هجوم عسكري إسرائيلي على منشآت إيران النووية المدفونة عميقًا تحت الأرض»[50]. وجاء مقال ألوف بن على أثر إذاعة نبأ عن اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، وإعلان أن أكثرية المجلس قد فوّضت نتانياهو شن هجوم على إيران، من دون الحصول على موافقة أميركية. وكان نتانياهو قد قال في خطاب ألقاه الأربعاء 14 أذار/ مارس 2012 أمام الكنيست بضرورة الرد على كل الإدعاءات القائلة إن إسرائيل هي جد ضعيفة لتذهب إلى الحرب ضد قوة إقليمية مثل إيران، وأنّها تحتاج إلى الولايات المتحدة التي تملك القدرات العسكرية اللازمة للقيام بهذا العمل وبالتالي صد مثل هذا التهديد[51].

 

لقد استحضر نتانياهو في خطابه التاريخ لإقناع أعضاء الكنيست بوجهة نظره، منوهًا برفض دافيد بن غوريون وليفي اشكول ومناحيم بيغن التعليمات الأميركية، معلنًا أنه يقف اليوم في مواجهة مع رفض أوباما وتحذيراته من مغبة شن هجوم على إيران. ويعتبر نتانياهو أن الأميركيين سيتذمرون من تصرّف إسرائيل، ولكنهم في نهاية المطاف سيقدّمون لها الدعم العسكري والسياسي الذي تحتاج إليه. كما كتب المعلّق آري شافيت في»هآرتس» مقالًا حول الموضوع نفسه حيث رأى ضرورة أن يطرح معارضو شن هجوم على إيران وداعمو شن هجوم كهذا على أنفسهم عشرة اسئلة من أبرزها: ألن يتسبّب هجوم مضاد تشنّه إيران وحزب الله بسقوط أعداد من القتلى في إسرائيل، وأن الجبهة الداخلية الإسرائيلية لن تقبل بذلك أو تتحمله؟ ألن يتسبّب هجوم لا تسانده الولايات المتحدة بتصديع التحالف الاستراتيجي الإيراني–الإسرائيلي؟ وختم شافيت مقاله بالقول «عندما نواجه مسألة مصيرية، ليس هناك يمين أو يسار، أو أشخاص سيّئون أو جيدون، دعاة حرب أو متخاذلون. عند مواجهة مسألة مصيرية لا يمكن الإنطلاق من عقائد جامدة. عند الوقوف أمام مفترق كهذا فإن النقاش الذي نجريه مع أنفسنا يجب أن يكون عميقًا، ويتسم بالحكمة والوضوح والمسؤولية»[52].

 

ويبدو أن نتانياهو لم يقتنع بالحجج التي قدمها له الرئيس أوباما في أثناء اجتماعه به في البيت الأبيض خلال الاسبوع الثاني من أذار/ مارس 2012، حول ضرورة تأخير أي قرار إسرائيلي بشن هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية، وإعطاء الوقت الكافي للعقوبات الدولية القاسية المفروضة على إيران، بالإضافة إلى إعطاء تعهدات أميركية قاطعة بالتزام كل متطلبات إسرائيل الأمنية، وبأن الخيار العسكري لشن هجوم على إيران ما زال قائمًا.

 

يضاف إلى ذلك أن خطاب أوباما والتعهدات التي قطعها أمام منظمة «ايباك» لم تقنع نتانياهو، الذي استمع إلى بعض مقاطع هذا الخطاب، وأعرض عن سماع المقاطع الأخرى التي برّر بها الرئيس الأميركي ضرورة تأجيل اللجوء إلى العمل العسكري من دون استبعاده في المستقبل.

 

يتساءل عدد من الخبراء الأميركيين الذين زاروا إسرائيل بعد عودة نتانياهو من واشنطن عن مدى جدّيته في التحضير لهجوم عسكري ضد إيران. فهناك تكهنات أن نتانياهو يعتمد الخداع في حديثه عن شن هجوم إسرائيلي من دون الحصول على ضوء أخضر أميركي، وأنه يتفق ضمنيًا مع أوباما حول ضرورة إعطاء نظام العقوبات الوقت الكافي لإقناع طهران بالتخلي عن طموحاتها النووية. ويرمي نتانياهو من خلال مواقفه التصعيدية إلى اجبار الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية على بذل أقصى الجهود لوقف البرنامج النووي الإيراني وإلّا فإنهم سيواجهون خطر التساقطات التي يمكن أن يتسبب بها الهجوم الإسرائيلي، ومنها حال الفوضى التي ستعم منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

 

