ملحق خاص: خليك مستعد لعدوك المستجد

تداعيات
إعداد: تراز منصور

سيناريوهات التداعيات من الأسوأ إلى الأكثر تفاؤلًا


فرض فيروس Coronavirus Covid-19 على الدول إعلان حالة الطوارئ أو التعبئة العامة، الأمر الذي حاصر الاقتصاد العالمي في مجمل قطاعاته، وخصوصًا الحيوية منها كالمطارات والمرافق العامة... وقد استنفرت الحكومات والمؤسـسات والبنوك المركزية حول العالم لمواجهة النتائج المرتقبة، وما قد تحمله من تَبعات كارثية على القطاعات والشركات والأفراد، ولا سيّما أنّ العداد ما زال ناشطًا، وبالتالي من الصعب تقدير حجم الخسائر.

 

لجأت الدول إلى تدابير فورية للحدّ من تداعيات كورونا على اقتصادها، فمن تخصيص أموال للمساعدات إلى تدابير لتعزيز الثقة والحفاظ على القطاع المالي. فيما يلي جولة سريعة تلقي الضوء على هذه التدابير.

 

تدابير عاجلة في لبنان
وضعت الحكومة خطّة اجتماعية لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا، التي ألقت بثقلها على قطاعات الإنتاج جميعها، وبشكلٍ خاص على العمال الذين يعانون كثيرًا من الصعوبات للحفاظ على وظائفهم وتأمين لقمة عيشهم، ولا سيّما المياومين منهم وأصحاب الدخل الأدنى.
وبنتيجة عدة اجتماعات، قررت الحكومة في الجلسة التي عقدتها في 31 آذار تقديم مساعدة نقدية للأُسر المحتاجة بقيمة 400 ألف ليرة شهريًا لكل أسرة، على أن يتولّى الجيش اللبناني توزيعها.
وفي الإطار عينه، أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 547، الذي يُلزم المصارف والمؤسـسات المالية العاملة في لبنان أن تمنح على مسؤوليتها قروضًا استثنائية بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي ولمدة خمس سنوات، بفائدة صفر في المئة، لعملائها الذين يستفيدون من القروض الممنوحة سابقًا من المصرف المعني أو المؤسـسة المالية المعنية، على أن تُمنح القروض الاستثنائية لعدة غايات أبرزها: تسديد أقساط القروض الممنوحة سابقًا والتي تستحق في الأشهر الثلاثة التي تلي شهر شباط 2020 (آذار، نيسان، أيار)، ودفع رواتب الموظفين والعاملين لدى العملاء المعنيين المستحقة في الأشهر عينها، أو تغطية حاجات إنتاجية أو تشغيلية خلال الفترة المشار إليها أعلاه، وذلك في حال كان العميل مؤسسة أو شركة...

 

...وفي الدول الغنية
للتخفيف من تأثير تفشّي الوباء، قدّمت الحكومة الصينية الدعم لأكثر الفئات ضعفًا في الدولة من أسر وشركات صغيرة... كما تمّ توجيه الدعم المالي لزيادة إنتاج المعدات الصحية. ولحماية الاستقرار المالي، تمّ دعم البنوك والشركات التي تعاني ضغطًا ماليًا، في حين تُركت العملة المحلية للتكيّف مع الضغوط الخارجية.
 أما الحكومة الفرنسية أفقد علنت حالة الطوارئ في البلاد، وخصّصت خطة مساعدات بقيمة 45 مليار يورو لدعم الشركات والموظفين. وفي الولايات المتحدة الأميركية قرّر الاحتياطي الفيدرالي خفض معدلات الفائدة الرئيسية، كما أعلن مجموعة تدابير جذرية لتعزيز الثقة والحفاظ على القطاع المالي، فضلًا عن شراء سندات خزينة بقيمة 500 مليار دولار وسندات رهن عقاري بقيمة مئتي مليار دولار، وفتح باب إقراض المصارف لحثّها على مساعدة الشركات والأفراد على تخطي تداعيات المرحلة. كما تم تخصيص 400 مليار دولار لدعم الاقتصاد...
وفي محاولة للتصدّي لتداعيات فيروس كورونا على أكبر اقتصاد في أوروبا، أعلنت الحكومة الألمانية عن إجراءات استثنائية لم تشهد لها البلاد مثيلًا منذ الحرب العالمية الثانية، وبلغت قيمتها 550 مليار يورو، وهي عبارة عن قروض من الدولة مع ضمانات.
بدورها كشفت نيوزيلندا عن حزمة اقتصادية بقيمة 7.3 مليارات دولار من صندوق مخصص لمواجهة ما يُعرف في البلاد بـ«الأيام الصعبة» بغية دعم الأجور والإعفاءات الضريبية وتعزيز الرعاية الصحية.
ولدعم اقتصادها اتخذت الحكومة البرازيلية إجراءات ضمن خطّة بقيمة 26 مليار يورو، بينما وضعت الحكومة السويدية خطة تقارب قيمتها 28 مليار يورو، ورصدت روسيا 4 مليارات دولار.
في الخليج العربي خصّصت قطر حُزمة محفزات مالية واقتصادية لمواجهة التداعيات على الاقتصاد بقيمة 75 مليار دولار، ووضعت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) برنامجًا قيمته 13.3 مليار دولار، وأعلن مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي خطة دعم اقتصادي شاملة بقيمة 27 مليار دولار.

