تداعيات التحدّيات البيئية على الأمن العالمي

تداعيات التحدّيات البيئية على الأمن العالمي
إعداد: العقيد الركن الياس أبوجوده
دكتوراه في العلوم السياسية - الجامعة اللبنانية. Master II في العلوم السياسية والاجتماعية من جامعة Sorbonne - Paris

في ظلّ المتغيّرات البيئية العالمية الناجمة عن أنشطة بشرية أو كوارث طبيعية، والتي تصدّرت قائمة إهتمامات المجتمع العالمي، وأضحت ضمن قضايا دولية مهمّة أخرى، كالديموقراطية، وحقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب، هنالك طروح مختلفة لخبراء البيئة حول الترابط بين التغيّر المناخي والنزاعات. منها ما يثير الشك والتساؤل عما إذا كانت النماذج التي طرحتها الهيئة الحكومية الدولية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقاريرها حول تغيَر المناخ وتداعياته المختلفة، تعكس واقع هذه المتغيَرات الحقيقي. وكذلك منها ما يؤكّد حقيقة الواقع البيئي الخطير في العالم، وأن استمرارية هذا التدهور البيئي سوف تؤدّي إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين. ويشير بعض علماء البيئة إلى تداعيات الهجرة البيئية على الاستقرار. ويضيف هؤلاء الخبراء أن القضايا البيئية هي من أهم عوامل النزاعات والصراعات، وتحديدًا المتعلقة بالموارد الطبيعية التي تُعرف أيضًا بالسلع والخدمات المتعلقة بالنظام الإيكولوجي، والطاقة والمياه، هذا بالإضافة إلى العوامل التي تتأثّر بالمتغيّرات البيئية كالنمو السكاني والمستوى المعيشي والتنمية المستدامة، التي تشكّل مصدرًا خطيرًا لعدم الاستقرار المحلي والإقليمي والدولي. وهناك أيضًا من يشير إلى مخاطر التحديات البيئية على العلاقات الدولية في مختلف المناطق في العالم وخصوصًا الشرق الأوسط. فالبيئة جزء لا يتجزأ من مفهوم السلام العالمي، وقد اتضح أن السلام والأمن يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالرفاهية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية واستقرار البيئة. كما أن ارتباط البيئة بالنزاع لا يكون مباشرًا بالضرورة. فهو غالبًا ما يعمل في موازاة ضغوط إجتماعية وسياسية واقتصادية أخرى. على الرغم من ذلك، تطرح عدة تساؤلات حول مدى تأثير التحدَيات البيئية في الأمن العالمي: ما هي حقيقة الربط بين التغيًرات المناخية والأمن والسلم الدوليين؟ هل هناك من صلة بين الهجرة البيئية والإضطرابات سواء على المستوى الوطني أم الاقليمي؟ هل يمكن أن تكون الصراعات والنزاعات والتوترات الدوليّة والإقليميّة والمحليّة الجديدة والمستمرة، هي نتاج الإفراط في استخراج موارد الطاقة غير المتجددة كالنفط، وندرة الموارد المائية؟ هل للعوامل البيئية كالتزايد السكاني، وتدني المستوى المعيشي للبشرية في الدول الفقيرة، وتضرّر النظام الإيكولوجي تداعيات خطيرة على الإستقرار العالمي؟

 

لدراسة نتائج الدور الرئيس للتحديًات البيئية في انعدام التوازن البشري، وتداعياتها على الإستقرار العالمي، والتي تشكّل مصدرًا للتنافس القوي والخطير بين الدول من أجل الحصول على حاجات الإنسان الأساسية، وتحليل عناصرها للوقوف على المعطيات المتعلّقة بهذه النتائج، توخيًا للإيضاح.

 

وبغية الإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه، تقوم الدراسة على ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل: يتناول الهجرة البيئية والنزاعات حيث يتم التطرَق إلى الصلة بين الهجرة والإضطرابات في المناطق المستقبلة ووسائل معالجة مخاطر الهجرة.

أما الفصل الثاني فيتناول الموارد الطبيعية والأمن العالمي حيث يتم التركيز في الصراع الدولي على مصادر الطاقة (النفط) في الشرق الأوسط، والتغيًر المناخي والصراعات حول الموارد المائية.

بينما الفصل الثالث يتناول العوامل البيئية والاستقرارالعالمي، حيث يتم التداول في التزايد السكاني، وتدني المستوى المعيشي والتنمية البشرية المستدامة للدول، وتضرّر النظام الإيكولوجي والتدهور البيئي.

 

أولاً: الهجرة البيئية والنزاعات

يؤدّي العامل المناخي دورًا رئيسًا في انعدام التوازن البشري. فالتصحّر، والفيضانات والنقص في المساحات المزروعة أو المسكونة، تساهم في زيادة الاختلال بالتوازن وتولّد المزيد من اللاجئين أو ما يسمى اللجوء المناخي. لذا، يشكّل التغيّر المناخي مصدرًا للتنافس القوي والخطير بين الدول من أجل الحصول على حاجات الإنسان الأساسية. ومن المتوقّع أيضًا أن تؤدّي هذه المتغيرات البيئية إلى مواجهات أو صدامات داخلية بين مختلف مكوّنات المجتمع الواحد، وخصوصًا بين الجماعات الإثنية أو القومية أو الدينية. كما يمكن أن تؤدي إلى نزاعات بين الدول[1]. وبالتالي، إن الهجرة السكانية لأسباب بيئية هي كإحدى الصلات الأكثر وضوحًا بين التغيّر المناخي والنزاعات. هناك العديد من البحوث التجريبية ذات الصلة على الرغم من أن الاستنتاجات ما زالت مبدئية. على سبيل المثال، ما أشار إليه تقرير المراجعة الأخيرة للجنة الخزانة البريطانية إلى أنه بحلول منتصف القرن الحالي، سيتحوّل 200 مليون شخص إلى لاجئين مناخيين بسبب اضطرارهم إلى النزوح القسري الناتج من ارتفاع مستوى سطح البحر، الفيضانات وموجات الجفاف الحادة. وستؤدي الهجرة إلى النزاعات في الأقاليم المستقبلة إذا لم تُدر جيدًا. إلا أن دوافع الهجرة قد تؤثر في نسبة الميل إلى استخدام العنف. قد تؤول الهجرة الناتجة من العوامل البيئية مباشرةً إلى توترات إجتماعية وعنف في الأقاليم المستقبلة، لكنها من غير المحتمل أن تسبّب النزاع المنظم والمسلح والمدعوم من أطراف خارجية. والعكس صحيح، إن اللاجئين السياسيين من الأقاليم التي تعاني موجات عنف واضطراب شديدين، هم أكثر عرضة للانخراط في الأنشطة المسلحة، على الرغم من أن ذلك لا يُعدّ نتيجة حتمية. يمكن التغيّر المناخي أن يساهم في دفع الناس إلى الهجرة والنزوح من الأقاليم غير المأهولة، كما أن الحوادث البيئية الكارثية كالفيضانات والأعاصير تشكّل سببًا فوريًا للهجرة.

 

أما التغيّرات المناخية البعيدة المدى، كالتصحّر، فتؤدي إلى تراجع في المعايير الحياتية، ما يجعل كلفة البقاء في تلك المناطق أعلى بكثير من كلفة الرحيل عنها. وتطرح الأبحاث حول التغيّر المناخي العالمي عدة آليات محتملة قد يُجبر الناس من خلالها على النزوح من مناطق سكنهم. فارتفاع مستوى مياه سطح البحر الناجم عن تقلّص حجم الطبقات الجليدية وذوبانها وتهديد المناطق الساحلية بالفيضانات، تجعل تلك المناطق عرضة لإخلائها من السكان. كما أن التصحر يجبر الناس على الانتقال من الأقاليم ذات الندرة المائية والإنتاجية.

 

ولعل التغيّرات الأكثر حدة في عناصر الطقس والمناخ، هي الأقوى من حيث توليد أحداث مناخية دراماتيكية كالأعاصير، الزوابع والبرد القارس وما يحمله ذلك من بلبلة وفوضى للاستقرار السكاني. وسوف تؤدي كميات الأمطار المتساقطة وغير المتوقعة إلى موجات متفاوتة من الجفاف والفيضانات، ما يحوّل الكثير من المناطق إلى مساحات غير مأهولة معرّضة للفوضى وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وقد تقود الضغوط البيئية إلى الهجرة على نحو غير مباشر. فندرة المياه والمنافسة عليها، قد تقود إلى نزاع بين الأقاليم في الدولة الواحدة ما يزيد نسبة النزوح عن تلك الأقاليم. وتفترض النماذج التظلمية من النزاع، أن بعض الناس سيلجأ إلى العنف في حال تدهور شروط معيشته مقارنة بغيره. على سبيل المثال، يتأثر الناس العاملون في الزراعة بنتيجة الفيضانات والجفاف أكثر من سكان المناطق الحضرية، ما سوف يؤدي إلى لامساواة في المداخيل داخل المجتمع الواحد فضلًا عن تعدّد أوجه الحرمان لدى الشرائح الفقيرة. بالإضافة إلى ذلك، إذا ما تركّز بعض المجموعات الإتنية في الأقاليم المعرضّة لتداعيات التغيّر المناخي، ستطالب تلك الأقليات بالتعويض أو بإصلاح الخلل المتفاقم على صعيد المساواة مع غيرها. فالتنوعات الإثنية لا تقود غالبًا إلى النزاعات إلا في حال اقترانها بلا مساواة داخلية[2]. بالنتيجة، إن ندرة الموارد كالمياه والغابات والأراضي الخصبة قد تقود إلى نزاع «مالتوسي» بين السكان المتنافسين على الموارد المحدودة نفسها. في المقابل، هناك الكثير من الأدبيات في علم السياسة والاقتصاد لا تعطي تلك التظلمات الكثير من الوزن في نشوب النزاعات. إن التظلمات والتنافس على الموارد، بالإقتران مع الإفتقار إلى المؤسسات التمثيلية وآليات إعادة التوزيع الاقتصادية وقدرة الدولة الضعيفة على ردع العنف، تشكّل أبرز الدوافع لاحتمال نشوب النزاع.

 

على سبيل المثال، على الرغم من معاناة بوتسوانا من العديد من المعطيات التي قد تشكّل حافزًا للجوء إلى العنف، كالإيدز والفقر والانقسامات الإثنية وموارد الماس، لم يندلع العنف بسبب نجاح المؤسسات الديمقراطية في توفير آليات بديلة لتسوية النزاعات. أما الأدلة الإحصائية المتوافرة فهي محدودة في ما يتعلّق بالصلة بين المشكلات البيئية والنزاعات في الحقب الماضية. ولكن نجد في الدراسة التي أعدّها الخبيران تانجا إلينجسون ووينش هوغ إشارة إيجابية إلى الصلة بين التدهور البيئي والعنف. وعلى الرغم من إشارة الباحثين إلى التأثير المحدود، فإنهما يريان أن التغيّر المناخي المستقبلي سيكون أبرز المؤشرات على اندلاع العنف. ومع ذلك فإن النزاعات البيئية قد تندلع مستقبلًا في حال فاقم التغيّر المناخي من رقعة النزاعات وغيّر من أساليبها وأسبابها. وقد رصد العديد من الدراسات الصلة بين النزاع والتغيّر في أنظمة تساقط الأمطار. على سبيل المثال، النزاعات الرعوية وارتفاع وتيرتها في فترات التدهور البيئي وفترات القحط واستنزاف الموارد في غرب أفريقيا وما آلت إليه في المزيد من التوترات. وإذا ما أدى التغيّر المناخي إلى اندلاع نزاع مسلح فالنتيجة الحتمية ستكون النزوح. وقد أكدت عدة بحوث إحصائية العلاقة القوية بين النزاع الأهلي ونزوح اللاجئين. نذكر على سبيل المثال النزاعات في موزامبيق، أفغانستان، فلسطين المحتلّة والعراق وما أدت اليه من نزوح ملايين اللاجئين، على الرغم من أن بعض تلك النزاعات لا يجد جذوره في المشكلات البيئية. وقد يشكّل التدفّق السكاني المفاجئ عبئًا ثقيلًا ومثيرًا للفوضى في الدول المستقبلة. إن حجم التجمعات اللاجئة مقارنة بالمجتمع المضيف قد يكون كبيرًا جدًا (1:3 الأردن للعام 2001، 1:11 في لبنان). تلك التدفقات البشرية النازحة تترك أثرها في شروط سوق العمل والتوازن الديمغرافي بين الجماعات الإثنية. لذلك إذا أدّت الضغوط البشرية إلى النزاع، من المحتمل جدًا أن تلك النزاعات بدورها ستقود إلى نزوح سكاني كبير[3].

 

وأيضًا تشير تقارير المنظمات الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية الإنسانية، إلى أن الأشخاص غالبًا في البلدان الفقيرة الذين هم عرضة لظروف صحية واجتماعية سيئة كالبطالة، يكونون أكثر تأثرًا بمخاطر التغيّرات المناخية. وهذه التقلبات المناخية، يمكن أن تؤدي إلى تضاعف الهجرة بين البلدان وإلى تزايد حركة النزوح في الدول. ومن المتوقع العام 2020، وفق ما تشير الأمم المتحدة، أن يتخطّى عدد المهاجرين، بسبب دوافع بيئية، مئات الملايين. إن مخاطر الهجرة البيئية، دفعت البلدان التي تعاني أو تطالها هذه الظاهرة بسبب التغيّرات المناخية، أن تتخذ الإجراءات الوقائية المناسبة على الصعيد الوطني. كما طالبت هذه الدول، المجتمعين الإقليمي والعالمي بالاعتراف بظاهرة الهجرة البيئية التي يمكن أن تترجم بازدياد عدد الصراعات والنزاعات في مناطق النزوح، أو في البلدان التي ينزح إليها المهاجرون، أو على حدود هذه الدول المشتركة[4].

 

1- الصلة بين الهجرة والاضطرابات في المناطق المستقبلة

يتضمن العديد من الدراسات الإشارة إلى أن الهجرة الداخلية والدولية قد تؤدي إلى التوترات في المناطق المستقبلة، ومع ذلك فإن بعض المهاجرين يضفي على تلك المناطق المضيفة مهاراتهم الاقتصادية وتنوّعًا حضاريًا مميزًا. إلا أن النزاعات تندلع انطلاقًا من تدفقات الهجرة الكبيرة والعشوائية.على سبيل المثال، تورطت قبائل تلال شيتاغونغ في نزاع مع الدولة في بنغلادش، على خلفية تدفق البنغال من السهول باعتبارهم تهديدًا لتلك القبائل. فالهجرة البنغالية إلى الإقليم الشمالي الشرقي أسهمت في توليد الاحتكاك الاجتماعي السلبي. تشكّل الهجرة المتزايدة وقود التوترات الاجتماعية في تلك الأقاليم، يضاف إلى ذلك أن بنغلادش تعد من الدول المهدّدة مستقبلًا بارتفاع مستوى سطح البحر والنزوح الجماعي من سواحلها.