تستمر التهديدات الإسرائيلية منذ سنتين ضد إيران، فهي تشتد حينًا وتتراجع حينًا آخر، وليس هناك من دلائل على جديتها في هذه المرة. ويرى بعض الخبراء أن المشهد الراهن يعبّر عن الصفات الشخصية لنتانياهو، الذي يتقن فن الكلام، وغالبًا ما يستعمله كبديل للأفعال. وان أكبر دليل على أسلوب نتانياهو الدرامي يتمثّل في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر منظمة «ايباك»، حيث فاجأ الحضور بتشبيه الخطر النووي الإيراني بالمعسكر النازي «أوشويتز»، إذ كان المشهد دراميًا لدرجة إنه دفع أحدهم إلى القول: إذا كان بهذه الخطورة، فلماذا لا يأمر بمهاجمة إيران الآن ومن وراء منصة الخطابة التي يقف خلفها؟ إلا أنه لم يفعل ذلك في واشنطن ولن يفعله في إسرائيل، لكن لا يمكن لأحد تجاهل إمكان أن يعتمد نتانياهو سلوكية مخالفة لهذه التحليلات والتوقعات كلها، فيقرّر وبشكل مفاجئ تنفيذ تهديداته بشن هجوم مباغت ضد إيران، من دون إعلام الإدارة الأميركية، وذلك انطلاقًا من تقويمه الشخصي للخطر «المصيري» الذي تمثّله إيران كقوة نووية. فمن الطبيعي اعتماد خيار كهذا إذا قرّر نتانياهو أن يدخل التاريخ، كواحد من عظماء القادة الإسرائيليين، متشبهًا ببن غوريون وموشى شاريت ومناحيم بيغن، ومعتمدًا على الدروس المستقاة من تاريخ العلاقات الأميركية–الإسرائيلية، وخصوصًا من موقف الرئيس هاري ترومان الذي رفض نصائح وزير خارجيته، وأصغى لرأي مستشاره السياسي كلارك كليفورد للإعتراف بدولة إسرائيل من أجل كسب تأييد أصوات الناخبين اليهود لمصلحته. وبالفعل فقد أرسل ترومان برقية الإعتراف بالدولة العبرية بعد إحدى عشرة دقيقة من انتهاء بن غوريون من قراءة إعلان الاستقلال. وهنا لا بد من التساؤل حول نيّة نتانياهو في أن يقايض تأييد اليهود للرئيس أوباما مقابل دعمه العسكري للهجوم على إيران؟

 

من المتوقع في حال تنفيذ نتانياهو خطة ضرب المنشآت النووية الإيرانية أن لا تقتصر ردود الفعل على ما يمكن أن تقوم به إيران بواسطة قدراتها الصاروخية، بالإضافة إلى شن عمليات إنتقامية ضد المصالح الإسرائيلية في مختلف أنحاء العالم، بل يجب توقّع مشاركة حلفاء إيران أمثال حزب الله والمنظمات الفلسطينية الموجودة في غزة مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما. ويبدو أن ما شهدته جبهة غزة مؤخرًا يعدّ تمرينًا ناريًا، يصب في مصلحة الردع الإيراني. كما يشكّل حزب الله بقوته الصاروخية أحد عناصر القوة الاستراتيجية التي يمكن أن تستعملها إيران لتحقيق عامل الردع ضد إسرائيل أو لتنفيذ ضربات ثأرية موجعة في سياق الرد الإيراني على أي ضربة جوية إسرائيلية. يبقى السؤال حول خيار حزب الله بالنسبة إلى خوض حرب شاملة مع إسرائيل من جنوب لبنان، أو القيام بمشاركة محدودة في الحرب، بحيث لا يأتي الرد الإسرائيلي مدمّرًا وشاملًا لكل لبنان.

 

في الاستنتاج العام يبذل نتانياهو قصارى جهده لابتزاز الرئيس الأميركي والغرب من أجل ممارسة أقصى درجات الضغط ضد إيران، وتقديم المزيد من الدعم العسكري لإسرائيل.

 

11- أوباما يستعيد المبادرة

على الرغم من الحملة الإسرائيلية المنظمة التي بدأت نهاية صيف العام 2011 واستمرت لفترة ستة أشهر متواصلة ضد المشروع النووي الإيراني، والتي حاولت حكومة نتانياهو من خلالها لفت الانتباه الأميركي والدولي والعربي إلى مخاطر امتلاك طهران للسلاح النووي، مع التركيز على أن ذلك يشكّل خطرًا مصيريًا لإسرائيل، وأنها لن تتهاون في شن هجوم استباقي لمنعه، فإن نتانياهو قد فشل في إقناع الرئيس الأميركي أوباما في تبني وجهة النظر الإسرائيلية، وخصوصًا لجهة استعجال توجيه ضربة عسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية الرئيسة.

 

كان ردّ الرئيس أوباما واضحًا فهو لا يرى ضرورة للتسرع في القيام بعملية عسكرية ضد إيران، وتحذير إسرائيل من النتائج التي يمكن أن تترتب عليها وأنه «ما زالت هناك نافذة للعمل الديبلوماسي»، وأنه يجب أن لا تكون هناك شكوك حول التزامه أمن إسرائيل، وأنه بدعوته لعدم التسرّع في تنفيذ الضربة العسكرية يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأميركية والإسرائيلية.

