- En
- Fr
- عربي
تسلح وتكنولوجيا
إسرائيل تراقب المتغيرات
أقرت الحكومة الإسرائيلية الميزانية العامة للدولة بعد مناقشات فتحت صراعاً اجتماعياً وسياسياً يمس بالمناعة القومية لدولة إسرائيل، وتشكل خطراً على جوانب الحياة العامة فيها. وقد أثارت هذه الميزانية احتجاجات شديدة على مستوى الأحزاب والقطاعات عامة، بحيث أن التقليص يطال جميع الوزارات بنسبة تتراوح بين 11 و15%، فخطة الميزانية التي ترمي الى التجاوب مع نسبة عجز في حدود 4% أغضبت جميع وزراء الخدمات.
ميزانية قاتلة لإسرائيل
تقع الميزانية العامة حسب الخطة، في حدود 270 مليار شيكل (نحو 60 مليار دولار). وتصل ميزانية الدفاع في هذه الخطة الى 7.32 مليار شيكل (نحو 5.7 مليارات دولار) أو ما يعادل 14% من عموم الميزانية.
وقد اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز هذه الميزانية قاتلة لإسرائيل، مؤكداً إنها (لا تستجيب لاحتياجاتها الأمنية، وتنطوي على خطر غير معقول لدولة إسرائيل في الوقت الراهن، وليس بوسعنا توفير مستوى الأمن المطلوب والتحسب للمستقبل... والجزء الأهم هو أننا سوف نضطر لتسريح ستة آلاف من رجال الخدمات النظامية. وعليكم جميعاً معرفة أنه سيكون الآن لإسرائيل جيش مختلف، وهذا سيلحق الضرر بالصناعات العسكرية التي تشكل البنية التحتية الإستراتيجية).
وفي أعقاب انتهاء الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية على العراق اعتبر قادة إسرائيل أن خطراً كان يتهددهم قد زال، وبالتالي لا بد من إعادة النظر بجهوزية الجيش الإسرائيلي وإمكان تخفيض النفقات والأعباء الناجمة عن تجهيزه بأحدث أنواع المعدات الحربية وأكثرها تطوراً.
ولهذا أقيمت ورشة عمل عسكرية في قيادة الأركان الإسرائيلية برئاسة رئيس الأركان موشي يعلون لبلورة الخطة الخمسية للجيش الإسرائيلي المسماة كيلع 2008. وتشمل المكونات الأساسية للخطة تقليص نحو 10 في المئة من مجمل رجال الجيش العامل. وسيتم في كل عام من الأعوام الثلاثة المقبلة إقالة نحو 1000 من أفراد الخدمة العاملة في الجيش، ويدور الحديث عن تقليص سيشمل إلغاء قيادات، بما في ذلك مركز ضابط برتبة لواء، و89 ضباط برتبة عميد، وعشرات الضباط برتبة عقيد.
وقد تقرر في ورشة العمل المذكورة عدم تقليص الميزانيات المخصصة للبحث والتطوير، وخصوصاً في مجال الأقمار الصناعية والمنظومات الجوية التي تحلق في الجو من دون طيار (طائرات مناطيد.. الخ). وأوضح قائد سلاح الجو دان حالوتس أنه تقرر في إطار الخطة إقالة أكثر من 1000 من أفراد الخدمة العاملة من سلاح الجو وتحويل وحدات ومشاريع الى إدارة شركات خاصة، أبرزها مجموعات مروحيات النقل ومروحيات القادة.
ميزانية إعادة النظر
يعتقد الخبراء العسكريون الإسرائيليون إن إزالة الترسانة العسكرية العراقية التي كانت تشكل تهديداً خطيراً لدولة إسرائيل، لا بد وأن يترافق مع ارتياح اقتصادي سيتحقق بشكل أكيد، في مقابل تقليص المشتريات الدفاعية من جهة، وتسريح أعداد كبيرة من الجنود الإحتياطيين الذين استدعوا على سبيل الحيطة من جهة أخرى.
إلا أن تكلفة هؤلاء الجنود بلغت مليون شيكل إسرائيلي أي 223 ألف دولار يومياً، وهذه النفقات الإضافية جاءت في وقت يعاني فيه الإقتصاد الإسرائيلي ركوداً ملحوظاً، مما دفع الحكومة الى تخفيض نفقات الدفاع.
إضافة الى ذلك، بدأت عمليات إعادة النظر ببرامج دفاعية عدة، إذ علم مثلاً أن تخفيضاً ملموساً سيطاول برنامج انتاج دبابات "ميركافا 4", وناقلات الجند المدرعة، والصواريخ المضادة للدبابات، وقطع المدافع المخطط تحقيقها لصالح الجيش الإسرائيلي خلال السنتين المقبلتين.
