- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
العالم الخائف والأبواب الموصدة!
«الإنسان وليس الأحجار من يشكّل سور المدينة». أفلاطون
لا ينفصل تاريخ الجدران والحواجز، عن تاريخ البشرية بشكل عام، فقد أخذت هذه الجدران والحواجز منذ القدم طابعًا دفاعيًا وعسكريًا، لكونها إحدى وسائل حماية الانسان ضدّ المخاطر المختلفة. وهذه الوسائل قد تتنوع أو تتجزأ بحكم تعقيدات الحياة الاقتصادية والاجتماعية أو السياسية والفكرية، والعرقية والدينية.
الأشكال الحديثة للحروب قد تكون خفّفت من أهمية الجدران، لكنّها لم تُلغِها، وربما كانت الحاجة إليها اليوم أكثر من ذي قبل...
الجدران كاستراتيجية لاعنفية في النزاع المسلّح Walls As A Nonviolent Strategy In Armed Conflict
ليست هذه الاستراتيجية اختراعًا حديثًا، بل هي معروفة منذ العصور القديمة، فمن جدران بلاد ما بين النهرين إلى سور الصين العظيم، مرورًا بجدار تراجان الروماني في أوروبا، وجدار هادريان في انكلترا، وخط ماجينو في فرنسا، وخط موريس على طول الحدود الجزائرية المغربية والتونسية، وخط مكنمارا في فيتنام، وجدار برلين في المانيا... وصولًا إلى الجدران الحالية، من دون إغفال العديد من الجدران المزمع إنجازها، أو تلك التي هي في طور الإنجاز.. فالماضي كما الحاضر يثبتان أن الجدران والتحصينات مثّلت على الدوام شكلاً من أشكال الأمن بالنسبة إلى الدول والإمبراطوريات، وهي تقوم بمهمات استراتيجية دفاعية. وما زال بعض الجدران يقوم بهذا الدور حاليًا، وفق ما تفرضه أوضاع عسكرية مؤقتة، تنتج عن فشل سياسي في تأمين السلم والأمن بين طرفين متجاورين متنازعين، مثل خط نيقوسيا في قبرص، والجدار الرملي في الصحراء الغربية المغربية، والمنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين DMZ، وجدار بلفاست في إيرلندا.
أبرز جدران العصور القديمة
• سور الصين العظيم:
في القرن الثالث قبل الميلاد بدأ الإمبراطور الصيني تشين شي هوانج تي الربط بين الجدران المتفرقة التي بنيت في فترات سابقة مختلفة للاحتماء من الأخطار والجيران. وفي عهد سلالة هان، وحتى فترة ما بعد الميلاد، تم مدّ الجدار نحو الغرب ليشكل خطًا دفاعيًا وصل طوله إلى آلاف الكيلومترات (6700 كلم، وفق بعض المصادر واكثر من 8000 كلم وفق مصادر أخرى). وذلك بهدف حماية البلاد من غزو القبائل الشمالية، و«البرابرة»، وحماية «طريق الحرير» والتواصل التجاري والحضاري مع بلاد غرب الصين. وقد رفعت فوقه الأبراج ضمن استراتيجية دفاعية متكاملة تقوم على بناء الحصون والمخافر، وسهولة الاتصال وانتقال الجنود عبره، أو الإقامة فيه. ويذكر أن الجدار بحدّ ذاته كان يضم بين أسواره مئات الآلاف من الجنود لحمايته وحماية الصين.
• جدار هادريان:
مع توسّع الإمبراطورية الرومانية اعتبارًا من القرن الأول قبل الميلاد، بدأت الحدود الرومانية تطول وازداد خطر تجاوزها من قبل الأعداء. عمد الأمبراطور هادريان (117 - 138 م)، إلى بناء خط حدودي في شمال بريطانيا يمتد من بحر الشمال حتى البحر الإيرلندي. وهكذا أقام جدارًا حجريًا طوله نحو 117 كلم بعرض 2.5 الى 3 أمتار، وبارتفاع نحو 5 أمتار. وأقام عليه مخافر وأبراجًا محصنة كثيرة يبعد كل منها عن الآخر نحو 500 متر، ويتّسع لنحو 60 رجلًا، بالإضافة الى بناء 16 حصنًا كبيرًا على طول الجدار وبداخله، تتّسع لنحو 500 إلى 1000 جندي من الاحتياط.
