تسلح وتكنولوجيا

بعدما وقّع الرئيس بوش على سياسة دفاع فضائية
إعداد: كمال مساعد

وقع الرئيس جورج بوش على سياسة فضائية جديدة للولايات المتحدة الاميركية تضع الدفاع في الاولوية الاستراتيجية، وترفض اية اتفاقيات او مفاوضات مستقبلية للحد من التسلح او من شأنها تقييد المرونة الاميركية في الفضاء، وتؤكد على حق الولايات المتحدة في رفض استخدام الفضاء من قبل اطراف معادية للمصالح الاميركية. وتوصي الوثيقة وزير الدقاع بتطوير القدرات والخطط والخيارات لضمان حرية العمل في الفضاء وحرمان الخصوم من هذه الحرية. وكانت صحيفة واشنطن بوست قد ذكرت ان الوثيقة هي المراجعة الاولى للسياسة الفضائية الامريكية منذ عشر سنوات وقد شددت على القضايا الامنية، واهداف بوش العليا وتعزيز ريادة البلاد الفضائية، وضمان توفير القدرات العسكرية في الوقت المناسب لتعزيز الامن القومي والامن الداخلي وتحقيق اهداف السياسة الخارجية، وتمكين العمليات الدفاعية من دون عائق في الفضاء، بالاضافة الى معارضة تطوير نظم قانونية جديدة او فرض قيود تسعى الى منع الولايات لمتحدة من استخدام الفضاء او الحد من حقوقها في اجراء الابحاث والتجارب والقيام بالعمليات والنشاطات الخاصة بالاستراتيجية القتالية لحرب الفضاء.

 

انشاء أول قيادة فضائية قتالية لحرب الفضاء

قدرة المراقبة من الفضاء

كان سلاح الجو الأميركي  US Air Force  قد كشف عن خارطة طريق حول خططه العسكرية الفضائية، لا سيما لجهة إطلاق مجموعة من الأقمار الاصطناعية والصواريخ الدافعة أو العابرة للقارات. والهدف النهائي من هذه الخطة هو انشاء «قيادة فضائية قتالية» تتولى إدارة المركبات الفضائية المعتمدة للعمليات القتالية مع تنظيم هذه القيادة على مثال قيادة القتال الجوي التي تدير عمليات الطائرات المقاتلة والقاذفة لدى سلاح الجو الأميركي، الذي يأمل بنشر أنظمة أرضية مضادة للأقمار الاصطناعية المعادية، حيث ان هذه الأنظمة مرشحة لأن تكون قادرة على ضرب الأنظمة الفضائية التي تستهدف الأقمار الاصطناعية الاميركية.
وفيما لا توجد أي تطبيقات عسكرية حالياً في الفضاء، تنحصر التطبيقات العسكرية في أقمار الاستطلاع والاتصالات.
إلاّ إنّ بعض الدول الكبرى يتجه نحو تمويل وإجراء دراسات وبرامج ضخمة حول بناء مركبات عسكرية قادرة على العمل خارج الغلاف الجوي. والعمل قائم لإطلاق رواد فضاء عسكريين للقيام بالعديد من المهام الخاصة في المستقبل القريب. ولعل أولى المهام المتوقع أن يقوم بها رواد الفضاء العسكريون هي مهام الاستطلاع، وقد أوضحت الدراسات التي قام بها كل من الأميركيين والروس أن قدرة المراقبة من الفضاء أفضل بعدة مراحل من قدرة المستشعرات المستخدمة في مختلف منظومات الاستطلاع والتجسس المتوافرة حتى الآن. وهذا ما تدرسه الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة، وعليه فهي تعمل على تطوير وبناء طائرات لمهام جوية وفضائية قادرة على الاستطلاع، وتقوم بعمليات القصف الجوي، وعمليات نشر سريعة للقوات المتخصصة في أي مكان على سطح الأرض في خلال مدة لا تتجاوز عدة ساعات من اتخاذ القرار بذلك.

