إقتصاد ومال

توليد الطاقة من المياه يوفّر على لبنان 120 ألف طن فيول سنويًا
إعداد: تريز منصور

المياه في طليعة أولويات البشريّة وثروتنا يهدرها سوء الإدارة
يشكّل الحفاظ على البيئة من خلال المحافظة على مواردها الطبيعية، ولا سيّما المورد الأهم وهو المياه، أحد أبرز التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم. من هنا الحاجة الملحّة إلى إدارة هذا المورد بشكل سليم ودقيق، للاستفادة من كل قطرة مياه، ولا سيّما في منطقة الشرق الأوسط، حيث معظم الدول تعاني الجفاف.
ما هو واقع إدارة المياه كمورد استراتيجي في المنطقة وخصوصًا لبنان؟
ما هي أبرز المشاكل في هذا المجال وماذا عن الحلول؟
أسئلة تبحث عن أجوبة لها مع إختصاصيين في مجالي إدارة المياه، وتوليد الطاقة النظيفة منها.

 

الأولوية للمياه
الإختصاصي في إدارة المياه الدكتور أنطون هندي (أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال الفرع الثاني، وكذلك في الجامعة الأنطونية)، أكدّ لمجلة «الجيش» أنه مع مطلع الألفية الثالثة أجريت دراسة عالمية حول الأولويات الثلاث للبشرية وهي جاءت على الشكل الآتي:
1- حقوق الإنسان، حرية التعبير والعيش بكرامة.
2- البيئة وما يتعلّق بها من أمور حياتية كالمياه والتلوّث... وكان التركيز على المياه كونها العنصر الحياتي الأبرز.
3- التطور التكنولوجي.
وتعكس هذه النتائج، الاهتمام الدولي المتزايد بقضية البيئة وبالتالي المياه وإدارتها، فإدارة هذا المورد الطبيعي (Freshwater Management) بشكل دقيق ومتقن، وفق أهداف استراتيجية، هي الشغل الشاغل لدى معظم دول العالم.

 

600 طفل يموتون يوميًا بسبب تلوّث المياه
يستحوذ القطاع الزراعي، على 60 إلى 70 في المئة من استهلاك المياه العذبة المتوافرة للاستعمال في أي دولة من العالم. وهذه النسبة قد ترتفع إلى أكثر من 73 في المئة في الدول التي هي ما دون خط الفقر مثل أثيوبيا، والتي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة. يلي الزراعة الاستخدامات المنزلية والخدمات... (20 إلى 30 في المئة)، والصناعة نحو (8 في المئة)، وثمّة 2 في المئة لاستعمالات أخرى.  ويضيف الدكتور هندي أن هناك نحو مليار و200 مليون إنسان يعيشون في دول لا تتوافر فيها المياه العذبة النظيفة (الصومال، أثيوبيا، رواندا ونيجيريا...). وثمّة 6000 طفل تقريبًا يموتون يوميًا من جراء المياه الملوّثة. وفيما يستخدم البشر حوالى 3800 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، تقدّر كمية المياه المهدورة عالميًا في زراعة المحاصيل التي لا تصل إلى المستهلك بحوالى 550 مليار متر مكعب، ويفتقر 2.4 مليار إنسان لخدمات الصرف الصحي السليم.
لدى بعض الدول كالسودان مثلاً، نسبة متساقطات مقبولة بالحدّ الأدنى، ولكن إدارة الموارد المائية هناك رديئة. وثمّة دول أخرى تعاني الجفاف مثل أثيوبيا والصومال، ولكنّها في الوقت عينه تعاني النقص في الإمكانات المادية اللازمة للبنى التحتية الملائمة (قنوات الصرف الصحي وأنابيب المياه والخزانات).
في الشرق الأوسط، وفق الدكتور هندي، «بعض الدول كتركيا والعراق يتمتع بفائض مائي كبير. تركيا تتمتع بإدارة جيدة وسليمة لمواردها، في حين أن العراق يدير ثروته المائية بالحدّ الأدنى المطلوب نتيجة الظروف الأمنية وعدم الاستقرار. أما سوريا فهي تتمتع لغاية الآن بفائض مائي محترم، كما أنها كانت تتمتع بإدارة سليمة، ولا سيمّا بالنسبة الى استهلاك المياه في القطاع الزراعي، لغاية نشوب الحرب الدائرة فيها.
أما دولة العدو الإسرائيلي، فتُعتبر من الدول التي تعاني نقصًا حادًا في الموارد المائية، ولكنها من أفضل الدول إدارة لهذه الموارد في العالم، لناحية تغطية حاجة السكان من المياه التي تبلغ نحو 95 في المئة. والفضل في ذلك يعود إلى شبكة المياه المتطوّرة، وإلى إدارة رشيدة للمياه تسير وفق خطط على مستوى الدولة العبرية (لغاية 2100)، وتهدف إلى تدوير المياه المبتذلة بنسبة مئة في المئة (حاليًا هذه النسبة هي 65%)».
ويشير هندي إلى أن إسرائيل هي من أولى الدول التي استعملت تقنيات الريّ بالنقطة (Dripping Irrigation)، ولقد تطوّرت هذه التقنية لدرجة أنه ثمّة جهاز (Sensor) يمكنه فحص نسبة الرطوبة التي تحتاج إليها جذور كل نبتة.
في ما خصّ دول الخليج العربي كالسعودية مثلاً، فإنها تعاني نقصًا حادًا في المتساقطات، وتلجأ إلى تحّلية مياه البحر لتغطية حاجاتها من المياه. علمًا أن هذه العملية مكلفة، وتراوح كلفة تحلية كل متر مكعّب من المياه المالحة، ما بـين 1.20 و0.80 ودولار أميركي.
إدارة المياه العذبة في لبنان
 

