كلمتي

تاريخ الجيش
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

لعلّ تاريخ أي وطن من الأوطان هو، ببساطة، الفترة الزمنية، التي مرّ بها هذا الوطن، والتي أمكن اللحاق بأخبارها والإحاطة بأحداثها، والاستفادة من تجاربها ودلالاتها. ويضم تاريخ الوطن بين جنباته السقطات والأمجاد، الويلات والمآثر، كيف لا والوطن، كما الإنسان الفرد، يتسلّق الى القمة ويتراجع خلف السفح، يكبو ثم ينهض، يتخلّف ثم ينطلق الى الأمام، وهذه هي أولى سمات الأمم الحيّة التي تواجه المحن، محن الطبيعة من كوارث ومجاعات وأزمات، ومحن البشر الآخرين من أطماع ومؤامرات واعتداءات... وعبر ذلك كله، إما أن ينهار الوطن ويزول، وإما أن يصمد ويحيا ويخلد، فيردّد أبناؤه في لحظات تقدّمهم: للعلى أنا سرت للخلود... كما ردّد أبناء لبنان عبر الزمن الطويل، فكان لهم هذا التاريخ المجيد.
منذ أيام، ظهرت الحصة الأولى، والطبعة الأولى، والنسخة الأولى، من كتاب تاريخ الجيش اللبناني. ترافق ذلك مع احتفال رسمي في وزارة الدفاع، برعاية رئيس البلاد وحضوره، وحضور المسؤولين والرسميين، وقائد الجيش وأركان القيادة، وعدد كبير من ضباط المؤسسة العسكرية، ومن الإعلاميين والباحثين. إنجاز كبير استدعى احتفالاً كبيراً أولته القيادة الاهتمام الكافي تقديراً للجهد المبذول في إعداد الجزء الأول من الكتاب (1920 - 1945)، وتشجيعاً لإعداد الجزء الثاني (1945 - 1975)، في وقت غير بعيد.
كتاب «تاريخ الجيش...» الى جانب كتب التاريخ على أنواعها، مرجع جديد ومفيد بين أيدي المهتمين، يستفيدون مما ورد فيه من أبحاث ومعلومات ورسوم، يبحثون ويبدون الآراء والاقتراحات. الكتاب ليس بياناً مختصراً أو نشرة توجيهية موجزة، لا يقبلان التعديل، إنه بحث مفصّل، يتناول حقبة غير قصيرة من تاريخ الوطن ومن تاريخ المنطقة بأكملها، وهو يعتمد على مراجع ومصادر مختلفة، تتفق أحياناً، وتتنوّع في أحيان أخرى، بعضها موثق بالشواهد والصور، وبعضها يتوزّع بين الاستنتاج والتحليل والافتراض والتفسير. وهذه هي كتابة التاريخ، خصوصاً في ما يتعلق بالمراحل القديمة التي لم ترافقها، في مرات كثيرة، الكاميرا ولا آلة التسجيل.
اللجان التي تولّت الإعداد للكتاب، وإنجازه، خصوصاً في مراحله الأخيرة، كانت متنبهة الى ذلك، وهي بذلت الجهد المشكور لتقريب الموضوع الى الواقع، ويا ليت شخصيات تلك الفترة ما زالت على قيد الحياة لكي تشهد وتبدي الرأي. لكنها رحلت ومضى زمانها، وتحوّل من مستقبل الى حاضر الى ماضٍ. من هنا الكلمة الطويلة العريضة «التاريخ».