 

وقد تحدث بعض المصادر الأميركية التي تابعت نتائج اجتماع نتانياهو مع الرئيس أوباما عن لفت الرئيس الأميركي ضيفًا إلى الأثمان الباهظة التي يمكن أن تترتّب من جراء الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، في مقابل النتائج «المحدودة» التي يمكن أن يحقّقها. ويبدو، من وجهة النظر الأميركية، أنه لا يمكن الاعتداد بنتائج «العمليتين الجراحيتين» اللتين نفذتهما إسرائيل ضد مفاعل «تموز» في العراق العام 1981 أو ضد مفاعل «الكبر» في سوريا العام 2008. ويشدّد الأميركيون على أن إيران تمتلك منشآت عديدة، وأنها موزّعة على جميع الأراضي الإيرانية، وأن بعض هذه المنشآت الحساسة والهامة مطمورة تحت الأرض في مواقع حصينة. وتتحدّث هذه المصادر عن اطّلاع رئيس الوزراء الإسرائيلي على تقديرات الخبراء الأميركيين وتحاليلهم لنتائج الضربة «المركّزة» التي يمكن أن تنفّذها إسرائيل والتي يمكن أن تؤخّر الجهود الإيرانية النووية لفترة محدودة (لسنتين أو ثلاث سنوات كحد أقصى)، ولكنها ستؤدي حتمًا إلى بناء المزيد من المنشآت النووية «المطمورة» والمحمية، مع مخاطر الإنزلاق إلى حرب واسعة.

 

وتحدثت المصادر الأميركية نفسها عن تركيز الرئيس أوباما في محادثاته مع نتانياهو على الأضرار السياسية الكبيرة التي يمكن أن تترتّب على العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، والتي يمكن أن تعطي الحكومة الإيرانية حجة لتصوير نفسها أنها ضحية مؤامرة أميركية – إسرائيلية مشتركة للإطاحة بها، ومناشدة الشعب الإيراني التوحّد والوقوف إلى جانب دولته لمواجهة هذا العدوان. كما ركّز على مخاطر تسبب هجوم كهذا بتخريب التكتّل الدولي القائم للضغط على إيران، وبالتالي تخريب نظام العقوبات المشدّدة، بما يسهّل على طهران إعادة ما تهدّم بفعل الهجوم الإسرائيلي في أسرع وقت ممكن[53].

 

كان على أوباما، في الواقع، أن يواجه نتانياهو المتسلّح بنتائج الحملة الدعائية الواسعة التي شنها خلال أشهر طويلة تحضيرًا لهذا اللقاء، بالإضافة إلى الحملة التي يشنّها المرشحون الجمهوريون للرئاسة، والتي تنتقد سياسة نتانياهو تجاه إيران. وكان المرشح ميت رومني قد قال «إن إعادة انتخاب أوباما لرئاسة ثانية ستؤدّي إلى امتلاك إيران للسلاح النووي». وجاء هذا الهجوم ضد الرئيس أوباما من أجل استغلال زيارة نتانياهو لمصلحته، في الوقت الذي لم يعبّر فيه عن اعتماده أي نظام عقوبات أو أي خيارات عسكرية أكثر فعالية من تلك التي يتحدّث عنها الرئيس أوباما وإدارته.

 

لم ينجح نتانياهو في إقناع أصدقاء إسرائيل سواء في الكونغرس أو في منظمة «ايباك» بوجهة نظره، وبالتالي في دفعهم إلى ممارسة ضغوطهم على الرئيس أوباما لتقبّل وجهة النظر الإسرائيلية بشأن الهجوم على إيران. ويبدو من الجو العام أن هناك قناعة عامة بضرورة الإفساح في المجال وإعطاء الوقت اللازم لنظام العقوبات لإقناع القيادة الإيرانية بالانخراط في مباحثات جدّية للتخلي عن الجانب «العسكري» في برنامجها النووي. صحيح أنه لا تتوافر أي دلائل واضحة حول مدى قبول إيران بوجهة النظر الغربية، إلا أنه بات واضحًا أن الجانب الإيراني بدأ يشعر بمدى أضرار العقوبات المفروضة ضد المصرف المركزي الإيراني والنظام المصرفي التجاري[54].

 

من المؤكد أن محادثات أوباما مع نتانياهو لم تأت بنتائج حاسمة، حيث بقي الإختلاف في وجهات النظر بين الجانبين. ويطرح بعض الجهات المقرّبة من وجهة النظر الإسرائيلية تساؤلات عن مدى إلتزام أوباما تحويل أقواله إلى أفعال في حال لم تؤدّ العقوبات إلى النتائج المرجوّة. وكان أوباما قد صرّح بعد هذا اللقاء أن الولايات المتحدة لن تسمح أبدًا لإيران أن تصبح قوّة نووية، وأننا إذا أجبرنا على القتال، صدّقوني، أننا سننتصر. لم يبدّد هذا التصريح الصارم والواضح شكوك عدد من الناخبين اليهود في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي سيسعى إلى استغلاله المرشحون الجمهوريون في حملاتهم الانتخابية الجارية، والتي بات من المرجّح أن يفوز بها المرشح ميت رومني ليكون المرشح الجمهوري المنافس للرئيس أوباما في تشرين الثاني المقبل.

