دراسات وأبحاث

بين إنجازات الماضي وتحدّيات المستقبل
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

أقرت اللجنة التنفيذية للإنتربول بالإجماع إنشاء «مؤسسة الإنتربول من أجل عالم أكثر أمانًا». وستفتح هذه المؤسسة أول مكتبين لها في جنيف وباريس العام 2014. وقد اتُخذ هذا القرار خلال الدورة الـ82 للجمعية العامة للإنتربول المنعقدة في مدينة «قرطاجينا» - كولومبيا ما بين 21 و24 تشرين الأول الماضي، وسيتولى السيد الياس المر، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الدفاع الأسبق في لبنان منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإنتربول من أجل عالم أكثر أمانًا، وذلك لفترة سبع سنوات. فما هو الإنتربول؟

 

تعريف
الإنتربول اسم مشهور عالميًا وهو مؤسسة أمنية قضائية بوليسية دولية تعمل على مستوى العالم.
والإنتربول تعريب مختصر لعبارة «International Police»، ولكن الإسم الكامل لهذه المنظمة الدولية هو، باللغة الإنكليزية: International Criminal Police Organization ICPO وهو بالفرنسية: Organisation internationale de Police Criminelle  OIPC، أي المنظمة الدولية للشرطة الجنائية.

 

تاريخ نشوء المنظمة وتطوّرها
تعود فكرة تكريس التعاون بين اجهزة الشرطة في العالم وتأطيره إلى مطلع القرن العشرين، وقد بذلت جهود عديدة لتحقيق ذلك ولكنها باءت بالفشل. ويندرج في هذا السياق المؤتمر الدولي الاول للشرطة الجنائية الذي عقد في موناكو (1914) والمؤتمر الدولي للشرطة الذي عقد في نيويورك (1922).
العام 1923 وخلال انعقاد المجلس الدولي للشرطة الجنائية في مدينة فيينا في النمسا، تم تأسيس «اللجنة الدولية للشرطة الجنائية» التي شكلت اللبنة الأولى في تأسيس الإنتربول في ما بعد.
والدول المؤسسة كانت: النمسا - بولندا - بلجيكا - مصر - الصين - فرنسا - المانيا - اليونان - هنغاريا - ايطاليا - هولندا - رومانيا - السويد - سويسرا - ويوغسلافيا. وحضرت الولايات المتحدة الاجتماع بصورة غير رسمية ولكنها لم تنتسب الى المنظمة حتى العام 1938، أما بريطانيا فقد التحقت بهذه المنظمة العام 1928.
بعد انضمام النمسا القسري إلى المانيا العام 1938 (الأنشلوس) وقعت المنظمة تحت سلطة النازية وانتقلت مقراتها إلى مدينة برلين في المانيا (1942). وبين العامين 1938 و1945 تولى رئاسة المنظمة ضباط المان برتبة جنرال وكانوا جميعا من قوات الحماية الخاصة (Schutz - Sttaffel) المعروفة باختصار: SS.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أعيد إحياء المنظمة كمنظمة دولية للشرطة الجنائية وتمّ تأسيس مقر جديد لها في سان- كلو (إحدى ضواحي باريس في فرنسا). وبقي هناك حتى العام 1989 عندما نقل إلى مدينة ليون الفرنسية حيث مازال فيها حتى اليوم.
في تموز 2010 أدين الرئيس السابق للإنتربول جاكي سالابي بتهمة قبض رشوة من أحد تجار المخدرات قدرت بحوالى 156 الف يورو.
وفي 8 تشرين الثاني 2012 انتخبت الجمعية العامة للإنتربول نائبة المدير المركزي للشرطة القضائية الفرنسية السيدة ميراي باليسترازي رئيسة جديدة للمنظمة، وهي ما زالت حتى اليوم. أما الأمين العام للإنتربول اليوم فهو الأميركي رونالد نوبل.
يبلغ عدد الدول المنتسبة لمنظمة الإنتربول حتى اليوم 190 دولة، وتعتبر الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والعربية اللغات الرسمية لها.                        
أما شعار المنظمة فهو الكرة الأرضية التي ترمز إلى عمل المنظمة على مستوى العالم، وسنبلتا قمح اشارة للسلام وسيف يخترقها من أعلى إلى أسفل يشير إلى عمل الشرطة، وكفتا ميزان في الأسفل إشارة للعدل والنظام.   
                                          