جدران القرون الوسطى
اعتبارًا من القرن الخامس للميلاد أقامت القسطنطينية في قسمها الأوروبي، عددًا من الأسوار القوية للاحتماء خلفها من هجمات المغول والبلغار وغيرهم. كذلك حفلت القرون الوسطى بإنشاء جدران أقل شهرة ما تزال بقاياها بارزة إلى الآن. ففي القرن الثامن الميلادي، عمل الملك أوفا ركس ملك مرسيا (إحدى ممالك بريطانيا آنذاك)، على بناء سور ضدّ الويلزيين عرف بـ«سور أوفا العظيم». كذلك تابع الدانماركيون خلال القرن الثامن والتاسع، بناء التحصينات الضخمة وتمديدها في ما عرف باسم جدار «دانيفيرك» لحماية المملكة الصغيرة من هجمات «الفرنجة». بعد ذلك، وفي نهاية القرون الوسطى، قام المارشال الفرنسي فوبان (مهندس القلاع الشهير) في القرن السابع عشر بحماية المملكة الفرنسية بحزام من الحصون والقلاع الحديثة الهندسة، وبخاصة على الحدود الهولندية.
الجدران العسكرية والأمنية الحديثة
مع تغيّر أنماط العلاقات الدولية والأفكار والاكتشافات التي ميّزت القرن العشرين، تنوّعت دواعي اللجوء إلى استخدام الجدران، كوسائل دفاع وحماية عسكرية أو أمنية أو سياسية أو اقتصادية، وحتى عرقية أو دينية، خلال الحربين العالميتين. كذلك يمكن ملاحظة تنوّع الأسماء التي أطلقت على هذه الجدران خلال مرحلة الحرب الباردة، فهناك «الستار الفولاذي» في أوروبا، و«ستار الصبار» في كوبا (غوانتانامو)، و«ستار الخيزران» في آسيا الشرقية، و«ستار الجليد» في المنطقة القطبية، و«ستار جدار النار» (جدار تقني أقامته الصين لمراقبة الفضاء السيبيري ومراقبة شبكات الإنترنت الأجنبية داخلها).
ولكن ما يجب الانتباه إليه وملاحظته اليوم، هو أنّ هذه الجدران باتت تختلف في شكلها وتركيبها ومعانيها، وذلك وفق الغاية من إنشائها. فهي قد تكون عسكرية دفاعية بحتة، أو أمنية - سياسية، أو اجتماعية - اقتصادية، أو تكنولوجية، أو إيديولوجية، أو حتى عرقية، إتنية، دينية. ومن الجدران الحربية والعسكرية الحديثّة:
• خط ماجينو:
عمدت فرنسا في العام 1919، إلى إنشاء ما عرف باسم خط ماجينو لردع ألمانيا وإنهاكها عسكريًا في حال حاولت الهجوم عليها. لكن هذا الخط المؤلّف من تحصينات اسمنتية فوق الأرض وتحتها، ومن حواجز فولاذية ثابتة ومتحركة، وأسلحة مختلفة من مدفعية ثقيلة وخفيفة وألغام متنوعة، ومراكز دفاعية ثابتة وملاجئ لإيواء الجنود، لم يمنع القوات الألمانية من التوغل داخل الأراضي الفرنسية، في حزيران 1940، بعد الالتفاف على جهته الشمالية عبر بلجيكا وهولندا.
• خط سيغفريد:
هو خط محصّن بناه الألمان للدفاع عن بلادهم، بين العامين 1916 و1917 كجزء من خط هيندنبيرغ، وعرف أيضًا باسم «جدار الغرب». وقد عزز اعتبارًا من العام 1930، وكان يشتمل على مئات النقاط الحصينة، المنتشرة على أكثر من 630 كلم بين سويسرا وهولندا. كذلك قام هتلر ببناء «جدار الأطلسي» (بين 1942 و1944) لتحصين سواحل أوروبا الغربية في وجه هجوم قوات الحلفاء المتمركزة في بريطانيا، أو قوات الولايات المتحدة القادمة عبر الأطلسي.
• جدار ستالين:
بنى ستالين هذا الجدار العسكري على امتداد الحدود الغربية للاتحاد السوفياتي، وكان مشابهًا لخط ماجينو (بعد الحرب العالمية الأولى وفي أثناء الحرب العالمية الثانية)، إلا أنه لم يكن متصلًا، ومتواصلًا بتحصيناته مثل هذا الخط.
