مبدعون من بلادي

بين الشمس والضباب كلود شلهوب ينسج موسيقاه حلماً
إعداد: تريز منصور

بين الشمس والضباب نسج كلود شلهوب موسيقاه حلماً ترفل به مخيلته المضمّخة بجمالات لبنان ورقي لندن. إبن القاع البقاعية حملته موهبته إلى الجامعة الملكية للموسيقى في لندن بمنحة من الملكة اليزابيت. وهناك صقل شغفه وموهبته بالعلم والخبرة، ليصبح موسيقياً يؤلف ويعزف فيسحر سامعيه. رفيقه كمان تأثر بإحساس صاحبه ففاض رقة وجمالاً. كلود شلهوب، لبناني آخر حمل موهبته متجولاً بين عواصم العالم، عازفاً أجمل ما أنتجته الموسيقى الكلاسيكية من مقطوعات، ومقدماً موسيقاه الخاصة إلى جمهور يتقن الاصغاء للمبدعين، ويعرف كيف يقدّرهم.

 

رحلة عازف

في القاع، البلدة البقاعية الواقعة على حدود لبنان، ولد عازف الكمان والمؤلف الموسيقي كلود شلهوب العام 1974 في عائلة موسيقية، معظم أفرادها الأحد عشر يعزفون على آلات موسيقية مختلفة، كالعود والأكورديون والبيانو...
والده السيد سامي شلهوب، ووالدته السيدة هند شحود. استرقت الأذن الموسيقية لإبن الثماني سنوات السمع للألحان والأنغام، فحاول عزفها على آلة الأكورديون، لكن حجم هذه الآلة أرهقه، ومنعه من المتابعة. فاتجهت موهبته نحو آلة الكمان، فأحبها وتعامل معها منذ طفولته كآلة ذات قيمة موسيقية، وليس كلعبة يلهو بها. حاول الغوص في معانيها وأسرارها، وطرح على نفسه تساؤلات كبيرة: لماذا يمكن إصدار الأصوات الموسيقية من خلال هذه الآلة، وليس اللحن الموسيقي (عكس الأكورديون)؟...
هذه التساؤلات ولدت لديه التحدي والإصرار، فانتسب العام 1983 الى الكونسرفتوار وأصبح زميلاً لأشقائه في دراسة آلة الكمان - المنهج الغربي، والمواد النظرية للموسيقى والسولفيج.

الحرب الأليمة التي كانت تعصف في لبنان في تلك الآونة، حالت دون متابعة كلود دراسته الموسيقية بشكل طبيعي ومستمر، فاعتمد على الاجتهاد الشخصي، وبمعاونة شقيقه حبيب شلهوب (عازف عود وكمان وأكورديون)، بدأ يكتشف ميله الى الموسيقى الكلاسيكية الغربية. العام 1993 قرر السفر لمتابعة دراسته الموسيقية والتعرف الى تاريخ الموسيقى العالمية وروادها. جواز عبوره كان مقطوعات كلاسيكية عزفها وسجلها على كاسيت أرسل نسخاً منه الى الجامعات والمعاهد الموسيقية في باريس ولندن وبرلين وروما... جاء الجواب بقبوله في المعهد الموسيقي الفرنسي (باريس) وكذلك في المعهد الموسيقي الألماني. أما الجامعة الملكية للموسيقى في لندن، (Royal College of music scholarship) فأرفقت قبولها اياه كطالب بمنحة تغطي تكاليف الدراسة والمسكن والإقامة، علماً ان هذه المنحة (منحة الملكة إليزابيت الأم) نادراً ما تمنح للأجانب.

إستطاع كلود شلهوب نقل مشاعره من خلال عزفه بعفوية وسهولة الى أعضاء اللجنة الفاحصة للطلبات المقدمة، فتم تمييزه بين آلاف الطلاب المتقدمين من مختلف دول العالم. فانتسب الى الجامعة التي تعتبر من أهم الجامعات الموسيقية في أوروبا. وإلى المنحة التي تلقاها، ساهم المغترب اللبناني الأصل السيد سهيل سابا في دعم كلفة إقامته طوال فترات الدراسة. حاز كلود شلهوب الإجازة في علم الموسيقى وحضارتها العام 1997، كما نال شهادة الماجستير العام 2000، وهو يقوم حالياً بالتحضير لشهادة الدكتوراه (P.H.D) في جامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية.

 

إحتراف وأداء متميز

اكتسب كلود في الجامعة الملكية للموسيقى في لندن أصول العزف على آلة الكمان، ودرس تاريخ الموسيقى، وأساليب المدارس الفنية والثقافية التي تنتمي الى حقبات مختلفة. لكن ما اكتسبه من لندن على ما يقول تجاوز المعرفة الأكاديمية التي حصّلها، فالمدينة الراقية بفنونها والعريقة بهندستها وتقاليدها أثرت في أسلوبه كعازف ليرتقي أعلى درجات التعبير والدقة، وينقل إلى جمهوره عدوى عشقه للموسيقى. يقول شلهوب: «إن الموسيقى صوت جميل ننقله للآخرين بمشاعره الإنسانية وبمعانيه السامية. الموسيقى لا تحدها كلمة ولا يحدها وزن، إنها عالم فسيح الأرجاء في هذا الكون العظيم. إنها لغة تحاكي جميع الشعوب». ويضيف انه «على الموسيقي أن يكتسب المعرفة والثقافة الموسيقية والأداء الجيد». من جهته وضع هذه القاعدة نصب عينيه فكانت خلف سطوع نجمه ونجاحه المبكر والواسع في مختلف دول العالم. فلقد شارك كعازف منفرد في أرقى الحفلات الموسيقية في كبرى دول العالم كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وسويسرا وإيطاليا وأميركا. كما أحيا عدة حفلات في لبنان، اثر عودته العام 2003، وشارك كعازف منفرد في أمسية للأوركسترا الوطنية بقيادة وليد غلمية حيث عزف مقطوعات لبيتهوفن وموزار وغيرهم... فأدهش الحاضرين.

يقوم كلود شلهوب اليوم بتدريس آلة الكمان في المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار)، كما يتبع تأليف الموسيقى وتوزيعها. وهو يعتبر ان التأليف الموسيقي مرتبط بالعمل الجدي وبالعلم والثقافة، ولا علاقة له بالحالات النفسية التي يمرّ بها الإنسان. ألّف موسيقى لأفلام عديدة، «هولييود بودا» للمخرجة سالي بوتر، وفيلم «يس» (Yes)، وأصدر ألبومه الأول العام 2001، بالتعاون مع شركة "Warner Brother's" للتوزيع. وهو اليوم بصدد تحضير ألبومه الثاني.

 

جوائز وتقدير

حاز عازف الكمان والمبدع كلود شلهوب جوائز عديدة منها:
- جائزة الملكة إليزابيت على أجمل حفل موسيقي للعام 1998.
- جائزة «باخ» عن عزف «أشاكون» (Ehaceane) العام 1999 في لندن عن مسابقة «باخ».
- جائزة تقديرية لعزفة مقطوعة موسيقية من تأليفه في مهرجان تراومزيت (TRAUMZEIT Festival) - المانيا.