- En
- Fr
- عربي
من التاريخ
أمّا الإنكشاريون فلم يأخذوا معهم إلاّ الصحون
امتلك السلاطين والملوك وكبار القادة كنوزًا كبيرة من الذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة والمعادن النفيسة. تلك الكنوز كانت تدفن غالبًا مع أصحابها في المقابر الخاصة بهم. لكن كان لبعض المجتمعات القديمة عادات غريبة في هذا المجال، فالانكشاريون مثلًا رافقتهم إلى المدافن قدور الطعام التي فاقت قيمتها لديهم قيمة الكنوز.
كنوز مدفونة
زيّن الفراعنة قصورهم ومعابدهم الخاصة بكميات كبيرة من الذهب والأحجار الكريمة والمعادن النفيسة التي دفنت معهم، ومعلوم أنّه عثر في قبور الفراعنة ووزرائهم وكهنتهم وكبار قادتهم العسكريين والسياسيين، على كنوز ثمينة.
وفي مقابر الطبقة الأرستقراطية من سكان اسكيشيه (جنوبي روسيا الأوروبية)، وجد عدد من القطع الفنية المصنوعة من الذهب والفضة. فوجهاء المجتمع الأسكيشي صاغوا في القرن الرابع ق.م أدوات الزينة الشخصية من الذهب وصنعوا أدوات المائدة من الفضة، وقد دفنت معهم ممتلكاتهم الثمينة.
زخرفات فنية وأسلحة
الاتروسكيون الذين حكموا مدينة روما حوالى مائة عام وأثروا في تاريخ الرومان وحضارتهم، كانوا يزخرفون جدران قبورهم ويزينونها بصور سلطت الضوء على عاداتهم وأزيائهم وملامحهم. ووجدت في بعض قبورهم أسلحة المحاربين المدفونين فيها، والعجلات الحربية التي كانوا يستعملونها، وبعض الجواهر.
إلى ذلك أولى الفينيقيون واليونانيون والرومان، والعرب، أهمية كبيرة للكهرمان فاقت أهمية الذهب في أحيان كثيرة. ويتميز الكهرمان بأشكاله المختلفة (كرات أو قطع صغيرة يراوح وزنها بين الغرام والكيلوغرام) وألوانه المتنوعة (الأصفر والعسلي والأحمر والبني والأزرق والأسود والتي تتدرج من الفاتح الشفاف حتى الداكن المعتم). انبهر القدماء بشفافية الكهرمان وجماله، وألّفوا الاساطير حول أصله ونشأته، وكانوا يشترون بقطعة واحدة منه عبيدًا، ويقايضون به الحديد والبرونز والنحاس.
الكهرمان
عثر على قطع من الكهرمان على شكل حبات من الخرز في قبور الفينيقيين الذين استعملوه كعقود للزينة، بينما استخدمه الفراعنة في التحنيط. واستعمله ايضًا اليونانيون القدماء كمجوهرات وعرفوا فيه الكهرباء الساكنة. فعند حكّه بالصوف يجذب الشعر والخيوط والأوراق الجافة. وقد سموه الكترون، ومن هذه التسمية، اشتق لفظ الكهرباء في لغات الغرب (électricité). عند العرب سميّ الكهرمان بـ«العنبر أو لاقط التبن» لأنّه يجذب التبن حين يدلك بالصوف. الرومان عرفوا بدورهم الكهرمان، وأصدر الامبراطور الروماني نيرون أوامر إلى جنوده تقضي بالبحث عنه. وفي أثناء الحرب كان بعض محاربي الرومان يضعون على ملابسهم دبابيس من الكهرمان الذي استخدم أيضًا في الطب والتجارة.
صحون أغلى من الذهب
من جهتهم عظّم الإنكشاريون شأن القدور (الصحون) التي كانوا يأكلون فيها. فلكل منهم قدره الخاص الذي يحمله معه ويصونه، ويدافع عنه حتى الموت، وعندما يتوفى يدفن معه. والجيش الإنكشاري الذي يعتبر أول جيش دائم في التاريخ وكان محور قوّة الدولة العثمانية، تشكّل من الشبان الصغار الذين يتم أسرهم في الحرب، ويبعدون عن موطنهم وأهلهم ويخضعون لتربية خاصة، فلا يعرفون أبًا سوى السلطان ولا مهنة سوى الحرب. ومع العلم أنّ العثمانيين أنشأوا جيوشًا أخرى، غير أنّهم استمدوا قوتهم من الجيش الإنكشاري المنظّم والمدرّب والمتفاني في خدمة السلطان.
جنود هذا الجيش كانوا يحملون القدور التي تقدّم المأكولات إليهم فيها، أينما توجهوا. وكان الواحد منهم يشعر بالإهانة والعار إذا أضاع القدر الخاص به حتى وإن حصل ذلك في الحرب. كيف يمكن تفسير ذلك؟ يحضرنا هنا القول الذي يتناقله الناس منذ مئات السنين: «من يأكل من صحن السلطان يضرب بسيفه». فهل من علاقة بين الأمرين؟ ربّما... على أي حال كان الإنكشاريون يضعون قدورهم مقلوبة أمام منازلهم حين يريدون إظهار عدم رضاهم عن أوامر رؤسائهم...
المراجع
- عبد الغني عماد: مجتمع طرابلس في زمن التحولات العثمانية، دار الإنشاء للطباعة والنشر، طرابلس 2002.
- ساطع الحصري: البلاد العربية والدولة العثمانية، دار العلم للملايين، بيروت 1960.
- محمد فريد بك المحامي: تاريخ الدولة العلية العثمانية، دار الجيل، بيروت 1977.
- عباس ميخائيل حدادين: تاريخ العرب والعالم، دار النشر العربية للدراسات والتوثيق، شباط 1987.
- شادية علاء الدين: الإدارة العثمانية في مدينة طرابلس الشام، 1840-1914، دار مكتبة الإيمان، طرابلس - لبنان 2011.
- حسن مبيض: الجمهورية الرومانية، دار ومكتبة الجامعة اللبنانية للطباعة والنشر والتوزيع، طرابلس 1990.
- محمد علي البدوي: دراسات سوسيولوجية، دار النهضة العربية، بيروت 2004.
- د. لطفي عبد الوهاب يحيى: اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت.