قضايا إقليمية

جدلية وتداعيات خدمة المتدينين اليهود في الجيش الإسرائيلي
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

«المساواة في العبء الأمني»، مفهوم درج الإسرائيليون على اتخاذه شعارًا يعكس شعورًا لديهم بالظلم والغبن نتيجة وجود شريحة «الأصوليين - الحريديم» التي لا تخدم في الجيش، وبالتالي لا تشارك بقية أفراد المجتمع في تحمّل أعباء الخدمة العسكرية ومخاطرها، على الرغم من تمتّعها بكل امتيازات المواطنة وتمتّعها بنصيب في الموازنة يفوق ما يحق لها به وفق نسبتها العددية.
والمساواة في العبء ايضًا شعار طالما ردده الإسرائيليون، وطالبوا به منذ سنوات طويلة، وكان عنوانًا لاحتجاجات شعبية كبيرة وموجة تركبها أحزاب علمانية، وحتى رؤساء الوزارات تنافسوا على رفع هذه الراية لا سيما قبل الانتخابات، فالتنافس على انتقاد الأصوليين والتشهير بهم يأتي في المرتبة الثانية بعد التنافس على كراهية الفلسطينيين والتحريض عليهم خصوصًا فلسطينيي الـ 48. إلا أن شن رجال السياسة في اسرائيل الحرب في موضوع التجنيد هنا لا يعدو كونه من باب المناورة والاستغلال السياسي الداخلي، وهناك شك كبير في أن يكون الجيش الاسرائيلي نفسه متلهفًا على خدمة هؤلاء «الحريديم» المتعصبين، كما أن لا أحد يطالب أحدًا بجدية بتجنيد العرب، فهذه مسائل اشكالية ومثيرة لجدل عقيم ومزمن.
والجدير بالذكر ان مقولة المساواة في العبء شكلت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في اسرائيل، الشعار الأهم للاصطفاف والتجاذب السياسي، وكان حزب «يائير لابيد» (يوجد مستقبل) قد ربط مستقبله السياسي به، وفي اتفاقه الائتلافي مع نتنياهو أصر لابيد على تشكيل لجنة ائتلافية برئاسة حزبه تعمل على إعداد القانون في هذا الخصوص بحيث تنتهي من اعداده بعد ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة، وعلى أن يتم الانتهاء من المصادقة علية في الحكومة في فتره قصيرة لا تتعدى ستة أشهر. اللجنة شكلت من جميع احزاب الائتلاف الحكومي، وترأسها الوزير يعقوب بيري الذى شغل في السابق رئاسة الشاباك، وقد توصلت الى مشروع قانون هو عبارة عن مقترح يتعلق بإلزام المتدينين الأصوليين بالخدمة العسكرية والمدنية. من هنا اعتبر بعض الصحافيين الاسرائيليين أن «ثورة المساواة في العبء»، تساوي في اهميتها المصيرية اليوم الثورة الفرنسية بل ولا تقل أهميتها إلا قليلًا عن الثورة الصناعية في اوروبا! والحقيقة أنه في الظاهر يخرج المجتمع في اسرائيل للنضال من اجل التساوي بين الجميع لناحية اداء الواجبات الوطنية تجاه الجيش، لكنّ المسؤولين السياسيين الاسرائيليين الذين يدعون الى «المساواة في العبء»، في رأي بعض المحللين، لا يريدون التساوي حقًا وإنما يستغلون الموضوع سياسيًا واعلاميًا، والشاهد أنهم لا يناضلون من أجل رفع مظالم أكبر بكثير، وهنا تطرح تساؤلات كثيرة وكبيرة: هل المساواة في حقوق السكن قائمة، وكذلك المساواة في تخصيص الأراضي للبناء والتطوير، والمساواة في ميزانية التعليم والصحة، والمساواة في البنى التحتية، والمساواة في التشغيل والبطالة والمساواة في الفقر والثراء الخ...؟  هل تنازلت الحكومة على الملأ عن مشروع مصادرة الأراضي واقتلاع عشرات الآلاف من المواطنين العرب في النقب، أوما يسمى بـ«مشروع برافر» الذي يجري تداوله اليوم في أروقة الحكم؟ ثم هل تم تحقيق المساواة أمام القانون بين الأغنياء والفقراء، والعرب واليهود؛ والمساواة في الدخل بين النساء والرجال، والمساواة في الفرص بين اليهود الغربيين والشرقيين، فلم يبق سوى هذه المظلمة يُراد رفعها وفورًا؟
المساواة في العبء بحسب صحيفة معاريف «ليست هدفًا، بل أكثر من ذلك، هي ليست أمرًا قابلًا للتحقق. وحتى داخل الجيش لن تكون هناك مساواة في العبء أصلًا بين جندي قيادة وجندي في غولاني أو بين طيار قتالي وطباخ».
وتضيف الصحيفة أنه من حق الجيش أن يقرر هل يفضل تجنيد المزيد من الجنود أم يتزود مزيدًا من الدبابات؟ والقرار حول من يتم تجنيده يجب أن ينشأ عن احتياجات الجيش الفعلية وليس عن حجم ورديات التجنيد. وكل من خدم في الجيش يعرف أنه يوجد آلاف الجنود في أدوار زائدة تكلف خزينة الدفاع الكثير جدًا من المال فقط لأن الدولة تفرض على الجيش تجنيدهم. ومع تجنيد الأصوليين والعرب ستحتدم المشكلة اضعافًا مضاعفة، وإلى هنا لم نتحدث بعد عن كلفة جهاز الفرض والعقاب، وكلفة بناء مسارات خدمة خاصة للأصوليين وعن الجدوى المشكوك فيها التي يمكن تحقيقها ممن يخدمون في الجيش خلافًا لإرادتهم.
إن فكرة تسليح الشبان العرب وتدريبهم العسكري تثير لدى الجيش حالة من التعجب والاشمئزاز وفكرة تجنيد الأصوليين لا تقل سخافة، وإن كان لأسباب اخرى. الحاخامون يزعمون ان شبابهم، بعد الخدمة في الجيش سيكونون ضائعين وغير جديرين بالعودة إلى الطائفة الاصولية، وبالتالي يطالبون ببساطة بالاعتراف بأن هذا جمهور خاص، مختلف من كل النواحي، ويحق له أن يعيش حياته من دون أن تتحرش به الدولة.
من الناحية العملية يرى المحللون أن تجنيد الأصوليين سيشكل مصيبة للجيش الاسرائيلي، اذ ستملأ صفوفه ألوف من الجنود الذين يكرهون الجيش الاسرائيلي وكل ما يرمز اليه. هؤلاء الجنود لن يطيعوا الا اوامر الحاخامين، وسيرفضون اطاعة أوامر قادتهم عندما يقول الحاخامون لهم افعلوا كذا وكذا. الكثيرون سيقضون فترة خدمتهم في السجن. البعض وجد حلًا بسيطًا للمشكلة وهو في وضع حد للخدمة الإلزامية القديمة. فأفضل الجيوش في العالم وضعت حدًا لها منذ زمن بعيد، بالإعتماد على جيش متطوعين مهني، اذ ان المعركة في عصرنا لم تعد صدامًا بين كتلتين بشريتين كما في الحروب الكلاسيكية القديمة، والجيش الحديث تحوّل إلى جسم مهني صغير، يستخدم عتادًا متطورًا، يستوجب اختصاصات وتجارب جمة، وكلما كان الجيش حاليًا اكبر واكثر انتفاخًا، كانت نجاعته أقل.