دراسات وابحاث

اليـابـان
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

البلاد التي منها  «تشرق الشمس» و... التكنولوجيا

«أولاً وقبل كلّ شيء، هناك في حقلك المقدَّس أيُّها الاله المهيمن، ليت الحبة الأخيرة من الأرزّ التي ستحصد، بحبات العرق المتساقط من سواعدهم، ليت هذه الحبة تزدهر بفضلك، وتتفتح سنابل الأرزّ التي تتوق إليها الأيدي الكثيرة، فتكون أولى الثمرات في الشراب وأعواد النبات».
 دعاء ياباني وفق الديانة الشنتوية

 

في التسمية
«نيبون»، هو الإسم الذي أطلقه الصينيون على اليابان والذي يعني «بلاد الشمس المشرقة» أو «البلاد التي تشرق منها الشمس» لأن اليابان كانت شرقهم. ويستخدم هذا اللفظ لمعظم الأعمال الرسمية في اليابان، كما انه يوضع على العملات، والنقود والطوابع والمناسبات الرّياضيّة. أما التسمية الثانية وهي «نِيهُونْ» (وتكتب بالطريقة نفسها في الكتابة الصينية) فيستعملها اليابانيون للأغراض المحلية.
اشتق الاسم العربي «اليابان» من التسمية الصينية للبلاد (وهي النطق الصيني للكلمة اليابانية نفسها المكتوبة بالكتابة الصينية)، ثم صارت في التسميات الأوروبية: «جَابونْ» Japon بالفرنسية، و«جَابانْ» Japan بالإنكليزية، ثم «يَابَانْ» Japan بالألمانية، ومن هذه الأخيرة استُمِدّت التهجئة العربية: اليابان.

 

الموقع والمساحة
تقع اليابان بمعظمها في المنطقة المعتدلة الشمالية، بين خطي عرض 24 و46 درجة شمالًا، وخطي طول 122 و146 درجة شرقًا. يسودها طقس موسمي رطب، توهب عليها رياح جنوبية شرقية من المحيط الهادئ في الصيف، ورياح شمالية غربية من قارة أوراسيا في الشتاء.
هي دولة بحرية في أقصى شرق آسيا، وهي مجموعة من الجزر تقع في منطقة بركانية في حزام النار في المحيط الهادىء.يحيطها المحيط الهادئ من الشرق، وبحر اليابان وشرقي شبه الجزيرة الكورية من الغرب. وتتمدد من بحر أوخوتسك الروسي في الشمال،حتى بحر الصين الجنوبي الشرقي وتايوان من الجنوب.
تتكون اليابان من أرخبيل طويل من الجزر على شكل قوس يبلغ عددها حوالى 6852 جزيرة، أربع من هذه الجزر تعد الأهم والأكبر على الإطلاق، وهي على التوالي، من الشمال إلى الجنوب: هوكايدو، هونشو، شيكوكو، وكيوشو.
تبلغ مساحة اليابان حوالى 378000 كلم2. تشغل الجبال ثلاثة أرباع المساحة تقريبًا، ويغطي ما تبقى منها السهول والوديان.
ليس لليابان حدود برية مع اي دولة، ولكنها تقترب من شبه الجزيرة الكورية عبر المضيق الكوري بحوالى 200كلم. كما تقترب من حدود روسيا من خلال جزر الكوريل المتنازع عليها بينهما، ومن شبه جزيرة سخالين االروسية، ويبلغ طول حدودها البحرية حوالى 30 الف كلم.

 

السكان
يبلغ عدد سكان اليابان حوالى 127.3 مليون نسمة (إحصاء عام 2012)، ينتمون بغالبيتهم الى العرق الياباني 98.5% مع اقلية من الكوريين والصينيين والفيليبينيين والبرازيليين. 99% من الشعب يتكلمون اليابانية، وتعتبر الشنتو السابقة على البوذية، احدى الديانات الأكثر انتشارًا بين السكان، ولكن نسبة كبيرة منهم لا يدينون بأي ديانة. ويعتبر الشعب الياباني من الشعوب القليلة الخصوبة، فهم لا يتزايدون بأعداد كبيرة، وباتت نسبة ارتفاع عامل الشيخوخة امام انخفاض نسبة الولادات تهدد المجتمع الياباني.

 

بين الأمس واليوم
استنادًا الى الأساطير اليابانيّة التقليديّة، نشأَتْ اليابان في القرن السّابع قبل الميلاد عن طريق الإمبراطور «جيمّو» ابن الاله «الشمس»، وخلال القرنين الخامس والسّادس تم إدخال نظام الكتابة الصينيّة والبوذية إلى البلاد.
دخلت الثقافة الصينية في المرحلة الأولى عبر شبه الجزيرة الكوريّة ثم مباشرة من الصّين بعد ذلك. كان أباطرة اليابان حكامًا صوَريين على البلاد، بينما السّلطة الفعليّة كانت بيد طبقة من النبلاء الأقوياء، أو ما عرف بالأوصياء، وقد تحولت السلطة في ما بعد إلى أيدي القادة العسكريين أو ما عرف باسم «الشوغونات».
 

 

• الفترة الوسيطة:
جرت الأعراف (في التقاليد السّياسيّة اليابانية القديمة) على أنه مع نهاية المعارك بين المتنافسين، يتوجب على القائد العسكريّ المنتصر أن ينتقل إلى العاصمة هيآنْ، (معناها السلام)، وقد حوّل اسمها لاحقًا إلى كيوتو، ليحكم بمباركة من الإمبراطور. لكن، العام 1185 قام الجنرال ميناموتو نو يوريتومو بكسر هذا التّقليد، ورفض الانتقال واختار الاستقرار بسلطته في كاماكورا، في الجنوب من يوكوهاما حاليًا.
عرفت البلاد خلال فترة حكم كاماكورا نوعًا من الاستقرار، دخلت بعده في فترة تناحرت خلالها الفصائل والعشائر المختلفة، وقد عرفت باسم فترة المقاطعات المتحاربة أو سن-غوكو.
العام 1600 م، وبعد معركة سيكيغاهارا، تمكّن الشوغون (القائد العسكريّ) توكوغاوا إيئياسو من أن يهزم أعداءه، وأسس نظامًا عرف باسمه (شوغونية توكوغاوا)، واتخذ لنفسه عاصمة جديدة في المكان الذي كانت تقع فيه قرية أدو (Edo) التي كان نشاطها مقتصرًا على الصيد. هذه القرية عرفت لاحقًا باسم «طوكيو» أو العاصمة الشرقية.
خلال القرن السّادس عشر، وصل الى اليابان تُجّار من البرتغال وهولندا وإنكلترا وإسبانيا، وبدأ نشاط المبشرين المسيحيّين في الفترة نفسها. ومنذ مطلع القرن السّابع عشر، ازداد ارتياب شوغونات اليابان من هؤلاء الدعاة ونظروا إليهم على أنهم طلائع لغزو عسكريّ أوروبّي، فتم قطع كلّ العلاقات مع العالم الخارجي باستثناء اتّصالات خاصّة مع تجّار هولنديّين وصينيّين في ناكازاكي ومع بعض المبعوثين الكوريّين. استمرّت هذه العزلة لمدّة 251 سنة، حتّى قام عميد البحريّة الأميركية ماثيو بيري بدفع اليابان وبالقوة إلى فتح أبوابها للغرب، ووقّعت لهذا الغرض اتفاقيات كاناغاوا العام 1854م.
 

 