 

كان هناك توافق الحد الأدنى بين أوباما ونتانياهو، وذلك حول ضرورة خفض مستوى النقاش الجاري في إسرائيل والولايات المتحدة بشأن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وكان الرئيس أوباما قد لفت إلى الأضرار المترتّبة على ذلك، وخصوصًا لجهة التسبّب بارتفاع أسعار النفط، بما يخدم مصالح إيران، ويقلّل بالتالي من مفاعيل نظام العقوبات. في المقابل لفت نتانياهو إلى أن التصريحات الأميركية المعارضة للضربة الإسرائيلية تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تستغلّها طهران على أنها تؤشّر إلى ضعف إسرائيل أو عدم قدرتها على مواجهة القوة الإيرانية.

 

ويبدو من التقويم العام لنتائج رحلة نتانياهو الأخيرة إلى واشنطن أن أجواء اللقاء مع أوباما لم تكن متوترة كما كانت الأجواء التي سادت في محادثات أيار/ مايو 2011 والتي تركّزت حول عملية السلام. ويمكن الاستنتاج أن هناك توافقًا على تأجيل القيام بأي عمل عسكري لأشهر عديدة، قد تمتد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولكن لا بدّ من أن يشعر العرب والفلسطينيون بخيبة أمل كبيرة عندما يدركون أن موضوع السلام قد غاب كليًا عن المحادثات.

 

21- تشكيك أميركي بقدرات إسرائيل

تشعّب النقاش الإسرائيلي السياسي والاعلامي حول إمكان شن هجوم جوي إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية، وشعر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بأن هذا النقاش قد تجاوز الحدود المسموح بها سياسيًا واستراتيجيًا، حيث قرّر حسمه بالطلب من الجميع التزام الصمت حول هذا الموضوع الحسّاس. لكن قناعة تولّدت لدى الدول الغربية مفادها أن إسرائيل قد أعدّت خطة للهجوم على إيران، وهي تنتظر توافر الظروف المناسبة لتنفيذها. وقد أدّت هذه القناعة إلى ارتفاع مستوى القلق الأميركي، ما دفع إدارة أوباما إلى إيفاد مستشار الأمن القومي الأميركي طوم دونيلون إلى إسرائيل للإجتماع مع رئيس حكومتها لبحث الأمر والتنبيه إلى تداعيات هجوم كهذا وعواقبه. ترافق وجود دونيلون مع إطلالة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي على شاشة «سي.ان.ان.» للتحذير من حالة عدم الاستقرار التي يمكن أن يخلّفها هجوم إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية على مستوى منطقة الشرق الأوسط. وكان الجنرال ديمبسي قد حذر في السابق من إمكان قيام إسرائيل بهجوم كهذا من دون إعلام واشنطن بصورة مسبقة ولكنه أكّد اعتراف أميركا بوجود هواجس إسرائيلية تستدعي التنسيق معها من أجل بناء أجواء من الثقة لدى الإسرائيليين.

 

في مقابلة مع صحيفة «الدايلي تلغراف» الأحد 19 شباط/ فبراير 2012 صرّح وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أنه سيترتّب على أي هجوم إسرائيلي على إيران نتائج ضخمة، لذا «فإننا نوجّه رسالة واضحة إلى الأطراف المعنية أننا لا نشجّع القيام بأي عمل عسكري». وأضاف «أن السماح لإيران باستكمال برنامجها النووي سيقود إلى سباق تسلّح في المنطقة على غرار ما كان يحدث خلال فترة الحرب الباردة وإنه سيكون لانتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط مفاعيل تقود إلى حال من عدم الاستقرار، وسيشكّل ذلك كارثة على المستوى الدولي».

 

ويبدو أن واشنطن قد قرّرت استدعاء عدد من خبرائها الاستراتيجيين والعسكريين للمشاركة في هذا النقاش المعقّد من أجل دعم وجهة نظرها، ومن أجل إقناع الإسرائيليين بعدم خوض المغامرة بتنفيذ هجوم ضد إيران. يتساءل عدد من هؤلاء الخبراء عن مدى امتلاك إسرائيل للقدرات الجوية لتنفيذ مثل هذا الهجوم، ويتخوّف بعضهم من أن يتسبّب الهجوم الإسرائيلي بعملية استدراج للولايات المتحدة لاستكمال العمل الذي بدأته إسرائيل. ويرى هؤلاء الخبراء أن هذا الاستدراج قد يستدعي تدخّلًا أميركيًا واسعًا لعدة اسابيع، بالإضافة إلى تحمّل نتائج ردود الفعل الإيرانية على الوجود العسكري الأميركي، وعلى المصالح الأميركية في المنطقة ويقول أحد الخبراء السابقين في البنتاعون اندرو هوام في وصفه للتورّط الأميركي في مثل هذه العملية «لا أعتقد أنك ستجد أحدًا يخبرك أن الأمر سيقتصر على قيام حفنة من الطائرات بالهجوم على أهداف إيرانية ليلًا والخروج من هناك»، مؤكّدًا أن العملية ستكون صعبة ومكلفة وطويلة[55].

 

من جهته يعلّق الجنرال دافيد ديبتولا الذي سبق له أن خطّط للحرب الجوية في أفغانستان العام 2001 ولحرب الخليج العام 1991 على العملية الإسرائيلية المحتملة بالقول «لكل هؤلاء الدعاة للعملية الإسرائيلية أقول إن قصف إيران لن يكون بالسهولة التي يتصورونها». ويلتقي هذا الموقف مع التقويم الذي قدّمه مدير وكالة المخابرات المركزية مايكل هايدن ما بين العامين 2006 و2009 والذي اعتبر فيه أن أي هجوم جوي قادر على التسبّب بأضرار جسيمة تؤخّر جهود إيران النووية هو «خارج القدرات الإسرائيلية» الجوية، وذلك بسبب بعد المسافة التي ستقطعها الطائرات الإسرائيلية، وضخامة ما يتطلّبه تنفيذ مهمّة بهذا المستوى[56].

 

في الوقت الذي يحذّر فيه خبراء استراتيجيون في وزارة الدفاع أو في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية أمثال أنطوني كوردسمان من صعوبة العملية الإسرائيلية ومخاطرها، يذهب بعض الخبراء العسكريين الأميركيين إلى دراسة العملية من وجهة النظر العسكرية الصرف، وبالتالي تحليل جميع العناصر اللازمة لنجاحها، ومدى ملاءمة ما تملكه إسرائيل من إمكانات جوية لتنفيذ هذه المهمة المعقّدة. وينطلق تحليل هؤلاء الخبراء من فرضية استهداف إسرائيل لأربع منشآت نووية إيرانية هي: منشآت تخصيب اليورانيوم في ناطنز وفوردو، المفاعل النووي الذي يعمل بالماء الثقيل في أراك، ومنشأة صنع «الكعكة الصفراء» في أصفهان. وهنا تبقى غير واضحة الأسباب التي استدعت هؤلاء الخبراء لاستثناء محطة بوشهر كهدف نووي أساسي. ويرى هؤلاء الخبراء أن هناك ثلاثة ممرات جوية ممكنة للوصول إلى إيران وهي: أولًا، في الشمال، وهذا يعني ضرورة اختراق الأجواء التركية، ثانيًا، في الجنوب وهذا يعني اختراق الأجواء السعودية، ثالثًا، في الوسط وذلك عبر الأجواء الأردنية والعراقية. ويشكّل هذا الممر الطريق المباشر والأقصر مسافة للوصول إلى الأجواء الإيرانية. يمكن أن تعترض تركيا والمملكة العربية السعودية بواسطة دفاعاتها الجوية أو طائراتها التشكيلات الإسرائيلية المهاجمة. ويبقى ممر الوسط الأقل تعرّضًا وذلك بسبب الانسحاب الأميركي، وعدم امتلاك العراق لقدرات دفاع جوي أو سلاح طيران، في الوقت الذي يمكن إن «يتسامح الأردن» مع عبور التشكيلات الإسرائيلية لأجوائه.

يعتقد بعض هؤلاء الخبراء أن إسرائيل قد تحتاج لمئة طائرة لقصف هذه الأهداف الأربعة بفعالية، وهي تملك من طائرات «اف -15 أي»، و«اف -16 أي»، ما يكفي لهذه المهمة. لكن تبقى الصعوبة في مدى المهمة البالغ 2000 كيلومتر. الأمر الذي يستدعي عملية تموين بالمحروقات في الجو. والسؤال هل تملك إسرائيل العدد اللازم من صهاريج التموين الجوي «KC.707»؟

 

ستتطلب المهمة شن إسرائيل حرب إليكترونية بواسطة طائرات خاصة لإعماء الرادارات الإيرانية، وبالتالي حماية الطائرات من نظام الدفاع الجوي الإيراني.

أما بشأن القنابل اللازمة، فإن إسرائيل قد حصلت على كمية من قنابل الأعماق «GBU-28» وهناك من يلح في أميركا الآن على ضرورة تزويدها مائتي قنبلة «GBU-31» وثلاثة صهاريج طائرة، من أجل تحسين قدراتها لتنفيذ هذه المهمة.

يستنتج هؤلاء الخبراء العسكريون أنه من المشكوك فيه أن تنجح إسرائيل في هذه المهمة وأن الولايات المتحدة تبقى القوة الوحيدة القادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من كل الصعوبات التي يمكن أن تعترض طريقها إلى تحقيق ذلك.

 

31- الاستنتاجات

يستمر النقاش الإسرائيلي حول أفضل السبل لمعالجة الخطر النووي الإيراني، وهو نقاش مشحون بالعواطف والحساسيات الخاصة القائمة بين المسؤولين الإسرائيليين الكبار الحاليين والسابقين. ويبدو أن الشق المتعلق باللجوء إلى الخيار العسكري هو نقاش متفلّت من الضوابط العقلانية والاستراتيجية كلها، حيث انه يرتكز على اجتهادات شخصية يقدمها كل من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع ايهود باراك، ولا تستند هذه الاجتهادات إلى أي معلومات أو وقائع محققة.