تأليف الإنتربول وهيكليته
يضم الإنتربول حوالى 700 موظف يؤمنون العمل في المقرات الرئيسية التي تتألف من الأقسام الآتية:                                                             
• الجمعية العامة (General Assembly): وهي تتشكل من الأشخاص المنتدبين إلى المنظمة من قبل الدول الأعضاء فيها، وهي أعلى هيئات المنظمة.
• الهيئة التنفيذية (Executive Committee): تنتخبها الجمعية العامة للمنظمة وهذه الهيئة تنتخب رئيس المنظمة الذي يؤمن قيادة المنظمة ويسهر على تنفيذ القرارات التي تتخذها الجمعية العامة في اجتماعاتها السنوية.
• السكرتاريا العامة أو الأمانة العامة (General Secretariat): تتمركز أمانة سر المنظمة في مدينة ليون الفرنسية، وهي تعمل تحت سلطة الأمين العام 24 ساعة يوميًا - 7 أيام في الأسبوع و365 يومًا في السنة. ولهذه السكريتاريا 7 مكاتب إقليمية في عدد من دول العالم هي: الأرجنتين، السلفادور، الكاميرون، ساحل العاج، كينيا، زيمبابوي،تايلاند، كذلك للمنظمة ممثل خاص لدى الأمم المتحدة في نيويورك وآخر لدى الإتحاد الأوروبي في مقره في مدينة بروكسل.  وتقوم المنظمة ببناء مجمع البحوث والتطويروالتجديد في سنغافورة والذي من المتوقع أن يبدأ عمله العام 2014   تعتبر هذه االأمانة العامة مع المكاتب المركزية الوطنية مسؤولة عن تنفيذ القرارات الاستراتيجية للمنظمة.
• المكاتب الوطنية المركزية  NATIONAL CENTRAL BUREAUS NCBs: لدى كل دولة من الدول المنتسبة للمنظمة مكتبًا وطنيًا مركزيًا يشكل صلة وصل ما بين الشرطة الوطنية وشبكة المنظمة الدولية، وهي عادة تتألف من أشخاص (ضباط وقانونيين) لديهم الكفاءة القانونية والتجربة في دولهم، وتشكل هذه المكاتب الشريان الحيوي في حياة الإنتربول وعمله، فهي تؤمن قاعدة البيانات، والتعاون المشترك في أي من التحقيقات والعمليات والتوقيفات العابرة للحدود.
• المستشارون Advisors:  يمكن للمنظمة أن تستعين ببعض الخبراء في مجالات واختصاصات محددة، وتتولى الهيئة التنفيذية تعيين هؤلاء بعد موافقة الجمعية العامة.
• لجنة مراقبة ملفات الإنتربول Commission for The Control of INTERPOL’s Files CCF: مهمة هذه اللجنة التأكد أن البيانات الشخصية كالأسماء والبصمات تنسجم مع قواعد المنظمة وقوانينها بهدف حماية الحقوق الأساسية للفرد والتأكد من التعاون بين أجهزة الشرطة دوليًا، في الوقت ذاته.

 

