معًا انتصرنا

تسلّم مفتاح بلدة القاع وقلوب أهلها قائد الجيش: سنقوم بواجبنا رغم كل شيء

طريق الشهادة جمع جيشنا وأهله في أكثر من موقع ومعركة، و«طريق شهداء الإرهاب» التي تصل بلدة القاع بالمراكز العسكرية الحدودية في جرود البلدة، هي نموذج للتلاحم بين الجيش والمواطنين.
كسرت هذه الطريق وحشة الجرود، فامتد الزفت الأسود علامة حياة في أرض يشكل وجود العسكر فيها علامة الحياة الوحيدة.
امتد الزفت الأسود مستأنسًا بالعلم المرفوع، ليثبت الروابط بين بيوت الناس ومراكز العسكر، وليدفن إلى الأبد آثار خطوات الإرهابيين الذين تسلّلوا إلى نوم الأطفال ويوميات المواطنين.


هذه الطريق دشّنها قائد الجيش العماد جوزاف عون على مسافة أيام من عيد الجيش، فتزيّن زفتها بالخطوات الهادرة، وبألوان الورد الذي انهمر ترحيبًا به على وقع الزغاريد. وعلى بعد خطوات من الطريق، افتتح العماد عون في اليوم نفسه «ساحة الجيش» التي توسّطها مدفع قديم، ليتفقّد من ثم قيادتَي لواء المشاة التاسع وفوج الحدود البرية الثاني.
خلال اليوم الحافل على الحدود، أكّد العماد عون عمق الارتباط بين الجيش والمواطنين، وعمق إصرار القيادة على المساعدة في إنماء المناطق التي طالما حُرمت وجود خدمات الدولة. كما طمأن المواطنين إلى أنّ بإمكانهم العيش بأمانٍ، معلنًا أنّ الجيش يتحكّم بنحو ثمانين في المئة من الحدود، وأنّ ما يحول دون ضبط الباقي هو عدم الترسيم والتداخل نتيجة الطبيعة الجغرافية لهذه الحدود.
 

على الأرض المقدسة
عقب تدشينه «طريق الشهداء» التي تسهّل لأبناء القاع الوصول إلى أراضيهم واستثمارها، وافتتاحه «ساحة الجيش» في حضور فعاليات دينية واجتماعية وأهالي المنطقة، تحدّث العماد عون مستذكرًا تعرّض البلدة لهجوم إرهابي منذ ثلاث سنوات واستشهاد عدد من أبنائها، فقال:
«نجتمع اليوم، على هذه الأرض المقدّسة بدماء الشهداء، شهداء الإرهاب من أبناء بلدة القاع الحبيبة، الذين واجهوا ببطولةٍ مخطّطًا إرهابيًا أراد بوطننا شرًّا، فكانوا له بالمرصاد.
ثلاثة أعوام مرّت على تلك الحادثة الأليمة، لكنّها باقية في ذاكرتنا، وفي سجلّات البطولة التي يسطّرها أبناء وطننا إلى جانب جيشنا في الدفاع عن لبنان مهما عظُمَت التضحيات.
نستذكر اليوم معاناة أبناء هذه البلدة، كما البلدات الحدودية المجاورة، من ظلم إرهاب احتلّ أرضنا عدّة سنوات، بغية تحويلها إمارة له، لكنّ إرادة أبناء بلدة القاع كانت أقوى من مخطّطاته، فتصدّوا له باللحم الحيّ، إلى جانب جنود جيشنا الذين حاصروهم، وَحَدُّوا من قدراتهم الإرهابيّة في التمدّد مجدّدًا إلى أرضنا، حتى تمكنّوا من القضاء عليهم في معركة «فجر الجرود» التي وضعت حدًا لوجودهم العسكري ولمخطّطاتهم في السيطرة على وطننا. ورغم ذلك، ما زلنا متيقّظين من أي محاولة لزعزعة أمننا واستقرارنا، طالما أنّ محيطنا ما زال يواجه التحدّيات، وطالما أنّ حدودنا ما زالت بحاجةٍ إلى تحصين».

