ثروة البرّ والبحر

ثروة البرّ والبحر
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

إنّ النفط والغاز أصبحا شريان الحياة ورهان المستقبل القريب في حوض إقليم المشرق Levant Basin Province شرقي البحر الأبيض المتوسط (الذي يمتد من لواء الإسكندرون إلى جنوب قطاع غزة، أي في المياه المقابلة لسواحل تركيا وسورية ولبنان وفلسطين المحتلة وقبرص). وإسرائيل سبقت غيرها من دول المنطقة في استشراف المستقبل ووضع المخططات لتوفير مصادر الطاقة لأجيالها القادمة.
لقد بات من الضروري السير قدمًا من دون أي إبطاء، في مسألة البحث والتنقيب عن مكامن النفط والغاز في لبنان، سواء أكان ذلك في البرّ أم في البحر. فقد ظهرت البشائر النفطية الأولى في بداية القرن العشرين مع تسارع حمّى النفط في شبه الجزيرة العربية. وتم حفر الآبار الأولى في لبنان بين منتصف الأربعينيات والعام 1955، إلا أن هذه الآبار وإن أعطت بعض الدلائل النفطية فإنها لم تكن منتجة بالقدر المرغوب. وعلى الرغم من ذلك استمرت الدراسات والتنقيبات النفطية بوتيرة متباعدة وغير منتظمة. فقامت شركة نفط العراق في منتصف الأربعينيات ببعض أعمال الحفر والتنقيب على مقربة من الشواطئ الشمالية. وبعد ذلك بعشر سنين جرت أعمال مماثلة من قبل بعض الشركات في البقاع. وبعدها أعمال أخرى في الجنوب في مطلع الستينيات، إلى أن كانت أعمال مسح للساحل اللبناني أنجزتها إحدى الشركات البريطانية في مطلع هذا القرن، تبعتها شركة نروجية استخدمت ما لديها من خبرة فريدة في التنقيب عن النفط في المناطق البحرية. وأعطت أعمال المسح انطباعًا إيجابيًا حول إمكان وجود النفط والغاز قبالة الساحل اللبناني. وتعززت هذه الفرضية مع ظهور النفط في سورية وفي فلسطين المحتلة. وتأكدت لاحقًا مع اكتشاف حوض إقليم المشرق شرقي البحر الأبيض المتوسط. ومن المرتقب أن تكون الكمية الأكبر من النفط والغاز موجودة ضمن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، نظرا إلى أن لبنان يتوسّط جغرافيا الحوض المذكور.
وتستدعي معالجة مسألة تعيين الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان مطالبة الأمم المتحدة بخط أزرق بحري على غرار الخط الأزرق البري المعمول به حاليًا، بما يفتح الطريق لأن يخطو لبنان خطوات عملية نحو تأكيد حقوقه في ثروته النفطية والغازية الموجودة في منطقته الاقتصادية الخالصة. وهنا لا مناص من التفاهم مع سوريا وقبرص خصوصًا لإجراء التعيين اللازم. فقد عقدت قبرص عددًا من الاتفاقيات البحرية والاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل قد تكون مضرّة بمصالح لبنان، ممّا يستدعي تكثيف المباحثات الجارية بين لبنان وقبرص، وصولًا إلى توقيع اتفاق نهائي بين الجانبين، يكفل حماية الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان. ويظهر أن السلطات القبرصية قد أبدت تجاوبًا واضحًا حول هذا الموضوع، كما أكدت مؤخرًا أنها لا ترغب في أن يشكل أي اتفاق بينها وبين إسرائيل اعتداءً على ثروات لبنان وموارده البحرية.
وكل تصريح لبناني لاستثمار ثرواته النفطية والغازية يُقابل بتهديد ووعيد عسكري إسرائيلي. وهذا التهديد نابع من العقيدة الصهيونية التي تقوم على الإستحواذ على كلّ ثروات الجوار الجغرافي ومنها مصادر الطاقة، لأنّ الغاز أمر حيوي بالنسبة إلى إسرائيل، ولأن العديد من المشاريع النفطيّة ما زال في أدراج حكومتها.
والمنهجية العلمية هي السمة البارزة للقرن الحادي والعشرين. وهي تقتضي الإعتماد على التخطيط الواعي والمدروس. ولبنان في أمسّ الحاجة إلى اجتذاب الاستثمارات والشركات النفطية العالمية للكشف والتنقيب واستخراج ثرواته النفطية والغازية، وبالتالي لا بدّ من الإسراع في تهيئة المناخات الاستثمارية الملائمة لهذه الشركات، سواء أكانت قانونية أم مالية أم أمنية.
وإذا كان الصراع اللبناني- الإسرائيلي صراع حدود ووجود في آن معًا، فالنفط والغاز أصبحا عنوان هذه الحدود وروح هذا الوجود، والدفاع عن الروح يتطلب تضافر جهود كلّ اللبنانيين.
والخلاصة أنّ الإنتصار في معركة النفط والغاز لا يأتي من الأرض أو البحر ولا يهبط من السماء، وإنما هو ثمرة تمسك اللبنانيين بحقهم التاريخي، وعقد إراداتهم على صون مصلحة الوطن وضمان مستقبل أجياله.