- En
- Fr
- عربي
باختصار
راودت الأسماع في الفترة الأخيرة أصوات أكثر من الإقتراحات على المؤسسة العسكرية، لا بل الآراء، ذات اليمين وذات اليسار، وصولًا إلى طرح الإنتقادات، والإحتجاجات أحيانًا. إنّ ذلك، وكما قلنا مرارًا، يعود بمعظمه إلى أنّ المنتقدين يتناسون، وقد ينسون، أنّ الجيش يتصرّف حيال كلّ موضوع، من منظار أنّه مسؤول عن أمن الوطن كاملًا، وحريص على أمان المواطنين جميعًا، ولا يمكنه بأيّ شكل من الأشكال أن يميل إلى فريق ويبتعد عن فريق آخر، خصوصًا إذا كانت المعالجة لا تقتضي مثل هذا الميل، ولا تبرّره، في ظل تجاذبات سياسية باتت مألوفة، ومستمرّة، فإن أعرضت مجموعة سياسية ما عن اللون الأبيض، مثلًا، مالت إليه مجموعة أخرى، وإن رأت أنّ زراعة الحمضيات قد تؤدي إلى الضرر بالإقتصاد، أيّدت المجموعة الثانية، ودعت إلى الإكثار منها. كلّ ذلك والقناعة التامة لدى القيادة هي أنّه لا انتصار للوطن بانتصار فريق فيه، فمثل هذا يعني هزيمة فريق آخر، ومن أين للوطن أن ينتصر هنا مع انكسار عدد من أبنائه وخسارتهم؟
وتتدرّج الأمور بحيث يطلق البعض، جزافًا أو عن سابق تحضير، عبارات من مثل: الفلتان الأمني. هكذا، وبكلّ بساطة، فلتان أمني في البلاد. إذن، فالجيش والقوى الأمنية على اختلافها، في غفلة عن الأمور، أو، في راحة واستجمام. تقال هذه العبارة عبر وسائل إعلامية تعجّ بالحركة، وتتلألأ فيها الأنوار، وتطلق البرامج، وتستمرّ الإتصالات، وتكثر المواعيد... كلّ ذلك، في ظلّ فلتان أمني من شأنه لو حصل، أن يتعذّر على البعض المذكور الوصول إلى تلك الوسيلة الإعلامية، أو إلى غيرها، أو الكلام عبر أثيرها، أو مغادرتها بسلام إلى المطاعم والمرابع والملاهي، وأماكن الإجتماعات واللقاءات والتخطيطات الواعدة.
أمّا الذي يحصل في الأوقات اللاحقة، فهو أنّ التصريحات والإنتقادات تعود وتلين، لا بل تتغيّر وتتبدّل لحسن الحظ، ويحضر المصرّحون الصريحون إلى القيادة موضحين لأنفسهم بأنفسهم، معلنين أنّ الجيش هو ضمانة الأمان، وأنّ التضحية في سبيل الوطن تطبع عسكرييه، تمامًا كما تطبع الشمس جباههم بألوان الجدّ والنشاط، وأنّه يجب دعم المؤسسة العسكرية بالعتاد والسلاح من أجل تفعيل مهماتها المباركة.
يمثّل ذلك، في الكلام الشعبي، عودة إلى بيت الطاعة. لكن، ليس لدى الجيش اللبناني بيوت مثل هذا البيت، وهو لا يطلب الطاعة العمياء من أحد، ولا يسعى إلى إخضاع مواطن، أو سلبه حريته، وفرض رأي معيّن عليه. ولدى الجيش، بالمقابل، بيوت للكرامة، الكرامة الوطنية التي تمثّل مجموع كرامات المواطنين، تمامًا كما أنّ مجموع الأشجار المفردة هو الذي يشكّل الغابة الخضراء المنطلقة نحو الأعلى، نحو الخالق، خالق الناس أحرارًا متنوّرين.