 

على الحدود: المهمة معقّدة لكنّنا قمنا بواجبنا
وتناول قائد الجيش مسألة الانتشار على الحدود اللبنانية - السورية للمرة الأولى في تاريخ لبنان، مشيرًا إلى صعوبات تحول دون ضبط هذه الحدود مئة في المئة، ومؤكدًا أنّ الجيش رغم كل شيء سيقوم بواجباته. وقال في هذا السياق:
لا شكّ في أنّ الجيش، الذي وصل للمرة الأولى في تاريخ لبنان إلى الحدود اللبنانية السورية، يسعى منذ قضائه على الإرهاب في الجرود، إلى ضبط الحدود، وذلك على الرغم من إمكاناته المحدودة.
فقد أنشأنا أربعة أفواج حدودية، وبنينا أربعة وسبعين مركزًا لضبط الحدود، وعزّزنا قدرات الوحدات المنتشرة في هذه المنطقة تجهيزًا وتدريبًا، بمساعدة عدد من الدول الصديقة، حتى بتنا نتحكّم بنحو ثمانين بالمئة من الحدود. وما يحول دون قدرتنا على ضبط الباقي، هو مسألة عدم ترسيم الحدود، والطبيعة الجغرافية المتداخلة، والتي يتطلّب تحصينها أعدادًا مضاعفة من العسكريين. وفي ظل المهمات الأمنية العديدة الموكلة للجيش، ومنها حفظ الأمن في الداخل والذي يتطلّب جهوزية دائمة، فضلًا عن إقفال باب التطويع في المؤسّسة العسكرية، وخفض موازنة الجيش، وما ينتج عنها من صعوبات لوجستية، تصبح هذه المهمة معقدّة.
لكنّ المؤسّسة العسكرية، وإن طالها هذا الإجحاف، فهي ملتزمة الدفاع عن شرف لبنان، والتضحية من أجله، والوفاء له ولأبنائه، فتسعى بإمكاناتها المحدودة، للقيام بواجبها مهما كانت التضحيات».

وحدو بقي
الشاعر نزار فرنسيس الذي يزيّن مناسبات الجيش بأجمل القصائد لم يغب عن مناسبة القاع، وكانت له قصيدة جاء فيها:
وحدو بقي زورق يشق بحور
يمنع وطنّا بالعتم يغرق
طايف ببحر العتم زورق نور
ومكتوب إسم الجيش عَ الزورق
وبيرق علي صار الأمل منظور
مشط الأمان اشتاق للبيرق
وصار الجيش عَ أرضنا مشرور
بلبنان كلّو توزّع تفرّق
يحمي الأهل من قاعنا لصور
ما بين أهل وأهل ما فرّق

 

نحن معكم وإلى جانبكم فاطمئنّوا
وإلى أبناء بلدة القاع الذين احتفوا بوجوده بينهم بتأثرٍ واضح، توجه العماد عون قائلًا: «كنّا معكم وإلى جانبكم في مواجهة الإرهاب، وقدّمنا الشهداء معًا وكنتم شركاءنا في الانتصار على الإرهاب. وها نحن اليوم معكم، لندشّن «ساحة الجيش» في البلدة. كونوا على ثقة، بأنّ جيشكم كان وسيبقى صمّام الأمان، وحامي أرضكم وكرامتكم. كان وسيبقى وفيًّا لدماء شهدائه وشهداء الوطن. نعمل على تعزيز وجودنا العسكري هنا، لحمايتكم وحماية باقي أبناء هذه المنطقة العزيزة على قلوبنا جميعًا، والتي دفعت أثمانًا باهظة نتيجة موقعها الجغرافي.
مراكزنا منتشرة في محيط بلداتكم وفي داخلها، فاطمئنّوا، وعيشوا بأمان».
 

إزرعوها حبًا ووفاءً
وأضاف قائلًا: «على بعد أمتار من هذه الساحة، «ساحة الجيش»، بنينا «طريق شهداء الإرهاب». نعم، فهؤلاء الشهداء بنوا بدمائهم طريق النصر، ليبزغ الفجر على الجرود، فجر لبنان. هي ليست طريقًا عسكرية تصل مراكزنا بعضها ببعض فقط، لا بل هي لأجلكم، لأجل أرضكم المحرّرة من الإرهاب، فازرعوها حبًّا ووفاء. تشبّثوا بها. ليس لكم ملجأ سواها، فلأجلها بذلتم وبذلنا الدماء.
لقد أولت قيادة الجيش منذ زمن أهمية خاصة لبلدة القاع، التي رفدت الجيش بخيرة أبنائها. وإذ نشكر أبناء البلدة على وقوفهم الدائم إلى جانب مؤسّستهم العسكرية، ندعوهم إلى الانضمام إليها ليكملوا مسيرة آبائهم الذين سبقوهم إلى خدمة الوطن».