ماذا عن واقع المياه في لبنان؟
يجيب الدكتور هندي قائلاً: «يمكننا الجزم أن إدارة الموارد المائية في لبنان هي من أسوأ الإدارات في العالم، على الرغم من أنه يتمتع بأكبر خزانين للمياه في الشرق الأوسط، الأمر الذي يحتّم عليه حماية مياهه الجوفية، ضمن المخطّط التوجيهي العام، الذي يفرض تحييد المسطّحات المائية.
قدّرت عدة دراسات التوازن المائي السنوي في لبنان، بما يقارب الـ8600 مليون م3 (متوسط هطول الأمطار السنوي) هذه الكمية نخسر خمسين في المئة منها خلال عملية التبخّر. وثمّة خسائر إضافية تشمل تدفّقات المياه السطحية إلى البلدان المجاورة (تمثل حوالى 8 في المئة حسب تقدير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني) وتسرّب المياه الجوفية (تقريبًا 12 في المئة). أما النسبة الباقية من المياه السطحية والجوفية التي يحتمل توافرها فتبلغ نحو 2600 م3، منها 2000 مليون م3 يمكن الاستفادة منها».
وعن توزيع المياه واستهلاكها في لبنان، يقول الدكتور هندي إن «الزراعة هي أكبر مستهلك للمياه في لبنان (وكذلك في جميع أنحاء العالم)، تليها الاستخدامات المنزلية والصناعية. بشكل عام، تمثل الزراعة بين 60 إلى 65 في المئة من إجمالي استهلاك المياه. ويمثّل الاستهلاك المحلي (الاستخدامات المنزلية) نحو 30 في المئة، ومن المهم أن نلاحظ أن 79 في المئة من المباني متّصلة بشبكات إمدادات المياه (في بيروت وكسروان 93 و94 في المئة على التوالي).
وثمّة استخدامات أخرى للمياه وتمثّل حوالى 8 إلى 10 في المئة، مثل الصناعة ومحطات الطاقة الكهرومائية (مثل السدود) والاستخدامات الترفيهية (مثل حمامات السباحة). وتفيد التقارير على نطاق واسع أن استهلاك المياه الحالي هو حوالى 1400 مليون م3 تقريبًا. أما توقّعات الطلب للسنوات الممتدة بين 2015 و 2025، (فتراوح ما بين 1800و2500 م م3».