• خطّا موريس وشال:
مع مطلع الحرب الباردة كان الجيش الفرنسي بصدد إعادة بناء وترميم خط ماجينو لإيقاف أي هجوم برّي سوفياتي محتمل، لكن حلف «الناتو» رأى أن ذلك لن يكون ذا فائدة، فتم توجيه المكلّفين بعصرنة خط ماجينو نحو بناء خطي موريس وشال (1956 و1957) على طول الحدود الجزائرية - التونسية ثم الجزائرية - المغربية (أسلاك شائكة وتياركهربائي وألغام، ورادارات وغيرها)، لإحكام إغلاق حدود الجزائر ومنع ثوارها من إيجاد المدد والملاذ في تونس أو المغرب.
• جدار برلين:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتقسيم ألمانيا، وتأسيس جمهورية ألمانيا الاشتراكية الشرقية، بدأ انتقال أعداد كبيرة من مواطنيها إلى ألمانيا الغربية، وخصوصًا عبر برلين، حيث كان يصعب مراقبة الحدود التي تمر وسط المدينة وأحيائها. وبين العامين 1949 و1961 ترك نحو 3 ملايين ألماني جمهورية ألمانيا الاشتراكية (معظمهم من الفئات المتعلّمة)، مما دفع سلطاتها إلى بناء الجدار لمنع الهجرة باتجاه الغرب أو الحدّ من تفاقمها. بلغ طول الجدار نحو 106 كلم، وضم 300 مركز للمراقبة و22 مخبأً. وهو أصبح مع الوقت رمزًا لحدود الفصل والوصل بين المعسكرين: الشرقي والغربي، وبين حلف وارسو وحلف الناتو، أي بين إيديولوجيتين سياسيتين مختلفتين، وقطبين اقتصاديين وثقافيين كبيرين: رأسمالي واشتراكي. ظلّ هذا الجدار الذي عرف بـ«الستار الحديدي» قائمًا إلى أن قامت الحشود الألمانية بهدمه (1989)، مما سهل عودة ألمانيا دولة واحدة في مطلع العام التالي.
• سياجا سبتة ومليلة:
سبتة هي مدينة مغربية ذاتية الحكم تحت السيطرة الإسبانية منذ القرن السابع عشر، وهي تقع في القارة الأفريقية، على ساحل المتوسط قرب مضيق جبل طارق وتحيط بها أراضي الريف المغربي من ثلاث جهات.
أما السياج فهو جدار فاصل بين المغرب ومدينة سبتة أقامته السلطات الإسبانية، لمنع تهريب السلع، ووقف عمليات الهجرة غير الشرعية الى إسبانيا وأوروبا، إذ تعتبر المدينة الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي. وهو مجهّز بكاميرات مراقبة ومكبّرات صوت وشبكة من أجهزة الاستشعار الإلكترونية وكشّافات ضوء قويّة ومعدّات للرؤية الليلية.
مليلة هي أيضًا مدينة مغربية لكنّها خاضعة للسلطة الإسبانية منذ القرن السادس عشر، وضعها الجغرافي والديمغرافي والسياسي، مشابه لوضع سبتة، وكذلك السياج الذي يحيط بها.
• خط بارليف:
بعد احتلالها شبه جزيرة سيناء في العام 1967 قامت إسرائيل ببناء خط بارليف على امتداد قناة السويس، (نحو 170 كلم من التحصينات والدشم ومراكز المدفعية والدبابات والألغام)، بهدف منع أي محاولة هجومية مصرية لعبور القناة. ولكن الجيش المصري نجح في 6 تشرين الأول 1973 في إزالة ملايين الأمتار المكعبة من التراب والرمال باستخدام مضخات مياه عالية الضغط، وعبر القناة ليسيطر على معظم أجزاء خط بارليف ويدمر تحصيناته ويستعيد الضفة الشرقية للقناة.