وحدد القادة الإسرائيليون أسباب لجوء إسرائيل الى تخفيض الإنفاق على التسلح، حيث أن العالم العربي يعاني ضعفاً وإحباطاً بعد الإنتصار الأميركي الساحق في العراق، وأن معظم الدول العربية تفكّر بكيفية الحفاظ على أوضاعها ولا تفكر حالياً بمقاتلة إسرائيل، فلماذا إذاً هذا الإنفاق الهائل على المسائل الدفاعية؟ والواقع أن هذا ما دفع بقادة إسرائيل الي إعادة تحليل الوضع القائم في منطقة الشرق الأوسط والإستفادة من التحولات الدراماتيكية التي شهدها العالم العربي، وبالتالي اعتماد خطط بديلة، تقضي بتحقيق مشاريع إنمائية تخدم المجتمع الإسرائيلي بصورة أفضل.
إلا أن ذلك لم يمنع رئيس الحكومة الإسرائيلية من تفضيل الأمن على باقي القطـاعات الأخرى، ومنها الجيش الإسرائيلي الذي يستعد لخطوات تقشفية حادة، حتى قبل بدء السنة المالية الجديدة. وهذا ما كشفت عنه صحيفة معاريف التي قالت إن "سلاح الجو الإسرائيلي أوقف تقريـباً طلعاتـه التدريـبية نظراً لعدم توافر الميزانيات"، وان البدائل المعروضة أمام هيئة أركان الجيش تتمـثل في التخلي عن مشاريع تسلحية جديدة وكذلك التخـلي عن خطـة شراء المزيد من منظومات الدفاع... ولكن رئيس أركان الجيش عرض كذلك على الحكومة تقديراته بأن الجيش سيضطر أيضاً لتقليص نشاطه الميداني.
ضغوط أميركية
لقد جاء تقليص الموازنة الإسرائيلية استجابة للضغوط الأميركية مقابل منح الدولة العبرية مساعدات مالية، وهذا التقليص أثار خلافاً بين وزير المالية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع شاؤول موفاز الرافض لتخفيض موازنة الدفاع نحو ثلاثة بلايين شيكل (نحو 660 مليون دولار أميركي).
صورة الوضع العام في إسرائيل يكشفها تقرير استراتيجي أصدره مركز "جافي" للدراسات الاستراتيجية وهو واحد من أبرز المشاريع الدراسية، نظراً لدوره في تكوين صورة مستقلة عن الوضع الجيوستراتيجي لاسرائيل. وكثيراً ما تلتقي هذه الصورة أو تختلف مع الإطار الذي تحاول قيادة الجيش أو الحكومة الإسرائيلية تشكيله، وثمة أهمية بالغة لهذا التقرير هذا العام نظراً للخلافات الشديدة حول الميزانية العامة الإسرائيلية وحصة الأمن أو الدفاع منها.
يظهر التقرير تراجع الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير في العام 2002 مقارنة بالعام 2001. فالناتج القومي العام وصل عام 2000 الى نحو 114 مليار دولار وتردى عام 2002 الى 102 مليار دولار. كما تردى بشكل أكبر معدل الدخل القومي للفرد، فمقابل 18079 دولاراً عام 2001، وصل دخل الفرد عام 2002 الى 15560 دولاراً. أما عن نسبة النمو فبلغت عام 2001: 2.57%. وتردت عام 2002 الى 1%، فضلاً عن الإشارة الى تعاظم الدين الخارجي. كما تزايدت نسبة العجز في ميزان المدفوعات وتزايدت أيضاً حصة الدفاع من الميزانية العامة.
ويؤكـد التقـرير أن حـرب العراق وما تبعها من تدمـير لقـدرات الجيـش العـراقي، وما تبقى منه بعد حرب الخليج، أدى الى إزالة خطر الجبهة الشرقية التي كان العراق بقدراته العسكرية وطاقاته الاقتصادية مركزها الأساسي. وهكذا بعد وقف الجبهة الغربية (مصر) بعد معاهدة كامب دايفيد (1979) وإلغاء الجبهة الشرقية بضرب وتدمير الجيش العراقي (2003)، أصبحت إسرائيل، وللمرة الأولى في تاريخها منذ قيام الدولة العبرية (1948) من دون تهديد تتعرض له من جيوش نظامية عربية. وهذا الوضع الجديد يفتح لإسرائيل نافذة فرص، كما أكد تقرير مركز "جافي"، أي أنه يفتح أمامها إمكانات لخيارات استراتيجية جديدة لم تكن تحلم بها من قبل. وهي خيارات تطاول بالتأكيد نظرية الأمن وبناء القوة وموازنة الدفاع والأولويات في تطوير الأسلحة... وفي تحديد مصادر الخطر عليها ونوعيته وشكله وحدوده...".
المراجع
النور عدد أيلول 2003.
الدفاعية عدد تموز 2003.
الوسط 29 أيلول 2003.
السفير 16 17 23/9/2003.
الحياة 17/9/2003.
Military Budgets of Selected Countries الموقع على الإنترنت.