 

غالبًا ما استخدمت فكرة النزاع وتهديد الأمن البشري لتوصيف طيف متنوّع من القضايا، إلا أن العنف السياسي بين المهاجرين والسكان المحليين قد يتخذ أشكالًا متنوعة كالعنف البيئي اللامنظم، منها مثلًا الاعتداءات الشخصية، الاعتداء على الملكية، الجرائم وأعمال الشغب التي نادرًا ما تتحوّل إلى حملات منظّمة ومدعومة من أطراف محليين وخارجيين. وبالعكس، تتطلّب الحروب الأهلية وحالات التمرد غالبًا تنظيمًا طويل المدى وموارد حقيقية. وإن كانت كل أشكال العنف مثيرة للفوضى، إلا أن العصيان المنظّم له تداعيات أشد خطورة على الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بسبب استمراريته فترة طويلة ووضعه قيودًا أكبر على موارد الدولة. وبينما تثير الهجرة إمكان حدوث ردات فعل عنيفة، هناك فرق في أساليب النزاع إذا ما نتج من الحروب الأهلية ومفهوم اللاجئين الكلاسيكي في حالة اللاجئين البيئيين. تبقى الاحتمالات ضئيلة حول تورّط المهاجرين الفارين من كوارث طبيعية كالفيضانات والأعاصير والتصحّر في العنف المنظم، وإن ساهموا في اندلاع موجات متقطّعة من العنف والشغب. إن الكثير من الضغوط البيئية الناجمة عن التغيّر المناخي ذات طبيعة تدرّجية، وستقود إلى حركات هجرة مؤكدة، وإن كانت صغيرة في حجمها حتى الآن. فالتصحّر وارتفاع مستوى مياه البحار، على سبيل المثال، عملية تتطوّر طوال عدة عقود بل قرون، ولا يحتمل أن تؤدي إلى نزوح واسع النطاق على المدى القصير. وتستطيع المناطق المستقبلة التكيّف مع الهجرة التدرّجية، حتى إن النزوح الضخم الناتج من الكوارث البيئية، لم يؤدّ إلى قتال حقيقي واسع النطاق. نذكر، مثلاً، أن الأعصار هيتش وكاترينا والتسونامي الآسيوي أدى كل منها إلى نزوح آلاف الأشخاص من دون أن يولّد حالات من العنف المنظّم في المناطق المستقبلة. كما يطرح اللجوء بمفهومه الكلاسيكي مجموعة مختلفة من التحديات. لكن في بعض الظروف، أنتج ظهور تجمّعات اللاجئين نزاعات مسلحة في الأماكن المضيفة[5]. وعلى الرغم من الهدوء النسبي في الدول المضيفة للاجئين منذ العام 1950، فإن إحتمال نشوب نزاعات مسلحة قد تضاعف نتيجة وجود هؤلاء اللاجئين. إن للمهاجرين من مناطق النزاع دورًا مباشرًا في تحديد نتائج النزاع في موطنهم الأصلي، ولا سيما الأوضاع السابقة لتوزيع الموارد، كما أن الكثير من اللاجئين يفرّون من الاضطهاد الذي غالبًا ما يتعرّضون له في موطنهم. وبالتالي يطالب هؤلاء بإزالة النظام الحاكم أو بتنازلات سياسية مهمة.

 

إضافة إلى ذلك، وفي إبان فترة النزاعات الأهلية، تشجّع البيئة السياسية الناشطة اللاجئين على الانتقال من موطنهم إلى موطن آخر. على سبيل المثال، لاجئو التاميل في الهند، اللاجئون الأفغان في باكستان، اللاجئون الروانديون في الكونغو. ومع ذلك فقد حافظ هؤلاء على روابطهم بالفصائل المتنازعة في مواطنهم، وغالبًا ما قاموا بالتسلّح والتدريب لتوفير الدعم العسكري للفصائل المتناحرة عند الضرورة. وهكذا تتحوّل الأماكن المستقبلة إلى بؤر لاستيراد الأسلحة، البنى التنظيمية، الموارد المغذّية للعنف وإيديولوجياتها، حيث يستطيع اللاجئون تكوين شبكات ثورية إجتماعية تشكّل قناة لامتداد العنف المسلح إلى الأقاليم المضيفة. كما أن اللاجئين الفارين من مناطق النزاع يتورّطون، بين وقت وآخر، في شن الهجوم عبر الحدود ضد حكوماتهم، ما يستدعي الرد المضاد من قوى الدولة العسكرية، مشكلاً خطرًا أكيدًا على أمن السكان المحليين في المناطق المضيفة. على سبيل المثال، قام اللاجئون البيرميز في تايلاند واللاجئون من نيكاراغوا إلى هندوراس بشن هجمات ضد بلادهم، ما استدعى غزوات مقابلة عابرة للحدود من دولهم الأم. وغالبًا ما ينتج ذلك توترًا في العلاقات بين الدول المرسلة وتلك المستقبلة. الأولى متهمة بتصدير أعباء لاجئيها إلى دول الجوار، والثانية متهمة باحتضان اللاجئين ومخيماتهم العسكرية. وقد يقود القتال عبر الحدود بين تجمّع اللاجئين والدول المرسلة إلى توريط الدول المستقبلة في حروب ونزاعات، كما أن وجود مخيمات عسكرية للاجئين واضحة للعيان عند الحدود يبرّر للدول المرسلة القيام بهجوم واسع النطاق واجتياح أراضي الدولة المضيفة. نذكر في هذا الاطار، الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982 واحتلال جزء من الأراضي بغية حرمان منظمة التحرير الفلسطينية قواعدها الخارجية، تورط رواندا في الكونغو على خلفية قيام لاجئي الهوتو بتنظيم مجموعات معارضة داخل المخيمات[6].

 

ولا شك في أن الهجرة القسرية وليدة النزاع الداخلي تساهم في امتداد النزاع إلى أقاليم الدول المجاورة. في المقابل، إن المهاجرين البيئيين غالبًا لا يملكون أجندة سياسية في بلادهم ولا يصوّرون أنفسهم كضحايا للاضطهاد السياسي أو الأُثني. في حال هجرة الناس بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية أو البيئية، نادرًا ما يهدّد هؤلاء الدول المضيفة باستيراد النزاع المنظّم. وبالتالي فإن أنماط الهجرة الحالية توجيهية في هذا السياق. هناك الآلاف من المهاجرين لدوافع إقتصادية يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية، وعلى الرغم من حدوث بعض أعمال الشغب الإثنية، والهجمات العنصرية والجرائم، فإنها كانت حوادث محدودة النطاق وتفتقر إلى الطابع التنظيمي المخطط له. نذكر مثلاً أعمال الشغب في الغيتوهات الإثنية في فرنسا العام 2005 التي سلطت الضوء على إمكان اندلاع العنف ما بين الإثنيات المختلفة. في بعض المدن البريطانية، تطوّرت التوترات العنصرية إلى أعمال شغب واسعة النطاق في صيف العام 2001. كما أن الهجمات الإرهابية في تموز/يوليو 2005 على أنظمة النقل البريطانية أوجدت جوًا من المخاوف من اندلاع نزاعات داخلية يتورّط فيها المهاجرون المسلمون وأولادهم المولودون في بريطانيا.

 

تلك الحوادث تؤكد أهمية اندماج المهاجرين إقتصاديًا وإجتماعيًا في الدول المضيفة. هناك نماذج أخرى من حالات الهجرة الاقتصادية التي ولدت بعض التوترات كحالة السعودية (المهاجرون الآسيويون الجنوبيون-الشرقيون)، أفريقيا الجنوبية (المهاجرون الأفارقة)، إندونيسيا وماليزيا (المهاجرون الصينيون) وكوستاريكا (مهاجرو نيكارغوا). لكن كل تلك التدفقات لم تؤدّ إلى عنفٍ حقيقي ومنظّم[7]. وفي المقابل، يرى أستري سوركي أحد الباحثين البيئيين، أن احتمال توليد الهجرة البيئية نزاعات يتوقّف على دور الدولة في المجتمع المضيف، ولا سيما على صعيد تفعيل الاندماج والتعاون مع المهاجرين، ما يقلّل فرص الاحتكاك والتوتر الاجتماعي. ويضيف أن الصلة بين التغيّر المناخي والهجرة والنزاع تبقى حدسية، وبسبب صعوبة عزل دوافع عملية الهجرة، ليس واضحًا ما إذا كانت بعض التحركات السكانية قد نتج من ضغوط بيئية وليدة تغيّر مناخي ما. من جهة أخرى يرى بعض علماء البيئة أن هناك العديد من الأدلة على الصلة بين النزوح والنزاع في الدول المرسلة والهجرة والنزاع في الدول المستقبلة. كما يلحظ بعض الخبراء نقصًا واضحًا في المعلومات المنهجية وغيابًا للإجماع حول آثار التغيّر المناخي في الهجرة وآثار الهجرة بدورها في توليد النزاعات. في ظل هذا الواقع، على السلطات المحلية والمجتمع الدولي إتخاذ التدابير والسيناريوهات المناسبة لمواجهة تأثيرات الهجرة في الاستقرار المحلي والإقليمي[8].

 

2- وسائل معالجة مخاطر الهجرة

يمكن مواجهة تحديات الهجرة على عدة مستويات، ويبقى نمط المواجهة مرتكزًا على القدرات المتوافرة لدى الدول. بإمكان البلدان الغنية القادرة على ضبط حدودها، السيطرة على عمليات النزوح أكثر من الدول ذات الموارد المحدودة. على سبيل المثال، شكّلت القدرة على ضبط عمليات الهجرة عبر البحر من أفريقيا إلى أوروبا محور الدراسة التي أعدّها بعض خبراء البيئة، والتي تشير إلى ممارسة الدول الأوروبية ضغوطًا دبلوماسية على الدول المرسلة للحد من تلك الظاهرة، ومباشرتها باستخدام الأقمار الصناعية، وطائرات المراقبة، والسفن البحرية والأسيجة الحدودية لمنع دخول اللاجئين إلى أراضيها، كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية عند حدودها لضبط عمليات الهجرة من المكسيك والكاريبي. في حال تدفق المهاجرين بسبب التغيّر المناخي، تستطيع الدول الغنية أمام هذا السيناريو تبني سياسات فاعلة قاسية المعايير لمواجهة تدفّق المهاجرين. أما الدول ذات القدرات المحدودة على تنظيم التدفّق، فهي ستواجه عدة تحديات بمجرد استقرار مخيمات اللاجئين بأراضيها[9]. في مواجهة تحدي الهجرة البيئية واحتمالات النزاع، يتجلى ثلاثة مستويات من الاستجابة: أولاً: تمس الهجرة مبدئيًا المستويات المحلية، وبالتالي فإن الحكومات المحلية هي المعنية بالدرجة الأولى بالاستجابة. وعلى الحكومة المحلية امتلاك التجهيزات اللازمة التي تؤهلها للتعامل مع تداعيات الهجرة الداخلية والدولية. هذه التجهيزات تتضمّن استجابات معيارية للنمو السكاني كتأمين التيار الكهربائي، وإمدادات المياه، والمأوى، والتدابير الصحية والخدمات العامة. كما أن المهاجرين يفرضون تحديات خاصة، إذ يترتب على مزودي الخدمات المحليين التعامل مع لغات وتقاليد جديدة. أما اللاجئون الهاربون من مناطق النزاع، فغالبًا ما يعانون ضررًا نفسيًا وجسديًا، وعلى مزوّدي خدمات الرعاية الصحية المحلية امتلاك القدرات اللازمة للتعامل مع تلك الحاجات.

 

ثانيًا: يمكن تحسين مستوى القدرات الوطنية وتطويرها للتعامل مع الهجرة، من خلال قيام الحكومات بالعمل على تنسيق الاستجابات المحلية وتنظيمها بدلاً من تطبيق تنظيمات محلية نمطية عشوائيًا. فتتحمّل الوكالات الوطنية مسؤولية تحديد أي من المهاجرين يستحق الدخول إلى الدولة، تحديد مكان الاستقرار، أنواع الوظائف والخدمات التي يمكن المهاجرين الحصول عليها، سياسات المواطنة وغيرها... إن اعتماد سياسات حكيمة للهجرة والاندماج وحدها قادرة على كبح احتمالات نشوب النزاعات في الدول المضيفة.

 

ثالثًا: دور الوكالات الدولية في الاستجابة، كالمفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين، ومنظمة الهجرة الدولية، التي تستطيع مساعدة السلطات الوطنية والمحلية على تطوير القدرات اللازمة للاستجابة لتحديات الهجرة حين تكون الموارد الوطنية غير كافية. كما أن الدول الغنية المانحة تستطيع أن تمد تلك الوكالات بالتمويل اللازم ماديًا وتقنيًا لمساعدة الدول النامية المفتقرة إلى قدرة التعامل مع الهجرة الواسعة النطاق. بالإضافة إلى العون الإنساني المباشر، فقد أثبتت تلك الوكالات فعاليتها في تطوير برامج التوظيف، تسهيلات الرعاية الصحية والتعليم للشباب. كما أن المفوضية العليا للاجئين غالبًا ما تتعامل مع الوكالات الوطنية المعنية بالنزوح الداخلي وتلك المعنية بضبط الحدود، لتحسين قدرات هؤلاء الفاعلين على تنظيم عمليات الدخول إلى أراضي الدولة[10].