 

في قلب لبنان
وألقى رئيس بلدية القاع بشير مطر كلمة استعاد فيها الاعتداء الإرهابي على البلدة، وتعرضها لصواريخ الإرهابيين إبان معركة «فجر الجرود» وقوله يومها: فليكمل الجيش معركته ولو سقطت على رؤوسنا مئات الصواريخ. وأضاف: في كل بيت من بيوت القاع «بدلة عسكري»، هذا الجيش هو الذي أشعرنا بالانتماء إلى الدولة من خلال وجوده بيننا وشقّه للطرقات وتجهيزه الآبار التي سيحفرها.
وختم كلمته بالقول: «نشعر أنّنا في قلب لبنان وليس في الأطراف من خلال هذه الطرقات التي شقّها الجيش».
كذلك كانت كلمة لكاهن الرعية الأب ليان نصرالله الذي قال: جبالنا وسهولنا تتوهج فرحًا، وتستقبلكم بالورد والرياحين... ليضيف: ننعم بالأمن والاستقرار بفضل تضحيات الجيش. وتعبيد الطرقات في القاع ويونين ورأس بعلبك والهرمل وعرسال دليل واضح على أنَّ الجيش هو من الجميع وللجميع»، ومعه سننتصر على الحرمان في هذه المنطقة.
في نهاية الاحتفال تسلّم العماد عون من البلدية مفتاح البلدة ودرعًا تقديريةً ولوحة من أهالي الشهداء.

 

طريق الشهداء وطريق فجر الجرود

يبلغ طول طريق «شهداء الإرهاب» نحو ٨ كلم وقد موّلت إنشاءها السلطات الأميركية عبر الجيش اللبناني، وكان سبقها منذ فترة تدشين طريق فجر الجرود (حُوَّرتا) بطول ١٢ كلم التي تصل رأس بعلبك بالجرود، وهي أيضًا بتمويلٍ أميركي، وتساعد هذه الطرق أهالي المنطقة في الوصول إلى أراضيهم واستثمارها.

 

في مركز متقدّم معاينًا كل التفاصيل

من القاع توجّه قائد الجيش إلى قيادة لواء المشاة التاسع في منطقة عرسال، حيث اجتمع بقائد اللواء وضباطه وعسكرييه، كما تفقّد قيادة فوج الحدود البرية الثاني في رأس بعلبك وجال في أحد مراكزه الحدودية المتقدّمة، فاطَّلع على الإجراءات الميدانية المتَّخذة لضبط الحدود والحفاظ على الأمن في المنطقة.
لقاء القائد بالعسكريين في هذا المركز كان لقاء الأب بأبنائه، الدموع في عيون البعض أظهرت مدى التأثر، خصوصًا وأنّ القائد سأل عن أدق التفاصيل، بل أنّه عاين الأماكن وصولًا إلى تفقّد تلك المخصصة للاستحمام، ليطمئن إلى توافر كل ما يلزم لدى هؤلاء الرجال الذين يقيمون في أرض أشبه بصحراء.
هنّأ قائد الجيش العسكريين في مناسبة عيدَي الجيش والأضحى المبارك، وأثنى على جهودهم وتضحياتهم لضبط الحدود والمحافظة على الأمن في الداخل ومساعدة المواطنين إنسانيًا واجتماعيًا وإنمائيًا، وتوجّه إليهم قائلًا: «إنّ إيمانكم بالقضية وإرادتكم الصلبة أثمرت أمنًا وازدهارًا وإنماءً، فكونوا على قدر ثقة الشعب اللبناني بكم ومحبته لكم».
واعتبر أنّ الاستقرار الأمني الذي ننعم به اليوم هو أفضل من أي وقت مضى، وأنّ الجيش لن يسمح مطلقًا بأي محاولة للإخلال بالأمن، مؤكّدًا أنّ المؤسسة العسكرية على جهوزية كاملة لمواجهة أي تهديد داخلي أو خارجي.