كلمتي

الهدف هو الرعيّة

هل من الغرابة أن كان الأنبياء في معظمهم رعاة، رعوا الناس بنشر مبادئ الدين بينهم، ورعوا الطبيعة بالمحافظة على ما فيها من عناصر الحياة؟ وهل من الغرابة أن نجد في هذا الجبل أو ذاك من بلادنا، وخصوصاً في الجنوب، راعياً يحفظ قطيعه ويحمي بستانه، فيتنبّه العدو الى أن في ذلك استمراراً للعلاقة مع الأرض والوطن، فيعمد الى التعطيل والترهيب والتشريد؟
لا يحتاج المرء، أينما كان، الى دليل حول عدوانية إسرائيل وتجاوزاتها للقوانين الدولية على اختلافها، فبعد اعتداءاتها المتتالية على الأراضي اللبنانية، خصوصاً ما حصل في صيف 2006، وبالتزامن مع خروقاتها السافرة للأجواء وللمياه الإقليمية اللبنانية، وإلحاقاً لبقاياها الأثيمة من ألغام وقنابل خفية هنا وهناك، ها هي تواصل استفزازاتها على حدودنا الدولية بالتعدي على المواطنين ومنعهم من مواصلة حياتهم اليومية العادية، التي هي حق طبيعي يجب أن يتمتع به كل مواطن على سطح الأرض.
«الإنجاز» الإسرائيلي الأخير، كان اختطاف أحد الرعاة اللبنانيين من داخل أرض أهله وأجداده وأبناء بلاده. لعله كان من المفروض بالراعي اللبناني، أن يدير ظهره الى الجيش الإسرائيلي وأن يسمّر نظره في الداخل اللبناني، تطميناً لأجهزة الرادار العدوة. أو لعله كان يجب أن يميل بوجهه، وليس بظهره، الى المستعمرات الإسرائيلية، دليل الاحترام والتزاماً الأصول الاجتماعية. أو لعله كان يجب أن يتبع قطيعه الى المراعي في النهار من دون الليل منعاً للشبهات. أو لعله كان يجب أن يقوم بذلك في الليل فقط لأن لا حق له في الاستفادة من نور السماء وحرارة الشمس، ومن ظلال الأشجار وأعشاب الحقول... مع هذا السبب أو ذاك، قرر الجيش الإسرائيلي المقهور أن يستعيد هيبته وأن يثبت وجوده، فاختطف الراعي ووضع حداً مؤقتاً لرعايته قطيعه، وفي ذلك محاولة يائسة لدفع المواطن في هذه البلاد الى إهمال حقله وهجرة ترابه وتسليم رعيته الى المجهول. ليس هذا الراعي أو ذاك هما المقصودين فقط، المقصود هو كل مواطن يرتبط بأرضه عبر عقد وطني إنساني راسخ على مدى تاريخ الوطن بماضيه وحاضره ومستقبله. لكن المواطن اللبناني، سواء في الجنوب أو في الشمال، سيزيد ارتباطه بأرضه، والجيش اللبناني سيواصل الاهتمام برعيته، وسيبقى المدافع عنها والمضحي في سبيلها.
إن إسرائيل تعرف جيداً أن بين الجيش اللبناني ورعيته عهداً لن تنفصم عراه، وأن التضحيات، مهما زادت واستمرت، لن تؤثر في المهم، ولن تضعف الإرادات.

 

العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه