محطات مشرقة

تتويجاً لعمله الدؤوب في مجالات الفكر وحقوق الإنسان

لبناني جديد من هذا الوطن الصغير ينال جائزة دولية؛ فقد منح المؤتمر الأميركي المتحد للثقافة أستاذ الفلسفة والترجمة وحوار الأديان في الجامعة اللبنانية جهاد نعمان جائزة السلام الدولي للعام 2004 بسبب كتاباته في شؤون البيئة والسلام وحقوق الإنسان، وتدريسه الحضارات المقارنة في جامعات غربية عدة أبرزها، جامعة نانسي في فرنسا، وجامعات محلية، منها جامعة الروح القدس في الكسليك والجامعة اللبنانية، إضافة إلى كونه أستاذاً محاضراً في المدرسة الحربية.
وتأتي جائزة السلام الدولي للعام 2004 تتويجاً منطقياً ومنصفاً لهذا اللبناني الغزير الإنتاج، والذي كرّس كل حياته للكتابة والتأليف.

مجلة «الجيش» التقت الدكتور جهاد نعمان وحاورته حول الجائزة ومفاعيلها المعنوية والنفسية وحول منطلقاته الفكرية والفلسفية.

كتاب الشهرة

- منحك المؤتمر الأميركي المتحد للثقافة جائزة السلام الدولي للعام 2004. كيف تعرّف المؤتمر إلى جهاد نعمان ليمنحه جائزته السنوية من بين آلاف المفكّرين والمبدعين في العالم؟

- لقد اعتمد مانحو الجائزة على المعلومات التي استقوها من كتاب «Whose Who» بنسخته اللبنانية والذي يصدر في معظم الدول المتمدّنة في العالم، وقد ورد اسمي في قاموس الشخصيات هذا. وبالفعل، فوجئت عندما اتصلت بي مؤسسة المؤتمر الأميركي المتّحد للثقافة طالبة كتبي ومعلومات ووثائق عني، وأدركت أكثر كم نحن نعيش في قرية كونية تجنح يوماً بعد يوم نحو التقوقع والصغر.
إن الكتاب الذي يتطرّق إلى «حقوق الإنسان في العالم العربي» كان من أبرز مؤلفاتي التي لفتت انتباه المؤسسة الأميركية. هذا الكتاب النقدي الحقوقي هو كتاب تركيبي لمجمل ما قلته في السابق في كتبي، وأنطلق فيه من معطيات فلسفية تناولت جميع الحقوق بدءاً بحقوق الفرد وصولاً إلى الحقوق الدينية والفلسفية.

ما بين السلم والسلام والفلسفة

* ما الفرق بين السلم والسلام؟

- اللغة العربية لغة غنية جداً من حيث المفردات. ولعلّ من مواطن الضعف عندنا أنه ليس ثمة مقابل واقعي لبعض التقنيات والعلوم في عالمنا، وهذا ما يوهمنا بأن اللغة هي الضعيفة. والحال أن الوهن في واقعنا. من مظاهر قوة لغتنا التمييز الذي أراه قائماً بين السلم والسلام. فالسلم هو حالة اللاحرب واللانزاع، إنه الرادع، أي الوازع الخارجي. وانطلاقاً من هنا، يمكننا التحدّث عن السلم الأهلي بحصر المعنى، وكذلك السلم البيئي والسلم الغذائي...
أما السلام فهو السلم الداخلي. إنه الوازع، أي الرادع الداخلي ومنه ينبغي أن ننطلق توصلاً إلى السلم الحقيقي الدائم. فعندما نكون في سلام مع أنفسنا يمكننا أن نفكر أو أن نعيد النظر في جوانب سلمنا الخارجي، وليس العكس.

* ما المنطلقـات الفلسفـيـة لانشغالاتـك البيئـية والحقوقية؟

- ليست سعادة الأمم بكثرة أموالها ولا بقوة استحكاماتها ولا حتى بجمال مبانيها، وهي أمور نفتقر إليها عموماً في مجتمعنا، وإنما سعادة الأمم بأبنائها الذين تثقفت عقولهم وبنسائها ورجالها الذين حسنت تربيتهم. ففي هؤلاء سعادتها الحقة وعظمتها الأساسية الباقية. إن الفكَر هي التي تسيّر العالم لا العكس على أن تكون هذه الفكر فكرنا نحن ومستمدة من معدننا الحقيقي الراسخ رسوخ الأنوار في الكواكب التي تحجبها عنا أحياناً غمائم قاتمة تعكس شرّ بعض النفوس الصغيرة والعقول غير البصيرة.

ونحن إنما نقول هذا لأننا نصبو جميعاً إلى لبنان حضاري تكبر خطاه إلى الألف الثالث ندخله مع اخواتنا في البشرية.

البيئة وحقوق الإنسان

* ما علاقة البيئة بحقوق الإنسان؟

- ليس من بند في شرعة حقوق الإنسان حول مشكلة البيئة المتفاقمة. لكن تلوّث البيئة لا حدود له وهو بالتالي لا يوفر أحداً وهذا ما ينبغي أن يدركه الجميع دونما استثناء. إن تلوث البيئة هو من المعضلات البشرية التي تتهدد الكون بأسره. ولقد تنبّه الفرنسيون منذ أمد بعيد إلى ضرورة إضافة كلمة «المواطن» إلى «شرعة حقوق الإنسان» فأمست «شرعة حقوق الإنسان والمواطن» تيقناً منهم بأن كلمة «الإنسان» على أهميتها وشموليتها لا تفي بالمستجدات في العالم ولا سيما ما يحدث في المستوى البيئي. فهناك خصوصيات مختلفة ينبغي أخذها في الاعتبار وهناك في الوقت نفسه مشكلة البيئة التي تجمع بين مسؤولي العالم. وهكذا نرى أن ثمة علاقة وطيدة جداً بين البيئة وحقوق الإنسان. وهذه العلاقة فرضتها «القرية الكونية» التي لا تلغي الخصوصيات كما أسلفنا.

