سياحة في وطني

بطحا
إعداد: باسكال معوض بو مارون

وشاح أخضر يتأرجح بين السماء والخليج

تودّع درعون وتستقبل غوسطا بذراعين مفتوحتين وقلب كبير، بطحا جارة دير الكريم وصديقة بقلوش منبت الكهنة والاعلام... وشاح أخضر مطرّز، طرفه الأول معلّق بالسماء والآخر متدلٍّ يتأرجح عند أقدام خليج جونيه، وتحت العقدة الحريرية ذراعان ممدودتان، اليمنى تحيّي غوسطا وتشبك الأيادي مع أهاليها، فيما اليسرى تودّع درعون غامسة أناملها في حبر مطابعها.

 

ميزة جمالية رائعة

تقع بطحا في القسم الجنوبي من كسروان، عند أسفل المنحدر الذي يحضن قرية غوسطا، يحيط بها من الشمال محلة بقلوش وغوسطا، ومن الجنوب حريصا ودرعون، ومن الشرق غوسطا ومن الغرب ساحل علما وحارة صخر، وعبرهما تشرف بطحا اشرافاً مباشراً على خليج جونيه ومعاملتين.
أما طبيعة بطحا فجبلية شديدة الانحدار، تعلو عن سطح البحر ابتداء من 400 متر حتى 750 متراً، وتغطي سفوحها أشجار الصنوبر والسنديان. كما تنمو بين بيوتها بعض الأشجار المثمرة وقليل من الكروم، مما يضفي على الموقع ميزة جمالية رائعة.
اعتنى أهالي بطحا بزراعة الحنطة التي تعتبر العنصر الأساسي للغذاء وهي لا تحتاج الى كميات كبيرة من المياه لريّها، ويمكن زرعها في المدرجات أو الجلول وهي متوافرة في البلدة نظراً لطبيعة أرضها الانحدارية. كذلك، انتشرت فيها خلال القرن السادس عشر زراعة الشعير لتأمين قوت الماشية.
واعتنى سكان بطحا والقرى المحيطة بها بزراعة الأشجار المثمرة كاعتنائهم بباقي الزراعات ومنها، أشجار الزيتون والكرمة والتوت، وانتشرت في القرية تربية الماعز والنحل ودود القز.
لقد خصّ الله بطحا بنبع «رأس الماء» الذي كان له دور في نشأة هذه البلدة وتوفير المياه لمزروعاتها. وأقدم ذكر لهذا النبع يعود الى مخطوط دير مار شليطا، وفيه يذكر أن «باسيل وأسرته عندما حلّوا في كسروان لم يقطنوا في ساحل علما، بل طلعوا الى فوق الساحل، لموضع يقال له خربة بقلوش... وجرّوا لعندهم موية رأس الماء».

 

البطحاء والمنحدر

قد يكون لطبيعة وموقع بطحا المميز دور في تسميتها. وقد ذُكِرَت في كتابي طنوس الشدياق والخوري منصور الحتّوني أنها من بين قرى كسروان الصغيرة، الا أنهما لم يتطرّقا لأصل اسمها.
وتردّ القواميس اللغوية اسم بطحا إما الى أصل عربي، حيث رجح العلاّمة بطرس البستاني أن يكون الاسم من كلمة البطحاء، أي الأرض المستوية، وإما الى جذر فينيقي عبراني كما عند أنيس فريحة الذي يرى أن الاسم يعني الأمانة والثقة والاطمئنان والاستقرار. وقد يكون الاسم مشتقاً من الآرامية - السريانية ومعناه مكان الاضطراب والانزعاج والقلق. وهذا الاحتمال هو الأرجح كون موقعها الشديد الانحدار يوحي بالانزلاق السريع.

 

دمار.. فازدهار

قد تكون خطورة الموقع وشدّة انحداره، من أسباب تأخير السكن في بطحا، فحتى اليوم، لم يُكتشف في البلدة ما يَدل على قدمها. وقد ورد ذكر لبطحا في مؤلفات البحاثة والرحالة الأجانب الذين درسوا المناطق الأثرية المحيطة بخليج جونية، ومنهم ارنست رينان والأب هنري لامنس.
ومنذ أواخر القرن الثالث عشر، راحت جبال كسروان ومنها بلدة بطحا تتعرّض لسلسلة حملات «تأديبية» من قبل دولة المماليك المصرية. بدأت الحملة الأولى في العام 1292، وكان الدافع اليها الاقتصاص من الكسروانيين لمساندتهم الصليبيين أعداء المماليك.
ومع بداية القرن الرابع عشر، شهدت البلاد حملتين، الأولى في العام 1300 والثانية في العام 1305. أما أسبابهما فكانت مشابهة ومماثلة للأولى، اضافة الى تعامل الكسروانيين مع المغول، مما أدى الى مخاطر هددت الدولة المملوكية.
بنتيجة هذه الحملات الثلاث، دمّرت البلاد وهدمت المنازل وتحوّلت بلاد كسروان الى اقطاع أعطي الى عشائر تركمانية.
تسكت الأصول والمصادر التاريخة عن الكلام على كسروان خلال الفترة الممتدة من دمارها على يد المماليك حتى مطلع القرن السادس عشر، حين بدأ السكان بالعودة اليها بعد معركة مرج دابق.
فبنتيجة هذه المعركة، ثبّت السلطان سليم الأمير عسّاف على البلاد وكسروان، وأدى نهج هذا الأمير الى عمران البلاد وازدهارها، مما دفع بالسكان الى النزوح من مختلف المناطق باتجاهها.
وبحسب الاحصاءات العثمانية، فإن بطحا كانت جزأين: مزرعة بطحا وقرية بطحا. الأولى: كانت على الأرجح قائمة في محيط النبع لا سيما وأن المياه في أساس وجود كل مزرعة، وقد وجدت في تخوم هذه المحلة، مساكن قديمة حول النبع في أسفل البلدة، ثم بدأ الامتداد صعوداً حتى انتشرت المساكن في قلب الضيعة الحالية.
بعد قضاء السلطنة العثمانية على دولة المماليك، توافرت معلومات حول بطحا والقرى المحيطة بها في دفاتر المسح العثمانية المعروفة بالطابو-دفتري التي دوّنها عمال السلطة لمصلحة جباية الضرائب في السلطنة العثمانية.
وهذه السجلات تعطي أول تقدير سكاني يظهر أن بطحا كانت مأهولة بالنصارى من العام 1523 وحتى أواخر القرن السادس عشر، وتطور عدد سكانها بشكل مطّرد طوال القرن السادس عشر، ما يندرج ضمن حركة العمران التي شهدتها بلاد كسروان في غضون هذا القرن.

