قضايا إقليمية

جرائــــم اسرائيــل تفقــــــدها شرعيتها الدوليـة
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

إن إسرائيل التي ولدت في الأصل خارج رحم القانون والشرعية الدوليين لا تجد أي شيء شاذ في سلوكها الإجرامي ما دام الأصل والأساس غير قائمين على أي قدر من العدالة والشرعية


ليس سرًا حجم العداء الإسرائيلي للمنظمات الإنسانية والأنشطة الدولية المتضامنة مع الفلسطينيين والمنددة باستمرار الاحتلال الاسرائيلي الأراضي الفلسطينية. وقد شهدت الأعوام المنصرمة حوادث عنف وسفك دماء أقدم خلالها الجيش الإسرائيلي على قتل ناشطين وصحافيين اجانب في غزة والضفة الغربية. والجميع ما يزال يذكر قضية الناشطة الأميركية الشهيدة راشيل كوري التي قتلتها جرافة اسرائيلية ضخمة في أثناء محاولتها الإحتجاج البريء والسلمي على هدم منازل فلسطينيين في قطاع غزة العام 2003. كما أن إطلاق عناصر الكوموندوس الإسرائيلي النار على ركاب السفينة التركية التي شاركت في مساعي كسر الحصار المفروض على قطاع غزة وقتل أكثر من تسعة من ركابها، قد كشف أمام الملأ عن الوجه الحقيقي للدولة العبرية التي تحاول زورًا أن تصور نفسها دائمًا أمام المجتمع الدولي على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة التي تتبنى قيم المجتمع الغربي، فإذا بها لا تتورع عن ممارسة القرصنة «والبلطجة» في المياه الدولية بشكل سافر ومتوحش في ظل امتلاكها وحدها في منطقة الشرق الأوسط السلاح النووي ورابع أقوى الجيوش في العالم تسليحًا في البر والبحر والجو.
على ضوء ما تقدم توضح أوساط اسرائيلية بأن عددًا ملحوظًا من الفنانين والموسيقيين العالميين يحجمون عن الذهاب إلى اسرائيل من ضمن ما يسمونه حملة عالمية «لنزع الشرعية عن اسرائيل». وفي الماضي تم عزل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، إثر حملة استمرت لسنوات على هذا الصعيد. أما اليوم فمواقع التواصل الإجتماعي مثل «الفيسبوك» او مواقع التدوين المصغر مثل «التويتر» تبدو قادرة على بث رسائل احتجاجية في العالم أجمع خلال ثوان معدودة لتضغط على الفنانين والأدباء وأساتذة الجامعات ليبقوا بعيداً عن الكيان الصهيوني، مع لفت انتباه الملايين من المعجبين بهم إلى القضية الفلسطينية وما تنطوي عليه من مآس انسانية فاضحة. ومثل هذه الأنشطة، تتعدى في مضمونها وأبعادها بالنسبة إلى إسرائيل، الإحساس بالعزلة والإدانة الأخلاقية، لتصل إلى حد الإقرار بوجود تداعيات استراتيجية جدية تحدث عنها يوفال ديسكين رئيس جهاز الأمن الداخلي (شاباك) حيث قال: إن جمود المفاوضات السلمية  التي تدخل فيها الولايات المتحدة كوسيط إنما يجعل الفلسطينيين يشعرون بأنهم «في مقعد السائق، الأمر الذي يكسبهم زخمًا مع وجود اتجاه متنام في العالم نحو الإعتراف بدولة فلسطينية، وتناقص في قدرة اسرائيل على المناورة دبلوماسياً.
ورأى معهد «رؤوت» (رؤية) العبري، وهو مؤسسة بحثية تركز اهتمامها على القضايا الأمنية والإقتصادية والإجتماعية، أن الراغبين في نزع الشرعية عن اسرائيل إنما يسعون إلى نفي حقها في الوجود عن طريق وصمها بالقسوة والعنف واللاإنسانية «مما ينزع الشرعية الأخلاقية عن وجودها». وواضح أن هذا المعهد يطلق الشكوى والتظلم ويتناسى ما تقوم به أيدي الدولة العبرية من جرائم قتل المواطنيين الفلسطينيين وهدم بيوتهم ومصادرة أراضيهم وتقسيم وطنهم بجدران الفصل العنصري، واعتقال الأبرياء منهم وجرف مزروعاتهم ونهب مياههم. والأدهى من هذا أن وزير الخارجية الإسرائيلي العنصري المعروف افيغدور ليبرمان قام بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في تمويل جماعات اسرائيلية واجنبية، يزعم أنها جزء من شبكة عالمية تسعى لنزع الشرعية عن الدولة العبرية،  في حين يقول منتقدوه إنه هو المسؤول شخصيًا أكثر من سواه عن «تلطيخ صورة اسرائيل كدولة ديمقراطية»، بتصريحاته ومواقفه التي ينفي فيها وجود أي فرص لإحلال أي شكل من أشكال السلام العادل أو المتوازن في الشرق الأوسط.
