تربية وطفولة

بين تأثيراته السلبية أو الإيجابية هل يشكّل التلفزيون خطرًا على أولادنا؟
إعداد: ماري الأشقر - اختصاصية في علم النفس

هذا هو التلفزيون... برامج موزونة ومفيدة حينًا، وسخيفة مملّة وغير مدروسة أحيانًا كثيرة للراشدين مشكلة كبيرة معه، أمّا بالنسبة إلى الأطفال فقد نكون أمام نتائج خطيرة.


هدر الوقت وأضرار أخرى
تشير إحصاءات حديثة إلى أنّ عدد الساعات التي يتسمّر خلالها الأولاد أمام الشاشة الصغيرة يشكّل خطرًا كبيرًا عليهم إذا لم يتنبّه الأهل للأمر. فمعظم الأطفال والأولاد من عمر السنتين إلى الإحدى عشرة سنة، يشاهدون التلفزيون أكثر من 26 ساعة في الأسبوع على الأقل، أي بمعدل 3 ساعات ونصف في اليوم.
إذا قيس هذا الوقت بما يحتاجه أولادنا لتحضير دروسهم وفروضهم، تبيّن لنا مدى الضرر اللاحق بهم، ليس فقط على مستوى هدر الوقت والتأخّر في الدراسة، وإنّما على مستويات أخرى متعدّدة، صحيًا وتربويًا.
صحيًّا، من المعروف والمؤكد أن البقاء لساعات طويلة أمام الشاشة يُلحِق ضررًا بالنظر، فضلًا عن الميل إلى قلة الحركة والكسل، بينما يحتاج الأطفال إلى اللعب والحركة لتنمو قدراتهم الحسيّة والحركيّة بشكل سليم، وليتمتعوا بصحة جيدة.
من جهة ثانية، إنّ تعلّقهم بشخصيات تلفزيونية تافهة قد يدفعهم إلى تقليدها، مع ما لذلك من أثر سلبي في سلوكهم ومواقفهم.
إنّ الميل إلى العنف والعدوانية يرتبط أيضًا إلى حد كبير بما يشاهده الطفل، خصوصًا إذا تعرّض بكثرة لمشاهد عنيفة، من دون أن يكون إلى جانبه من يناقشه ويوضح له أنّ إيذاء الآخرين والاعتداء عليهم أمر غير مقبول.
في الواقع، يهتم الأطفال برؤية العنف، لكنّ تأثيره السلبي يفقد الكثير من زخمه بعد الرابعة عشرة. فعلى عتبة المراهقة، يبدو أولادنا أقلّ حماسة لمشاهدة أفلام العنف، وغالبًا ما يتوجّهون إلى الموسيقى وتجذبهم الخدع السينمائية وطريقة تنفيذها...

 

ضرورة تنمية التفكير الناقد
موضوعٌ آخر لا بد من التوقّف عنده، إنّه موضوع الإعلانات التي يشاهدها أولادنا عبر التلفزيون. على الأهل أن يراقبوا هذه الإعلانات ويحاولوا أن يصرفوا اهتمام أولادهم عنها، فهي تولّد عند الطفل حاجات ورغبات تُلحق الضرر بصحته أحيانًا كثيرة، فضلًا عن كونها ترهق الأهل ماديًا. في أي حال، يجب أن ننمّي التفكير الناقد لدى أولادنا، ونقد الإعلانات، وإفهامهم أنه لا ينبغي اعتبار ما تقوله حقيقة، هو من الاستراتيجيات التي تنمّي هذا التفكير.
ما سبق ذكره لا يعني أنّ التلفزيون وحش ينبغي أن نحمي أولادنا منه، فالبرامج التثقيفية والعلمية الموجّهة توجيهًا صحيحًا، تجعل من التلفزيون المعلّم الأقوى والأنجح؛ فهو معلّم لغات بارع يستطيع مساعدة طفلك على التقاط اللغة التي يستمع إليها من خلال برنامجه المفضل. كما أنّ البرامج العلمية والتثقيفية والتربوية توسّع خيال الطفل، وتعزّز مقدرته على استيعاب أمور كثيرة، وحلّ مشاكل متنوعّة، وتجعله يتكيّف مع مشاعر الآخرين وأحاسيسهم، كما أنها تحسّن قدراته في القراءة والتعبير واللفظ.

 

إرشادات عامة
إنّ أبرز إرشادات الاختصاصيين في علم النفس ونصائحهم إلى الأهل في هذا المجال هي الآتية:
أولًا: ضرورة تحديد أوقات مشاهدة التلفزيون، والسماح للأولاد والأطفال بمتابعة البرامج التثقيفية والتوجيهية ثلاث ساعات في الأسبوع فقط.
ثانيًا: عدم السماح للأطفال بتغيير القناة التي يختارها الأهل لهم.
ثالثًا: لا تجعلوا التلفزيون رفيقًا للأطفال وهم يكتبون فروضهم أو يتناولون وجبات طعامهم.
رابعًا: على الأهل مشاهدة الفيلم المخصّص لأولادهم ومناقشة موضوعه معهم.
خامسًا: من المستحسن أن يبدأ الأهل في سنّ مبكرة تعليم أولادهم كيفية توجيه الانتقادات إلى البرامج السيئة، وعدم اعتبار كل ما يشاهدونه صحيحًا أو جيدًا.
سادسًا: رفض فكرة وجود جهاز تلفزيون في غرف الأطفال، والاكتفاء بجهازٍ واحد في الصالون، أو في غرفة الجلوس.
سابعًا: إلهاء الأطفال بنشاطات صغيرة ومفيدة تنسيهم التلفزيون فيبتعدون عنه.
أخيرًا، إذا أضفنا الوقت الذي يمضيه أولادنا في استخدام الأجهزة الإلكترونية، إلى ذلك الذي يصرفونه أمام التلفزيون، نعرف كم هم بحاجة إلى ممارسة الرياضة واللعب خارج جدران المنزل... فلنبذل جهدًا في هذا المجال، فأولادنا يستحقونه، وكأهل نحن مسؤولون عن توفير الأفضل لهم.