• الجدار الكوري:
هو عبارة عن منطقة عازلة بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، عرضها نحو 4 كلم، وطولها نحو 250 كلم، أقيمت بعد انتهاء الحرب الكورية (1950 - 1953). وقد قامت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة ببناء جدار خرساني وأسلاك شائكة على طول هذه المنطقة المنزوعة السلاح (بين 1977 و1979) بعد اكتشاف 4 أنفاق محفورة تحتها تصل إلى القسم الجنوبي من الخط، واتهمت كوريا الشمالية بحفرها لاستخدامها في هجوم قادم ومحتمل على كوريا الجنوبية. يراوح ارتفاع الجدار بين 5 و8 أمتار، وسماكته بين 10 و19 مترًا في الأسفل، وبين 3 و7 أمتار في الأعلى، وهو يحتوي على عدة أنفاق. وتدير هذه المنطقة قوات من قبل الطرفين بالاشتراك مع قوات الامم المتحدة.
• جدار الدفاع المغربي:
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أقام المغرب وبمساعدة من الولايات المتحدة الأميركية، جدارًا دفاعيًا في منطقة الصحراء الغربية، بهدف صدّ هجمات «جبهة البوليساريو» التي تطالب باستقلال الصحراء عن المغرب. وهو عبارة عن مراكز وتحصينات عسكرية قويّة، وقد نتج عن إقامته، وفشل محاولات اجتيازه، قبول الجبهة لاتفاق وقف إطلاق النار مع المغرب في العام 1991. يبلغ طول الجدار نحو 2720 كيلومترًا وارتفاعه من 6 إلى 12 مترًا، وعرضه من 50 إلى 100 متر. ويحرسه نحو 135 ألف جندي، وهو مزود أسلاكًا شائكة وكاميرات مراقبة ورادارات، ومحمي بأسلحة مدفعية، ومدرعات، وحقول من الألغام ومدعوم من قبل الطائرات الحربية والمروحية.
• جدار الفصل في فلسطين:
اعتبارًا من حزيران 2002 بدأت إسرائيل بناء «جدار الفصل العنصري» الذي يصل امتداده إلى نحو 770 كلم، ويمر داخل الضفة الغربية، والقدس. هدف إسرائيل المعلن من بناء هذا الجدار هو منع دخول سكان الضفة الغربية الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة، بينما يقول الفلسطينيون إنه محاولة إسرائيلية لإعاقة حياتهم، أو لضمّ أراضي الضفة إلى إسرائيل. وقد أكدت محكمة العدل الدولية، في رأي استشاري أصدرته في العام 2004، عدم شرعية الجدار، وأن بناءه مخالف لاتفاقية جنيف الرابعة، وطالبت بتفكيكه وبالتعويض على المتضررين منه. لكن العدو الإسرائيلي وكعادته، لم يمتثل لقرارات الشرعية الدولية.
• السياج الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة (الخط الأزرق):
بعد انسحاب العدو الإسرائيلي من معظم الأراضي التي كان يحتلّها في جنوب لبنان في العام 2000، باشرت الأمم المتحدة بترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، في ما عرف بالخط الأزرق (ما زالت عمليات التحقق من نقاطه وتثبيتها قائمة)، وأقيمت نقاط معالم ثابتة على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، وتمّ وصلها بشريط تقني شائك. بعد عدوانها على لبنان في العام 2006 وانسحابها تطبيقًا للقرار رقم 1701، قامت اسرائيل ومنذ العام 2012، بعملية تدعيم الشريط بدشم وسواتر ترابية مرتفعة، وجدران اسمنتية، فضلاً عن تجريف الأرض في مواجهة بعض القرى اللبنانية. وزوّدت بعض هذه الجدران أجهزة مراقبة وتجسس، ورادارات وكاميرات وغيرها. وفي مطلع شهر أيار الماضي، أعلنت اسرائيل أنها تنوي إقامة جدار أمني على طول الحدود اللبنانية.
• الجدار التركي في مواجهة سوريا والعراق:
منذ العام 2013 وبعد تفاقم الأحداث التى تعصف في سوريا والعراق، شرعت تركيا ببناء جدار عازل على حدودها مع سوريا بطول 550 كلم وبارتفاع ثلاثة أمتار من الإسمنت المسلّح، يعلوها متر آخر من الأسلاك الشائكة، بالإضافة إلى بناء أبراج مراقبة، وشقّ طرق أمنية ووضع أجراس إنذار كهربائية على طول الجدار. كما عمدت إلى بناء جدار مماثل على حدودها مع العراق. والهدف التركي المعلن، حماية الأراضي التركية من انتقال «الارهاب الكردي»، واللاجئين النازحين إلى أراضيها من هذين البلدين...