 

تشخيص المشكلة
لقد شخّص الدكتور هندي مشكلة المياه في لبنان على الشكل الآتي:
- تجاهل فاضح لفوائد الماء في وظائفها المختلفة.
- تناقص التدفقات الطبيعية بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري والجفاف المتكرّر، يضاف إلى ذلك، الاستغلال غير المتوازن وتدفّق العائد من الري (الإفراط في استخدام الآبار، والشقوق في القنوات، والتبخّر، والاستخدام غير المشروع لقنوات المياه)، وزيادة ملوحة المياه الجوفية، ولا سيّما في المناطق الساحلية.
- تزايد الاحتياجات ومحدودية الموارد، فتزايد الطلب على المياه سنويًا، أثّر سلبًا على معظم أحواض الأنهار، بحيث أصبحت تشبه قنوات الصرف الصحي نتيجة للتصريف الصناعي ومياه الصرف الصحي، والإفراط في الضخّ، أو الإيذاء العام إجمالاً.
- تعرّض طبقة المياه الجوفية الساحلية للتهديد بسب التلوّث الناجم عن الملوثات الكيميائية والميكروبية، والملوحة والنترات والمعادن الثقيلة والوقود والمركبات العضوية السامة.
- تأثير العديد من الأنشطة على دورة المياه، إزالة الغابات والسدود والري و قنوات الصرف على سبيل المثال، وتآكل التربة وفقدان الغطاء النباتي يقلل من تغذية المياه الجوفية، وسوف يؤدي إلى ندرة الموارد المائية ويؤثر على نوعية المياه في المستقبل.
- عدم وجود عدادات مياه على نطاق واسع، فالاستهلاك لقاء دفع رسوم ثابتة يؤدي بدوره إلى عدم وجود أي حافز لتوفير المياه. بالإضافة إلى ذلك، توفير المياه من خلال البلديات غير منتظم، ناهيك عن الملوّثات الرئيسية المياه السطحية والجوفية وعدم معالجة مياه الصرف الصحي وتلف معظم أنظمة الصرف الصحي مما يؤدي إلى تسلّل المياه المبتذلة إلى شبكات المياه الصالحة للشرب.
- عدم وجود سياسات وخطط عمل، وعدم ملاءمة الأطر القانونية بشكل عام لواقع التطور العمراني والسكاني، كما أن الإجراءات غير واضحة لخلق الشراكات بين القطاعين العام والخاص ودعمها، وعدم كفاية الموارد المالية، ونقص في تحديث المعلومات والتقنيات إن لناحية الكمية أو النوعية.

 

