جنوب وشرق آسيا يتحضران للقرن الحادي والعشرين

جنوب وشرق آسيا يتحضران للقرن الحادي والعشرين
إعداد: العميد الركن سامي ريحانا
رئيس غرفة الأوضاع في القصر الجمهوري - دكتوراه دولة ودكتوراه حلقة ثالثة في التاريخ عن جامعة السوربون بفرنسا - خريج كلية الحرب في بلجيكا ( 1981 –1983(

 

 

 

يُعتبر الشرق الأقصى، تلك المنطقة الغامضة بتاريخها رغم عراقتها وعظمة شعوبهـا والدور الذي لعبته هذه الشعوب في حفظ التراث والحضارة العالميين ونقلهما، من الأهميـة بمكان بحيث يفرض تركيز البحاثة عليه بصورة خاصة. فالدور الذي لعبته أو تحاول لعبه دول جنوب شرق آسيا في مجريات الأحداث الدولية، تجعلها في صدارة الاهتمامات الحالية للعالم.

لقد سبق وأوردنا مقالاً عن "تحضُّر الشرق الأقصى للقرن الحادي والعشرين" في مجلة الدفاع الوطني، العدد عشرين، تضمن تحليلاً لأوضاع كل من الصين والهند والكوريتين، بسبب أهمية هذه الدول الاقتصادية والسياسية والعسكرية في عالمنا الحالي. ولم يتطرَّق المقال، بسبب ضيق المجال، إلى دول أخرى ما زالت بحاجة إلى إلقاء الضوء على أوضاعها السياسية والاقتصادية والعسكرية وعلى مشكلاتها وإنجازاتها.

 

أولاً- الأهمية الستراتيجية

من هذه الدول، الهند التي صنعت القنبلـة الذرية وأمَّنت تفوقاً عسكرياً على غريمتها باكستان رغم المشكلات الديموغرافية والاقتصادية التي تواجهها، والتي ستتجاوز الصين في عدد السكان مع بداية القرن المقبل، مما سيشكِّل سوقاً استهلاكيةً ضخمـةً تدفع الدول المنتجة للاهتمام  بها والتعامل معها. والحجم العسكري للهند يمكن أن يؤثِّر على الأمن الإقليمي في شرق آسيا وجنوبـها، وعلى مدى انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح في العالم.

ومنها تايـوان التي وقفت وما تزال في وجه المدّ الصيني، اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، والتي تقوم حالياً بتصنيع وتجميع طائرات إف 16 وصواريخ باتريوت الأميركية.

ومنها مجموعة النمور الآسيوية([1]) الاقتصادية التي انطلقت في شرق آسيا وازدهرت مسجلـةً أعلى وأسرع نسبة نمو في التاريخ الاقتصادي. وهي قد سجلت عدداً كبيراً من الحسنات، ولا سيما في الإدخارات المرتفعة والسياسات المالية والنقدية الحكيمة والانفتاح التجاري.

ومنها كمبوديـا التي شهدت صراعاً طويلاً على النفوذ، وشهدت بعد انتهاء الصراع توافد شركات ورؤوس أموال يابانيـة وفرنسية لغايات تجارية ولإثبات الوجود في منطقة جنوب آسيا.

ومنها رابطـة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" التي نافست اليابان والولايات المتحدة اقتصادياً وإنمائيـاً وفي ميدان سباق التسلح، كما نافست اليابان والصين في نزاع شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي الغني بالنفط، وبالتقنيات الإلكترونيـة المدنية، وفي خدمـة تصنيعها العسكري. فبين عامي 1979 و 1989 زاد إجمالي الناتج القومي لدول "آسيان" و"مجموعة النمور" بنسبة 166 بالمئة، بينما لم تتجاوز الزيادة العالمية 100 بالمئة. ويعتقد الخبراء الأميركيون أن شرق آسيا سيكون قلب الاقتصاد العالمي ومركز العلوم التقنية الحديثة([2])، وكل من يسيطر عليه في القرن المقبـل سيسيطر على العالم. وهذا ما يدفع الولايات المتحدة إلى العمل على منع قيام خصم مقتدر في شرق آسيا.