 

نزوح منها وإليها

في اطار حركة النزوح الى كسروان، نزلت بعض العائلات في بطحا، وقد تكون أسرة سقيّم أقدم تلك العائلات.
وربما كان نزوح آل مبارك من موطنهم باتجاه كسروان قد حصل في هذه الفترة، فدفتر الطابو يذكر موسى مبارك من عداد الخانة التي كانت تقطن بطحا آنذاك.
وكما وفدت الى بطحا عائلات، خرجت منها عائلات الى نواح أخرى.
ففي دفتر مؤلف من 12 صفحة عنوانه نسب مشايخ آل الخوري في جبل لبنان، جاء ذكر الخوري بشارة أحد أبناء البلدة على النحو الآتي: «في سنة 1582، خرج الخوري بشارة من بطحا - كسروان، وجاء رشميا في الشوف وسكنها وبنى فيها كنيسة من تعبه ووقفه وكان ورعاً فاضلاً مات عن ولد هو الخوري عبد الله، خدم الكنيسة كوالده، وكان مثله همّاماً تقياً، ومات عن ولد اسمه يوسف. ويوسف ولد عبد الله الذي حضر في سنة 1711 معركة عين داره مع الأمير حيدر الشهابي بين القيسية واليمنية، وقاتل ببسالة فائقة، وقبض على أميرين من اليمنية فأقطعه الأمير حاكم البلاد رشميا وتوابعها، وأعفاه من الأموال الأميريكة وسائر التكاليف، ثم جاء كاهناً باسم الخوري صالح وهو الذي نسبت اليه الأسرة لشهرته».

 

روح الضيعة

على ارتفاع يتراوح بين 450 و600 متر عن سطح البحر، وفي مساحة تبلغ 650 ألف متر مربع، يسكن أهالي بطحا البالغ عددهم نحو 820 نسمة بكل هناءة وراحة بال.
بهذه المقدمة، بدأ رئيس بلدية بطحا ايلي الشايب حديثه عن البلدة، ثم أضاف: لا تزال روح الضيعة معشعشة في قلوب الأهالي، فالطيبـة والأصالة و«روح العونة» هي التي تسيّر العلاقات الانسانية فيها.
وقد اشتهرت بطحا بالجنارك حتى ذاع صيته في كل مكان، الا أن زراعته خفّت نسبياً فبقيت في البلدة مشاتل زهور وورود تزيّن الأراضي الزراعية.
وفي البلدة كنيسة مار زخيا وقنطش مار انطونيوس ودير للراهبات الفراميات للسريان الكاثوليك، ودار الفتاة وهو ميتم للرهبنة.
كانت بطحا تفتقد الى العديد من الخدمات فبلدتها حديثة العهد. ومع استلامه مهامه، باشر المجلس البلدي الأعمال الضرورية: مجاري مياه وأقنية، وتمديدات كهربائية للإنارة، وتزفيت بعض الطرقات الداخلية الأساسية. بعد ذلك، بدأ العمل على دراسات ميدانية متخصصة تأخذ بعين الاعتبار حاجات البلدة في مختلف القطاعات.
ويسعى المجلس البلدي حالياً لإقامة مستوصف في البلدة، وهو تقدّم بطلب الى وزارة الأشغال لتزفيـت الطرقـات الرئيسية، وبآخر الى وزارة الموارد المائية والكهربائية حيث تحتاج شبكة الكهرباء في البلدة الى اجراء تصليحات. كما يعمل المجلس البلدي على ايجاد حل لمعالجة النفايات وذلك عن طريق مجلس الانماء والاعمار.
وهنالك مشروع يجري العمل عليه يقضي بضـمّ محلة بقلوش الخالية من السكان الى ارض بطحا، بحيث تصبح تابعة لبلديتها والمفاوضات في هذا الشأن جارية على قدم وساق.

 

عائلات بطحا

تسكن بطحا عائلات: المير، السقيّم، عويني، الشايب، أبي زيد، برادعي، منصور، سمرجيان، حسّون، الصفدي، ضومط، باسيل، فرنسيس، عون، سميا، معلوف.

                                                                             

المرجع : بطحا في التاريخ الحديث والمعاصر - ماهر زخيا المير