 

توصيات مجلس العلوم الدفاعية

في هذا الصدد أوصى مجلس العلوم الدفاعية D.S.B. التابع لوزارة الدفاع الأميركية بتطوير أسلحة وتكنولوجيا جديدة تحقق للقوات الأميركية سيطرة على نطاق شامل وكامل. وحدد تقرير للمجلس في أعقاب سلسلة من الدراسات والنقاشات والاستشارات نظم الأسلحة المتقدمة، والتقنيات المتطورة التي تحتاجها العمليات  العسكرية الأميركية خلال العام 2010 وما بعده، مشدداً على أهمية الاسراع في تنفيذ العمليات القتالية في وقت مبكر جداً وبفاعلية كبيرة وتواتر مستمر لدى اندلاع نزاع، لأن عواقب التأخير أو التلكؤ أو التردد في تنفيذ تلك العمليات سوف تكون وخيمة بسبب التبدلات الجذرية في أساليب الحرب التي باتت محكومة بالكترونيات تتعامل مع أجزاء من الثانية. وشدد التقرير أيضاً على أهمية قدرة التهديف الشامل وسرعة الاستجابة والحاجة إلى تقنيات وتجهيزات جديدة أكثر فاعلية للعمليات القتالية، وكذلك ركز على أهمية الترتيبات التي تتيح نشر قوة عسكرية أميركية فعالة في أي مكان من العالم في ساعات، على أن تتبعها قوة إضافية أكبر تشمل وحدات برية في غضون أربع وعشرين ساعة. وأبرز الأسلحة الجديدة التي أوصى بها التقرير لتحقيق فاعلية العمليات العسكرية هي:
- أسلحة دقيقة الاصابة تطلقها صواريخ عابرة للقارات ذات مرحلتين لمهاجمة أهداف ثابتة عالية القيمة. وكذلك مقذوفات تنفجر بالطاقة الحركية ورؤوس خارقة تقليدية.
- منظومة من أسلحة الليزر مركزة في الفضاء توفر تغطية شاملة للعالم بأسره، تتولى الدفاع ضد التهديدات المنطلقة من الفضاء وكذلك ضد الصواريخ البالستية المعادية في أثناء مرحلة تعزيز دفعها الأولى.
- قنابل صغيرة ودقيقة وشديدة الفعالية من فئة 250 رطلاً (113 كلغ) لمضاعفة حمولة كل طلعة للطائرات المقاتلة والقاذفة ما بين أربعة أضعاف وتسعة أضعاف.
- منظومات من المركبات الفضائية تدور حول الأرض وتقصف الأهداف المعادية من أعلى مدارها داخل الغلاف الجوي.
- مركبات مدرعة فائقة السرعة وذات قدرة عالية على الصمود في وجه العوائق والأخطار.

 