ما هو الحل؟
رأى الدكتور هندي أن الحلول لمعضلة سوء إدارة الموارد المائية في لبنان تكمن في: حماية الموارد المائية ودعمها والتقليل من تلوّثها، ومعالجة الأنهار الملوثة في البلاد، بناء محطات معالجة مياه الصرف الصحي الحديثة، مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي القائم ووضع نصوص قانونية إضافية، تشجيع مشاركة المجتمع المدني بجميع قطاعاته، وإنشاء لجنة وطنية للمياه.
وشددّ على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة، لناحية «اعتبار المياه موردًا اقتصاديًا بحتًا، ولا سيّما أن وظائفها المختلفة تعتبر ذات قيمة، يمكن قياسها من الناحية النقدية. ويجب إعطاء المياه الأولوية من أجل حياة أفضل وضمان استدامة النظم الإيكولوجية. فحصول الجميع على الحدّ الأدنى من المياه ذات النوعية الجيدة عمومًا، هو حق من حقوق الإنسان.
وأضاف: نظرًا لمحدودية الموارد المائية من المياه، فمن الضروري ضبط الطلب عليها عن طريق التحكّم في حجم السكان، وسنّ تدابير لحفظها، وتعزيز الوعي لأهميتها، وترشيد استخدامها، خصوصًا في مجال الزراعة.
وعلى المعنيين إجراء اختبارات نوعية المياه كل عام، بهدف رصد مستويات التلوث، ورصد الموارد المائية بشكل منتظم بما يوفر أداة فعّالة للتأثير على التخطيط وعملية التنمية، وعلى الانبعاثات المسموح بها للملوثات للبيئة.
وأوضح أن الري هو التطبيق الاصطناعي للمياه على الأرض لغرض الإنتاج الزراعي. وبالتالي فإن أساليب الريّ الفعالة تؤثر على عملية النمو بأكملها من إعداد الأرضية، الإنبات، نمو الجذور، استخدام المواد الغذائية، نمو النبات وإعادة النمو والمحصول والجودة. ولذلك، تعتبر إدارة الري المناسبة واحدة من أكثر الطرق فعالية لحفظ المياه ولجودة الإنتاج الزراعي. كما أنه يجب تعزيز الموارد المتاحة وتطويرها، بناء على توسيع السدود، والحدّ من التسرّب في الشبكات، وزيادة نسبة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة.
ومع هذا النمو الضطرد في عدد السكان، ثمّة حاجة كبيرة لتوسيع محطات معالجة مياه الصرف الصحي وبناء أخرى حديثة، للتخلّص من النفايات السائلة بطريقة لا تشكل خطرًا على المسطحات المائية.
وبما أن معالجة مياه الصرف الصحي مع مراعاة معايير الصحة العامة مكلفة للغاية، فعلى الحكومات مساعدة السلطات المحلية (البلديات على سبيل المثال)، وذلك من خلال توفير المنح والقروض الميسّرة. وثمّة ضرورة لإنشاء لجنة وطنية للمياه، مسؤوليتها تنسيق الأنشطة المذكورة بين الوزارات الحكومية والبلديات المحلية والسلطات والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص.
وختم الدكتور هندي بالقول: «إنها مسؤولية مشتركة بين جميع الجهات الفاعلة في المجتمع، بدءًا من الحكومات، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية (NGOS) والوكالات الدولية والوكالات الوطنية، والمستثمرين، والشركات والمدرسين والباحثين والأفراد... وذلك من أجل إيجاد حلول لمشكلة المياه وتعزيز مفاهيم جديدة حولها وتطوير الشعور بالمسؤولية المجتمعية والأخلاقيات البيئية حياله، إنطلاقًا من المدرسة (من الصفوف الإبتدائية الأولى)، وصولاً إلى السلطات المحلية (البلديات). وبذلك يمكن للبنان أن يكون خزانًا للمياه في الشرق الأوسط، تمامًا كما كان البقاع خزّانًا للقمح في العهد الروماني».

 