وفي اليوم الذي أحيت فيه الحكومة الإسرائيلية الذكرى التقليدية لضحايا الكارثة النازية، أكدت المحافل السياسية الإسرائيلية أن العام 2010 شكل بجدارة عام تنامي ظاهرة «إنكار حق اسرائيل في الوجود»، مما دفع الحكومة إلى إنشاء لجنة وزارية تعمل على مخاطبة دول العالم بلغة التضليل والخداع، وتحثها على سن قوانين ضد الإنسانية، في حين تقوم هي بكل الأعمال غير القانونية وغير الإنسانية وغير الأخلاقية، للقضاء على أيّ مقومات فعلية وموضوعية تفسح في المجال امام قيام دولة فلسطينية مستقلة. وفي هذا السياق أعرب وزير الدفاع ايهود باراك عن قلقه من المناورة الدبلوماسية التي يقوم بها الفلسطينيون والتي يسعون من خلالها إلى تحصيل اعتراف دولي بفلسطين مستقلة ضمن حدود 4 حزيران العام 1967.  وموجة الإعتراف التي بدأت في الأرجنتين تصاعدت إلى وسط أميركا وتمددت تدريجًا نحو أوروبا وآسيا وأفريقيا، الأمر الذي جعل باراك يقول: إن استباق المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة لا يكون إلا بالخروج بمبادرة اسرائيلية تقنع الأسرة الدولية باستعداد اسرائيل الفعلي لتقاسم «البلد» مع الفلسطينيين. ولذلك فهو يؤيد شاؤول موفاز في سعيه للتوصل إلى اتفاق اطار لتسوية دائمة محورها إخلاء المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، وفق برنامج طويل الأمد ومتدرج، في حين أن ليبرمان وموشيه يعلون (بوغي) يطرحان اقتراحات عبثية لا يوافق عليها أحد في العالم وتضع اسرائيل ضمن صورتها السلبية المعهودة.
إن من المبادئ الإنسانية في أي شرعية أو عدالة وطنية أو دولية، أن يلقى كل مذنب جزاءه في محاكمة عادلة. ولكن نجاح اسرائيل في الإفلات من أي تجريم أو عقاب بفضل الدعم الأميركي والأوروبي، إنما يهدد احترام هذا المبدأ ويجعل الإفلات من العقاب،  إلا بصورة استنسابية ممكناً. وهذا ما حصل بالفعل بالنسبة إلى مداولات المحكمة الدولية في لاهاي المتعلقة بالجدار الأمني حول الضفة الغربية والقدس، وهذا ما حصل أيضاً بالنسبة إلى الدعاوى القضائية المقدمة ضد مسؤولين عسكريين وسياسيين اسرائيليين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في فلسطين ولبنان (في أثناء حملة الرصاص المسكوب في غزة وخلال ما سمي حرب لبنان الثانية العام 2006). وهذا ما حصل أيضًا في أثناء مؤتمر دربن الثاني حيث لقيت اسرائيل بالرغم من كل هذه الجرائم عفواً كاملاً في الأمم المتحدة وفي منظمة التجارة العالمية.
بناء على ما تقدم، يتأكد أن اسرائيل التي ولدت في الأصل خارج رحم القانون والشرعية الدوليين، لا تجد أي شيء شاذ في سلوكها الإجرامي ما دام الأصل والأساس غير قائمين على أي قدر من العدالة والشرعية. ولذلك فالكلام على نزع الشرعية عن اسرائيل إنما هو سعي إلى إماطة اللثام عما ألبسه المجتمع الدولي، بنفاق الدول، ذات المصلحة، لهذه الدولة الشاذة من غلالة الشرعية القانونية المزيفة. وكان من المفترض بهذه الدولة الخرقاء أن تتصرف وفق الأعراف القانونية الدولية حتى تعوض انعدام شرعيتها الأساسية منذ نشأتها، ولكن الحاصل هو عكس ذلك تماماً، وهذا ما تثبته جرائمها منذ دير ياسين وكفر قاسم مرورًا بصبرا وشاتيلا وقانا الأولى والثانية ومحرقة غزة وجنوب لبنان وضاحية بيروت مما يفوق المحرقة النازية بشاعة، في وقت لم يعد بالامكان إخفاء مثل هذه الجرائم التي تبث مباشرة عبر الاعلام الالكتروني.