البرامج الفضائية العسكرية

كما تخطط القيادة العسكرية المعنية بالدفاعات الذاتية للمركبات الفضائية، لتزويد الأقمار الأميركية أنظمة تشويش الكترونية مع تحسين تكتيكات العمليات، كذلك هناك محاولة اطلاق أنظمة مخصصة لحماية المركبات الفضائية التي تتعرض للهجوم، مع وجود خطة لاطلاق صواريخ باليستية غير نووية، ومن ثم تعديل الصواريخ من نوع  Minuteman III ، مع إمكان تحديث الصواريخ الباليستية النووية، وذلك بموجب خارطة الطريق، فصواريخ اMinuteman IIIب المعدلة هذه (وتعرف ب اMinuteman III Eliteب) سوف تطلق العام 2011، على أن يليها طراز جديد بحلول العام 2018. ومن البرامج الفضائية العسكرية المطروحة:
- نشر أنظمة متقدمة لمراقبة الفضاء، بما فيها رادار فضائي لتعقب الأهداف على الأرض العام 2014، مع تعزيز هذا الرادار بنظام يشير إلى الأهداف الجوية المتحركة حوالى العام 2021.
 ويمكن أن تستكمل هذه المجموعة بأقمار اصطناعية للرقابة قادرة على كشف أسلحة الدمار الشامل بحلول العام 2024.
- مركبة فضائية تنتقل في الفضاء قد تطلق العام 2015 على أن تخلفها مركبة معززة للقيام بعمليات فضائية العام 2024 وسوف يقرر سلاح الجو الأميركي بحلول العام 2012 ما اذا كان سيقوم بتحديث الصواريخ الدافعة لوضع الأقمار الاصطناعية في مساراته الفلكية Atlas V و Delta IV ، أو يستبدلها بصواريخ جديدة أقل كلفة مع قدرات أكبر على التجاوب مع التعليمات.
- أقمار اصطناعية جديدة للملاحة والاتصالات مع نظام تحديد المواقع III GPS المنوي اطلاقه العام 2012، وأقمار الاتصالات المتحولة  Tansformational Communications Satellites   (2009).
تجدر الاشارة إلى ان «خارطة الطريق» هذه أقل طموحاً من الخطة الأساسية التي كانت وزارة الدفاع الأميركية تأمل بوضعها، خصوصاً لجهة اطلاق صواريخ دافعة سريعة التجاوب مع التعليمات والأوامر. وأسباب هذا التراجع تعود بالدرجة الأولى إلى عجز أميركا عن تمويل هذه الخطط الطموحة. مع العلم بأن هذه الخارطة قد تتعرض للمزيد من التعديلات في الموازنة المالية للأعوام المقبلة.
واستكمالاً لسيطرتها المطلقة على العالم، تبنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مشروعاً يشكل خطراً على الأرض بإقامة مملكة للصواريخ النووية الاعتراضية في الفضاء، وإعادة الاعتبار لفكرة إيجاد صواريخ نووية تتعقب الصواريخ وتتصدى لها، وهي الفكرة التي تخلت عنها الولايات المتحدة قبل ثلاثين عاماً مضت. إلا أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد (الذي استقال مؤخراً) كان طلب من مجلس العلوم الدفاعية دراسة إمكان استخدام الأسلحة النووية ومدى قدرتها من الناحية الفنية على تحقيق دفاع ضد الصواريخ، ما يعني تفجير قوة نووية لصد صاروخ معادٍ في الفضاء واعتراضه، وذلك يؤدي إلى ضرب الأقمار الاصطناعية المرئية وشبكات الطاقة الكهربائية المبرمجة الكترونياً.

 

المشاريع الاميركية الطموحة

يجري العمل من أجل ابتكار تكنولوجيا جديدة لمزيد من الهيمنة على الفضاء، اذ تعكف الجهات المعنية على صنع أنظمة طاقة طويلة الأجل وتكنولوجيا لمهام استطلاع ومراقبة الفضاء وحماية المصالح الأميركية خارج الغلاف الجوي. وتكمن الحاجة أيضاً الى أنظمة لشبكات اتصال متطورة للغاية. وتسعى الادارة الأميركية وراء تكنولوجيا لاصطياد الصواريخ الذاتية الدفع في جميع أطوار تشغيلها علماً ان أسلحة الطاقة المباشرة مثل اللايزر، يمكنها اسقاط هذه الصواريخ. ويؤكد قادة سلاح الجو والصناعة الفضائية الاميركية، انهم يستطيعون القيام باختبارات لايزرية في المدار الفضائي ونشر نظام مضاد للصواريخ، أكثر مما هو متوقع. كما ان التجارب التي يتولاها سلاح الجو الأميركي بالاشتراك مع منظمة الدفاع الصاروخي البالستي (SBL) المعروف باسم اختبار الطيران المدمج اifxب تقرر البدء بها العام 2012.
كذلك فإن هناك عدداً كبيراً من المشاريع الفضائية الأميركية لمقاومة القذائف الباليستية العابرة للقارات، من بينها مشروع «بامبي» أي مشروع القذائف الفضائية المضادة للقذائف الباليستية. وكان المشروع يتطلب اعداد مئات المنصات الفضائية المدارية المزودة أسلحة هجومية لتدمير الأقمار الصناعية المعادية ومعدات توجيه وسيطرة بالغة في التعقيد.. علماً إن تكنولوجيا «بامبي» تتطلب التصويب الدقيق على الأقمار الصناعية عبر مئات الأميال وإصابة أهداف دقيقة تتحرك في الفضاء بسرعة 24.000 كيلومتر في الساعة.