• الفترة الحديثة:
خلال سنوات قليلة، غير الاتّصال المتجدّد مع الغرب المجتمع اليابانيّ جذريًا، فبعد حرب بوشين (1867-1868 م) أجبر الشوغون على الاستقالة، وأعيد الإمبراطور للسّلطة. وقد قام الامبراطور مايجي وابتداءً من العام 1868 بإصلاحات كثيرة، فتم إلغاء النظام الإقطاعي القديم، وتبنّي العديد من مظاهر المؤسسات الغربيّة، كنظامي القانون والحكم الغربيّين، كما قامت الحكومة الجديدة بأولى الإصلاحات في المجال الاقتصادي.
لقد حولت الإصلاحات الاجتماعيّة والعسكريّة اليابان إلى قوّة عظمى، وبعد تنامي اقتصادها حاولت التوسع فتصادمت مع جيرانها المباشرين: الحرب اليابانيّة-الصينيّة الاولى (1894-1895) ثم الحرب الروسية-اليابانية (1904-1905)، استولت اليابان بعدها على تايوان، ساخالين، وجزر كوريل، وأخيرًا على كوريا العام 1910م.
عرفت بدايات القرن العشرين انتشارًا يابانيًا على البر الآسيوي عن طريق التوسّعّ العسكري، فتم غزو منشوريا (1931)، وتبع ذلك قيام الحرب اليابانيّة-الصّينيّة الثانية (1937-1945)، وانضمت اليابان الى ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وقد عمدت الى مهاجمة القاعدة البحريّة الأميركيّة في بيرل هاربور (1941)) لضمان السّيادة اليابانيّة على المحيط الهادئ. ولكن بعد دخول الولايات المتّحدة في الحرب العالميّة الثّانية، بدا أن التّوازن في المحيط الهادئ أخذ يميل ضدّ مصلحة اليابانيّين، فبعد معارك عنيفة في هذا المحيط، خسرت اليابان أوكيناوا في جزر ريوكيو وتراجعت حدودها الإمبراطورية حتى الجزر الأربعة الرّئيسة. ولحسم الحرب، قامت الولايات المتحدة بشن حملة من القصف الجوي على طوكيو، أوساكا، والمدن الأخرى، (سميت الخطة باسم الـقصف الاستراتيجي)، وتم قصف هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة الذرية لأول مرة. استسلمت اليابان أخيرًا ووقّعت المعاهدة النهائية في 15 آب 1945، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية قام الاتحاد السوفياتي بالاستيلاء على جزر الكوريل، وإلى اليوم، ترفض روسيا إعادتها إلى اليابان.
بقيت اليابان عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحت الاحتلال الأميركي حتى 1952، بدأت بعدها فترة نقاهة اقتصادية استعادت البلاد خلالها عافيتها وعم الرخاء الأرخبيل الياباني، لكن جزيرة ريوكو ظلت حتى العام 1972 تحت سيطرة الولايات المتحدة الأميركية، وما زالت هذه الأخيرة تحتفظ ببعض من قواتها في البلاد حتى اليوم.

 

اليابان الحديثة
في دراسة نشرتها مجلة «الدفاع الوطني اللبناني» (تموز 2005) بعنوان: «نظرية الفوضى واخواتها»، تتطرق الدكتور فريدريك معتوق إلى دور الولايات المتحدة الاميركية في إعادة بناء دولة اليابان الحديثة بعد ضربها واحتلالها.
وهو يرى «أن نظرية الفوضى، لا تهدف إلى إزالة الدولة إزالة تامة، بل إلى ثنائية أساسية تقوم على الهدم والبناء. فالبلبلة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية - التي تتجلّى كلها في الإنهيار السياسي لمؤسسات الدولة - تفضي بالناس إلى خِواء كبير يضيعون فيه، في وقت يقوم سواهم بإعادة تركيب الأمور على نحو جديد. فالدولة هنا في قلب هذه النظرية لا في نقيضها، حيث أن المطلوب هو إعادة تأهيلها على نحو يخدم مصالح الإستراتيجية الأميركية، لا تدميرها عن بكرة أبيها.
وقد جاء أول تطبيق لهذه النظرية في اليابان، إبّان هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، حيث أعقب الانكسار العسكري تطويع وعزل لصاحب المُلك والقيِّم على العصبيّة، الإمبراطور هيروهيتو، وجرى العمل على صياغة دستور جديد للدولة، ثم تمّ إطلاق الدولة العصرية التي نعرفها اليوم».

 

الجيش الياباني
منعت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية من انشاء جيش، ولكن بعد زوال احتلال قوات الحلفاء لها، وبهدف حماية نفسها، أنشأت «قوات الدفاع الذاتي البرية والبحرية والجوية».
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتغيّر موازين القوى في المحيط الهادىء، والخلافات مع الصين بشأن جزر سينكاكو وارتفاع وتيرة التهديدات الكورية الشمالية، اصبحت قوات الدفاع اليابانية جيشًا كبيرًا وقويًا.
ويضم هذا الجيش اليوم نحو 250 الف عضو (يمنع استخدام اي عبارة او مصطلح يحمل تعبيرًا عسكريًا)، وتبلغ ميزانية الدفاع حوالى 55 مليار دولار سنويًا وهي مرشحة للارتفاع في السنوات القادمة، علمًا أن اليابان اليوم دولة شبه نووية.
 