تطرح القيادة السياسية الإسرائيلية خيار اللجوء إلى الحل العسكري لمواجهة التهديد الإيراني النووي من دون إجراء أي دراسة معمقة تحلّل من خلالها مختلف التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمكن أن يتسبّب بها هجوم كهذا ضد المنشآت النووية الإيرانية.

لا تأخذ طروحات نتانياهو وباراك لشن هجوم على إيران بعين الاعتبار الأبعاد الدولية والاقليمية لمثل هذا الهجوم، وخصوصًا لجهة التسبب بحرب إقليمية واسعة، بالإضافة إلى مخاطر إقفال مضيق «هرمز» وقطع إمدادات النفط، وما يترتّب على ذلك من نتائج دراماتيكية على الاقتصاد الدولي.

هناك اختلاف جوهري بين الرؤيتين الإسرائيلية والأميركية ومقاربتيهما لمعالجة الموضوع النووي الإيراني. فإسرائيل تستعجل اعتماد الحل العسكري قبل أن تدخل إيران ما يسميه باراك بـ«منطقة المناعة»، أي المرحلة التي لا يعود من الممكن بعدها الحؤول دون حصول إيران على القنبلة النووية. في المقابل تسعى إدارة أوباما إلى التمسك بخياري العقوبات والديبلوماسية من أجل اقناع إيران بالتخلي عن التخصيب بنسبة %20 وشحن المخزون الموجود لديها من اليورانيوم %20 إلى خارج إيران، والقبول بنظام دولي دائم للتفتيش. ويقول الرئيس الأميركي، إنه ما زال يحتفظ بالخيار العسكري على الطاولة وإنه لن يسمح أبدًا بامتلاك إيران السلاح النووي.

ويخشى عدد من السياسيين والخبراء الإسرائيليين نتائج الاختلاف مع الولايات المتحدة وتداعياته على العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. وقد عبّر رئيس دائرة التخطيط الاستراتيجي السابق في وزارة الدفاع الجنرال المتقاعد شلومو بروم، عن ذلك بقوله «ليس لديّ هواجس بشأن التداعيات العسكرية التي يمكن أن تترتّب من جراء الهجوم على إيران». وأشار إلى قلقه الشديد حيال الأضرار التي يمكن أن يتسبّب بها الهجوم على العلاقات الأميركية–الإسرائيلية، خصوصًا وأنه «لن يكون هناك خيار بديل للولايات المتحدة سوى الإنجرار إلى الحرب».

يتعمق الخلاف بين القيادات الإسرائيلية بسبب مواقف نتانياهو وباراك وتمسكهما بالخيار العسكري وباستقلالية القرار الإسرائيلي الأمني. ويقف الآن في الجانب المعارض لنتانياهو وباراك شخصيات مرموقة ومعروفة بخبراتها السياسية والأمنية والاستراتيجية أمثال: رئيس الوزراء الأسبق إيهود اولمرت وقادة عسكريون وأمنيون بارزون منهم: مئير داغان ويوفال ديسكين، وغابي أشكينازي ورئيس الموساد الحالي تامير باردو، ورئيس الأركان الحالي بيني غانتز. بينما يعارض %63 من الشعب الإسرائيلي وفق آخر الاستفتاءات قيام إسرائيل بأي هجوم في حال عدم تنسيق مثل هذا القرار مع الولايات المتحدة.

هناك توافق لدى معظم القيادات الإسرائيلية الحالية والسابقة حول معارضة قيام إسرائيل بهجوم على إيران من دون ضوء أخضر أميركي. ويذهب معظم الخبراء والاستراتيجيين إلى ضرورة ترك أمر تنفيذ الهجوم على إيران للولايات المتحدة على أن تقوم إسرائيل بدعم مثل هذا الهجوم، أي أن تقوم الولايات المتحدة بالجهد الحربي الرئيس، فيما تضطلع إسرائيل بجهد ثانوي.

لم يحسم النقاش الطويل والساخن نقطة أساسية تتعلّق بطبيعة «التهديد النووي» الإيراني، وهل هو تهديد عادي يمكن لإسرائيل مواجهته من خلال تفوّقها التكنولوجي والعسكري، أم هو «تهديد مصيري» يفترض تدخّلًا عسكريًا حاسمًا وسريعًا من أجل منع دخول إيران إلى «منطقة المناعة»، حيث لا تنفع بعد ذلك أي معالجات لهذا الخطر؟

من المرجح أن يتجدّد هذا النقاش وبقوة على ضوء نتائج ما تسفر عنه المبادرة الديبلوماسية الدولية، الجارية في هذه الفترة.

 


[1]-    New York Times, «Chances of Iran strike receding, U.S. officials say»,

      www.nytimes.com/ .../ 30/ ...chances-of-iran-strike-us-official-say.

[2]-    Barak Says «All Israeli Options Remain Open on Iran»-Nytimes.com

      www.nytimes.com/ .../ barak-says-all-israeli-options-remain-open-on-iran.

[3]-    Obama, «Netanyahu Face Struggle over Iran Red Lines»/ Reuters

      www.reuters.com/ .../ us-usa-israel-iran-idUSTRE82403v20120305.