ومن الأسلحة الفضائية الأخرى التي يتوقع استخدامها في أية حرب فضائية مقبلة، أسلحة الطاقة الحركية التي يستند اشتغالها على أساس الطاقة الناتجة عن الحركة، لذا يمكن اطلاق هذه الأسلحة من الأرض أو الفضاء وقد تطورت تكنولوجيتها بما فيه الكفاية بحيث يمكن توفيرها في الحروب القادمة ومن ثم يمكن استخدام هذه الأسلحة بواسطة أقمار صناعية ذات مدارات منخفضة، حيث تطلق قذائفها على الصواريخ النووية المعادية، اذ تنطلق قذائف مصغرة يتم توجيهها بواسطة أجهزة استشعار، لتصطدم بتلك الصواريخ النووية وتدمرها، وهذا السيل من القذائف المصغرة يطلق عليه اسم «الصخور الذكية» (Smart Rocks) وهي قذائف جو/فضاء - إذا أطلقت من الجو بإحدى وسائل الإطلاق (طائرات مقاتلة/أقمار صناعية/مكوك أو محطة فضائية)، كما هي قذائف أرض/جو إذا أطلقت من قواعد أرضية إلى طبقات الجو العليا. لكن من عيوب أسلحة الطاقة الحركية مداها القصير الذي لا يتعدى الكيلومترات كما ان سرعتها لا تتجاوز 40 كم/ثانية بالمقارنة مع أسلحة الليزر.
وأخيراً، لقد تقدمت تقنيات الفضاء بسرعة فائقة خصوصاً بعدما شاركت الجهات العسكرية في الدول الكبرى بمجهودات كبيرة من أجل دفع الانطلاق نحو الفضاء إلى الأمام، ولكن دور هذه الجهات تضاءل مع الوقت، نظراً إلى اقتصاد حاجة الجيوش للفضاء على أقمار الاستطلاع والتجسس، ونظراً إلى العوائق التي حالت دون الاستخدامات العسكرية الأخرى للفضاء.
وجدير بالذكر ان مشروعات حرب النجوم التي ظهرت في أثناء الحرب الباردة، قد أجهضت بعد اتفاق الدول الكبرى في ذلك الوقت على عدم مد الصراع إلى الفضاء، اضافة إلى التكاليف المالية الباهظة لاطلاق المركبات العسكرية الفضائية وتشغيلها. لكن المستقبل القريب سيشهد أولى الخطوات الهامة، وتخطي المعوقات الأساسية التي حالت سابقاً دون امتداد التطبيقات العسكرية إلى الفضاء، فالأمر قد صدر مجدداً للشروع في مرحلة عسكرة الفضاء في خلال القرن الحادي والعشرين.


- واشنطن بوست الأميركية - نقلاً عن «وكالة رويترز» 19/1/2006.
- مجلة فورين ريبورت - مجموعة جينز البريطانية - أيار 2005، تقرير حول خارطة طريق لسلاح الجو الأميركي، والمتعلقة بالخطط العسكرية للسنوات المقبلة بعد العام 2006.
- مجلة الدفاع الخليجي - تقرير مجلس العلوم الدفاعية - كانون الثاني 2004، دراسة حول نظم الأسلحة التي تحتاجها العمليات العسكرية الأميركية حتى العام 2010.
- خدمة نيويورك تايمز الأميركية، 29/12/2004.
- نشرة العالم الجديد، 12/4/2005.
- تقرير هيئة الفضاء الأميركية، بناء على طلب الكونغرس، وقد عرف بتوصيات رامسفيلد، وزير الدفاع - خدمة USA-TODAY كانون الثاني 2002.
- وكالة المشروعات البحثية العسكرية المتقدمة - داربا - مجلة الدفاع الخليجي، تشرين الأول 2004.
- واشنطن بوست، تقرير 25/7/2005.