- En
- Fr
- عربي
ضيف العدد
أربعة وثمانون عاماً تعاقبت عليّ بنحوسها وسعودها. درّست اللغة العربية وآدابها في العديد من المدارس في لبنان: من مدرسة الخوري جبرايل سعيد في بير الهيث الى بشعلة في أعالي بلاد البترون، والبوار كسروان ومن ثم الى معهد سيدة ميفوق ومدرسة جبيل للأخوة المريميين وأخيراً معهد الشانفيل ديك المحدي الذي كان آخر محطة لي في رحلة التعليم. أذكر من تلامذتي، القاضي فوزي داغر وضباطاً كثر منهم من لا يزالون في الخدمة وكثيرون أصبحوا في التقاعد. وأذكر أيضاً العقل الحسابي المتميّز المهندس رشيد متى، فقد كان تلميذاً في مدرسة الأخوة المريميين في جبيل وقد صدر له كتاب في الرياضيات مؤخراً وهو يذكرني في مقدمة الكتاب. نظمت الشعر يافعاً حين كنت تلميذاً على مقاعد المدرسة الوطنية في عمشيت لصاحبها ومؤسسها المرحوم أديب لحود. صداقتي كانت متينة جداً بأدباء كثر من لبنان، أذكر منهم الأديب الكبير مارون عبود والشعراء: رشيد سليم الخوري، شكرالله الجر، الياس ابو شبكة، ميخائيل نعيمه، وجورج غانم، رحمات الله عليهم فقد أضحوا كلهم في دنيا الحق. ولن أنسى أنني كنت من مؤسسي المجلس الثقافي في بلاد جبيل مع المرحوم الأستاذ نسيب عازار من غرزوز والأديب الزميل والصديق المرحوم أديب صعيبي من بلدة بجه في جبيل والمرحوم الفنان النحات حليم الحاج. لقد تعب مارون عبود وبذل جهوداً للإهتمام بمنطقة جبيل لا سيما لإيصال الطريق الى بعض القرى لأنه حين كان يدرس اللغة العربية، في عاليه في المدرسة الوطنية لصاحبها الياس شبل، كانت الطريق لما تصل بعد الى عين كفاع.
... واليوم وبعد خبرة طويلة في ميدان التعليم والحياة والتربية والتأليف، أرى أن الزمن الذي كان يقدر الفكر فيه قد أخذ طريقه الى الإمحاء في عصر الطرب المبتذل والإنحطاط في كتابة الشعر، فأين نحن اليوم من زمن الشاعر القروي رشيد سليم الخوري، الذي ظل ينظم شعراً عميقاً وعذباً في سنيه التسعين؟ عملت جاهداً بمعية أعضاء المجلس الثقافي وعلى رأسهم الأديب نسيب عازار على جمع ما ضاع أو شارف على الضياع من آثار أدباء مهجريين مغمورين من أمثال، سليم عازار وعفيفة كرم ونعمة الحاج وأمين مشرق. وقد تم طبع ديوان مشرق وسليم عازار ونشر المجلس الثقافي أيضاً كتاباً قيّماً عنوانه: "أُدباء بلاد جبيل الراحلون" وهو مجموعة من المقالات والأبحاث تناولت معظم أدباء جبيل، وقد شاركت بكتابة قسم من هذا الكتاب مع أساتذة أدباء كانوا معنا في عضوية المجلس الثقافي.
من أصدقائي أيضاً المرحومان يوسف خطار الحلو (أبو وضاح) الذي كان عضواً في مجلس نقابة الصحافة والسيد قزحيا كرم الحلو الذي غاب منذ زمن بعيد ولم يغب ذكره عن ذاكرتي، لما كان يتمتع به من فكر نجيب وصدق ووعي محب وفيّ. وأختم هذه العجالة بمسك ختام كل مناسباتي الحلوة، بتحية طيبة الى المؤسسة العسكرية التي ينضوي تحت لوائها اثنان من أبنائي والكثير من تلامذتي الذين خدموا ويخدمون العلم والوطن بأغلى ما عندهم.