تمويل الإنتربول ودستوره
بلغ دخل المنظمة العام 2012 حوالى 70 مليون يورو، 74% منها من اشتراكات الأعضاء، و21% من مشاريع ممولة خارجيًا (مؤسسات خاصة وشركات تجارية ).
يعتبر دستور المنظمة الوثيقة القانونية التي تسير عليها منذ عقود. وقد أقر هذا الدستور في الدورة 25 للجمعية العامة لهذه المنظمة في حزيران 1956 في فيينا، وأصبح ساري المفعول اعتبارًا من 13 حزيران من العام ذاته. ويلخص هذا الدستور اهداف المنظمة الدولية وغاياتها ويرسم خارطة طريق تؤدي إلى تعاون فاعل لأجهزة الشرطة على مستوى العالم.
وقد حددت المادة الثانية غايات المنظمة كالآتي:
1- تأمين أوسع تعاون ممكن ما بين كل سلطات الشرطة الجنائية في العالم.
2- تأسيس وتطوير مؤسسات بهدف الوقاية من جرائم القانون العادية ومكافحتها. لكن هنا لا بد من الإشارة إلى أن مجال الأهداف المنشودة أتاح إمكان توسيع وسائل عمل المنظمة انسجامًا مع الضرورات والحاجات والمواقف المختلفة.
كما شددت المادة الثانية على أن تعاون البوليس الدولي يجب أن يجري انسجامًا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن هنا التزام المنظمة احترام الحقوق الأساسية للأفراد وحريتهم في اثناء قيامها بعملها.
وتركز المادة الثالثة على حفظ مبدأ حياد المنظمة وتجرّدها واحترامها واستمرارها، فقد نصت هذه المادة على أن الوصول إلى أوسع مدى من التعاون بين اجهزة الشرطة وسلطاتها في الدول الأعضاء، يتحقق بامتناع المنظمة عن أي تدخل أونشاط له صفة سياسية أو دينية أو عسكرية أو عرقية في أي من هذه الدول.
غير أن التغيرات التي طرأت على الجرائم العابرة للقوميات أو العابرة للاوطان، والتطورات في القانون الدولي أثرت على تطبيق المادة الثالثة من دستور المنظمة، فقد رأت الجمعية العامة أن تطبيق هذه المادة لا يعني بالضرورة عدم تقديم المساعدة في حقل مكافحة الإرهاب.
والعام 1994 سمح قرار للمنظمة بالتعاون مع المحاكم الدولية وفتح الباب امام انغماسها الفاعل في قضايا جرائم دولية مختلفة (إبادة جماعية، جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب).

 

كيف يعمل الإنتربول وما هو مجاله ودوره؟
يعمل الإنتربول تحت سقف القانون الدولي بهدف إنجاز أهدافه العابرة للحدود، وهو منظمة دولية معترف بها من قبل الأمم المتحدة، يمكنها عقد الاتفاقات مع الدول وكذلك مع منظمة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وسواهما من المنظمات الدولية.
يؤمن الإنتربول علاقات متينة مع مختلف الأجهزة الأمنية في العالم. ويملك مخزونًا هائلًا من المعلومات المتعلقة بعمله، ولديه شبكة اتصالات آمنة ودائمة تسمح لعملائه وأعضائه من الدول بالاتصال ببعضها وتبادل المعلومات في أي وقت، وهذا ما يعرف بنظام 1- 24/ 7. ويعتبر المكتب الوطني المركزي في كل دولة مصدر المعلومات الاساسي والاولي للشبكة، ولكن ثمة دولًا قد وسعت النطاق بحيث بات يشمل المطارات والمرافئ والحدود. يتبادل أعضاء الشرطة الدولية المعلومات عن المجرمين الدوليين، ويتعاونون في ما بينهم في مكافَحة الجرائم الدولية، مثل جرائم التزييف والتهريب وعمليات الشراء والبيع غير المشروعة للأسلحة. ويحتفظ أفرادُ المنظَّمة بسجلات الجرائم الدوليَّة، ويساعدون الأعضاء في النواحي العمليّة، ويقومون بتدريب أفراد الشرطة  وبتقديم المشورة لهم.
كذلك تعتبر جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والتهريب على أنواعه والفساد وتبييض الاموال وتجارة المخدرات وتجارة البشر وخصوصًا الأطفال، والقرصنة والملكية الفكرية وتجارة الأعضاء البشرية والجرائم المنظمة وجرائم البيئة والجرائم المالية والإرهاب وغيرها، في صلب عمل الإنتربول واختصاصه واهتمامه.

 

علاقة الإنتربول مع لبنان
انضم لبنان إلى الإنتربول العام 1949، وكان الدولة العربية الثانية بعد مصر.
يقوم مكتب الإنتربول حاليًا في مقر عام المديرية العامة للأمن الداخلي في بيروت. وتتولى شعبة الاتصال الدولي التابعة لهيئة اركان قوى الأمن مهمات هذا المكتب، بحيث تعالج الشؤون المتعلقة بالاتصال بالإنتربول وما يتعلق بعرضـها عـلى النيابــة العامــة التـمييزية لاتـخاذ الـقـرار المناســب بشــأنها.
أمّا لجهة تنفيذ المهمات الموكلة للمكتب المذكور وفق قوانين المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، فتكلّف بها القطعات العملانية الإقليمية في قوى الأمن الداخلي وكذلك الأمن العام والجمارك، كل ضمن اختصاصه على أن تعرض المعلومات المستثمرة على السلطات القضائية المختصة للبت بها.
يتم التعامل بين مكتب بيروت والمكاتب الأخرى في العالم إما مباشرة او من خلال الأمانة العامة لمنظمة الإنتربول، وذلك في العديد من المجالات أهمها:
- تبادل المعلومات الجنائية على أنواعها.
- توقيف المجرمين وتسليمهم وفق الإتفاقيات الدولية، أو مبدأ المعاملة بالمثل.
- تنفيذ الإنابات القضائية الدولية.
- تبادل الخبرات في المجالات المختلفة.