• جدار الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة:
يرى البعض، أن بناء هذا الحاجز أكثر من مجرد وعد انتخابي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أثناء حملته الانتخابية. وأنه خطوة أولى منطقية من أجل تأمين فعلي لحدود الولايات المتحدة التي يسهل اختراقها، ولوقف تدفّق المخدرات والجريمة والهجرة غير الشرعية إلى البلاد.
يمتد الجدار الفاصل الذي كان بوشر ببناء أقسام منه منذ العام 1994، على مسافة 1600 كلم من الحدود البالغة 3200 كلم بين البلدين.
• جدران وجدران:
بالإضافة إلى ما سبق عرضه، يمكن إحصاء عشرات الجدران (أكثر من 60 جدارًا قائمًا حتى اليوم) على مساحة العالم، ومنها تلك القائمة بين: البرازيل والباراغواي والهند وبورما، وبنغلاديش وبورما، وبروناي وماليزيا، والهند وبنغلاديش، والهند وباكستان، وأوزبكستان وكذلك قيرغيزستان، ويرتفع جدار بين أفغانستان وباكستان، وآخر بين باكستان وإيران...
كذلك، هناك جدار يفصل بين روسيا والشيشان وآخر على حدودها مع النروج، وجدار يفصل جبل طارق البريطانية عن الأراضي الإسبانية، وآخر بين منطقة غوانتانامو «الأميركية» وباقي الأراضي الكوبية. وفي القارة الأفريقية ثمّة جدار بين كينيا والصومال، وجداران يفصلان جنوب أفريقيا عن كل من الموزمبيق وزيمبابوي.
جدلية ارتفاع الجدران وهبوط الإنسان
ليست الجدران العازلة فواصل إسمنتية أو حجرية فحسب، بقدر ما هي حواجز نفسية، وإيديولوجية تتسبب في انقطاع تيار التواصل الإنساني بين جهتي الجدار، وتختزل الكثير من الأزمات والصراعات بين أطراف وصلت إلى طريق مسدود في ما يتعلق بالقدرة على التوافق والتواصل وإيجاد الحلول الناجزة.
قد يكون المنطق الذي يؤدي إلى بناء الجدران في عصرنا الحاضر، بين الدول أو داخلها، جدليًا، فالعنف، والخوف، والبحث عن الأمن الجماعي للوحدة السياسية، هي تفسيرات تنطلق من أهمية الاحتماء والمراقبة عبر إقامة آليات أمنية، سواء تعلق الأمر بمناطق أمنية، أو بحواجز وجدران هدفها المراقبة والفرز والانتقاء. وهذا المشهد يستعيد، وللمفارقة، منطق القرون القديمة والوسطى، حيث كانت القلاع القوية والمحصنة، حاجزًا واقيًا وضروريًا لحماية الإنسان داخلها، وهدفت الجدران في مجملها إلى الدفاع عن الإقليم أو المدينة، وهي بذلك كانت تكرّس فكرة أهمية الحدود، والرغبة في الحفاظ على السلامة الإقليمية للبلاد، أو حماية السلطة فيها، من خلال وضع حدّ مادي ثابت وحصين، يحتمي به المجتمع من هجمات أو خطر بعض الجماعات المحيطة. ولكن معظم هذه المجتمعات «المحصّنة» و«المسوّرة»، كانت في النهاية، وكما يخبرنا التاريخ، تسقط بيد الأعداء... من الداخل، فالجدران «تكون في داخلنا أو لا تكون». ويقول البعض: «إنّ الصين بنت سور الصين العظيم ونسيت أن تبني أخلاق الحرّاس، فاشتراهم الأعداء ودخلوا الصين من الباب...».
وفي التراث العربي، يروى أن أحد الولاة أرسل كتابًا إلى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز يطلب فيه مبلغًا كبيرًا من بيت مال المسلمين لبناء سور حول المدينة التي ولاّه عليها، فرد الخليفة بكلمتين بليغتين، ومشهورتين: «سَوِّرها بالعدل». نعم فالأسوار تصبح بدون فائدة، ولا تحمي المدينة إذا تحوّل الإنسان داخلها إلى عدو لها... وفي النهاية، الإنسان وليس الأحجار من يحمي المدينة أو يشكل سورها...
مراجع ومواقع:
- http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php
- https://arabic.rt.com/news
- https://www.du.edu/
- http://www.ammonnews
- الجدران والحواجز... سعيدة احمد بلمير- مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية - 2016.