ومنها فيتنام التي دخلت التاريخ من بابـه العريض من خلال عنادها في الدفاع عن أرضها ضدَّ كل وجود أجنبي استعماري، وخاضت حرب الهند الصينية (1946-1954) ضدّ القوات الفرنسية وحرب فيتنام (1964-1973) ضدّ أكبر إمبراطورية في العالم، وتمكنت من الصمود في وجه الآلة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة، كما تمكنت من كسر شوكة الهجوم الصيني المرة تلو المرة. وأخيراً خاضت حرب توحيد نفسها عامي 1974-1975 ونجحت في نهايتها، وتُعتبر حالياً من الدول المؤثرة والدول العسكرية الكبرى في الجنوب الآسيوي رغم اقتصادها المتأخِّر.

ومنها ماليزيا، الفتية،واندونيسيا والفليبين وتايلاندا وماكاو وسنغفورة، وكلها دول بارزة ومؤهلة للعب دور على الساحة الدولية.

ومما يزيد من أهمية المنطقة مجموعة قضايا إقليمية تهم العالم وخاصة الدول الكبرى. وأهم القضايا مشكلات تايوان وهونغ كونغ وشبـه جزيرة كوريا وماكاو وجزر سبارتلي؛ وكلها مناطق احـتكاك، قد تُدخل الدول العظمى، خاصةً الولايات المتحدة والصين، في نزاع غير مباشر يؤدي إلى اضطراب أوضاع المنطقة بأسرها. ومن أسباب الاحتكاك الممكن عدم المساواة في النمو الاقتصادي وفي التقنية الصناعية بين هذه الدول، بسبب الحروب الأهلية وهيمنة الآلة العسكرية، كما هي الحال في كمبوديا والفليبين وفيتنام وكوريا الشماليـة. لذا صار هذا التفاوت عامل خلاف مستحكم، مما قد يهدد الأمن الآسيوي وربما الدولي.

مقابل هذا التشرذم وأمام سباق التسلح، ارتفعت أصوات تنادي ببناء وحدة آسيا الهادئ، أبرزها دعوة الرئيس كلينتون إثر قمَّة "سياتل" لدول مجلس تعاون آسيا - الهادئ (ايبك)، على أن تكون الولايات المتحدة الشريك الكامل في عملية التنمية الآسيوية.

ومن مظاهر أهمية المنطقة الاقتصادية، نذكر أن أكثر من 40 بالمئة من التجارة الأميركية تتركَّز في هذه المنطقة. وتشير الأرقام التجارية إلى تزايدها حتى بلوغ الضعفين عام 2000 . كما سُجّل نمو اقتصادي بارز لدى "النمور الآسيويـة" التي تملك حالياً ادِّخارات مرتفعة وسياسات مالية ونقديَّة حكيمة وانفتاحاً على جميع النشاطات التجارية: استثمار في التعليم، حقوق عقارية آمنة، إنفاق رأسمالي كثيف، تكنولوجيا متطورة مقرونة بكفاءة عالية، سياسات حكيمة ...الخ([3]).

على الصعيد النووي، وإضافة إلى العملاق الصيني، فإن دولاً عدة تمكنت من حيازة القنبلـة النووية، وهي الهند وباكستان وبعض دول الاتحاد السوفياتي السابق. كما تواصل دول أخرى عملها الجاهد لحيازة السلاح النووي، لاسيما كوريا الشمالية وتايوان.

         

ويرى بعض المفكرين أن مراكز القوة العالمية التي كانت تتركز في آسيا قبل خمسة قرون وتوجهت نحو منطقة المتوسط ثم أوروبا فالعالم الأطلسي عبر بريطانيا، ثم منطقة الهادئ، تعود الآن بعد 500 عام إلى منطقة آسيا([4]). هذا رغم وجود الهوة الاقتصاديـة بين الدول الغنية والدول النامية فيـها. فمع بداية القرن الحادي والعشرين، تضم آسيا قوى ذات أوزان مختلفة. فهناك القوى المؤثرة جداً كالصين والهند واليابان واندونيسيا وباكستان، كما هناك قوى متوسطة الوزن مثل كوريا وفيتنام، وقوى متخلفة.   

ومما لا شك فيه أن الدول الفاعلة في جنوب وشرق آسيا ستتابع تنمية قدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية وتطويرها، رغم سعي الولايات المتحدة للبقاء في طليعة العالم في هذه الميادين.

ويكفي، لكي نأخذ صورة واضحة عن مدى الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقـة جنوب شرق آسيا بالنسبة للولايات المتحدة وللدول الفاعلة في التوازنات الدولية الحالية، أن نذكر حالتين أدَّتا إلى تحرك عسكري أميركي في منطقة آسيا - الهادئ وتوجيه قوات عسكرية ضخمة إلى جنوب آسيا. وفي الحالتين استنفرت الإدارة الأميركية الأسطول السابع وقوّاتها في المنطقة والبالغة 37 ألف جنـدي في كوريا، كما أن الرئيس كلينتون قام خلال هذه المرحلة بزيارة إلى اليابان، اعتُبرت من أهـم زياراته الخارجية، وهدفت إلى توقيع معاهدة أمنية تلعب اليابان بموجبها دوراً أكثر فاعلية في السلام والأمن في المنطقة. وهاتان الحالتان هما:([5])

- - قيام الصين بسلسلة مناورات عسكرية منذ أواسط صيف 1995 بمواجهة شواطئ جزيرة تايوان، وصلت إلى ذروتـها في شهر آذار 1996 عشية أول انتخابات تايوانية. وهدفت المناورات إلى الضغط على حكام الجزيرة وتذكيرهم بوجوب العودة إلى الوطن الأم، أي الصين.

التوتر العسكري بين الكوريتين الذي تمثـل باختراق نحو 2000 عسكري شمالي بأسلحتهم الثقيلة حدود كوريا الجنوبية ثلاث مرّات متتالية خلال 3 أيام، ثم مطالبة كوريا الشمالية بعد رفضها الهدنة القائمة منذ 1953، بعقد معاهدة أمنية مباشرة مع الولايات المتحدة تستبعد عنها جارتها الجنوبي.

لكل هذه الأسباب، رأينا ضرورة البحث في منطقة جنوب - شرق آسيا بهدف إكمال الصورة عن هذه المنطقة الغامضة والبعيدة والتي دخلت حالياً في ميدان التوازنات الدولية المؤثرة([6]). وسنبدأ دراستنا بالبلد الأضخم سكاناً ومساحةً: الهند.

 

ثانياً- الهند

الهند الغامضة والعريقة في تاريخها وحضارتها، تستأهل الدراسة بعمق وتمعن. من الفلسفة إلى الطب وعلم الفلك والدين قديماً، إلى أول دولة ديموغرافية في العالم مع بداية القرن القادم. من جبال الهملايا في الشمال، إلى أحواض الهندوس والغانج، إلى المساحات الشاسعة حيث يٌزرع القمح والأرز وتنتشر العادات الغريبة.

 

أ- التعريف بالهند

غالبيـة السكان هم من الهندوس (82 بالمئة) مع أقلية إسلامية تبلغ 11 بالمئة و14 مليون مسيحي كاثوليكي أبرزهم الأم تريزا التي توفيت منذ مدّة. طائفة السيخ تشتهر خاصة في البنجاب بنسبة 1.8 من سكان الهند. لكن أهميتها تكمن في أن 14 بالمئة من عديد الجيش هم من أبنائها([7]). ولهذه الطائفـة عادات غريبة، فأفرادها يتركون شعورهم وذقونهم ويرتدون السراويل القصيرة ويحملون السيف مع المشط الفولاذي والسلسال الحديدي.