 

وقد طرح علماء البيئة بعض التوصيات المفترض اتباعها من قبل المجتمع الدولي وتركّز على ما ينبغي فعله لمنع اندلاع النزاعات بسبب الهجرة البيئية. ونظرًا إلى الطبيعة المتنوّعة لتداعيات سلبية متوقعة من سيناريوهات التغيّر المناخي، وبعضها يتسم بالكثير من الجدية والخطورة، يعتقد أن منظمة الأمم المتحدة هي المرشحة للاضطلاع بدور الفاعل الرئيس في هذا الإطار. وعلى الرغم من السيناريوهات الدراماتيكية الواردة في تقرير البنتاغون وتقرير المراجعة الأخيرة، فهي لا تحظى بإجماع عالمي على مضمونها، إلا أن إجماعًا علميًا بدأ بالظهور حاليًا بشأن حدوث تغيّر مناخي يؤدي بدوره إلى تغيير في أنماط الاستقرار السكًاني وأساليب الإنتاج الاقتصادي. هناك عدة إجراءات ينبغي الأخذ بها بغية التخفيف من مخاطر تدفق اللاجئين المرتبط بالنزاعات البيئية، وهي تتضمن توطين اللاجئين في أماكن بعيدة من مناطق النزاع ولا سيما الأقاليم الحدودية، منع اختراق الأسلحة والمقاتلين مخيمات اللاجئين، توفير بدائل هادفة للاجئ كتوفير فرص عمل إنتاجية وتعزيز قنوات الحوار مع المجتمعات المحلية لمحاكاة اهتمامات الدول المستقبلة الاقتصادية والاجتماعية. يضاف إلى ذلك، أن مساعدة الدول والوكالات المانحة، كمفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين، ستكون مهمة جدًا للدول النامية المفتقرة إلى القدرة على ضبط مخيمات اللاجئين على نحوٍ مناسب. وفي إطار التعامل مع المهاجرين البيئيين واللاجئين الكلاسيكيين، على الدول المضيفة تبنّي عدد من الإجراءات الإيجابية لمنع اندلاع النزاعات. وقد لوحظ أن الحالات التي سجلت إندلاعًا للعنف، عانت أساسًا نقص الوعي الثقافي وتفشي الحساسية بين المهاجرين والسكان المحليين، إضافة إلى وجود عدة عوائق حالت دون إندماج المهاجرين كليًا في المناطق المضيفة.

 

أما الخطوات المطلوبة لمعالجة هذه المشكلات، فيرى بعض المحللين السياسيين أنها تتضمن منع التمييز العنصري ضد المهاجرين في سوق العمل، تأمين الوصول إلى الخدمات الحكومية والأنشطة الاجتماعية، مراجعة قوانين المواطنة بما يُكسب المهاجرين جنسية البلد المضيف ويسمح لهم بالمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، تعزيز ثقافة التسامح واحترام التنوع من خلال البرامج التربوية والثقافية والإعلامية العامة، تسهيل اكتساب اللغة والوعي المدني لدى التجمعات المهاجرة. بالتوازي مع ذلك، على الأمم المتحدة العمل على إيجاد إتفاقية دولية جديدة حول الهجرة تتضمن أنماط الهجرة الطارئة. إن النظام العالمي حول الهجرة يجب أن يتضمن معايير قانونية شاملة تتناول حقوق المهاجرين واللاجئين من مناطق النزاع والمهاجرين من المناطق البحرية المنكوبة والمهاجرين البيئيين[11]. لا شك في أن اتفاقية الأمم المتحدة الحالية حول اللاجئين باتت شبه مهجورة، وتتطلّب إعادة تحديث الكثير من بنودها لمجاراة الواقع المعاصر من ناحية، ولإزالة ما شابها من غموض والتباس من ناحية ثانية، تجنبًا لتغييب العدالة عن تطبيقها ولا سيما ما يتعلّق بسياسات اللجوء السياسي.

 

وبالنظر إلى تزايد ضغوط الهجرة الناجمة عن التغيّر المناخي، وفي ظل سياسات متناقضة وعرضية للعديد من الدول المضيفة، على الأمم المتحدة الاضطلاع بدورٍ قياديٍ في هذا الشأن. فالتغيّر المناخي سيشكّل مشكلة حقيقية في العقود المقبلة، حتى ولو انخفضت نسبة انبعاث غازات الدفيئة الآن، هناك درجة معيّنة من التغيّر السيئ باتت حتمية. كما أن الهجرة الدولية التي أصبحت مسألة سياسية ساخنة في عدة دول، مرشحة للتفاقم والاقتران بالأبعاد المناخية. ومع ذلك، يبقى الرهان على التكيّف البشري وحكمة التخطيط التكنولوجي للتخفيف من حدة النتائج المتوقعة. لذلك، يمكن القول أن الأولوية الحالية أمام الإنسانية، هي تطوير استجابات ملائمة للضغوط البيئية، والتهيئة للتحول في أنماط الاستيطان الإنساني بما يتطلب حوارًا فاعلاً في إطار منظمة الأمم المتحدة[12]. ومع استمرار ارتفاع عدد سكان العالم ونمو الطلب على الموارد، هناك احتمال كبير أن تشتد النزاعات على الموارد الطبيعية في العقود المقبلة.

 

ثانيًا: الموارد الطبيعية والأمن العالمي

أشار بعض الخبراء إلى أن تزايد النشاط الاقتصادي العالمي وحدوث تغيّرات شاملة في المناخ، سيؤديان إلى استنزاف موارد المواد الخام الطبيعية والمائية والحيوية في العالم. كما أبدوا قلقهم غلى نحوٍ خاص من أوضاع أدت فيها الموارد الطبيعية والبيئية دورًا في إثارة نزاع أو إذكائه. وفي هذا السياق، أشار تقرير برنامج الأمم المتحدة للببيئة «يونيب» في آذار/مارس 2009 بعنوان «من النزاع إلى بناء السلام: دور الموارد الطبيعية والبيئية»، إلى أن 18 نزاعًا عنيفًا على الأقل منذ 1990 أذكاها استغلال موارد طبيعية، وأن 40 % على الأقل من جميع النزاعات داخل الدول في السنوات الستين الأخيرة كان لها ارتباط بموارد طبيعية. وتشير النتائج الأولية لتحليل النزاعات الداخلية إلى أن احتمال تكرار النزاعات المرتبطة بموارد طبيعية في غضون السنوات الخمس الأولى من السلام هو أكبر بضعفين. واستنتج التقرير أن الطريقة التي تدار بها الموارد الطبيعية والبيئية لها تأثير حاسم في بناء السلام والاستقرار بعد النزاع[13]. تتشكل الصراعات عادةً من عدة طبقات متداخلة، ومن الأسباب التي تراوح بين الإيديولوجية والسياسية، وصولاً إلى الأسباب الاقتصادية والتجارية. كما باتت الموارد الطبيعية، أو «سلع النظام البيئي وخدماته»، تعدّ أحد الدوافع الممكنة للنزاعات. وغالبًا ما يتمحور جدال الباحثين بشأن دور البيئة كعنصر مسهم في إثارة النزاعات العنيفة حول التنافس على الموارد، في ظل ندرتها وتدهور البيئة وتغيّرها على المدى الطويل. ومهما تكن النظرة إلى الموارد من حيث وفرتها أو ندرتها، فمن الأهمية التشديد على أن الصلة بين البيئة والنزاعات هي، في غالبيتها، غير مباشرة وتتداخل مع ضغوط إجتماعية وسياسية وإقتصادية أخرى. فندرة الموارد الضرورية تعدّ تقريبًا سبب التوتر الاجتماعي الدائم وربما نشوب صراعات. ولكن يدرك العلماء أيضًا أن وفرة الموارد المطلوبة عالية القيمة هي مصدر مهم محتمل للتوتر وعامل مثير للصراعات المسلحة، متضمنًا، على الأقل، الحروب الأهلية الثماني عشرة التي دارت على مدار العقدين الماضيين وكان وقودها الموارد الطبيعية[14].

 

إن للعنة الموارد عدة أشكال، بما في ذلك استغلال الأرباح الناتجة من السلع عالية القيمة، مثل الأحجار الكريمة أو الأخشاب أو المخدرات، لدعم أعمال التمرّد والصراعات التي تنشأ نتيجة المشاركة غير العادلة الملموسة في عائدات الموارد الطبيعية. ويمكن أن تكون الموارد هي شرارة الأعمال العدائية الأولى أو مصدر تمويل لدعم الصراعات المستمرة أو حائلاً دون حل الصراعات، طالما ظلت قضايا ملكية الموارد من دون حل. وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون الموارد الطبيعية التي تجري إدارتها جزءًا قيمًا لاستراتيجية تنمية الدولة المستدامة[15]. في المقابل، على جميع البلدان المنتجة للبترول والغاز أن تعالج جميع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، للحد من زيادة أسباب عدم الاستقرار. يمكن هذا التطور، إذا لم تتم معالجته من قبل المجتمع الدولي، أن يؤدّي إلى عدم أمان وصعوبة الحصول أو التزود موارد الطاقة، كما أن المنافسة ستزداد لامتلاك الموارد في المناطق غير المستثمرة حتى الآن. كذلك، إن إمكان لجوء بعض الدول إلى الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، يمكن أن تخلق مخاوف واضطرابات جديدة في إطار استخدام الطاقة النووية لأغراضٍ عسكرية. وما يحصل في إيران حاليًا في مسألة برنامجها النووي، خير دليل على قلق المجتمع الدولي وخصوصًا منظمة الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، إسرائيل ودول الخليج، من امتلاك إيران القنبلة النووية. كل هذه الأسباب تتراكم وتشكّل عوامل عدم استقرار في النظام العالمي، كما أنها تهدّد الأمن والسلم الدوليين.

 

ومنذ منتصف القرن العشرين بدأ تزايد النزاعات والحروب الكبرى في العالم وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط يؤثر سلبًا في سلامة البيئة في المنطقة. والعلاقة بين البيئة والنزاعات مزدوجة: فهي، أولاً، علاقة سببية كما أنها علاقة من حيث الضرر الذي يلحق بالبيئة. أما أبرز الدوافع البيئية إلى نشوب النزاعات والحروب في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، فهي مصادر الطاقة في حال نضوبها أو الإفراط في استخراجها وخصوصًا النفط، وندرة المياه[16].

 

1ـ الصراع الدولي على مصادر الطاقة (النفط) في الشرق الأوسط

يُتوقع في القرن الحادي والعشرين، أن يرتبط أحد أبرز أسباب النزاعات الرئيسة بين الدول بتعاظم المنافسة الشديدة على موارد الطاقة المتوقّع تضاؤلها بسبب الإفراط في استخدامها. فالكمية الكبيرة من مخزون الطاقة العالمية توجد في مناطق متأثّرة بالتغيّرات المناخية، وكيفية ضبط هذه الموارد ومراقبتها، سيزيد من حدّة الصراعات بين البلدان، ما يشكل عاملاً إضافيًا لعدم الاستقرار. ويُعدّ النفط المورد الطبيعي الأول والأثمن في الحضارة العصرية. ويضم العالم العربي، بفعل الجغرافيا، نصف احتياطي النفط العالمي المثبت وجوده على الأقل. فقد ثبت في بعض البلدان أن الثروة النفطية تشكّل عائقًا. فمن شأن الثروة االتي تدرها عائدات النفط أن تقوّض الحكم الرشيد من خلال إثارة الفساد والمجازفات والنزاعات العنيفة. إلى جانب خطر النزاع العنيف، يقوّض الحكم السيئ في بعض الدول المنتجة للنفط الإدارة المستدامة للبيئة، وبالتالي فإن العمليات النفطية الكبيرة عرضة لترك وقع بيئي سلبي في حال لم توضع لها قيود. مثال على ذلك السودان، إذ على الرغم من إلزامية إجراء تقييم للأثر البيئي بموجب القوانين السودانية، فإن هذا التقييم لا يجري عمليًا. لذلك فإن إخفاق صناعة النفط في دمج الاعتبارات البيئية في مشاريعها وأثر المياه المنتجة غير المعالجة في المراعي بصورة أساسية، أثارا استياء المجتمعات المحلية، ولا سيما سكان جنوب السودان غير العرب. وقد أدى سوء الأداء البيئي لصناعة النفط، مقرونًا بتزايد الخلافات حول تشاطر العائدات، إلى تفاقم الصراع حول النفط في السودان.

 

«ولا بد من الإشارة أيضًا إلى أن غياب حسن الإدارة البيئية أو عدم ملاءمتها يمكن أيضًا أن يكون مصدرًا كامنًا للنزاع على مشاريع أخرى خاصة بالبنى التحتية. وفي هذا الإطار، شكلت عملية بناء سد مروي الضخم وغيره من السدود المخطّط لها في شمال السودان مصدرًا للتوتر الذي تحوّل في أكثر من مناسبة إلى مواجهات عنيفة. في الوقت عينه، وضع التنافس الدولي على موارد النفط العالم العربي على مفترق نزاع عالمي حول الموارد.

 

ويمكن القول أنه من الدوافع وراء حرب الخليج الأخيرة العام 2003، هو جزئيًا الرغبة في ضمان تدفق النفط في المنطقة. كما تدور الشكوك حول كون الصراع الدولي على دارفور يعود إلى حدٍّ ما إلى التنافس على مصادر الطاقة. وعلى الصعيد الوطني، فإن التنافس على عائدات النفط يغذي النزاع ويطيله. في السودان، إن التنافس بين الشمال والجنوب على امتلاك احتياط النفط كان قوة دافعة عزّزت الصراع. كما أن النزاع حول تقاسم الثروة النفطية ساهم في تفاقم العنف الطائفي في العراق»[17]. وأشار بعض الخبراء الاستراتيجيين إلى أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية قد أصبحت، بعد إقرار مبدأ الحرب الاستباقية، كإحدى دعائم الاستراتيجية الأميركية للقرن الحادي والعشرين، وشملت أيضًا العمل على توسيع الوجود العسكري الأميركي في العالم الذي بلغ نصف مليون جندي. ثم الإعلان أخيرًا عن مشروع فرض الوصاية على منظمة «أوبك» من خلال إقرار الكونغرس الأميركي القانون المعروف اختصارًا بإسم «النوبك الأميركي» الذي يهدف إلى التحكّم في النفط العالمي. وتزداد هذه المخاطر بدخول فاعلين دوليين جدد الصين والهند إلى جانب الاتحاد الأوروبي وروسيا ساحة التنافس على النفط العالمي، وخصوصًا العربي والخليجي منه، وهو ما أدى إلى تزايد الطلب على النفط بصورة كبيرة.

 

وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة إلى أنه العامين 2004 و2005 وصلت الحاجة العالمية للنفط إلى حوالى 82 مليون برميل. وسترتفع العام 2010 إلى 90 مليون برميل، ثم إلى 120 مليون برميل العام 2030 تذهب معظمها إلى البلدان الرأسمالية. وفي وضع يشهد ضعفًا في إمكانات الإنتاج، ونضوب النفط في الكثير من مناطق إنتاجه حول العالم، باستثناء منطقة الشرق الأوسط التي تُعدّ الخزان القابل للزيادة، إذ تفيد التقديرات أنه يوجد في الخليج حوالى 84 % من الاحتياطات النفطية المؤكدة، تتركّز المخاطر التي تهدّد أمن الطاقة في منطقة الشرق الأوسط. وهو ما يؤثر سلبًا في اقتصاديات الدول المتطورة أسيرة التطورات التي تشهدها أسواق النفط، ما يدفع إلى التساؤل عن آليات تأمين النفط في المنطقة. ولا بد من التعرّف إلى هذه المخاطر التي تهدّد العالم. ومن المحتمل في قارة أميركا أن تشتعل الصراعات نتيجة ارتفاع أسعار النفط بسبب الوضع السياسي غير المستقرّ في منطقة الدائرة النفطية ما بين بحر قزوين ومنطقة الخليج. إضافة إلى احتمال تفاقم أزمة النفط إذا ما تصاعدت حدة النزاع بين دول الاتحاد الأوروبي والدول المصدّرة للنفط (أوبك) بسبب إصرار أوروبا على دفع دول منظمة «أوبك» تعويضات نتيجة الخسائر الناجمة عن احتراق النفط[18]. وتتعدّد المخاطر التي تهدّد النفط العربي ما بين مخاطر داخلية نابعة من التطورات داخل دول العالم العربي، ومخاطر خارجية نابعة من الصراع الدولي على امتلاك مصادر الطاقة التي تتركّز في هذه المنطقة، وهناك نوع ثالث من المخاطر ناتج من قرب نضوب النفط.

