ظواهر معاصرة

النوموفوبيا:رهاب يولّده إدمان التكنولوجيا
إعداد: باسكال معوض بو مارون

من أعراضه: أصحاب «مجموعين مقسومين»

 

هل أنت مهووس بالـ«واتساب» (Whatsapp) وبالرسائل القصيرة وبالفيسبوك؟؟
قد لا تعلم ذلك، لكنك مصاب بالـ«نوموفوبيا»، وهو رهاب رسمي تمّ تحديده لأول مرة العام 2008 من قِبَل المحققين البريطانيين الذين لاحظوا عوارض مرضية لدى بعض المصابين.

 

مرض جديد
النوموفوبيا (Nomophobia) مرض أصاب نسبة كبيرة من اللبنانيين على الأرجح من دون أن يعلموا بوجوده، فما هو هذا المرض؟
الإسم اختصار لكلمات No mobile phone phobia والعبارة تعني الشعور بالخوف من عدم وجود الهاتف المحمول أو فقدانه أو الابتعاد عنه لأكثر من يوم واحد، أو الوجود خارج نطاق تغطية الشبكة، ومن ثم عدم القدرة على الاتِّصال أو استقبال الاتِّصالات، كما يصيب هذا الرهاب مدمني استخدام شبكات التواصل الاجتماعي الذين لا يتحملون انقطاع اتصالهم بشبكة الإنترنت.
وخلافًا لما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، فأن نسبة الإناث اللواتي يخشين فقدان الهاتف أو نسيانه أعلى من نسبة الذكور، إذ تشير الدراسات إلى أنّها 70 بالمئة لديهن و61 بالمئة لدى الذكور، الذين يميلون إلى امتلاك أكثر من هاتف (47 بالمئة مقابل 36 بالمئة للنساء). وتزداد نسبة الإصابة بهذا الخوف المرضي بين صفوف الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا.

 

عوارض المرض
يمكن رصد النوموفوبيا من خلال مجموعة من التصرفات مثل أن يقوم الشخص بتفقّد هاتفه المحمول أكثر من 30 مرة يوميًا، أو أن يشعر بكل بساطة أنه يستحيل عليه الاستغناء عن هاتفه والعيش من دونه وعدم امتلاك القدرة على إطفائه. ويتفقّد الشخص المصاب بهذا الرهاب الهاتف دومًا خوفًا من تفويت رسالة إلكترونية أو نصيّة أو مكالمة أو «إيميل»، ويتأكد من شحن البطارية باستمرار، وهو لا يملك القدرة على التخلّي عن هاتفه حتى خلال وجوده في الحمام.
عندما يشعر المصاب بهذا المرض أن أحدًا ما يشغله عن هاتفه النقال أو سواه من تقنيات التواصل التي يستخدمها، يشعر بـتشوش ذهني واضطراب واضح، ويحاول الابتعاد عن هذا الشخص، الأمر الذي يؤدي إلى محدودية التواصل الإجتماعي في الحياة الحقيقية، ما يعني التقليل من الخروج من البيت وعدم التواصل الفعلي مع الناس، وبالتالي فقدان الارتباط بالعالم الخارجي!
وهذا الإدمان على التقنية هو مثل الإدمان على المخدرات أو التدخين أو الكحول، لكنه لا يشكّل خطرًا جسديًا أو سمًّا مهلكًا يضرّ بالصحّة، إنما يمكن القول أنه سمّ للروابط الإجتماعية بين الأفراد.

 

قلق العزلة
يقول أحد الإختصاصيين: «يمكننا أن نتفهم تعلّق الناس بهواتفهم الذكية لأن تفاصيل حياتهم كلها مسجلة فيها؛ وإذا صودف وضاعت أو تعطّلت، يشعرون بأنهم منعزلون كليًا عن العالم. كما يعتقد البعض أنه إذا لم يتصل بالإنترنت فسيفوّت أمرًا ما، وإذا فوّته ولم يستطع أن يبدي ردة فعل فورية فإنه يشعر بالقلق والتوتر».
ويرى الإختصاصي نفسه أن الهواتف الذكية تدمّر الخيال لأنها تقدم كل شيء على طبق من فضة، وتقضي على العفوية وعنصر المفاجأة؛ فبدلاً من أن نعثر مثلًا على مطعم بعد البحث عنه مطولًا، تسمح لنا الهواتف بتحديد مكانه والتوجه إليه مباشرة.
كانت الرسائل القصيرة شكلاً من أشكال النوموفوميا، وبسبب الهواتف الذكية ظهر أيضًا مصطلح «جيل الإبهام»، في إشارة للأشخاص الذين يبعثون بالرسائل القصيرة بدون توقف. لكن الولوج إلى الإنترنت من خلال الهواتف الذكية له تأثير أكبر بعشرة آلاف مرة من تأثير الرسائل القصيرة لأنه يسمح للمستخدم بالعثور على أجوبة لكل شيء تقريبًا.
وفي لفتة منها إلى أهمية التواصل الإجتماعي الفعلي، تقوم إحدى الجمعيات بتنظيم فعالية «بدون هاتف محمول» العالمية سنويًا في 6 و7 و8 شباط منذ نحو 10 سنوات للتنبيه إلى أهمية الوقاية وعدم الاستسلام لهذا الرهاب.
والجدير بالذكر أن الطب أحصى عددًا من الأمراض المرتبطة بالهاتف المحمول من بينها إمكان التسبب بسرطان الدماغ، والتأثير السلبي على العينين!

 

مجموعين؟ لأ... مقسومين!
تقول إحدى السيدات: عندما أهديت زوجي هاتفًا ذكيًّا في عيد ميلاده لم أكن أعلم أني بذلك أجلب المشاكل الى داخل بيتي. فالهاتف الذي كان يفترض به تسهيل الإتصال بالآخرين، أصبح وسيلة تواصل مستمر وغير محدود مع الأصدقاء عبر الـwhatsapp والـviber وغيرها من التطبيقات التي ألهت زوجي عن واجباته تجاه العائلة والأولاد، مما أدى الى نشوء مشاكل بيني وبينه من جهة، وبينه وبين الأولاد من جهة أخرى. استمر الوضع على هذا النحو طوال أشهر، الى أن طالب ابني الأكبر بـ«اجتماع عائلي طارىء» ناقشنا خلاله موضوع الإدمان الذي يعانيه زوجي، وشرحنا له الأذى الذي لحق بعائلتنا من جراء إهماله المستمر، وتمكنّا بعد جهد كبير من إقناعه بالحد من استخدام الهاتف بهدف التسلية وإضاعة الوقت.
في الإطار نفسه نجد الكثير من الشباب الذين يجتمعون في مطعم أو مقهى حيث يكونون «مجموعين ومقسومين في الوقت عينه» على حد قول زياد الرحباني. فكل منهم يتلهى عن أصدقائه الحاضرين حوله بالتواصل الإفتراضي مع أصدقاء بعيدين، فتصبح الطاولة مجموعة من «الأصدقاء الغرباء» الذين يتناولون الطعام كلٌ في عالمه الخاص البعيد، ما يجعل الناظر اليهم يستغرب الهدف من خروجهم سويًا، فهل هو للتلاقي أو للتباعد؟!