[4]-    Former Israeli PM Ehud Olmert: «U.S., not Israel should head strike on Iran»,

      www.liveleak.com/ view?!=889_1335903336

[5]-    «Invading Iraq: converging U.S. and Israeli Agendas», www.desip/ igc,org/ convergingAgendas.html.

 

[6]-    «Israel's New Strategic Environment», April 4, 2012.

      www.mercaternet.com/ mobile/ .../ Israels_new_strategic_environment.

[7]-    Anthony H. Cordesman, «The Conventional Military. U.S. Institute of peace The Iran primer», Usip.org/ resource/ conventional-military.

 

[8]-    «Iran Two Years Away From Nuclear Weapon»/ Restate

      www.redstate.com/ .../ iran_two_years_away_from_nuclear_weapon.

[9]-    «Israel New Strategic Environment», See ref. 6.

 

[10]-  Ibid.

 

[11]-  «The U.S.-Israel special relationship», www.mythsandfacts.org/ NOQ_online editions. See also Israel New Strategic Environment.

 

[12]-  «Israel prepares for war with Iran the Cutting Edge News»,

      www.thecuttingedgenews.com/ index.php?article=11264.

[13]-  NyTimes, «Will Israel Attack Iran», 25 Jan. 2012. Nytimes.com/ 20112/ 01/ 29/ …/ will-israel-attack-iran.html.

 

[14]-  «Israel air force conduct drills for long-range attacks», www.haaretz.com/ .../ israel.air-force-conducts-drills-for-long-range.

 

[15]-  «Attack on Iran High Risk for Israel: Experts», www.smh.com.au/ .../ attack-on-iran-high---experts-2012.

 

[16]-    نزار عبد القادر، «ايران والقنبلة النووية – الطموحات الامبراطورية»، المكتبة الدولية، بيروت، 2007، ص. ص 345–348.

 

[17]-  Farideh Farhi, Brandeis University, Crown Center for M.E. Beirut

 

[18]«What to do about U.S. sanctions and Israeli Threat: Iran's Muted Debate»

 

[19]-  Shai Feldman, Shlomo Brom, and Shimon Stein, foreign policy, «A Real Debate about Iran», Jan. 30, 2012. http:/ / mideast.foreignpolicy.com/ posts/ 2012/ 01/ 27/ a-real-debate-about- Iran.

 

[20]-  Ibid.

 

[21]-  «Netanyahu orders his Ministers: stop talking about Iran Nuclear»,

      www.timesofisrael.com>Israel and the region

[22]-  Iran Poses no «Existential threat to Israel», www.rt.com/ news/ iran-israel-nuclear-threat-5521.

 

[23]«Iran Poses no Existential threat to Israel»-eu-Mossad Chief, www.rt.com/ news/ . Ibid.

 

[24]-  «U.S. Sabotages Israel's Deterrence», www.frernozionism.com

 

[25]-  Nicholas D. Kristoff, «The False Debate about Attacking Iran», New York Times, March 24, 2012.

 

[26]-  «Essay: The Effects of a Nuclear Iran on the Middle-East»

      www.theriskyshift.com/ 2012/ .../ with-reference-to-israel's-nuclear.

[27]-  «Sabotaging Iran's Nuclear Programs: Mossad Behind Tehran»

      www.spiegel.de/ international/ world/ 0,1518,777899.00.html.

[28]-  «The Attack on Syria's Al-Kibar Nuclear Facility»

      www.jewishpolicycenter,org/ .../ the-attack-on-syrias-al-kibar.

[29]-  «Israel Shields Public from Risks of War with Iran», www.commondreams.org/ headline/ 2012/ 03/ 30.

 

[30]-  Haaretz, Poll, «Most of the public opposes an Israeli strike on Iran»

      www.digg.com/ .../ haaretz_poll_mest_of_the_public_opposes.

[31]«Israel warns west: Window of Opportunity to thwart Iran Nuclear»

      www.haaretz.com/ .../ israel-warns-west....

[32]-  Ibid.

 

[33]-  Haaretz, «Netanyahu lobbying cabinet for Iran Attack»

      www.americanthinker.com/ .../ 2011/ netanyahu-lobbying-....

[34]-  Dagan, «Attacking Iran would be stupid», CBS News, www.cbsnews.com/ video/ watch/ ?id=7401468n.

 

[35]-  «Deeper Iran Sanctions: U.S. Targets its Central Bank», www.fornews.com/ .../ us-levis-new-sanctions-on-iran.

 

[36]«Thailand Arrests 3 Iranians over Bangkok Bombings»

      www.globalpost.com/ .../ thailand-charges-two-iranians.

[37]-   General Wabidi, «Iran Un warning Against U.S. threats», www.defence.pk/ .../ iranian.../ 161187-iran-unwarning.

 

[38]«Israel's Mossad trained Assassins of Iran Nuclear Scientists»

      www.haaretz.com, 9 Feb, 2012. See also www.time.com/ world/ article.

[39]-  Nicholas D. Kristof, «The false Debate about Attacking Iran», New York Times, March 24, 2012.