 

أ- المخاطر الداخلية لأمن الطاقة العربي

أشار بعض خبراء الإقتصاد إلى أنه من المتوقّع أن يتفاقم النمو المتزايد في استهلاك الطاقة في الدول العربية في إبان العقود الأولى من القرن الحالي. ويمثل النفط والغاز الطبيعي 97 % من استهلاك الطاقة في الدول العربية. وقد أدى تزايد معدلات النمو السكاني، بنسبة 4,2 % سنويًا طوال الأعوام العشرين الماضية (1985-2005) واقترانها بزيادة في الدخل القومي بلغت في الفترة نفسها 2,4 %، إلى ارتفاع متوسط استهلاك الفرد من النفط من 3,7 براميل العام 1985 إلى 9,8 برميل العام 2000، ثم إلى 8,9 براميل نفط العام 2005، أي بمعدل نمو سنوي بلغ 3,1 %. ويتوقع ارتفاع متوسط استهلاك الفرد من الطاقة في الدول العربية ليصل إلى 8,12 برميلاً العام 2020، أي بزيادة سنوية قدرها 1,2 %. وبالنسبة إلى الغاز فقد تزايدت معدلات استهلاكه هو الآخر، إذ زاد الاستهلاك أكثر من ضعفين في الفترة 1985 - 2005 وبزيادة سنوية بلغت 7,5 % . ومن المتوقع أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي في الدول العربية إلى 4,6 ملايين برميل العام 2020 مقارنة بـ 3,3 ملايين العام 2005، أي بزيادة تبلغ نسبتها 4,4 % سنويًا. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التوقعات والمؤشرات عن اقتراب موعد نضوب النفط في المنطقة العربية، فإن الأمر سيكون أكثر سوءًا في المستقبل، وهو ما يتطلّب ضرورة السعي لتقنين الاستهلاك والبحث عن مصادر طاقة بديلة[19].

 

ب- المخاطر الخارجية في المنطقة

تتمثل المخاطر الخارجية في الصراع الدولي على السيطرة على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، وتتجلى مؤشرات هذا الصراع في القانون «النوبك» الأميركي[20]، التنافس الدولي على نفط المنطقة والصراع الغربي الإيراني وتأثيره في تدفقات النفط.

 

ج- مخاطر طبيعية

يتعلّق النوع الثالث من المخاطر بطبيعة النفط ذاته كمادة قابلة للنضوب وغير متجددة. وتشير التوقعات إلى أن عصر النفط، الذي يشكّل أكثر من ثلث الطاقة المستخدمة في العالم، قد أوشك على الأفول في غضون أقل من نصف قرن بعدما أحرق العالم تريليون برميل من إجمالي تريليوني برميل. وتتأكد هذه التوقعات في ظل عجز الجهود الدولية عن اكتشاف مزيد من الحقول الجديدة أو وقف الإفراط المتصاعد في استهلاكه. وفق معطيات التقرير الثاني للأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوبك» للعام 2005/2006، فإن العالم يمتلك مصادر بترولية مؤكدة لا تزيد عن 1266 مليار برميل نفط، وإن الاحتياطي العالمي القابل للاستخراج من النفط يقع في حدود 1131.6 مليار برميل العام 2005 يمتلك العرب منه نظريًا 667.4 مليار برميل. كما أنه، وفق التقرير، فإن احتياطي الغاز الطبيعي يبلغ حوالى 181.8 تريليون متر مكعب، يوجد منها 29.3 % في الأراضي العربية. وإذا أخذنا في الاعتبار أن معدل إجمالي الإمدادات النفطية العالمية قد بلغ عند نهاية العام 2005 هو84.3 مليون برميل يوميًا، ساهمت دول أوبك بحوالى 34.1 مليون برميل منها، فإن هناك حاجة ملحة لتأمين مصادر الطاقة العربية، وخصوصًا في ظل المخاطر التي تتهددها. وفي هذا الإطار، لا بد من تنشيط الآليات العربية لتحقيق هذه الحماية ولا سيما (منظمة أوبك) من خلال وضع سياسات مشتركة لتنمية عملية التصنيع العربي للنفط والغاز الطبيعي، لتعزيز الموقف التفاوضي العربي في سوق النفط والغاز الدولية، ومواجهة الضغوط الأميركية والأوروبية لسياسة التسعير المزدوج للغاز الطبيعي أو نظم الضرائب المفروضة على واردات النفط والغاز لأوروبا وأميركا.

 

كذلك يجب العمل على تعزيز التعاون العربي مع الدول المنتجة في المناطق الأخرى من العالم كبحر قزوين، والسعي لإقامة شراكة عربية روسية في مجال النفط والغاز للعمل على إمداداته بأسعارٍ معقولة. كما يتعيّن على الدول العربية والخليجية البحث عن برامج للتطوير والتنمية لتنويع اقتصادياتها، وبالتالي مصادر دخلها وعدم الانتظار إلى نفاد النفط، وذلك من خلال تبني الحكومات العربية سياسة النهوض بالبنية الأساسية التي تمثّل ضرورة ملحّة لعملية التنمية. وكذلك العمل على الربط بين العملية التعليمية ومتطلبات سوق العمل وتطوير الأبنية التعليمية وإعداد المعلمين وتدريبهم، والتوسّع في التعليم الفني والصناعي والتجاري، بهدف تلبية احتياجات التنمية. ومع ارتفاع معدلات البطالة العربية، لا بد من العمل على الاهتمام بإصلاح سوق العمل العربية من خلال تنفيذ برامج تدريبية لتأهيل المهارات البشرية ورفعها، وتقديم إصلاحات سياسية واقتصادية تعمل على توفير البيئة الملائمة لتشجيع القطاعات غير النفطية، من خلال تعزيز الانفتاح الاقتصادي وتطوير الجاذبية للاستثمار الأجنبي وفق حاجات الدول الأساسية[21].

 

د- نماذج عن حروب الطاقة ونزاعاتها في العالم

 

1- غزو العراق

يرى بعض الباحثين وخبراء الاقتصاد، صلة وثيقة بين رفض الإدارة الأميركية المصادقة على بروتوكول كيوتو الذي يرمي الى السيطرة على انبعاث الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري باتجاه تخفيضه، وبين الحرب على العراق. إذ يضعون تلك الأخيرة في سياق الصراع الدولي للسيطرة على آخر ما تبقّى من احتياطات النفط. وما يراد فعليًا هو تمديد حالة الجمود القائمة، وتجنيب الصناعيين الأميركيين توظيف الاستثمارات الضرورية لتخفيض انتشار الغازات. في 26 و27 أيار/مايو 2003، إنعقد مؤتمر «قمة هوبير» في المؤسسة الفرنسية للبترول (IFP) في روي– مالميزون، وقد ورد في ذلك المؤتمر أن الإنتاج العالمي للنفط بدأ بالتراجع على نحوٍ حتمي، ويجب توقّع تحوّلات كبرى على صعيد العالم كله. في ذلك المؤتمر توقّع بعضهم الوصول الى هذا المؤشر مع حلول العام 2020، أما بعضهم الآخر فرأى أنه بات أمرًا واقعًا. وقد أعلن المجتمعون، أن الوصول إلى مؤشر «قمة هوبير» قد تأكد مع حلول العام 2000، إذ إن نصف النفط الأسهل استخراجًا قد تم استهلاكه بالكامل. كما رأوا أن الانقطاع الوشيك للنفط القليل الكلفة، سيؤدّي على الأقل إلى تدهورٍ سريع للإنتاج الزراعي المعتمد على المكننة واستخدام السماد ومبيدات الحشرات ذات التكوين البترولي، ووقوع حروب بين جميع الأمم من أجل الاستحواذ على آخر احتياطات النفط. ويشكّل مؤشر «قمة هوبير»، أي وصول استهلاك النفط إلى حده الأقصى، شاغلاً أساسيًا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وسببًا رئيسًا في الحرب على العراق. فالعراق بات ركيزة الاستراتيجية الأميركية لضمان استمرار النفط الرخيص.

 

ويقدر مخزون النفط الخام بحوالى 112 مليار برميل، أي 12 % من إجمالي احتياطات العالم، ما يجعل من العراق ثاني أكبر بلد من حيث الاحتياطات المؤكدة. ولا تتجاوزه سوى المملكة العربية السعودية التي يبلغ احتياطها 262 مليار برميل أي حوالى ربع احتياطات الكرة الأرضية. وفي التقديرات أنه باستثمارات بقيمة 20 مليار دولار في مجال التنقيب وتطوير الحقول الحالية، يمكن إنتاج العراق من النفط أن يرتفع في غضون خمس سنوات إلى سبعة ملايين برميل يوميًا أي حوالى 10 % من الاستهلاك العالمي. ولا شك في أن زيادة المعروض من النفط ستؤدي إلى انخفاضٍ في أسعاره، وهو بالضبط ما تحتاج إليه الاقتصادات الغربية المتعثرة. هذا الهدف كشفه المستشار الاقتصادي للرئيس الأميركي السابق بوش عندما قال قبل الغزو بنصف عام أنه «حينما يتم تغييرالنظام في العراق سيمكن من إضافة ثلاثة ملايين برميل أخرى يوميًا إلى إنتاج النفط العالمي، وهكذا فالنجاح في هذه الحرب سيكون تطوّرًا إيجابيًا لصالح اقتصادنا»[22].

 

2- النزاع حول نفط قزوين

ومنذ تفكّك الاتحاد السوفياتي، راجت في أوساط صناعة النفط في العالم آمال عن احتياطيات نفطية بالغة الضخامة، ترقد تحت سطح مياه شواطئ بحر قزوين. أدى ذلك الى تغيّرٍ كبيرٍ وعميق في استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية السياسية والعسكرية، بعد أن أصبحت القوة الكبرى الوحيدة في العالم. ركّزت إعادة توزيع قواتها العسكرية ومشاغل سياستها الخارجية على منطقة آسيا الوسطى، المحيطة ببحر قزوين. وقد أصبح صنّاع القرار في موسكو أكثر تشككًا في سياسة الأميركيين. ولدى المحافظين في موسكو شك في أن يكون الهدف الأميركي يتصل أساسًا بتعقّب الإرهابيين في آسيا الوسطى، بل إن الهم الأساسي للولايات المتحدة هو الوصول الى احتياطات الطاقة في بحر قزوين. وعلى الرغم من الكثير من المبالغات في تقديرات هذا الاحتياطي، فإن وزارة الطاقة الأميركية تتوقّع أن يبلغ حوالى 200 مليار برميل.

 

وهذا الاحتياطي هو الذي حوّل الإقليم إلى منطقة صراع نفوذ، حيث تتنافس الولايات المتحدة وبريطانيا في جانب مع روسيا وبلدان الإقليم في جانب آخر، حول الاستيلاء على «الذهب الأسود». وعلى الرغم من استثمار الشركات الغربية عشرات المليارات من الدولارات لإقامة منشآت لإنتاج النفط في الإقليم، تبقى المشكلة الحقيقية أن نفط قزوين وغازه يظلان من دون قيمة ما لم يتم نقلهما. إذ يبعد موقع هذا الإقليم آلاف الأميال عن أي ميناء في البحار العليا يمكن منه شحن الخام إلى أسواق البلدان الصناعية. أي إن بناء خطوط الأنابيب هو جزء أساسي من عملية الإنتاج، ونتج من ذلك وقوع صراعات مسلّحة عديدة في القوقاز وآسيا الوسطى، وفيما لا يلوح في الأفق حل حاسم لتلك المشكلة، لا تزال روسيا تحاول السيطرة على مستعمراتها السابقة من جهة، والتصدي للولايات المتحدة في الإقليم من جهة ثانية. كما أنها تعمل على بناء خطوط أنابيب بحر قزوين عبر أراضيها شمال جبال القوقاز باتجاه ميناء نوفور سيجيك على البحر الأسود. وهذا الوضع هو الأمثل لها لأنه يضمن لها سلطة سياسية وإقتصادية كبيرة على الدول المستقلّة حديثًا في آسيا الوسطى. أما الأميركيون والبريطانيون فيحاولون جعل مسار الأنابيب بعيدًا من متناول روسيا.

 

وفي محاولة من واشنطن لتعزيز استقلال الجمهوريات السوفياتية السابقة عن روسيا، أعلنت تأييدها لبناء خط أنابيب يتحاشى الأراضي الروسية. لكن الولايات المتحدة تعترض في الوقت عينه على مشروع لخط أنابيب يعبر إيران. وهكذا دعمت واشنطن خطط شركة «أونوكال» الأميركية في منتصف التسعينيات لبناء خطين لأنابيب النفط والغاز يبدآن من تركمنستان ويعبران أفغانستان لينتهيا عند ساحل المحيط الهندي. وعلى سبيل تعدّد البدائل، دعمت الولايات المتحدة بناء خط أنابيب لمسافة تربو على الألف ميل يبدأ من باكو عاصمة أذربيجان ويعبر جيورجيا إلى ميناء جيهان التركي على ساحل البحر المتوسط. وقد بدأ في خريف 2002 بناء هذا الخط فعلاً بواسطة كونسورتيوم دولي تقوده شركة «بريتيش بتروليوم». ردًا على ذلك من ناحية، ولتخويف المستثمرين من ناحية ثانية، ضاعفت روسيا جهودها لزرع عدم استقرار سياسي في القوقاز الذي مزقته الحروب، إلا أن الولايات المتحدة إستخدمت حملتها في أفغانستان لتحقيق حضور عسكري قوي في ثلاث من دول آسيا الوسطى كانت منضوية في الماضي في الاتحاد السوفياتي[23].