 

المذكرات التي يصدرها الإنتربول                                 
اعتمد الإنتربول إصدار مذكرات ونشرات (تعاميم)، وذلك منذ العام 1946. وقد أصدر خلال العام 2012 32500 مذكرة وتعميم منها 8136 مذكرة حمراء. والمذكرة الحمراء تعني تحديد مكان شخص مطلوب في حكم جنائي أو من قبل محكمة دولية وتوقيفه في أي من الدول التي يلجأ اليها. وقد أوقف الإنتربول العام 2011 نحو 7958 مطلوبًا.
ويصدر الإنتربول 7 نماذج من المذكرات بسبعة ألوان وكل لون يدل على حالة ما أو نوع مخالفة أوخطر، أو تحذير من خطر ما، أو عمل من المطلوب تنفيذه. وهذه الألوان هي:  الأحمر - الأزرق - الأخضر - الأصفر - الأسود - البرتقالي - البنفسجي - كما أن هناك مذكرة خاصة تصدر باللون الأزرق وتتعلق بالأشخاص الخاضعين لعقوبات من قبل الأمم المتحدة (مجلس الأمن الدولي).

 

نجاحات الماضي.. تحديات المستقبل
احتفل الإنتربول هذا العام بعيد ميلاده التسعين، لكنه على الرغم من مقاربته القرن من عمره فهو يبدو منظمة دولية شابة تعمل باستمرار وتجدد في خدمة العالم ودوله وشعوبه في مكافحة الجريمة بأنواعها المختلفة، وقد حققت إنجازات كثيرة على صعيد توقيف المجرمين وسوقهم إلى العدالة منذ تاريخ ولادتها. وكذلك فهي تخلق إطارات للتعاون المجدي بين الدول. وهي وعلى الرغم من تواضع امكاناتها، تملك من الوسائل والتقنيات المتطورة ما يسهل عملها، ومن المعلومات والقدرة ما يجعلها تشكل رادعًا بوجه المجرمين في مختلف دول العالم وتحرمهم ترف الهروب من وجه العدالة، وهذا ما يتحقق من خلال التعاون البناء والاتصال المستمر والدائم بين أجهزة الشرطة والأمن والقضاء في دول العالم المختلفة. ولعل الدليل الأكبر على تجددها وصيرورتها هو ما أعلنت عن ولادته أخيرًا أي «مؤسسة الإنتربول لعالم أكثر أمانًا...».

 

المراجع:
www.interpol.int/ar/‎
ar.wikipedia.org/wiki/منظمة_الشرطة_الجنائية_الدولية.
 www.annahar.com/الياس-المر- رئيسا-للإنتربول.
en.wikipedia.org/wiki/Interpol‎
مقابلة مع الوزير السابق الياس المر مع قناة إل بي سي آي في 29 - 10 - 2013.

 

في سبيل عالم أكثر أمانًا

أعلن الاستاذ الياس المر في مقابلة تلفزيونية في 29 تشرين الثاني 2013 أن مؤسسة الإنتربول في سبيل عالم أكثر أمانًا ليست صندوقًا وستلعب دورًا مهمًا بمساعدة رؤساء الدول والحكومات للعيش في عالم أكثر أمانًا، وأن عملها سيطال القطاع العام والقطاع الخاص. وأكّد المر أن هذه المؤسسة منبثقة عن الإنتربول ومكملة له، وسيكون لها مجلسها التنفيذي الذي سيضم 12 عضوًا سيتم انتخابهم من أهم شخصيات العالم الاقتصادية والسياسية، للعرب منهم اثنان بالإضافة إليه.                                                    
وسيعمل المر على الترويج لأولويات الإنتربول الاستراتيجية وتعزيزها في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ودعم الجهود التي تبذلها المنظمة لجعل العالم أكثر أمانًا وسلامًا.