 

[40]-  «Will Israel Attack Iran?», NY Times.com

See also «Who's killing Iran's Nuclear Officials», www.pbs.org/ newshour.

[41]-  «Is IDF Chief Joining the Anti-Netanyahu camp over Iran?», Haaretz, by Anshel Pfeffer. 25 April 2012.

 

[42]-   Amas Harel, «IDF chief to Haaretz: I do not believe Iran will decide to develop nuclear Weapon», 25 April 2012.

 

[43]-  UPI, «Israel's Top General contradicts Netanyahu»

      www.upi.com/ top_news/ .../ 09/ ...general.../ 4pi-316613354457173.

[44]-  «Israel President says sanctions against Iran a priority», www.alarabia.net/ articles/ 2012/ 03/ 09/ 199557.html.

 

[45]-  «Details of the poll which has a margin of 4.5% are available», at http:/ / www.peacindex.org/ indexmontheng.aspx?num=240#anchor.209

 

[46]-  Ibid. See also Shikley Telhawi, «Do Israeli support a strike on Iran»,

Feb 28, 2012. www.politics.com/ news/ stories/ 0212/ 23390.

[47]-  Ibid.

 

[48]-  Ibid.

 

[49]-  Shai Feldman, Shlomo Brom, and Shimon Stein, see ref. 19.

 

[50]-  Alof Ben, in Haaretz, «Netanyahu is preparing Israeli public opinion...».

      www.turespolier.typepad.com/ .../ 2012/ see also Haaretz, March 15, 2012.

[51]-  PM Netanyahu's speech at the Kuesset 40 signatures SPC session

      www.us.pmo.gov.il/ PMOENG/ commonication/ pru special.

[52]«Iran: Israel Highly Vulnerable to Retaliatory Strike», www.haaretz.com/ .../ iran-u-s-israel-highly-vulnerable...

 

[53]-  www.washington.com/ .../ obama-to-netanyahu.../ glQwol

 

[54]«Sanctions Hurt consumers in Iran», 28 March 2012.

      www.gulfnews.com/ business/ .../ sanctions-hurt-consumers...

[55]«Will Israel Attack Iran?», NY Times.com see also, Haaretz, «Israel can't launch strike on its own».

 

[56]-  Ibid

 

The Israeli debate over the Iranian nuclear threat between the options of war and diplomacy

 

It appears that the Iranian threat of launching an aerial missile attack against Iranian nuclear facilities has greatly declined during April 2012 as a result of American pressure and bitter criticism launched by former and current Israeli security officials who attacked Prime Minister Benjamin Netanyahu and Defense Minister Ehuda Barack who were insisting on the necessity of adopting the military option to confront the Iranian nuclear threat.

This study aims at reviewing the current Israeli debate and division over the options of war and diplomacy with the necessity of exploring the American and regional dimensions. The study will also tackle the analysis regarding the plan set by Netanyahu and Barack to the attack against Iran and the difficulties which might confront this plan in addition to the opinions of strategic and military experts. The study will also analyze the Israeli alternative options to military war. The Question remains: Does Israel possess the necessary military capabilities to implement the scenario of war with success? Is Netanyahu willing to declare war on Iran or is he using these threats to blackmail the United States Administration and the European Union?

In this context we must discuss the possibility of making a breach in the Iranian intransigent stance during the conventions of Baghdad and Istanbul in addition to discussing Israel’s capacity of taking advantage of any gap in the diplomatic efforts to beat the drums of war once again.

Le débat israélien concernant le danger nucléaire iranien entre l’option de la guerre et celle de la diplomatie

 

Il semble que la menace israélien de mener une attaque aérienne et à l’aide de missiles contre les constructions nucléaires iraniennes s’est rétrécie fortement lors du mois d’Avril 2012, et ce suite aux pressions américaines et les critiques sévères adressées par des commandants militaires israéliens (anciens et actuels) au Premier ministre Benjamin Netanyahu et au ministre de la Défense Ehud Barak qui insistaient sur la nécessité d’adopter l’option militaire en faisant face au danger nucléaire iranien.
Cette recherche évoque le débat israélien et le schisme au niveau de l’option de la guerre et celle de la diplomatie, avec la nécessité d’inspecter leurs extensions régionales et américaines. Ainsi sera évoqué le plan de Netanyahu et de Barak concernant l’attaque contre l’Iran et les difficultés qu’ils pourront envisager, ainsi que l’avis des experts stratégiques et militaires, et les autres options israéliennes qui pourront remplacer la guerre militaire. La question principale persistante est la suivante: est-ce qu’Israël possède les capacités militaires nécessaires pour réaliser le scénario de la guerre et y réussir? Est-ce que Netanyahu veut vraiment mener une guerre contre l’Iran ou bien il utilise cette menace pour usurper l’administration américaine et l’Union Européenne? Il est essentiel d’évoquer dans ce contexte les deux conférences d’Istanbul et de Bagdad afin de percer la position iranienne dure, et la capacité d’Israël de bénéficier de n’importe quelle lacune afin de déraper le processus de la diplomatie et avoir recours de nouveau aux menaces de guerre.