 

3- الحروب في الدول الغنية بالنفط

تتزايد على نحو مماثل الصراعات الداخلية في مجتمعات البلدان الغنية بالنفط. وقد أدت الثروة النفطية المفاجئة في بلدان مثل نيجيريا وفنزويلا وأنغولا والدول العربية، إلى الفساد والتخلّف الاقتصادي والقهر السياسي والثورات والحروب الأهلية. ويشير بعض المحللين السياسيين إلى حروب أهلية وإقليمية وتوترات إجتماعية في البلدان المنتجة للنفط. وتندرج في هذا الاطار الحرب الدائرة في الشيشان، تلك الجمهورية القوقازية ضمن الاتحاد الروسي التي حصدت ما لا يقل عن أربعين ألف قتيل من الشيشانين عدا عن القتلى من الجنود الروس. ويُعدّ النفط أحد أبرز دوافع روسيا لإبقاء الشيشان ضمن الاتحاد، على الرغم من أنها لا تحتوي على أي نفط، إلا أن 153 كيلومترًا من خط الأنابيب الممتد ما بين نوفوروسيسك في سيبيريا الغنية بالنفط وميناء باكو في جيورجيا على البحر الأسود، تقطع الأراضي الشيشانية. وتتخوّف موسكو من تأثير نجاح المسعى الشيشاني الى الاستقلال، فتنتقل حركة الانفصال إلى أقاليم روسية أخرى في القوقاز، ما يؤدي إلى اضطراب كبير في إمدادات النفط وأسعاره. وعلى أثر نجاح الغزو الأميركي في أفغانستان، في أيار/مايو 2002، وقّعت حكومات كل من باكستان وتركمنستان وأفغانستان إتفاقًا لبناء خط أنابيب يبلغ طوله 1480 كيلومترًا يتجنب المرور من روسيا أو إيران.

 

والعام 1975، إحتلت إندونيسيا إقليم تيمور الشرقية فور انسحاب البرتغاليين منه. إن احتياطي النفط تحت مياه بحر تيمور هو أحد دوافع الاحتلال الرئيسة حتى العام 2002. وقد وقع حوالى 200 ألف من سكان الإقليم ضحية القمع الإندونيسي في سبيل النفط على مدى 27 عامًا[24]. في السودان، تعود الحرب الأهلية التي استغرقت معظم تاريخ السودان منذ استقلاله العام 1956، إلى أسباب عديدة بعضها عرقي أو ديني. إلا أن اكتشاف النفط في المناطق الجنوبية كان السبب الرئيس في الصراع الذي يدور حاليًا. فحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان تتهم الحكومة باتباع تكتيكات «الأرض المحروقة» لإخلاء المنطقة من سكانها تسهيلاً لعمليات التنقيب عن النفط، بينما تتهمها الحكومة بالأمر نفسه بغرض حرمان البلاد مواردها. وقد قضى حوالى مليونين من السودانيين ضحية تلك الحرب. ودخلت أنغولا دائرة الحرب الأهلية منذ استقلالها عن البرتغال في العام 1975، حتى العام 2002. وقد تخوّف النظام الحاكم في جنوب أفريقيا المجاورة والدول الغربية، من أن تنجح الجبهة الشعبية لتحرير أنغولا التي تسلّمت السلطة بعد الاستقلال، في إقامة نموذجٍ مزدهرٍ بقيادة يسارية، إعتمادًا على ثروتها الضخمة من النفط والماس، ما دفع هذه الدول إلى دعم القوى المناوئة. وتسيطر حاليًا ثلاث شركات أميركية: «غلف أويل» و«تكساكو» و«موبيل» على احتياطات أنغولا من النفط[25].

 

وعلى الرغم من أن نيجيريا هي أكبر بلد مصدّرٍ للنفط في إفريقيا، فقد تبدّدت معظم عائداتها منه على مدى السنين، ما بين الفساد الحكومي وسلسلة لا تنتهي من الحروب الأهلية ضمن الصراع على تلك العائدات، وبدعم غير مباشرمن بعض شركات النفط العاملة هناك. وشهدت جمهورية الكونغو الديموقراطية منذ استقلالها عن بلجيكا العام 1960، فترة طويلة من عدم الاستقرار والهدوء. ومن أسباب الحرب الأهلية الرئيسة في هذا البلد، التي أدت إلى فقدان مليونين ونصف مليون من أبنائه منذ العام 1998، ثرواته المعدنية الهائلة، بما فيها النفط. وقد تولّت الاحتكارات الدولية للمعادن تمويل أطرافها وتسليحهم. وتسيطر حاليًا على نفط الكونغو الشركات الأميركية «شيفرون» و«أونوكال» وغيرهما، إلى جانب إئتلاف الشركات الفرنسية «توتال فينا إلف». وفي إطار الحروب من أجل النفط، شهدت غواتيمالا، هذا البلد الصغير في منطقة الكاريبي، حربًا أهلية، إمتدت 36 عامًا من 1960 إلى 1996، وأدّت إلى مقتل حوالى 200 ألف من السكان. وتركّزت الحرب في إقليم «إيزكسكان» الغني بالنفط. «والعام 1956، شنت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل هجومًا مفاجئًا على مصر بذريعة الدفاع عن حقوق المساهمين في «الشركة العالمية لقناة السويس» التي كانت مصر قد أممتها قبل بضعة أشهر. لكن المحللين النفطيين رأوا أن تلك الحرب دارت حول قناة السويس باعتبارها أحد أهم الممرات الحيوية لنقل النفط إلى مستهلكيه في الغرب. وأخيرًا في الكونغو، في أواخر العام 1996، إندلعت حرب أهلية قصيرة حصدت 10 آلآف من الكونغوليين وأطاحت رئيسهم، بسبب التنافس بين شركة النفط الفرنسية «إلف» وشركة «أوكيدنتال» الأميركية[26].

 

4- النزاع على ثروات منطقة القطب الشمالي

أشار علماء البيئة إلى أن القطب الشمالي قد خسر ثلث جليده منذ بدء القياسات بواسطة الأقمار الاصطناعية قبل 30 عامًا. وإذا استمر الذوبان بهذا المعدل المتزايد، يتوقّع العلماء أن يصبح الصيف القطبي خاليًا من الجليد ربما في موعد لا يتجاوز العام [27]2013. وقد ورد في تقرير الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2007، أن الاحترار العالمي يكشف عن ثروة نفطية وحقول غاز طبيعي في حدود دول القطب الشمالي (روسيا والولايات المتحدة والنروج والدنمارك وأيسلندا وكندا)، كانت دائمًا موضع خلاف. لكن هذه الدول لم تحاول حل هذا النزاع بسبب المياه المتجمّدة التي يتعذّر عبورها.

 

وفي ظل المتغيرات المناخية المسببة لذوبان الجليد في القطب الشمالي، لم يعد الوصول إليها بالأمر الصعب، ومن المتوقّع تجدّد التوتر بين تلك البلدان من أجل السباق إلى ثروات المحيط المتجمد الشمالي. هذا وقد بات تغيّر المناخ أولوية أساسية للسياسة الخارجية لحكومات الدول الخمس كندا والدنمارك والنروج وروسيا والولايات المتحدة، المطلّة على المحيط المتجمد الشمالي، إذ أدركت أن تغيّر المناخ قد يسبّب انحسار الجليد وانفتاح فرص الحصول على موارد جديدة وطرق الملاحة البحرية، بالإضافة إلى تضرّر النظم الإيكولوجية. كما أن المجتمعات المحلية في جميع أنحاء المنطقة الشمالية تتعرّض لخطرٍ متزايد على سبل العيش وأنماط الحياة بسبب مشكلة نقص مصادر الطاقة، ما جعل مسألة السيادة على القطب الشمالي من المسائل الأكثر تجاذبًا بين هذه البلدان، وقد تدفعها إلى البحث عن مصادر جديدة للوقود في منطقة القطب الشمالي. وباتت هذه المنطقة موضع نزاع بيئي وسياسي بين البلاد القريبة منها، وذلك بعد اكتشاف ثراء هذه المنطقة بالنفط والمكوّنات المعدنية مع ذوبان الكتل الثلجية نتيجة الانحباس الحراري. ومع ذوبان الجليد أسرع من أي وقت مضى في منطقة القطب الشمالي، ثمة مسألة حيوية، بحسب كثير من الجيولوجيين، تتمحور حول من سيملك حق التنقيب عن الرسوبيات المعدنية الهائلة المحتملة تحت قاع المنطقة القطبية الشمالية التي يقدّر المسح الأميركي الجيولوجي وجود ما يعادل 90 مليار برميل من النفط، وأكثر من 44 مليار برميل من الغاز السائل، بالإضافة إلى ألف و670 ترليون قدم من الغاز الطبيعي في الدائرة القطبية، أي ما يوازي نحو 25 % من النفط والغاز الطبيعي غير المكتشفين في العالم[28]. وثمة مخاوف من أن هذه المسألة المستجدّة قد تمهّد الطريق لنوعٍ جديد من الحرب الباردة، إذ ستشهد هذه المنطقة صراعًا بين دول تسعى إلى السيطرة على هذه الثروات، وهي بالتحديد: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفنلندا وأيسلندا والنروج والسويد والدنمارك وكندا، فكل منها تطل على جزء من مساحة الدائرة القطبية الشمالية، وتطالب بحقها من الاستفادة من ثروات القطب الشمالي وخصوصًا مع انخفاض احتياطي النفط في العالم[29].

 

 

 

الخريطة رقم 1 النزاع حول ثروات المحيط المتجمد الشمالي

 

وترجع أهمية هذه المنطقة أيضًا إلى إمكان ظهور طرق ملاحية جديدة تربط بين آسيا وأميركا، ما يجعل المنطقة ذات موقع استراتيجي يساعد على السفر بأقصر الطرق. ويصعب استخدام هذا الممر حاليًا بسبب تجمده الدائم، لكن العلماء شهدوا ذوبان مساحات كبيرة من الثلج في العام 2007، ويتوقعون إختفاء الثلج في السنوات المقبلة. وعلى غرار قارة القطب الجنوبي، التي يُحرّم فيها القيام بأي إجراءات ذات طبيعة سياسية أو عسكرية، تطبّق في منطقة القطب الشمالي إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي المعنية بتحديد الحق الاقتصادي في الثروة البحرية لكل دولة مطلة على البحر. ووفق هذا القانون، فإن لكل دولة بحرية الحق في الادعاء بالسيادة لمساحة بحرية تمتد إلى 200 ميل بحري أمام سواحلها. وقد يبدأ النزاع حول ثروات المحيط المتجمد الشمالي بإدعاء روسيا الحق في ملكية سلسلة جبال لومونوسوف الضخمة في قاع القطب الشمالي. وقد حذّرت روسيا من أن البنية الدفاعية، بما فيها المطارات ومنشآت تخزين النفط والاحتياطات النفطية الاستراتيجية، قد تتعرّض للتدمير بالكامل في حال ذوبان الجليد الدائم الذي يغطي أقصى شمال روسيا بحلول العام 2030. ويحاول الدنماركيون إثبات أن الجانب التابع لهم من سلسلة الجبال هذه، والمنفصل حاليًا عن جرفهم القاري، كان في ما مضى جزءًا من جزيرة غرينلاند التي تملكها الدنمارك. وفي هذا السياق المحموم، قد تصدّق الولايات المتحدة على اتفاقية الجرف القاري الممتد شمالاً من ألاسكا. وهذه الاتفاقية تحكم أيضًا حقوق الملاحة، التي هي مثار اهتمام كبير اليوم بعد الانفتاح الكامل لـ«الممرّ الشمالي الغربي» للمرة الأولى في صيف 2007. فمع الاحترار العالمي وذوبان الجليد، قد يصبح هذا الممر قناة ملاحة تجارية تقصّر إلى حد كبير مسافة الإبحار بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. وتطالب كندا بحقوق في هذا الممر، الذي يتعرج بين جزر أرخبيلها الشمالي. وفي أيار/مايو 2008، تعهدت الحكومة الكندية تعزيز قدرة القوى المسلّحة الكندية من أجل حماية سيادة المنطقة القطبية الشمالية وأمنها. لكن بلدانًا أخرى، وخصوصًا الولايات المتحدة، تُصر على فتح هذا الممر لحركة الملاحة العالمية، كما هي الحال في ممرات مائية استراتيجية أخرى كالتي في جنوب بحر الصين.

 

وثمة دعوات اليوم للتوصل إلى حل دبلوماسي متعدّد الأطراف لئلا تنزلق منطقة المحيط المتجمد الشمالي إلى نزاع مسلح[30]. ويقول الخبير بالأمن، جون بايك، إن السيطرة على ثروات القطب الشمالي قد تكون في يد الأكثر تأهيلاً من حيث امتلاك أدوات الحفر والتنقيب، وهي روسيا في هذه الحالة، التي تمتلك كسارة متقدمة في تكسير الجليد. ويضطلع الوضع الاقتصادي في العالم بدورٍ رئيس في عملية السيطرة على ثروات القطب، في حال ارتفاع سعر النفط إلى 150 دولارًا للبرميل. وذلك، يحدث تغييرًا في دينامية المنطقة الجيواسترتجية، بحيث تتزايد المنافسة بين الدول الصناعية للوصول إلى مصادر الطاقة. وستنعكس النتائج المرافقة لهذا التنافس، سلبًا على الاستقرار العالمي ومصالح أوروبا الأمنية والاقتصادية. وإن وجود العلم الروسي في القطب الشمالي، خير دليل على تبلور مصالح استراتيجية جديدة في المنطقة. وتفاديًا للنزاعات بين البلدان المجاورة للقطب الشمالي والتي لها مصالح إقتصادية مشتركة، من الضروري تناول مسألة أمن طرق الإمداد وسلامتها في إطار مباحثات متعددة الأطراف[31].

 

2- التغيّر المناخي والصراعات حول الموارد المائية

نظرًا إلى أهمية المياه الاستراتيجية، تُعدّ مسألة الأمن المائي وأهمية الحفاظ على المصادر المائية (المياه الجوفية، مياه الأنهار، المياه المحلاّة، المساقط المائية وغيرها) قضية مهمة في حياة الإنسانية. كما أصبحت الحاجة ملحّة إلى دعم الاستقرار العالمي على جميع الصعد العلمية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية. لقد قدّرت إحصاءات الأمم المتحدة أن الاحتياجات المائية العالمية ستفوق 9,0 مليار دولار في العقود القليلة المقبلة. وتفيد الدراسات الحديثة أن الصراع على المياه سيكون رئيسًا في العقود المقبلة وقد ينشأ عن ذلك خلافات أو توترات بين الدول المجاورة[32].