* ما أساس المعضلة البيئية في العمق؟

- إن أساس معضلاتنا المزمنة هو داخلي ومردّه إلى بيئتنا الداخلية أي إلى أنانيتنا ومركزية الأنا لدينا من جهة وحب الظهور المرضي من جهة ثانية. والحل ببساطة هو الغيرية والتأصّل المنزّه. والثورة الإنسانية التي ندعو إليها ترتكز على التربية الصحيحة والعلمنة الشاملة وتشتمل في ما تشتمل على الثورة الخضراء أي الثورة البيئية.

أين نحن من التلوث؟

* هل لنا ببعض الأمثلة المعاشة حول تلوّث بيئتنا نتيجة تلوّثنا الداخلي؟

- إن فقداننا حقوقنا البيئـية بحـصر المعنى، يعكس عدم قيامنا بواجباتنا البيـئية ويعبّر عن تلوث بيئتنا الداخلـية. إن السبب الرئيسي لتلوث بيئتنا الخارجـية هو تلوث بيئـتنا الاجتـماعية أو الداخلـية.

استقبلنا عام 1988 نفايات العالم على اختلافها فيما رفضتها «مجاهل» افريقيا. طعامنا ملوث يؤدي أحياناً كثيرة إلى أمراض خبيثة خبث بعض التجار الفجّار الذين باعونا إياها حتى بعمـلة غير وطنـية. الضجة جزء من فولكـلورنا وأمسـت أخيراً سيمفونيا وطنية جماعية بفضل صوت مولدات الكهرباء المتزايدة التي يعتبرها بعضنا دليل عافية اجتـماعية ومؤشـر روح مبادرة لدى الفـرد اللبـناني الخلاّق. ومن فولكـلورنا المحبّب إلقاء الديناميت في البحر لصـيد الأسمـاك... وضمن نظرة دجاجية للأمور تفضي إلى أمراض بشرية وانهيارات طبيعية، نقطع الشجر ونستبيح غابات وجبالاً فيما نسخر من صحارى سوانا الطبيعية. والأهم ألا يزحف إلى مجتـمعنا مزيد من التصحّر الفكـري يصيبنا بجـفاف أشد خطورة من جفـاف الأراضي... نقـتل الطـير المفيد وغير المفـيد والذي يؤكل أو لا يؤكل، فيما نأوي بين المنازل أجناساً وأنواعاً من الطيور وسواها تسهم في تلويث أجوائنا فتحرمنا أبسط حقوقنا من تنشّق الهواء النقي الذي هو هبة من الله عز وجلّ... متى نراقب عوادم السيارات؟ وهل يعلم بعضنا أن التلوث الغباري يغتال لدينا وبالتقسيط البشر والشجر والحجر؟...

* تدرّس مادة علم الاجتماع العسكري في المدرسة الحربية. كيف للجيش أن يحلّ محلّ الأفراد في التنمية والبيئة؟

- إنني أعطي دروساً في مادة علم الاجتماع العسكري، والمقصود، بدءاً، توضيح القيم الاجتماعية التي ينبغي للعسكري أياً كانت رتبته أن يتحلى بها، من مثل: الشجاعة والإقدام وحسن التصرّف والتدبير... والمقصود بالدرجة الثانية إلقاء الضوء على أسس علم الاجتماع في ما هو من مذاهبه وتقنياته وميادينه. والمقصود أخيراً أن ندرج القيم الاجتماعية في إطارها السوسيولوجي. من الثابت أن الدور الأساسي للمؤسسة العسكرية هو الذود عن الوطن وعن حدوده وأمنه بوجه عام. أما التنمية والبيئة اللتان تتحدثين عنهما فهما أساس مهام البلديات. إلا أن عناصر الجيش من شأنها في حالات السلم الأهلي المستتب أن تؤازر السلطات المحلية في مهام التنمية والبيئة المتكاملة، إذ لا نمو بلا بيئة سليمة ولا بيئة سليمة بلا نمو مطّرد.

 الدكتور جهاد نعمان في سطور

- من مواليد 1949 - حريصا - لبنان.
- عضو في «اتحاد الكتّاب اللبنانيين».
- أسّس في العام 1979، أول جمعية بيئية في لبنان تحت اسم «الاتحاد اللبناني للحفاظ على البيئة».
- أستاذ الترجمة والحضارات المقارنة في جامعة «نانسي» الفرنسية.
- أدرج مادة فلسفات الشرق الأقصى في الجامعات اللبنانية.
- له مقالات عدة في الصحف.
- من ترجماته إلى العربية أول أطروحة بيئية حول مدينة الرياض لأديب فارس (دكتوراه) والإشراف على ترجمة (من أساتذة في الجامعة اليسوعية) لدراسة الخبير نقولا شماس عن لبنان.
- يجيد خمس لغات منها اليونانية القديمة.
- وضع سبعة وعشرين مؤلفاً تدور على قضايا الفكر والفلسفة وحقوق الإنسان.
- من مؤلفاته باللغة الفرنسية: مدخل إلى المسرح السياسي اللبناني - مسألة المعرفة عند ابن خلدون - مدخل إلى فلسفات الشرق الأقصى.
- أستاذ في المدرسة الحربية.
- حائز درع الجيش اللبناني من القائد السابق للجيش العماد اميل لحود لتأليفه كتاباً عن التربية المدنية لأفراد المؤسسة العسكرية.