الإقتصاد الياباني
تمتلك اليابان القليل من الموارد الطبيعية، كما ان المساحة الصالحة للزراعة فيها لا تكاد تكفي لإنتاج حاجاتها.
يعتبر الأرز المنتج الزراعي الرئيس في اليابان، ومعظم كمياته المستهلكة في البلاد هي من الإنتاج المحلي. في المقابل فإن اليابان غير قادرة على زراعة كميات كافية من القمح أو فول الصويا أو المحاصيل الزراعية الرئيسة الأخرى اللازمة لإطعام كل شعبها، بسبب محدودية الأراضي الزراعية بالمقارنة مع كثافتها السكانية. وتحتل اليابان مرتبة منخفضة بين الدول الصناعية في ما يتعلق بالاكتفاء الذاتي من الغذاء، ما يعني أن عليها استيراد كميات كبيرة منه، ولكنها تتمتع بثروات بحرية هائلة. وتعد الأسماك جزءًا هامًا في النظام الغذائي الياباني، كما أن صناعة صيد الأسماك اليابانية من الصناعات النشطة جدًا.

 

مكونات الاقتصاد الياباني
تعتبر اليابان من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم. ويحتل الناتج القومي الإجمالي (قيمة السلع والخدمات المنتجة خلال عام واحد) المرتبة الثالثة على مستوى العالم. فقد بلغ الناتج المحلي الاسمي «GDP» للعام 2012 حوالى 5. 4 تريليونات دولار، بمعدل 34 ألف دولار للفرد الواحد. كما تتمتع العلامات الصناعية-التجارية اليابانية مثل «تويوتا»، و«سوني»، و«فوجي فيلم»، و«باناسونيك»، و«سامسونغ»، و«ميتسوبيتشي»، بشهرة عالمية.
بنت اليابان مكانتها العالمية بالاعتماد على الصناعة الثقيلة القائمة على تحويل المواد الأولية المستوردة، فهي أول منتج للحديد والصلب في العالم، وثالث قوة في تكرير البترول، وأول منتج للسيارات، وتساهم بـ40 بالمئة من الإنتاج العالمي للسفن.
تعتبر اليابان ثالث قوة تجارية في العالم، ويسجل الميزان التجاري الياباني ربحًا سنويًا وذلك بتصدير المواد المصنعة ووضع قيود جمركية على المواد المصنعة الأجنبية، وهو بذلك يساهم بـ7 بالمئة من التجارة العالمية. يعتبر استخدام الإنسان الآلي أحد أهم المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي المستقبلي، والذي تتفوق فيه التكنولوجيا اليابانية على باقي دول العالم. فـ«أسيمو» (إنسان آلي شبيه بالبشر قامت شركة «هوندا» بتطويره)، يستطيع السير على قدمين والتحدث بلغات إنسانية، وفي المستقبل القريب، ستشارك الروبوتات الآلية بالعمل في عدد من المجالات، وقد يصل الأمر إلى درجة تعايشها جنبًا إلى جنب مع الإنسان، كما نشاهد في أفلام الخيال العلمي.

 

الصناعة اليابانية
تعتبر الصناعة واحدة من ركائز القوة الاقتصادية اليابانية، إذ تأتي اليابان صناعيًا في المركز الثاني عالميًا بعد الولايات المتحدة الأميركية. الصناعة إذن محرك الاقتصاد الياباني وعصبه، والمجسد الحقيقي للنجاح والتفوق.
اليابان هي ثاني أكبر منتج عالمي للفولاذ، وتحتل مركزًا مهيمنًا في مجال بناء السفن وهي تملك ثاني أكبر اسطول تجاري بحري في العالم. واعتبارًا من العام 1960 أعطت اليابان الأولوية لصناعة السيارات والإلكترونيات،التي تقوم بتمويل وارداتها ومعداتها اللازمة، من أجل أن تصبح أكثر قدرة على التنافس والتكيف مع الطلب العالمي. وفي ما بعد تبنت استراتيجية مغايرة، إذ منحت الامتياز للروبوتيزم أو صناعة الرجل الآلي والتكنولوجيا العالية التقنية، مركزة بشكل خاص على الجودة، وقد ظهر النموذج الياباني، معتمدًا أساسًا على تشكيل فرق إنتاجية صغيرة مكونة من عمال متعددي المواهب يستطيعون القيام بعدة مهمات وفق مبدأ «الأصفار الخمسة»: « صفر مخزون، صفر أخطاء، صفر أوراق، صفر أعطاب، صفر تأجيل».                 
 