 

وتؤكد المصادر العالمية للإحصاء أن الطلب على المياه يزداد سنويًا بمعدلات كبيرة وصلت أخيرًا إلى ثمانية أضعاف مقارنةً بأوائل القرن الماضي. وسيتضاعف هذا الرقم مرتين قبل حلول العام 2050، ما سيؤدي إلى اضطراب مائي في الدول الغنية والفقيرة معًا[33]. يستنتج حاليًا، من جراء التغيّرات المناخية في العديد من المناطق في الكرة الأرضية، إنخفاض في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، شح في المياه، تراجع في المخزون الغذائي ومخزون السمك وتزايد في حدوث الفيضانات. كذلك، بإمكان التغيّرات المناخية تقليل كميات الأمطار الهاطلة سنويًا وإطالة فترة الجفاف، ما يؤدي إلى انخفاض معدل مخزون المياه الصالحة للشرب من 20 إلى 30 % في بعض المناطق. كما يؤدي الجفاف والشح في الأمطار والمياه إلى تراجع في الإنتاج الزراعي، ما يشكّل تهديدًا للأمن الغذائي في البلدان النامية، ويرافق ذلك ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية. كذلك يتسبّب النقص في الموارد المائية في حدوث اضطرابات داخلية بين المواطنين من جهة، والمدنيين والسلطة السياسية من جهة أخرى في البلدان الفقيرة، وخسائر إقتصادية كبيرة حتى في البلدان الصناعية التي تتمتع باقتصادٍ قوي. وتلاحظ هذه المخاطر الأمنية والاقتصادية أيضًا إلى حدٍ كبير في البلدان ذات الكثافة السكانية. وتغذي هذه التغيّرات المناخية عمومًا النزاعات بين الدول حول الموارد المائية.

 

وفي هذا السياق أيضًا، أشار بعض العلماء إلى أن الطلب على مياه الشرب قد تضاعف في العقدين الأخيرين، ومن المتوقّع أن تزداد الحاجة إلى المياه من اليوم حتى العام 2050. وأضاف الخبراء أن الموارد المائية تتضاءل منذ مدة بسبب التغيّرات المناخية، كما أن تلوّث المياه الحلوة والمالحة قد ازداد، وتسرّب الملح إلى طبقات المياه الجوفية[34]. ويؤكّد بعض تقارير برنامج الأمم المتحدة للتنمية، أن ندرة المياه الصالحة للشرب سوف تهدّد ثلث شعوب الأرض حتى العام [35]2025. وبالتالي، من الضروري أن يعتمد الكائن البشري على نحو كامل، على المياه من أجل دوام صحته وحياته. كذلك، سوف تتضاعف الاضطرابات والتوترات الناجمة عن النقص في كمية مياه الشرب، وفي نوعية المياه بسبب تدفّق سماد المراعي والنبات والتلوث الكيميائي. وعلى الرغم من كل هذه المصاعب، فإن المشكلة الرئيسة التي تطرح حاليًا هي وجود أكثر من مليار شخص لا تصلهم مياه الشرب، كما أن نصف سكان الأرض لا يملكون وسائل لتكرير المياه. وبالنتيجة، فإن المياه غير الصحية هي السبب في 80 % من الأمراض والنزاعات الداخلية والإقليمية في البلدان الفقيرة وخصوصًا في القارة الإفريقية[36]. بالإضافة إلى ذلك، فإن ندرة نوعية المياه وتدهورها وتدمير النظام البيئي المائي، سوف تساهم في المستقبل القريب في تهديد التنمية البشرية والاستقرار السياسي في عدد كبير من البلدان في الشرق الأوسط. وستشهد الدول القريبة من مجاري المياه المشتركة وأحواضها أنواعًا جديدة من الاضطرابات والتوترات، ما يبرهن على أهمية المياه على صعيد الأمن البشري كما على صعيد الأمن والسلم الدوليين. كما أدت ظاهرة الإحتباس الحراري وما أحدثته من تغيّر في مناخ كوكب الأرض، وتلوّث مائي، إلى نقصٍ حاد في كميات المياه العذبة في الكثير من مناطق العالم وخصوصًا في الدول النامية والفقيرة، ما يساهم في زعزعة الاستقرار في هذه البلدان. كان للتغير الحاصل في مناخ الكرة الأرضية دور مهم في عدم انتظام معدلات سقوط الأمطار في الكثير من مناطق العالم، إذ ازدادت كميات الأمطار في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية مقابل انخفاض ملحوظ في سقوط الأمطار في الجزء الجنوبي منها.

 

إن استمرار إرتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عن معدلات القرن الماضي، يمكن أن يؤدي في المستقبل القريب إلى نقصٍ في كميات المياه العذبة لأكثر من ملياري نسمة من سكان الأرض وخصوصًا في المناطق المكتظة بالسكان عالميًا مثل الهند والصين. ويتوقّع أن يزداد عدد السكان الذين يعانون نقص المياه العذبة حوالى 200 و300 مليون شخص في غضون العقود القليلة المقبلة إذا استمرت معدلات درجات الحرارة عالميًا بالارتفاع[37]. وبالتالي هناك مجموعة من العوامل تضطلع بدورٍ مهم في تناقص كميات المياه العذبة عالميًا. أولاً: تزايد الحاجة إلى المياه العذبة في الأنشطة الزراعية وتربية الحيوانات من أجل توفير الغذاء الكافي من المنتوجات الغذائية النباتية والحيوانية لمليارات من البشر الذين يعيشون في مختلف بلدان العالم.

 

ثانيًا: تزايد الطلب على المياه العذبة في البلدان النامية والفقيرة نتيجة الزيادة الكبيرة في تعداد السكان في هذه البلدان. تركّز أعداد كبيرة من السكان في المدن الكبيرة، مثل القاهرة ومومباي وجاكارتا وساو باولو، حيث يعيش حوالى ثلثي سكان الكرة الأرضية، يزيد من استهلاك المياه في بعض المناطق من العالم.

 

ثالثًا: زيادة معدلات التلوث المائي، وزيادة ملوحة المياه في الكثير من الأنهار والبحيرات العذبة في البلدان النامية والفقيرة، نتيجة النقص الكبير في شبكات الصرف الصحي ومحطات معالجة المياه قبل إعادتها إلى الأنهار. إن التلوث الحاصل في الكثير من الأنهار، ومنها نهر البنجاب ونهر الفرات، نتيجة تصريف مخلفات الصناعة والزراعة في مياه هذه الأنهار، جعل المياه العذبة فيها غير صالحة للاستهلاك البشري والحيواني والزراعي، ما يفقد الكثير من البلدان مصادر مهمة للمياه العذبة[38].

 

ويُعدّ نقص المياه العذبة من أهم الأسباب التي تؤدي إلى نشوب توترات ونزاعات بين مختلف الدول، وتؤدي في الكثير من الأحيان إلى نشوب حروب بين مختلف البلدان من أجل الحصول على مصادر المياه. إن منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي تهدّدها الحروب على مصادر المياه العذبة. تتنازع كل من سوريا والأردن وإسرائيل وفلسطين على مياه نهري الأردن واليرموك. وتستخدم المياه العذبة في الكثير من الأحيان كعوامل ضغط بغية الحصول على مكتسبات سياسية وإقتصادية، وهي جزء من الصراع بين هذه البلدان. أما في المناطق الأخرى من العالم، فإن هناك الكثير من الصراعات بين الدول على مصادر المياه العذبة وخصوصًا بين البلدان التي تمر بها أنهار مشتركة مثل الصين ولاوس وفيتنام وتايلند التي تتقاسم مياه نهر الميكونغ. كما أن بلدانًا مثل السودان ومصر وإثيوبيا، لا تزال تعاني مشكلات من جراء عدم الاتفاق على تقاسم حصص نهر النيل المائية بين هذه البلدان. كذلك، تتنازع كل من زامبيا وزيمبابوي وموزامبيق على مياه نهر زامبيزي، في حين يهدّد السلام بين كل من الهند وباكستان مشكلة النزاع على نهر البنجاب الذي يغذّي ملايين الهكتارات الزراعية وملايين السكان في كلا البلدين بالمياه العذبة. وتُعد مسألة تقاسم مياه نهري دجلة والفرات بين العراق وسوريا وتركيا من أهم المشكلات التي تهدّد المنطقة، إذا لم يتم الاتفاق على معاهدة دولية عادلة تنصف كل الأطراف وتوفّر المياه العذبة لسكان هذه البلدان. كما أن هناك صراعًا دوليًا بين جمهوريات طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان، وهي من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، على تقاسم مياه نهري سور داريا وأمو داريا. كذلك، يوجد خلاف بين الولايات المتحدة والمكسيك على مياه نهر ريو غراندي، وبين الأرجنتين والبرازيل والباراغواي على تقاسم مياه نهر بارانا المشترك في أميركا الجنوبية.  وتختلف المجر- سلوفاكيا حول محطة غابسيكوفو لتوليد الكهرباء الواقعة على نهر الدانوب، وصربيا كرواتيا بسبب نقص المياه محليًا وتحويلات التلوّث إلى نهري الدانوب والساف.

 

لقد أصبحت مشكلة توفير المياه العذبة للسكان وتقاسم مياه الأنهار المشتركة بين مختلف البلدان قضية مهمة وحساسة باتت تهدّد السلام والاستقرار في الكثير من مناطق العالم وخصوصًا في البلدان النامية والفقيرة التي تعاني، أصلاً، مشكلة نقص المياه العذبة وتضطلع ظاهرة التغيّر المناخي بدورٍ مؤثرًا فيها[39].

 

وذكر بعض العلماء أن التغيّر في مناخ الكرة الأرضية، بسبب الاحتباس الحراري، سيؤجّج الصراعات في أكثر من مكان في العالم، وخصوصًا بين الدول ذات النمو السكاني الكبير، نظرًا إلى ما سيسببه هذا الاحتباس من نقص في موارد المياه، فضلاً عن سوء توزيع موارد المياه وسوء استخدامها. كما توقعوا أن تقع هذه الصراعات في غضون 20 أو 30 سنةً المقبلة، وأن يتركّز معظمها في دول العالم الثالث والقليل منها في دول العالم المتطور، ذلك بعد ان ساهمت المياه في الشرق الأوسط في حرب 1967. ومن بين الدول المرشحة للصراع حول المياه مصر، أثيوبيا، ناميبيا، أنغولا، سوريا، تركيا، الأردن، فلسطين، الصين، الهند وبنغلادش. وفي آسيا ستتعمّق النزاعات الحدودية بين بعض الدول التي تعاني مشكلات المياه؛ وهو ما سيؤدي إلى تطوير الإمكانات العسكرية في بعضها، وتعميق الاتفاقيات حول حماية مصادر الطاقة وامتداداتها مثل النفط والغاز الطبيعي. ومن المتوقّع في أوروبا، أن ينعكس ازدياد الجفاف على شكل صراعات مسلّحة بين دول الاتحاد الأوروبي حول الغذاء وموارد المياه ومشكلات الهجرة؛ وهو ما سيؤدي بدوره إلى فسخ العلاقات الدبلوماسية بينها[40]. أيضًا، أشار مؤتمر اليوم العالمي للمياه في 22 آذار/مارس 2001 إلى أن النزاعات ستزداد حدة بسبب نقص المياه، وأن العطش سيهدّد العالم بكامله في القرن المقبل. ولا يستخدم سكان العالم الستة مليارات حاليًا سوى واحد على مئة ألف من مياه الكوكب التي تمثّل المياه المالحة أو التي يتعذر الوصول إلى 98 % منها. كما أن هذه المياه موزّعة بطريقة غير متساوية على الإطلاق، إذ تتقاسم 23 دولة ثلثي الموارد المائية، فيما يتوزّع الثلث الباقي على نحو غير متوازن على ما تبقى من البلدان.

 

أما الدول المحظوظة فهي البرازيل وكندا والصين وكولومبيا والولايات المتحدة والهند وإندونيسيا وروسيا، إضافةً إلى الأعضاء الخمسة عشر في الاتحاد الأوروبي. ويحذّر التقرير من أن سوء استخدام الأنهار والمياه الجوفية والتلوّث والتبذير وتزايد السكان ونمو المدن الفوضوي، من شأنه أن يجعل الشح الحالي (أقل من 1000 متر مكعب سنويًا للفرد) الذي يطال 250 مليون نسمة في 26 بلدًا، يتحوّل إلى ظمأ هائل يطال ثلثي سكان الأرض بحلول العام 2050. وإلى مشكلات المياه الاجتماعية والصحية، لا بد من إضافة المشكلات الغذائية، إذ تشكّل الزراعات المروية نسبة 40 % من غذاء العالم، وأيضًا المشكلات المناخية إذ تشكّل الفيضانات والسيول، على سبيل المثال، ثلث الكوارث الطبيعية. وهناك أيضًا المشكلات الجيوسياسية، إذ إن ثلثي الأنهار الكبرى والبحيرات في العالم تشترك فيها أكثر من دولة. كذلك المشكلات البيئية، إذ إن نصف الأنهار والمسطحات المائية ملوثة. وأضاف التقرير الذي نشر لمناسبة اليوم العالمي للمياه العام 2001 أن العديد من الحوادث الحدودية المرتبطة بالمياه قد يتحوّل إلى حروب مفتوحة بسبب النقص المتزايد في هذه الثروة الطبيعية الحيوية. وما يغذي هذه النزاعات الأنهر الحدودية أو تلك العابرة للحدود، وكذلك الآبار الجوفية المشتركة التي ترفض الدول تقاسمها. وأشار التقرير أيضًا إلى أن 15 % من بلدان العالم تتلقى أكثر من 50 % من مياهها من دول أخرى، وإثنين من أصل ثلاثة من الأنهار الكبرى أو الآبار الجوفية، أي أكثر من 300 نهر في العالم، يتم تقاسمها بين عدة دول[41]. ورأت مؤسسة الاستشارات الدولية «برايس-ووترهاوس-كوبرز» أن النزاعات ستزداد حدةً بسبب نقص المياه الذي يتوقّع أن يطال «قرابة الثلثين من سكان العالم العام 2050. أما المناطق الأكثر عرضةً للتهديد فهي الشرق الأوسط. وأضافت المؤسسة أن أكثر من 11 منطقة في العالم، وردت أعلاه، تشكّل موضع خلاف حول المياه قابلاً لأن يتحوّل إلى نزاع[42].

 

لذلك إعتمد برنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD) مبدأ التعاون والتنسيق والحوار بين البلدان ذات الموارد المائية المشتركة لتفادي المخاطر والنزاعات. وفي هذا السياق، نجحت جهود برنامج الأمم المتحدة للتنمية في تشجيع 36 دولة على إبرام إتفاقات حول إدارة الأحواض المائية المشتركة بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والوطنية. وخير مثالٍ على ذلك، لجنة ميكونغ، مشروع حوض النيل وحوض النيجر. وتوسع دور برنامج الأمم المتحدة للتنمية في المضمار ذاته ليطال أيضًا منطقة آسيا الوسطى، بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المتخصصة، بحيث تم التنسيق بين حكومات دول المنطقة من أجل إدارة مصادر المياه[43].

 

وعلى الرغم من تلك الإجراءات المتخذة، لا يوجد استراتيجية عالمية موحدة فعالة لمعالجة مخاطر مسألة المياه. لذلك على المجتمع العالمي، وتحديدًا المنظمات الدولية والمنظمات الإقليمية والمنظمات الدولية غير الحكومية، مضاعفة الجهود ووضع خطة عملية للوصول إلى حل دائم للمشكلات المتعلقة بإدارة المياه. وأيضًا، من الضروري تجنب أن يصبح هذا المورد الطبيعي مصدرًا للنزاعات الداخلية والإقليمية في القرن الحادي والعشرين أوعائقًا للتنمية البشرية والنمو الاقتصادي، وذلك من خلال قيام «بنك دولي للمياه» يهتم بمشاريع المياه في العالم ويموّلها ويرشدها[44].

 

ثالثًًا: العوامل البيئية والاستقرارالعالمي

ترتبط أسباب النزاعات في البلدان الفقيرة بعوامل بيئية، إلى جانب الدوافع الاجتماعية وغيرها. ويشير بعض الباحثين إلى تأثر خمسة عوامل بالمتغيرات البيئية، التي تشكّل مصدرًا خطيرًا لعدم الاستقرار المحلي والإقليمي والدولي. فالتزايد السكاني، والمستوى المعيشي، والتنمية المستدامة، وتضرّر النظام الإيكولوجي، والتدهور البيئي، والتغيير المناخي والمياه اللذان تم تناولهما في هذا المبحث، تؤدي إلى تفاقم العنف والاضطرابات الداخلية والإقليمية كما تهدد الأمن العالمي[45].

 

اـ التزايد السكاني

أشارت الإحصاءات الدولية إلى أن عدد سكان العالم، في بداية الثورة الصناعية، وصل إلى مليار نسمة. وقد تخطى العدد 2 مليار نسمة العام 1930. أما في بداية القرن الحالي، فتشير هذه الإحصاءات إلى أن العدد تخطى 6 مليارات نسمة. ومن المتوقع، في منتصف هذا القرن، أن يصبح عدد السكان بين 8 و10 مليارات نسمة. هذا التغيير الديمغرافي جعل أكثر من نصف السكان يعيشون في المدن حيث تتوافر إجمالًا الموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية للدول الصناعية والدول في طور النمو. ويقدّر أن تتزايد الهجرة الداخلية إلى المدن كل سنة التي تستوعب أكثر فأكثرالمصانع والمراكز التجارية والتكنولوجيا المتطورة. ففي غضون ثلاثين سنة، سيعيش أكثر من 65 % من السكان في المدن. وبالتالي يؤدّي هذا التزايد الكبير للزحف السكاني من الريف إلى المدينة، بالإضافة إلى تداعيات الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي، إلى اضطرابات داخلية في غالبية البلدان الفقيرة على الكرة الأرضية. فالنمو السكاني الكبير في مدن تلك الدول يساهم في إيجاد خلل في التوازن الداخلي، ما يسبّب توترات قوية حول كيفية توزيع الثروات والسيطرة عليها[46]. كذلك، ينتج من ازدحام المدن بالسكان حالات نزاعية ناجمة عن التفكّك الاجتماعي والإثني والاقتصادي والبيئي، أو من كوارث طبيعية وكوارث إنسانية مرتبطة بسوء التغذية والأوبئة. فالأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان معرّضة للأمراض، وللنقص في مياه الشرب والعناية الصحية والمساكن اللائقة والبيئة النظيفة. هذا الواقع المأسوي الناجم عن العامل الديمغرافي يشكّل أحد الأسباب الرئيسة للأزمات والحروب الداخلية والإقليمية في الدول الفقيرة. وما تشهده القارة الإفريقية من اضطرابات ونزاعات خير دليل على ذلك. وأيضًا، من الممكن جدًا أن يولّد عامل التزايد السكاني في مختلف البلدان المتطورة في أنحاء العالم أعمال العنف والإرهاب، وهذا ما يحصل حاليًا في معظم عواصم الدول الصناعية[47].

 

2- تدني المستوى المعيشي والتنمية البشرية المستدامة للدول

يُعد الاكتفاء الذاتي الغذائي وتوفير نظام الضمان الصحي والبيئي والتعليم والشؤون الاجتماعية والاستفادة من التكنولوجيا المتطوّرة، من الركائز الأساسية لتحديد مستوى الحياة في البلدان. بمعنى آخر إن التنمية البشرية المستدامة، بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، تحدّد مستوى رفاه الإنسان الاجتماعي، ويساهم غيابها في زعزعة الاستقرار. عمومًا، إن إنتاج الغذاء في العالم لم يتبع نمط عدد السكان المتزايد، لذلك يفوق عدد الأشخاص الذين يعانون سوء تغذية المليار نسمة. إن النقص في الموارد الغذائية ينعكس سلبًا على نمو حاجات البشر، ما ينتج منه المزيد من التحديات والنزاعات. فالمشكلة الكبيرة تكمن في نظام توزيع الغذاء على المحتاجين. والتوزيع غير العادل للموارد الغذائية والأخطار البيئية سوف يزدادان في القرن الحالي ويؤديان إلى زعزعة الاستقرارفي البلدان الفقيرة[48].

 

كذلك تتفاقم في هذه الدول المخاطر الصحية والمشاكل الاجتماعية والبيئية وازدياد الأمية والتخلّف، بسبب ضعف الإمكانات المتوافرة من أجل تأمين حاجات شعوبها الأساسية. يضاف إلى ذلك، عدم التزام الدول الغنية تقديم المساعدت المالية ونقل التكنولوجيا المتطوّرة إلى تلك البلدان. لذا، لا يقتصر تأثير التحديات البيئية والأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية على أمن الأشخاص وحسب، بل يطال على نحوٍ رئيس إستقرار الدول. وتُعد هذه المخاطر العالمية الجديدة أيضًا عوامل مهدّدة للأمن العالمي. لذلك، تقتضي الضرورة إجراء تعديل جذري في طرق المعالجة للحدّ من تلك التهديدات. إن التغيير الحقيقي يقوم على عدم حصر الإجراءات المتخذة للحد من المخاطر الأمنية التي تهدّد إستقرار الدولة وأمنها فقط، بل الانتقال إلى الأمن المركّز على إدارة المشكلات الاجتماعية والبيئية في حياة الأشخاص اليومية. إن توليد العنف ليس نتيجة عوامل سياسية فقط، إنما من الممكن أن يكون ناجمًا أيضًا عن عوامل مناخية أو بيئية تخرج جزئيًا عن مسؤولية الأعمال الإنسانية أو النظام الاقتصادي العالمي. كما يجب الأخذ بعين الإعتبار، أن النزاعات يمكن أن تكون أيضًا نتيجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية[49].

 

وفي هذا السياق، يرى وزير الخارجية الكندي السابق Liyod Axworthy أن مسؤولية إستقرار البلدان الفقيرة تقع على عاتق الحكومات بتأمين مطالب الشعب الاجتماعية والبيئية. كما أن بعض الدراسات قد تبنّت نظرية تأثير العوامل غير العسكريّة، كالفقر والنقص في المياه بسبب الجفاف والهجرة البيئية، في استقرار الدولة، البناء الوطني والشرعية السياسيّة، ولا سيما في الدراسات الخاصة بدول العالم الثالث، التي أظهرت تأثير العوامل البيئية والاجتماعية في الاستقرار والسلام بين الدول المتقدّمة والدول النامية. فالتهديدات لأمن الأخيرة تأتي، أساسًا، من المناطق المحيطة بها، إن لم تأت من داخل هذه الدول نفسها. وهذا نتيجة ضعف الموارد الطبيعية في البلدان الفقيرة في تحقيق التنمية للمواطنين، وعجز في شرعية الأنظمة، ما يؤدي إلى مشكلات أمنية واضطرابات داخلية للدولة التي غالبًا ما تتحوّل إلى صراعات مع الجوار[50].

 

وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره في 21 آذار/مارس 2005 حول برنامجه الإصلاحي للمنظّمة الدوليّة إلى أن «لا تنمية من دون أمن، ولا أمن من دون تنمية وما من دولة تستطيع أن تقف بمفردها تمامًا في تحديات عالم اليوم[51]. وخير مثال على ذلك، ما يشهده العالم العربي من ثورات شعبية، وخصوصًا في تونس ومصر وليبيا واليمن والأردن والبحرين والجزائر، تطالب بإسقاط الأنظمة الدكتاتورية والملكية التي لا تعالج المشكلات الاجتماعية والبيئية لشعوبها. فالمجتمع العالمي يتقاسم المسؤولية عن أمن البلدان وتنميتها. إن كل هذه المعطيات تشير إلى تدني المستوى المعيشي في الدول الأكثر فقرًا، ما يؤدي إلى تنامي الحركات الأصولية والمتطرّفة التي تشكّل عاملاً رئيسًا في تهديد الاستقرار الداخلي لهذه البلدان»[52].

 

3- تضرّر النظام الإيكولوجي والتدهور البيئي

أشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة /المكتب الإقليمي لغرب آسيا في 22 أيار/مايو2008، في اليوم العالمي للتنوّع البيولوجي، تحت شعار «الزراعة والتنوّع البيولوجي»، إلى أهمية التنوّع البيولوجي على كوكب الأرض. كما حذَّر من الفقدان الهائل للموارد البيولوجية وانقراض العديد من الأنواع والأصناف التي لا تعوّض، بوتيرة غير مسبوقة في تاريخ البشرية. فطوال الخمسين عامًا الماضية بدّل البشر النظم البيئية على نحوٍ أسرع وأكبر من أي وقت مضى. ومما يزيد الوضع سوءًا زيادة عدد سكان العالم المتوقعة، والتي قد تصل إلى 50 % بحلول العام 2050، ما قد يؤدي إلى انتشار مزيد من الجوع وسوء التغذية والفقر والمرض والصراعات على أنواعها[53].

 

كما أكّد بعض خبراء البيئة على أهمية الحفاظ على التنوّع البيولوجي لما له من منافع طبيعية. وبالتالي، يجب حماية الغابات لأنها تمتص ثاني أوكسيد الكربون، ومنع تلوث البحار والمحيطات، من أجل الحفاظ على الثروة السمكية. كما ينبغي عدم تلوث المياه والتربة منعًا لتضرر الكائنات الحية والمحاصيل الزراعية. وأشاروا أيضًا إلى تدهور النظام الإيكولوجي بنسبة 1/3 في السنوات الثلاثين الأخيرة، بينما الأضرار التي لحقت بالأنظمة البيئية والناجمة عن الأنشطة البشرية، إرتفعت بنسبة 50 % [54]. وقد أدت أعمال الإنسان والكوارث الطبيعية إلى تدمير عدد كبير من الأصناف الحية والضرورية لسد حاجات البشر الأساسية. فالنقص في التنوّع البيولوجي يشكّل تهديدًا للأمن الغذائي والأمن الصحي، من جراء تضاؤل الموارد الزراعية والنباتية التي تستخدم في صناعة الأدوية. ومن المؤكّد أن الشعوب الأكثر فقرًا ستتأثر سلبًا بسبب تدهور النظام البيئي ونقص التنوّع الإحيائي البحري والساحلي والتنوّع الإحيائي الزراعي والحرجي. وبالنتيجة، إن الضرر في الأنظمة الإيكولوجية سيولّد توترات ومشاكل في البلدان الفقيرة نظرًا إلى ضعف قدراتها وإمكاناتها لمواجهة هذه التحديات البيئية. ولا بد من الإشارة إلى أن نسبة 90 % من النزاعات الحالية تطال 30 % من الدول الفقيرة ذات النظام البيئي الأكثر تضررًا وتدهورًا. كما أن تصريف المواد الخطيرة والسامة ونقلها إلى بعض الدول، هو من الأعمال غير المشروعة ويشكّل مصدرًا رئيسًا للنزاعات الإقليمية. وقد ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2003 حول تجنب النزاعات العسكرية، أنه على المجتمع الدولي التنبه بشدة للتهديدات الناجمة عن تدهور النظام الأيكولوجي الذي يعد من الأسباب الرئيسة لهذه النزاعات. إن تضرر الأنظمة البيئية يؤدي إلى تزايد التوترات بين الدول في العالم. وفي إطار مواجهة التحديات البيئية وتأثيرها في الأمن والسلم الدوليين، إعتمد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE) سياسة وقائية تقوم على تأمين الحماية والإدارة السليمة للنظام الإيكولوجي، مع إعادة تقييم للأنشطة الإنسانية وتأثيرها في الكرة الأرضية.

 

تشكّل هذه السياسة، التي ترتكز على التعاون بين المنظمات الدولية والمنظمات الإقليمية والمجتع المدني، الوسيلة الفضلى لتحقيق السلام والأمن في المستقبل[55]. وبالتالي، أجرى الـ PNUE العام 2002 تقييمًا للوضع البيئي في أفغانستان، ومن ثم نفّذ مشروعًا حول البيئة والأمن، تضمن تقوية إمكانات مؤسسات الدولة وقدراتها وتزويدها الوسائل التقنية اللازمة لمواجهة المخاطر الناجمة عن تدهور الأنظمة الإيكولوجية التي تؤدي إلى تهديد الاستقرار السياسي. كذلك، واجهت بلدان عديدة في أفريقيا التحديات ذاتها التي عانتها أفغانستان. على سبيل المثال، أدت الحروب الداخلية في السودان وخصوصًا في دارفور وجنوب البلاد إلى تضرّر النظام البيئي، ما دفع الـ PNUE إلى تنفيذ مشروع خاص بالسودان، بالتعاون مع الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، بهدف إصلاح القطاع البيئي والحفاظ على الاستقرار في البلاد. العام 2003، عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE) جاهدًا، بالتعاون مع المنظمة الأوروبية للتنمية والأمن (OSCE)، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD)، والحلف الأطلسي (OTAN) من أجل مساعدة بلدان آسيا الوسطى، والقوقاز والجنوب الشرقي من أوروبا، على تخطي المشكلات البيئية التي تسّبب النزاعات الداخلية والإقليمية. كما تعاون برنامج الأمم المتحدة للبيئة مع بعض الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، للتخفيف من حدة التوترات الناجمة عن تضرر النظام الإيكولوجي والمنافسة بين الدول للحصول على الموارد الطبيعية وذلك في المناطق التالية: أبخازيا، أوسيتيا الجنوبية، ناغورنو- كاراباخ، والمناطق المجاورة لأذربجيان.