وأفراد السيخ والهندوس يحرقون أمواتهم باستثناء الأطفال، ويفضلون الموت على ضفاف نهر الغانج المقدس. أفراد قبائل البرسيس (PARSIS) يعرضون أمواتهم في بومباي على السطح لتأتي الكواسر وتلتهمها. أما الساتي (SATI) فكانوا يحرقون النساء مع أزواجهن عند وفاتهم. هذه العادة التي ألغيت منذ عام 1829، عادت سنة 1978 إلى الظهور([8]).

اللغات المحلية تبلغ 1652 لغة مع نسبـة كبيرة من الأميين تبلغ 60 بالمئة لدى النساء و 35 بالمئة لدى الرجال.

تبلغ مساحة الهند 263 287 3 كيلومتراً مربعاً  مع 168 15 كيلومتراً من الحدود. أبرز جبالها هي الهملايا في الشمال التي تمتد 2400 كيلومتر، وأعلى قمة فيها تبلغ ارتفاع 7788متراً. وتشمل البلاد 8 مناطق مناخيَّة تتراوح بين الصحراء الناشفة والسهول مع 500 إلى 700 ميليمتر من الأمطار. الصيف حار جداً والشتاء معتدل باستثناء الجبال حيث يكون باردا.ً

 

ب- لمحة تاريخية

المرحلة الآرية([9])

يعود تاريخ الهند إلى زمن بعيد قبل الميلاد. فقد سيطر العرق الآري على البلاد منذ 1500 إلى 468 ق.م بواسطـة قبائل هندو أوروبية هاجرت جنوباً من منطقة السهوب، بجوار بحر قزوين في القرن الثامن عشر ق.م، فارضة حضارتها على الشعوب البدائية في الهند.

ومنذ العام 500 ق.م، سجلت ردود فعل وطنيـة دينية متأثرة بالبوذية والبراهمانية. وتمكن خلال هذه الفترة الملك الكبير ناندا، الذي جنَّد 200 ألف مقاتل، من الوقوف في وجه جيوش الإسكندر المقدوني وإيقاف زحفها شرقاً.

 

الغزو الهندو أوروبي من قبل الإغريق والسيت (180 ق.م - 320 م)

بالمقابل، تمكنت البوذية من تحقيق امتداد نحو آسيا الوسطى بين 320 و 713 م، فبدأت المرحلة الكلاسيكية حين سيطرت إحدى سلالات اثنيـة "السيت"، وامتد ملكها من خليج عمان حتى البنغال. وخلال هذه المرحلـة، انتشرت الثقافة السنسكريتية فوصلت حضارتها الهندية القديمة إلى قمتها في الإبداع. ومنذ 495 إلى 540 م، تعرضت البلاد لغزوات الهون البيض قبل ان يتغلب عليهم الترك.

 

(المرحلة الإسلامية (713 – 1764

في عام 713، تمكن الحجاج بن يوسف من السيطرة على مناطق السند، لكن تراجع الخلافة العباسية خلال هذه المرحلة منعه من إكمال احتلاله للهند. ومنذ العام 1000، تابع المسلمون بقيادة ملك الغز غازني (GHAZNI) الغارات لإكمال احتلال البلاد فسيطروا على البنجاب وأقاموا سلطنـة إسلامية في دلهي التي أقامت أول دولة إسلامية منذ العام 1211. ومنذ عام 1325، بدأت المشاكل ضد السيطرة الإسلامية، فاشتعل البنجاب عام 1340 وسادت البلاد بدع دينية أدّت إلى التفرقـة والتشرذم. وعام ..1504، نشأ تنظيم السيخ الديني رغم غارات التتر بقيادة تيمورلنك على دلهي عام 1398

 

إمبراطورية المغول (1526 - 1764)