 

• صناعة السيارات:
صناعة السيارات هي إحدى القطاعات الرئيسة في اليابان التي أصبحت واحدة من أكبر مصدري السيارات في العالم، وتحتل اليابان المراتب الأولى في إنتاج السيارات فالشركات اليابانية (مثل تويوتا، نيسان، هوندا، مازدا...) قامت بإنتاج اكثر من 100 مليون سيارة، كذلك نلاحظ سيادة يابانية في تصنيع الدراجات حيث أن ثلاثة ارباع الدراجات في العالم هي يابانية الصنع (هوندا، كاوازاكي، ياماها...) كما أنها تحتل المرتبة الأولى في صناعة آلات الورش، كذلك صناعة القطارات السريعة.
 

 

• صناعة التكنولوجيا الدقيقة:
الصناعة الإلكترونية هي اختصاص ياباني، وأحد رموز التفوق والنجاح لهذا البلد، الذي يعتبر أول منتج للإلكترونيات في العالم (أجهزة التلفزيون، مسجلات الفيديو، أجهزة التسجيل،الهواتف النقالة). وهي تعتبر أيضًا أول بلد منتج للروبوتات في العالم، وتحتل مكانة لا بأس بها في مجال الإعلام الآلي، والبيروتيك (الآلات الناسخة). كما تحتل اليابان المركز الثاني في مجال الاتصالات، التكنولوجيا الحيوية والسعي إلى تطوير مواد جديدة، إلا أنها ما زالت تعاني ضعفًا في مجالات الصناعات الدوائية والفضاء.

 

المعجزة اليابانية
لقد استطاعت الشركات والمنظمات اليابانية خلال الفترة الممتدة بين العامين 1951، و1984، الدخول في عقود بلغت حوالى 42.000 عقدٍ لاستيراد أفضل ما توصلت إليه الدول المتقدمة من تقنيات. فاليابانيون لم يكونوا مهتمين بنقل أي نوع من التقنية، ولكنهم كانوا حريصين على اختيار الأفضل، وكان سبيلهم إلى ذلك يتمثل في إرسال موجات من المتخصصين اليابانيين لدراسة التقنية المرغوب في نقلها بدقة وعمق، فيحققون بذلك أكثر من هدف: الأول، هو التعرف عن كثب إلى نوعية التقنية وخصائصها من مصادرها، وفي الوقت نفسه محاولة الحصول على ما يتعلق بها من رسومات وتصاميم ومعلومات.
الهدف الثاني، يتمثل في استغلال مرحلة الدراسة هذه للتحضير لمرحلة التحسينات التي سوف يضيفونها على المنتج قبل إعادة إنتاجه، وبالتالي مفاجأة المنتجين الأصليين في وقت قصير نسبيًا بالتعديلات والتحسينات التي يضيفونها إلى المنتج وجعله أكثر جودة وأقل سعرًا، مما يمهد لهم الطريق لتعزيز منافستهم وكسب الأسواق بصورة اقتحامية مذهلة.

 

جودة المنتج الياباني
بعد سنوات الحرب العالمية الثانية، ومع بداية إعادة الإعمار والبناء الصناعي والاقتصادي، استدعت اليابان الدكتور إدوارد ديمنج والمهندس جوزيف جوران (أميركيان وضعا نظرية الجودة) لإلقاء محاضرات أمام رجال الأعمال والصناعيين والمهندسين والعمال وفي الجامعات اليابانية. لاقت نظرية الجودة ومبدأ النوعية صدى واسعًا جدًا في اليابان وتبنتها جميع المصانع والمعامل فطبقت في جميع أنحاء البلاد بشكل جدي، وتم اخضاع كل السلع والمنتجات لاختبارات قاسية للكشف عن العيوب التصنيعية. وقد أدت هذه الخطوة الهامة إلى تحسّن سمعة السلع والمنتجات اليابانية على مستوى العالم، لأن أيًا منها لم يكن يخرج من المصنع الا بعد اجتيازه اختبارات الجودة والنوعية، مما جعل المستهلك يقبل عليه سواء في الولايات المتحدة أو خارجها. هكذا اكتسبت المنتجات اليابانية ثقة المستهلكين عالميًا وارتفعت حصتها في السوق الأميركية من 4% إلى 20% خلال سنوات قليلة والى نسبة أكبر خلال السنوات التالية، مما أدى إلى تكدس المنتجات والسلع الأميركية المَنشأ في المخازن وعزوف المستهلكين عنها. وقد أساءت الشركات والمصانع الأميركية في ذلك الوقت فهم ما حصل فأعادت ظاهرة اتجاه الزبائن لشراء المنتجات اليابانية إلى عامل السعر الأقل، فعمدت إلى ضرب الأسعار وتخفيضها.