المياه واستخراج الطاقة النظيفة
الإختصاصي في الطاقات المتجدّدة الدكتور المهندس مازن غندور (أستاذ محاضر في كلية الهندسة الجامعة اللبنانية – الفرع الثالث) تحدّث عن إنتاج الطاقة النظيفة من المياه في لبنان، والتحديات التي تواجه هذا القطاع في ظل غياب إدارة سليمة للموارد المائية، فأشار إلى أنه «يتعذّر علينا تصوّر حياتنا اليوم من دون الإمداد بالطاقة، ولكن لكي نكفل لأنفسنا حياة رغيدة وللأجيال القادمة الأسـس الطبيعية للحياة، يجب أن يتحلى نظام الطاقة المستدام بعدد من المزايا، وحدها الطاقات المتجددة قادرة بشكل خاص على تحقيقها».
وأضاف: من المعلوم أن لبنان يستورد على شكل مشتقات نفطية حاجاته لتوليد الكهرباء والنقل. وهو استهلك العام 2011 حوالى 6 مليون طن من المشتقات النفطية، بحيث بلغت الفاتورة النفطية ما يقارب الأربعة مليارات دولار. وبالمقابل يتمتع لبنان بموارد طاقوية متجددة من ماء وشمس وهواء، لو أحسن استغلالها وتطويرها، لتمّ تأمين طاقة كهربائية كبيرة تخفّف من العجز في فاتورة الكهرباء، وتوفر جزءًا كبيرًا من المشّتقات النفطية لتوليدها. وعلى الرغم من ذلك لا يزال موضوع تطوير وتنمية الطاقات المتجددة في لبنان متأخرًا جدًا، بحيث لا تتجاوز هذه النسبة الواحد في المئة من مجمل إستهلاكات الطاقة، وأدنى بكثير مما وصلت إليه الدول المجاورة، وحتى البلدان النامية.
وأوضح الدكتور غندور أن لبنان يمتلك مصادر مائية متعددة، وهو غني بالمياه السطحية والجوفية ما يساعد على إقامة مشاريع الريّ وعلى تنشيط الحركة الزراعية، والصناعية والاقتصادية عمومًا.
إن عملية توليد الطاقة الكهربائية من المياه تتمّ عبر تحويل الطاقة الكامنة في المياه (Potential Energy) إلى طاقة متحرّكة (Kinetic Energy)، ومن أجل تحقيق هذا الهدف يتمّ تجميع المياه خلف سدٍّ أو خزّان، ثم تنقل هذه المياه بواسطة أنابيب مقفلة إلى معمل التوليد الذي يحتوي على التجهيزات الكهربائية اللازمة. وتعود المياه بعد استعمالها في توليد الطاقة وعبر أقنية خاصة إلى المجرى الطبيعي، أو تحزّن في خزان خاص لإعادة ضخّها إلى ما وراء السدّ خارج أوقات الذروة للإستفادة منها مجدّدًا.
وهنا يشير غندور إلى أنه تمّ تطوير عنفات مائية بثلاثة أحجام، يمكنها إنتاج الكهرباء بقدرة تراوح بين 0.1 و1500 kw، وهذا يعني إمكان إنشاء معامل توليد صغيرة على المجاري المائية، مهما صغر حجمها وقلّ ارتفاعها.
وأكد في هذا الإطار أن «ما يميّز معامل التوليد الكهرمائية هو العمر الطويل للمجموعات (حوالى 50 سنة) وارتفاع كفاءتها خصوصًا عند إجراء صيانة دورية وجيدة، هذا طبعًا عدا عن كونها لا تحتاج إلى وقود ولا تنتج غازات ملوّثة، والطاقة التي تنتجها هي الأقل تكلفة مقارنة مع المصادر التقليدية الأخرى».
وأضاف: «سبعون سنة مرّت على استقلال لبنان ومشاريع المياه لا تزال في الانتظار. إن مشكلة المياه في لبنان، هي كتلك المشاكل الإقتصادية التي تزداد تأزمًا مع الوقت، إذ أن مشكلة الهدر الحاصل فيها وعدم الإستفادة من الطاقات والموارد التي يمكن أن توفّرها هذه الطاقة مستمرة منذ وقت طويل.
ومع العلم أن لبنان نجح في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في إنشاء وتجهيز عدة معامل كهرمائية، لكن بعض هذه المشاريع توقفّ في ما بعد، إما نتيجة ضعف الجدوى الإقتصادية منها، أو بسبب استعمال المياه المتوافرة لأعمال الري والشرب».

 