منذ عام 1526، تمكن بابير (BABUR)، أحد أحفاد تيمورلنك وجنكيزخان، من إنشاء أسرة المغول الحاكمة، فاحتل البنجاب ووصلت قواته إلى حدود البنغال بعد أن هزم السلطان دلهي وسيطر على كشمير والسنـد وكنداهار، محاولاً الحصول على تأييد الهندوس من خلال ابتداع دين واحد هو "الدين الالهي". وخلال هذه المرحلة، ضُبط الأمن شمال الهند وبرز الفن الهندو - إسلامي بأبرز وجوهه، من الجوامع إلى المدافن والجنائن والرسوم والقصور، خاصـة في دلهي. إنما، منذ 1707، ومع وفاة آخر ملوك سلالة المغول العظام، بدأت مملكة المغول بالإندثار تمهيداً للغزو الأوروبي.

 

الهند البريطانية : (1764 –1947 )

سبق السيطرة البريطانية على الهند اكتشاف البلاد من خلال رحلات ماركو بولو (1254 - 1324) وفاسكو دي غاما الذي سيطر على البلاد لصالح البرتغال منذ 1498، فحارب المسلمين والأتراك في المحيط الهندي ودمر أسطولهم عام 1509.

وأُنشئت الشركة البريطانية للهند الشرقية عام 1600، وتمكن أسطولها من تدمير الأسطول البرتغالي عام 1612، وأقامت القلاع البريطانية في مدن هندية عدة. كما ضمت جزيرة بومباي عام 1661 وأنشأت كالكوتا عام 1690. وفي عام 1602 أُنشئت الشركة الهولندية للهند واحتلت سيلان. وفي عام 1664، أنشأ الفرنسيون شركة الهند الشرقية. إلا أن السيطرة الفعلية بقيت للبريطانيين الذين عينوا حكاماً على الهند أبرزهـم اللورد شارلز كونواليس (1786 - 1793) الذي منح الأرض للمغول فأمسوا مزارعين وانصرفوا بذلك عن الحرب ومقاومة الاحتلال.

وفي عام 1858، تنازلت شركة الهند عن البلاد للتاج البريطاني. وفي عام 1877، أصبحت الملكـة فيكتوريا إمبراطورة الهنـد، التي تشمل أيضا برمانيا وسيلان، فانتشر الموظفون البريطانيون في المراكز المهمة كالضباط والقضاة، وأمسكوا بزمام الاقتصاد.

وفي عام 1869، ولد غاندي الذي اصبح محرر الهند وبطلها القومي قبل اغتياله في 30 كانون الثاني 1948.

وخلال الحرب العالمية الأولى، قدمت الهند للجيش البريطاني مليون وثلاث مئة ألف مقاتل إنضووا في الفرق الهندية الشهيرة.

وفي الحرب العالمية الثانية، قدمت الهند مجدداً اكثر من مليونين ونصف مليون مقاتل للجيوش البريطانية.

أخيراً، استقلت البلاد عن التاج البريطاني عام 1947، كما انفصلت عنها سيلان (سيرلنكا الحالية) وبرمانيا، ونشأت الباكستان الغربية كقسم من الهند الشرقية التي أصبحت بنغلادش. وفي عام 1954، اعترفت الهند بسيادة الصين على التيبـت. وخلال عام 1997، احتفلت البلاد بالذكرى الخمسين لاستقلالها وزارتها ملكة بريطانيا([10])

 

ج- اقتصاد الهند

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يستحوذ على 60 بالمئة من تجارة الهند الخارجية، قامت الهند بتخفيض عائدات الجمارك والبضائع التي تخضع لترخيص مسبق للاستيراد. كما سمحت للمصادر الأجنبية بتمويل 51 بالمئة من رؤوس المال المشتركة، واعتمدت التخصيصية في النواحي الأساسية لاقتصادها كالمواد الكيميائية والصلب والبترول([11])