 

كذلك يعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة منذ العام 2003 على إعادة ترميم البنية التحتية للأنظمة الإيكولوجية في العراق. فتم فتح العديد من المكاتب بهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتأمين إدارة سليمة وعادلة للثروات الطبيعية، ومعالجة المشكلات البيئية، تجنبًا للنزاعات بين مختلف القوميات في البلاد، ومن أجل حماية الاستقرار السياسي[56]. ومنذ العام 2004 قدم PNUE المساعدة التقنية للحكومة العراقية للحصول على مياه صالحة للشرب ونظام غذائي سليم وبنية وتمديدات صحية جيدة. كما قدم، في سياق حماية النظام البيئي العام 2005، الوسائل التقنية للسلطة الفلسطنية، وأنشأ مشاغل عديدة لمعالجة مشكلة النفايات. وأنجز PNUE أيضًا دراسته حول البيئة والأمن في نهاية العام 2005، وقد تضمنت 40 مشروعًا في أوروبا الشرقية (مولدوفيا، أوكرانيا، بيلاروسيا) وذلك بالتعاون مع الحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية. وساهمت ورقة العمل هذه في تمتين الثقة، وتسهيل الحوار بين مختلف الجمعيات الإثنية والقومية في تلك البلدان، لمعالجة جميع المشكلات البيئية المشتركة. وفي أيار/مايو 2005 عقد مؤتمر في رومانيا، بمبادرة من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، حول تقليص الأخطار البيئية والأمنية الناجمة عن استثمار المناجم في أوروبا الشرقية والجنوبية وفي حوض تيسزا، وصدر عنه إعلان كلوج. وقد شدد هذا الإعلان على ضرورة التعاون والتنسيق على جميع المستويات، من أجل تقييم المشاكل البيئية وإزالتها. وهي تشكّل مصدرًا للصراعات الإقليمية[57].

في ظل هذا الواقع البيئي المتفاقم في العالم، فالمشاكل البيئية أصبحت تطال الإنسان في الدول النامية والدول المتقدمة على حد سواء، وتساهم في تهديد الاستقرار في هذه البلدان، وكذلك الأمن والسلم الدوليين، هل بات من الضروري إعلان حالة طوارىء بيئية إقليميًا وعالميًا من أجل معالجة الأخطار البيئية بفعاليّة وجدّية، قبل أن تقضي بصورة نهائية على الإنسان والطبيعة؟

 


[1]-     General Vincent Desportes, «La Guerre Probable», Economica, 2° Edition, Paris, 2008, p. 25.

 

[2]-    Nils Petter Gleditsch, Ragnhild Nordas, and Idean Salehyan, «Climate Change and Conflict: The Migration Link», CWC Working Paper Series, May 2007, p. 125- 135.

 

[3]-    Hauge Wenche &Tanja Ellingsen, «Beyond Environmental Scarcity: Causal Pathways to Conflict», Journal of Peace Research , 1998, p. 299–317.

 

[4]-    Voir le document établi par le Haut Représentant et la Commission Européenne, «Changements Climatiques. Sécurité Internationale» , Bruxelles, 14 mars 2008, p. 7.

 

[5]-    Tanja Ellingsen and Wenche Hauge, «Refugee Flows and the Spread of Civil War», International Organization 60, No. 2, 2006, p. 360-366.

 

[6]-    Suhrke Astri, «Environmental Degradation, Migration, and the Potentiel for Violent Conflict», Edition Dordrecht: Kluwer Academic, 1997, p. 96-99.

 

[7]-    Nils Petter Gleditsch, Ragnhild Nordas and Idean salehyan, «Climate Change and Conflict: The Migration Link», CWC Working Paper Series, May 2007, p. 162-170.

 

[8]-    Thomas,Homer-Dixon, «On the Threshold: Environmental Changes as Causes of Acute Conflict», International Security, 2000, Vol. 16, No. 2, p. 76-80.

 

[9]-    Shada Islam, «Europe: Crises of Identity», International Peace Academy, New York, March 2007, p. 132-134.

 

[10]-  Shada Islam, «Europe: Crises of Identity», Op. cit, p. 136-140.

 

[11]-  Thomas,Homer-Dixon, «On the Threshold: Environmental Changes as Causes of Acute Conflict», Op. cit., p. 82-86.

 

[12]-  Suhrke Astri, , «Environmental Degradation, Migration, and the Potential for Violent Conflict», Op. cit., p. 120-132.

 

[13]-    راجع تقرير برنامج الأمم المتحدة للببئة، نيروبي، آذار 2009.

 

[14]-  Programme des Nations Unies pour l’environnement (PNUE), 24 Septembre 2008, New York, Nations Unies, p. 22- 24.

 

[15]-  Philippe Le Billon, «Natural Resources and Armed Conflicts», United Nations Headquarters, Vol. 5, Issue 2, New York, June 2007.

 

[16]-    برتو حسن، «من السودان إلى العراق ولبنان وفلسطين الآثار البيئية للحروب والنزاعات»، مجلة البيئة والتنمية، المجلد 14، العدد 131، 9 شباط/فبراير 2009، ص. 18.

 

[17]-    حسن برتو، «من السودان إلى العراق ولبنان وفلسطين الآثار البيئية للحروب والنزاعات»، مرجع سبق ذكره، ص. 19Ü 20.

 

[18]-  See Independent News paper, «Oil War», London, 2006.

 

[19]-    راجع تقرير «النظرة الاقتصادية الإقليمية: الشرق الأوسط آسيا»، أيلول/سبتمبر 2006 الصادر عن صندوق النقد الدولي.

 

[20]-    هو القانون الذي وافق عليه أخيرًا مجلس النواب الأميركي ويحمل عنوان (قانون لا تكتلات لإنتاج وتصدير النفط للعام 2007) ويعرف اختصارًا بإسم «النوبك» الذي يعطي الحكومة الأميركية إمكان مقاضاة منظمة «أوبك» والمنظمات المماثلة لها، بدعوى التحكّم في أسعار النفط. وأول الآثار المترتبة على هذا القانون إلغاء حصانة أعضاء «أوبك» السيادية على ثرواتهم النفطية.

 

[21]-  See Report of International Energy Agency (IEA), 2008, Op. cit., p. 9-14.

 

[22]-    بوقرة العربي، «غزو العراق»، مجلة بدائل، العدد الأول، ربيع 2004، ص. 24 Ü 26.

 

[23]-    لوتز كليفمان، «المعركة حول نفط قزوين»، مجلة بدائل، العدد الأول، 2004، ص. 27 Ü 29.

 

[24]-    «حروب في سبيل النفط في العالم»، مجلة بدائل، العدد الأول، ربيع 2004، ص. 33 Ü 34.

 

[25]-    المرجع السابق ، ص. 34 - 35

 

[26]-    «حروب في سبيل النفط في العالم»، مرجع سبق ذكره، ص. 35 - 36.

 

[27]-    راغدة حداد، «الحرب الباردة الثانية»، مجلة البيئة والتنمية، المجلد 13، العدد 126، أيلول/سبتمبر 2008، ص. 26 - 27.

 

[28]-    محمد النعماني، «النزاع حول ثروات المحيط المتجمد الشمالي بعد ذوبان الجليد»، 9 كانون الأول/ديسمبر 2008،

متوافر على الموقع: www.arabrenewal.org الإنترنت، الدخول 12 / 1 / 2009

 

[29]-    أنظر الخريطة رقم 1، النزاع حول ثروات المحيط المتجمد الشمالي.

 

[30]-    راغدة حداد، «الحرب الباردة الثانية»، مرجع سبق ذكره، ص. 30-28.

 

[31]-  Voir le Document établi par le Haut Représentant et la Commission Européenne, «Changements Climatiques, Sécurité Internationale», Op.cit., p. 8.

 

[32]-    وزارة المعارف، «المياه - الحرب القادمة»، مجلة المعرفة، المملكة العربية السعودية، الرياض، 2000، ص. 14 - 20.

 

[33]-    محمد عبد القادر الفقي، «الأمن المائي في العالم الإسلامي»، مجلة الخفجي، السنة 30، العدد 2، 2000، ص. 10 - 14.

 

[34]-  Hans Günter Brauch, Antonio Marquina, Paul F. Rogers, P.H Liotta, Mohammad El-Sayed Selim, «Security and Environment in the Mediterranean», Op. cit., p. 927.

 

[35]-  Programme des Nations Unies pour le Développement (PNUD), Rapport sur «le Développement Humain, Eradiquer la pauvreté», New York, Nations Unies, 1997, p. 3-4.

 

[36]-  Programme des Nations Unies pour le Développement (PNUD), Rapport sur «le Développement Humain», New York, Nations Unies, 1999, p. 7.

 

[37]-  Martin Parry, Nigel Arnell, «Millions at Risks Defining Critical Climate Change Threats and Targets», Jackson Environment Institute, University of East Anglia, Norwich NR4 7TJ, UK, 11 Mars 2001, p. 14-19.

 

[38]-  Schmitt Roschmann, «Environment and Planning», Pion Ltd, Vol. 41, 2009, p. 2299- 2304.

 

[39]-  Imme Scholz, & Carmen Richerzhagen, Capacities for Mitigating Climate Change in China, India and Brazil, German Development Institute, Bonn, 2007, p. 34-40.

 

[40]-  Hans Günter Brauch, «Climate Change Scenariosand Possible Impacts for the MENA Region: Hazards, Migration and Conflicts?», Afess-Press, Berlin, 2007, p. 44-48.

 

[41]-  Journée Mondiale de L'eau, Programme des Nations Unies sur L’environnement, 22 mars 2001.

 

[42]-    محمد الضبعان، «الظمأ يهدد ثلثي سكان الأرض بحلول عام 2050»، صحيفة الوطن السعودية، 07 / 12 / 2005.

 

[43]-  Programme des Nations Unies pour le Développement (PNUD), «Rapport pour un Partenariat Mondial pour le Développement», New York, Nations Unies, 2006, p. 6- 7.

 

[44]-  Raoul Dandurand, «La Sécurité Humaine», Op.cit., p. 108-111.

 

[45]-  Hans Günter Brauch, Antonio Marquina, Paul F. Rogers, P.H Liotta, Mohammad El-Sayed Selim, «Security and Environment in the Mediterranean», New York, 2003, p. 919.

 

[46]-  Général Vincent Desportes, «La Guerre Probable», Op.cit., p. 24.

 

[47]-  Hans Günter Brauch, Antonio Marquina, Paul F. Rogers, Peter Liotta, Mohammad El-Sayed Selim, «Security and Environment in the Mediterranean», Op. cit., p. 920-923.

 

[48]-  Hans Günter Brauch, Antonio Marquina, Paul F. Rogers, Peter Liotta, Mohammad El-Sayed Selim, «Security and Environment in the Mediterranean», Op. cit., p. 925.

 

[49]-  Joris Peignot, «La Sécurité Humaine», Op.cit., p. 6.

 

[50]-  Mohammad Ayoob, «The Third World in the System of States, Acute Schizophrenia or Growing Pains?», International Studies Quarterly, Detroit, Vol. 33, March 1989, p. 71.

 

[51]-    راجع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة 2005، مرجع سبق ذكره، ص. 75.

 

[52]-  Général Vincent Desportes, «La Guerre Probable», Op. cit., p. 25.

 

[53]-    تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة /المكتب الأقليمي لغرب آسيا حول «الزراعة والتنوع البيولوجي»، 22 أيار/مايو 2008.

 

[54]-  Hans Günter Brauch, Antonio Marquina, Paul F. Rogers, P.H Liotta, Mohammad El-Sayed Selim, «Security and Environment in the Mediterranean», Op. cit., p. 928.

 

[55]-  Programme des Nations Unies pour l’environnement (PNUE), «Rapport pour un Avenir Sûr», New York, Nations Unies, 2005, p. 15- 16.

 

[56]-  Programme des Nations Unies pour l’environnement (PNUE), «Rapport sur l'Environnement et Développement», New York, Nations Unies, 2003, p. 13-17.

 

[57]-  Programme des Nations Unies pour l’environnement (PNUE), 2005, Op.cit., p. 12- 13.

 

Repercussions of Environmental challenges over World Security

 

In light of the world environmental changes resulting from human actions or natural disasters which headed the list of priorities of the International Community and became among other important world issues such as democracy, human rights and fighting terrorism, environmental experts presented many different propositions regarding the connection between climate change and conflicts.
In order to study the initial role of environmental challenges in the absence of human balance and their repercussions on world stability which constitute a source of strong and dangerous competition among States with the aim of attaining fundamental humanitarian needs and analyzing their factors to carefully study the data of these results to clear away any ambiguities in addition to tackling all the aspects of the issue, the study rests on three chapters: the 1st chapter tackles environmental migration and conflicts and studies the link between migration and turmoil in the welcoming regions and the means to deal with the dangers of migration. The 2nd Chapter tackles natural resources and world security in view of the fact that International conflicts revolve around power sources (oil) in the Middle East and around climate change and conflicts over water resources. The 3rd chapter studies the environmental factors and world stability and discusses population growth and the decline in the standard of living, comprehensive humanitarian development of States and the damage of the ecologic system and environmental deterioration.

Les répercussions des défis de l’environnement sur la sécurité mondiale

 

A l’ombre des changements environnementaux mondiaux résultant des activités humaines ou des catastrophes naturelles, et qui ont occupé la place primordiale des soucis de la communauté internationale, et qui figurent parmi d’autres causes internationales importantes, comme la démocratie, les droits de l’homme, la lutte contre le terrorisme, il existe différentes propositions pour les experts de l’environnement concernant le lien entre le changement climatique et les conflits.
Pour étudier les résultats du rôle principal des défis environnementaux dans l’absence de l’équilibre humanitaire et leurs répercussions sur la stabilité mondiale et qui constituent une source pour la compétition forte et dangereuse entre les pays afin d’obtenir les besoins fondamentaux de l’être humain, et analyser leurs facteurs pour savoir leurs données concernant ces résultats et pour éviter toute ambiguïté, et afin d’étudier tous les aspects du sujet, l’étude repose sur trois chapitres: le premier chapitre évoque l’émigration environnementale et les conflits tout en étudiant le lien entre l’émigration et les troubles dans les régions accueillantes et les moyens visant à traiter les dangers de l’émigration. Le deuxième chapitre évoque les ressources naturelles et la sécurité mondiale citant que dans le conflit mondial, la concentration vise les ressources de l’énergie (le pétrole) au Moyen Orient, et le changement climatique et les conflits sur les ressources hydrauliques. Quant au troisième chapitre, il évoque les phénomènes environnementaux et la stabilité mondiale où seront traités l’augmentation populaire, la baisse du niveau de vie et le développement humanitaire durable des pays, les dégâts visant le système écologique et la détérioration environnementale.