 

سرّ التفوق الياباني
هو مبدأ جديد ومتطور اسمه «الجودة الشاملة» التي طورها اليابانيون بعد تطبيقهم مبادئ الجودة والنوعية (التي كانت أميركية بالأصل)، وهي تتلخص في التركيز على تطوير جودة كل خطوة من خطوات الإنتاج والوقاية من الخطأ قبل حدوثه وبالتالي عدم تأثر المنتج النهائي بأي خطأ. فاليابانيون بعد أن كانوا يستوردون الجودة أصبحوا مصدرين لها وأصبح العالم بأكمله يحاول أن يلحق بهم ويقدم منتجات بجودة تماثل جودة منتجاتهم.
وفي هذا السياق يقول مسؤول كبير في إحدى المؤسسات الأميركية العاملة في مجال التقنية المتقدمة: «لقد هزمنا اليابانيون في أي حقل يختارونه: في صناعة الراديوهات، التلفزيونات والسيارات وغيرها من الصناعات، لقد تغلبوا علينا في جودة المنتجات والأسعار المنخفضة، والآن يتغلبون علينا في مجال الإبداع»، ويتابع: «بدأت القصة بعد الحرب العالمية الثانية حيث خرجت اليابان منها مهزومة محطمة، وكانت السياسة الخارجية الأميركية تهدف إلى إنتشال اليابان من عثرتها وإعادة تكوينها لتصبح ضمن المعسكر الغربي. لكن تلك السياسة لم تكن تهدف ولا تتصور أن مساعدة اليابان يمكن أن تخرج هذا العملاق مرة أخرى من قمقمه... فتساهلت في نقل التقنية الأميركية إليه، بل شجعت على ذلك وكانت شركة «سوني» شركة يابانية مغمورة وناشئة، ولكنها كانت طموحة وذات بصيرة نافذة، فتولت زمام المبادرة في بدء رحلة نقل التقنية الإلكترونية لليابان، وكان ذلك عندما تمكنت من شراء رخصة تصنيع جهاز الترانزستور في اليابان من شركة «بل» الأميركية مقابل 25000 دولار».
ان معجزة التفوق الياباني تكمن وفق رأي الكثرة من المحللين، في الإنسان والمجتمع اليابانيين، في روح الفرد وحبه للعمل وتقبّله التكنولوجيا الحديثة واقتناعه ان هذا الطريق هو الذي سيقوده الى التفوق والتطور. كما ان سياسة العمل ضمن فريق ودفع المتفوقين الى الأمام، شكّلا اساسًا لبروز نخب علمية متقدمة رفعت اسم اليابان عاليًا، مدعومة بولاء الياباني لبلاده، وقناعته بتفوقها، واعتبارها ارضًا إلهية وفق الديانة الشنتوية، وبأنها يجب ان تبقى مشرقة وساطعة «كالشمس التي تشرق منها»، وتنير العالم.

 

مراجع وهوامش:
- www.wikipedia.org/wiki.
- مجلة الدفاع الوطني, عدد تموز 2005.
- النهضة العربية والنهضة اليابانية, د.مسعود ضاهر, سلسلة عالم المعرفة, العدد 252.
- الديانة الشنتوية (ومعناها طريق الله، او الطريق الى الأرواح الخيِّرة)، تعتبر اليوم مزيجًا من الشنتو القديمة والبوذية والكونفوشية.
- يُعَظِم الشنتو الشمس، وتحتل إلهة الشمس «أماتير اسو» المكانة الأرفع من بين الآلهة الأخرى التي يعظمها الشنتو، كإله القمر وإله الزراعة... وقد أقام اليابانيون لإلهة الشمس معبداً ضخماً اعتبروه أقدس مكان في البلاد، ويقع في مدينة Ise على المحيط الهادي، على بعد 300 كلم جنوب غرب العاصمة طوكيو.
- يحمل علم اليابان صورة الشمس الحمراء، للتأكيد بأن إلهة الشمس «أماتير اسو» كانت تقيم في هذه الأرض.