ثقافة وفنون

جان مشعلاني: سليل اللعبة اللونية مدرسة في الكاريكاتور
إعداد: جان دارك أبي ياغي

رسم ورسم إلى أن سقطت الريشة من يده        
خسرت الصحافة الكاريكاتورية الرسام جان مشعلاني الذي ناضل من أجل الكلمة والفكر والحرية بالموهبة الكبيرة التي وهبه إياها الله، فكان إعلاميًا فنانًا خطّ بريشته على مدى نصف قرن أحرفًا ورسومات في الصحف والمجلات التي اتخذها منبرًا فكريًا له وكان أبرزها وعلى مدى عقود من الزمن.في جريدة «الأنوار ومنشورات أخرى في دار الصياد «.
كان جان يجلس إلى طاولته وأمامه مسند من خشب يضع عليه كدسة أوراق وكان يُرجع ظهره إلى الوراء عندما ينهي بعض اللمسات لينظر إلى ما رسم ويصحح ويخرطش ويمرر ريشته، وكانت هذه الجلسة تريحه، هو الذي كان في معظم أعوامه بدينًا. وكان بعض أشخاصه الكاريكاتوريين الظرفاء الذين يبدعهم، يشبهونه في هذه البدانة، وكانوا مرحين مثله ومبتسمين حتى في لحظات الألم. عرف الألم والفقر في مطلع حياته كما في نهايتها، بعدما أصابه المرض وأقعده، لكنه أصر على مقاومته بالرسم إلى أن سقطت الريشة من يده.
لم يلتزم جان مشعلاني خطًا واحدًا ولا رؤية واحدة في فنه الكاريكاتوري، فهو الآتي من قلب اللوحة والألوان الزيتية، شاء أن يفتح أبواب الكاريكاتور أمام إمكانات الفن التشكيلي ولكن من غير ادعاء، وكان انتقاله من الأسود والأبيض إلى الألوان سهلاً، فهو سليل اللعبة اللونية التي كان له فيها أعمال كثيرة ظلت راقدة في منزله ولم يكن يخرجها إلى الضوء إلا نادرًا. كان يرسم مخاطبًا قراء الصحيفة والمجلة، ولم يسع يومًا إلى الشهرة والنجومية، ولا إلى إقامة المعارض وإصدار الكتب كما فعل أبناء جيله. أمضى جان أكثر من خمسين عامًا يرسم يوميًا لصحيفة «الأنوار» ومجلة «الصياد» وسائر منشورات الدار التي أسسها الصحافي الكبير سعيد فريحة. وكان سعيد نفسه أحد أساتذته ومثاله الأعلى ورفيقه. وكان يواظب على عمله في الدار وكأنه فنان موظف، لا يطمح إلى أكثر من راتبه، ما دام حرًا في ممارسة الفن الأثير إلى نفسه، وفي ابتكار طرائق وأساليب غير مألوفة ليعبر من خلالها عن أفكاره ومشاعره ومواقفه السياسية والاجتماعية، وعن انحيازه الدائم إلى الناس العاديين والفقراء وإلى المواطنين البسطاء.
لا تُحصى الرسوم التي أبدعها جان مشعلاني، وجمعها يحتاج إلى جهد كبير، بخاصة أن الفنان لم يأخذ بتقنية الكومبيوتر بل ظل محافظًا على الرسم الورقي. وهو صاحب تراث كبير في فن الكاريكاتور، لبنانيًا وعربيًا، ولا بد من إصدار مختارات من هذا التراث البديع، كي تتمكن الأجيال المقبلة من الاطلاع على مدرسته الخاصة وعلى طرق معالجته الأفكار والمواقف بالخط واللون، وعلى تقنياته المتعددة ومراسه المتفنن سواء في الرسم أم في اختيار اللقطة والشخصيات.