يمكننا توفير 120 ألف طن من الفيول سنويًا
وأشار الدكتور غندور إلى أن «المهندس إبراهيم عبد العال يُعتبر أب الثروة المائية اللبنانية، فهو أول من وضع المشاريع والخطط والدراسات للاستفادة منها. وقد ركّزت دراساته على نهر الليطاني الذي اعتبره نيل لبنان. ولقد نفّذ قسم من من الخطط الموضوعة لنهر الليطاني، ومنها سدّ القرعون وبحيرته بطاقة 220 مليون متر مكعب، إضافة إلى معامل التوليد الكهرمائية الثلاث في مركبا وجون وبسري باستطاعة مركّزة تبلغ 190 ميغاوات، وبمتوسط إنتاج سنوي يصل إلى 500 مليون ك.و.س. ولا تزال هذه المعامل تعمل حتى اليوم، وهي ذات قيمة إقتصادية».
ويتابع الدكتور غندور عن الجدوى الاقتصادية من انتاج الطاقة النظيفة، «بمعادلة حسابية بسيطة يتبين لنا أن: توليد واحد كيلواط/ ساعة يحتاج إلى 240 غرام من الفيول أويل تقريبًا، أي أنه بتوليد 500 مليون كيلواط/ ساعة سنويا يتمّ توفير حوالى 120 ألف طن من الفيول، وتخفيف انبعاث ثاني اوكسيد الكربون بنحو 380 الف طن. يضاف إلى ذلك أن الكيلو وات الساعي المنتج من المعامل الكهرومائية يباع لمؤسـسة كهرباء لبنان حاليا بحوالى أربعين ليرة لبنانية فقط لا غير!!
لا بدّ هنا من التركيز على أن كمية الطاقة المنتجة سنويًا، تتغيّر وفق المتساقطات المطرية، لذلك قُدّر معدل التغذية السنوي ك.و.س. للقدرة القصوى المركّزة بـ280 ميغاوات لفترة 3000 ساعة سنويًا، من أصل 8760 (عدد الساعات السنوي) أي حوالى 30 في المئة من الطاقة القصوى المركّزة. مثلاً كمية الطاقة الفعلية التي يمكن إنتاجها تتغيّر ما بين كانون الأول و آذار، ويتبيّن من الإحصاءات على مدى عشرين عامًا أن الطاقة الكهرمائية المولّدة راوحت بين 273 و1304 جيغاوات / ساعة، أي بمعدل سنوي قدره 722جيغاوات / ساعة، وهذا ما يؤكد تقدير عبد العال الذي قدّر كمية الطاقة الوسطية التي يمكن توليدها من مساقط الأنهر في لبنان بما بين 500 مليون ك.و.س. لنهر الليطاني و300 مليون ك.و.س. لباقي الأنهر. حاليًا لا يوجد في لبنان إلا 19 معملاً كهرمائيًا، تصل طاقاتها كما ذكرنا إلى 280 ميغاوات، وبالطبع لا تكفي حاجات لبنان إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون حجّة أو سببًا لكي لا تسير الدولة قدمًا في تفعيل الطاقة الكهرمائية، إذ يمكن مضاعفة الإنتاج عن طريق إنشاء السدود ومحطات كهرمائية إضافية».

 

خطط وقدرات توفّر عائدات عمل مهمة
وأشار الدكتور غندور إلى أن «الخطة العشرية التي وضعت في حزيران 1999 لتطوير الموارد المائية (2009-2000)، والتي تضمّنت بناء عدّة سدود (15 سدًّا) وست بحيرات، ستسمح بتخزين 878 مليون متر مكعب من المياه والتي ستكون سلاحًا إنمائيًا كبيرًا بيد الدولة اللبنانية، إلا أنه لم يتمّ التطرّق فيها إلى موضوع المعامل الكهرمائية، وكل ما ذكر هو من باب التوقّع بأنه يمكن توليد أكثر من 200 ميغاوات بعد إنجاز هذه الخطة.
أما خطة وزارة لطاقة والمياه الصادرة بتاريخ 27 آيار 2005 فتكلمت عن قدرة كهرمائية كامنة تقدر بـ 206 ميغاوات».
وختم أخيرًا: «تشكل المياه عنصرًا هامًا في تنمية القطاع الزراعي والكهربائي، وفي الحد من النزوح والهجرة. كما يمكن اعتبار المياه عنصرًا مموّلاً لخزينة الدولة، إذا تمّت الاستفادة منها بشكل سليم، وإذا تمّ الحدّ من الهدر الحاصل سنويًا. فهي ثروة تعود بفوائد اقتصادية كبرى من خلال استعمالها كبديل عن المشتقات النفطية في توليد الكهرباء، ما سيخفض كلفة الكـهرباء، ويوفّر فــرص عمل لعدد كــبير من الشـباب في أكثر من مرفق إقتصـادي وتنمـوي.
ونظرًا الى أهمية هذه الثروة المائية، ثمّة ضرورة للحفاظ على التوازن ما بين مشاريع الري والشرب وتوليد الطاقة الكهربائية، بحيث يستفاد من غزارة المياه في الشتاء لإنتاج الطاقة وتخزين المياه بكميات وافرة لاستعمالها في فترة الشحّ، للري وللشرب ولتوليد الكهرباء من الفائض منها.
إن الاستمرار بهدر مياهنا في البحر المتوسط، يعيق تطّور البلاد ونموّها الإقتصادي، ومن هنا تبرز الضرورة الملحّة إلى رصد هذه الثروة واعتماد الدقّة العلمية في تقديرها، ومن ثم السعي إلى حمايتها من أطماع الطامعين وإهمال المهملين، مهما كانت أسباب الطمع والإهمال...».