 

التداعيات المرتقبة
في ما يتعلّق بتداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد اللبناني، أوضح البروفسور جاسم عجاقة (أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية) لمجلة «الجيش» أنّ «فظاعة انتشار Coronavirus Covid-19 فرضت إعلان التعبئة العامة، وبالطبع سيترتب على ذلك خسائر اقتصادية علمًا أنّه كان لا مفرّ من ذلك في ظل تصاعد أعداد الإصابات، ووصولنا إلى عتبة الانتشار الوبائي المجتمعي مع بداية الأسبوع الثالث من آذار».
وأضاف البرفسور عجاقة: «يُبنى النشاط الاقتصادي على التواصل بين الناس، وبالتالي منع التواصل يعني خفض النشاط الاقتصادي بحسب نسبة هذا المنع. وهنا يُمكن الاستنتاج أنّ القطاع السياحي والترفيهي سيكون من أكثر القطاعات تضرّرًا. يُشكّل القطاع الخدماتي في لبنان 80% من الناتج المحلي الإجمالي ممّا يعني أنّ التداعيات هي شبه تلقائية على الناتج المحلي الإجمالي».
وبرأي عجاقة أنّه ومن دون أزمة كورونا المستجدّة، كانت الأزمة الاقتصادية المالية النقدية التي يتخبّط فيها لبنان، ستؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراوح بين الـ 5 والـ 10%، إلا أنّ تفشّي فيروس كورونا وما نتج عنه من تراجع للنشاط الاقتصادي، سيكون له تداعيات كارثية على الناتج المحلي الإجمالي. وهناك ثلاث سيناريوهات (إحصائية) مبنية على توقّعات نسبة تفشّي الفيروس بحسب الإجراءات المتخذة إتخاذها من قبل السلطات:
أولًا- سيناريو تشاؤمي ينصّ على تراجع قطاع الخدمات بنسبة 50% ممّا يعني تراجعًا في الناتج المحلّي الإجمالي على المدى القصير بنسبة 40% .وعلى المدى البعيد بنسبة 15%. تأتي هذه النسبة على المدى البعيد، من منطلق أن الأزمة الإقتصادية المالية النقدية ستمنع عودة هذا القطاع إلى ما كان عليه سابقًا.
ثانيًا- سيناريو تفاؤلي، ينصّ على تراجع قطاع الخدمات بنسبة 15%، مما يعني تراجعًا في الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصيـر بنسبـة 12% وعلـى المـدى البعيـد بنسبـة 5%.
ثالثًا- سيناريو أكثر إحتمالًا، ينصّ على تراجع قطاع الخدمات بنسبة 25% ممّا يعني تراجعًا في الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير بنسبة 20% وعلى المدى البعيد بنسبة 8%.
أما على صعيد العالم، فالسيناريو التشاؤمي يتضمن تراجعًا بقيمة 3% بالنسبة للناتج المحلي العالمي على أن تصل النسبة في السيناريو الأكثر احتمالًا إلى 1,5 %، وهي في السيناريو التفاؤلي 1%.

 

التداعيات الاجتماعية
يؤكد البررفسور عجاقة أنّ كورونا وقرار التعبئة العامة في لبنان، فرضت الإقفال التام باستثناء الصيدليات والسوبر ماركات ومؤسـسات القوى الأمنية والإعلام، ممّا يعني أنّ لهذا تداعيات اجتماعية كارثية، خصوصًا على صعيد تأمين ثمن المواد الغذائية، الأمر قد ينتج عنه تسريع في زيادة نسبة الفقر في لبنان، التي كانت في نموّ مضطّرد بسبب الأزمة الاقتصادية.
من هذا المُنطلق، يتوجّب على الحكومة رصد أموال لتأمين حاجات المواطنين بحصصٍ غذائية بشكلٍ أسبوعي على أساس تقديم إخراج قيد، علمًا أن المناطق الأكثر تضررًا معروفة جيدًا من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، وأيضًا  الطلب من المؤسسات الدوّلية تقديم مساعدات غذائية للمواطنين اللبنانيين.
أظهرت كارثة وباء كورونا أن الشعب اللبناني لا يتمتّع بأمانٍ صحّي، جراء العولمة، وبحكم غياب هيئة تُعنى برصد الكوارث البيولوجية والوبائية. هذا الأمر يأتي كتحدٍ إضافي للحكومة مع التحدي الاقتصادي والمالي والنقدي. ومن المُتوقّع أن يخرج لبنان من هذه الأزمة مع أضرار إنسانية واجتماعية ومالية نأمل أن تكون محدودة، إلا أنّ ما هو أكيد أنّ طريقة إدارة الشأن العام ستتغيّر حكمًا نظرًا إلى الواقع الاجتماعي الذي وصلنا إليه.