- En
- Fr
- عربي
العوافي يا وطن
على ساحة الوطن التي احتلتها الأزمات المستعصية عقودًا طويلة، الكثير الكثير من الملفات المعقّدة، بدءًا بالقضايا الوطنية المصيرية وصولًا إلى تفاصيل هموم المعيشة اليومية، ومرورًا بكل ما يؤرق المواطنين. لكن وسط السّجالات والنّقاشات والتّعقيدات والتّحديات، تواصل المؤسسة العسكرية عملها بصمتٍ مُتحمّلة من الأعباء ما لا قدرة لجيش في العالم على تحمّله. طبعًا لا حاجة للتذكير بهذه المهمات وبمدى تشعّبها وامتدادها على رقعة الوطن، كما بدقتها وحساسيتها وصعوباتها. بات الكل عالم بذلك، فكم بالحري أنتم يا من تنهضون بهذا الحمل الثقيل! لكن ربما ينبغي أن تتذكروا من وقت لآخر كم يفتخر بكم مواطنوكم. كم يحفظون لكم من الاحترام والتقدير. وكم يراهنون عليكم! هذا ما فعلوه بالأمس وهذا ما هو حاصل اليوم أكثر من أي وقت مضى.
في أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية وبينما اللبنانيون يحبسون أنفاسهم منتظرين ما يمكن أن يحصل، أثبتّم أنّكم الجسر الذي يتيح العبور إلى حلول تحفظ السلم الأهلي والاستقرار. من غير ضجيج أو تذمّر تتابعون تنفيذ مهماتكم، تنحتون في الصخر لتتيحوا للدولة استعادة دورها وسيادتها. وبهدوءٍ وحكمة تعملون على تعطيل الألغام وفكّ العقد.
مهماتكم الأساسية رغم دقتها وخطورتها في ظل الأحداث والتطورات التي حصلت في المنطقة، لا تحجب أهمية مهماتكم الأخرى التي تَتولَّوْنها بحكم الحاجة والواقع. هنا يبرز جهدكم الرائع في القضاء على إمبراطوريات المخدرات التي عمّرت عقودًا فنهشت مستقبل شبابنا وسمعة بلدنا. في حربكم على المخدرات حققتم ما كنا نظن أنّه لا يمكن أن يحصل يومًا! قد يكون لتغيّر الأوضاع في المنطقة وخصوصًا على الحدود مع سوريا دور في النجاحات الباهرة التي حققتموها على هذا الصعيد، لكنّ الأساس هو جهودكم وتضحياتكم وشجاعتكم وحسن تخطيطكم وكفاءاتكم. لن ننسى أنّكم بدأتم هذه الحرب منذ سنوات وقد كلّفتكم دماء غالية. يومها كان من الصعب المسّ بالحصانات والحمايات التي تَمتَّع بها صنّاع السموم وتجّارها ومروّجوها، مع ذلك، صممتم وأقدمتم ولم تتراجعوا.
العوافي يا أبطال جيشنا. يا من تحملتم ما لا يُحتمل، وبقيتم على تماسككم وثباتكم مُدركين، بل مؤمنين بأنّكم سَدّ منيع في وجه العواصف التي تهبّ على لبنان، وبأنّ ثباتكم هو الأساس الذي سيتيح إعادة بناء الدولة بعد كل ما عانيناه.
العوافي يا أبطال جيشنا. ولكن!
ثمّة بعد الكثير مما ينتظركم، فالرهان عليكم مستمر. الرهان على صلابتكم ووحدتكم ووفائكم لمؤسستكم ودماء رفاقكم حِمْل كبير ستتحملونه بكل جدارة ومسؤولية كما فعلتم طوال السنوات الصعبة.
ستتحملون أيضًا بصبرٍ وشهامة مسؤولية عائلاتكم وهذه ليست بمسألة سهلة. لكن مَن أقسم على بذل دمائه فداءً للوطن لن يتوانى عن التضحية من أجل عائلته، ومَن قارع الأهوال بكفاءة نادرة لن يعجز عن تدبير أمور بيته وإن كانت الإمكانات متواضعة. ها هو تشرين آتٍ بهمومٍ كثيرة، من الأقساط المدرسية إلى التدفئة والمؤونة وسواها… كما تدبرتم الأمور من قبل بحكمةٍ وقناعة ورضى، سوف تتدبرونها اليوم. وقيادتكم التي كانت إلى جانبكم ولم تُوفّر جهدًا لمساعدتكم، لن تتأخر في المساعدة اليوم.
ولأنّ القضايا الكبيرة يجب ألّا تحجب تفاصيل مهمة، ثمة ما ينبغي تذكيركم به بعد: حذارِ حوادث السير! حياتك غالية يا وطن. فكلما جلست خلف المقود تذكّر أنّ في البيت والثكنة والوطن، من ينتظر عودتك.
وفي كل يوم ولحظة تذكّر أنّك أنت جزء من مؤسسة تختصر الوطن.
العوافي يا جيشنا.
العوافي يا وطن.