فالهند التي يتراوح الناتج القومي الصافي (PNB) للفرد فيها بين 340 و350 دولاراً، ويعمل فيها 63 بالمئة من القوى العاملة في الزراعة، و11 بالمئة في الصناعة و22 بالمئـة في الخدمات و4 بالمئـة في المناجم، بلغ حجم البطالة فيها 35 مليون في نيسان 1991، كما بلغت نسبة التضخم عام 1995 حوالى 10.5، والديون الخارجية 13 مليار دولار عام 1994. ويعيش في الهند ما يقارب الـ420 مليون نسمة تحت مستوى الفقر، أي بأقل من 30 دولاراً شهريا.ً

أهم منتوجات الهند الزراعية هي الأرز والذرة الصفراء والقنب والقطن والقمح والشعير واللفت وقصب السكر، رغم أن وسائل الري بدائيـة ومحدودة([12])، وهي تعتمد على البترول (788 مليون طن عام 1994)، واللينيت (18.8 مليون طن)، والغاز (18.8 مليار متر مكعب)، والكهرباء (323.3 مليار كيلوات ) ([13])

ابرز ما تستخرج الهند من المناجم المعادن التالية (عام 1994:)

- الزنك (0.325 مليون طن)

- الرصاص (44.8 مليون طن)

- الحديد (10 مليار طن)

- أوكسيد الحديد (10 مليار طن)

- الكلس (14.2 مليون طن)

 

إضافة إلى الملح والنحاس والبوكسيت والدولوميت والجبس  والمنغانيز والكروم والصلصال والطبشور والذهب والماس([14])

وفي الميدان الصناعي، تُصنِّع الهند القطن والقنب والسكر والأسمنت والأوراق والحديد والفولاذ والآلات المتعددة  والسيارات والأدوات الكهربائية والأسمدة الكيميائيـة والبترو كيميائية([15]).

تجارياً بلغت صادرات الهند عام 1994 ما يقارب 695.4 مليار روبية، خاصة من الأحجار الكريمـة واللؤلؤ ومعدات الهندسة والثياب والمعدات الكيميائية والقطنيات. كما استوردت ما يعادل 728 مليون روبية، خاصة من المنتوجات النفطية والآلات غير الكهربائية.

واحتلت الهند، عام 1994، المركز الأول في إنتاج الشاي وقصب السكر والرز، والمركز الثالث في إنتاج القمح والحبوب والقطن، والرابع في الخشب والفحم، والخامس في الغنم والحديد، والسابع في الذرة والصيد البحري والبوكسيت، والتاسع في البن، والثالث عشر في اللينيت([16])

 

د- الإنجازات الهندية ودور الهند الإقليمي والدولي

إن حجم الهند وعدد سكانها الضخم وموقعها الجيوستراتيجي على المحيط الهندي ومدخـل جنوب آسيا الغربي، كلها عوامل تؤهلها للتأثير في الأحداث العالمية، وقد يؤثر ذلك على الأمن الإقليمي في جنوب القارة الآسيويـة، وعلى جهود المجتمع الدولي للحد من انتشار السلاح النووي وغير التقليدي ..

إلا أنه، ورغم هذه المعطيات الجيوستراتيجية، ما زالت الهند محدودة الدور دولياً بسبب فقرها وتراجع أهميـة شعوبها ودرجة الأمية المنتشرة بين صفوفهم. علاوة على ذلك، فإن التزايد السكاني المستمر والكبير، يمنع الهند، على المدى المنظور، من تحسين الدخـل الفردي فيها ليعادل الدخل الفردي في اليابان أو كوريا الجنوبية أو تايوان أو هونغ كونغ.

لذلك يرى بعض الاقتصاديين أن على الهند التحول تدريجياً في اقتصادها نحو الصناعـة والخدمات، لأنها تؤمن اقتصاداً وطنياً أفضل ومدخولاً عائلياً أكبر يترافق مع الحد من الزيادة السكانية([17])

وبالفعل، شجع القادة الهنود بين الستينات والثمانينات، التصنيع لتقليص الاعتماد على المصنوعات الأجنبية وتعزيز الدخل القومي. وهكذا راحت الهند تنتج الصناعات الثقيلة، كصناعـات الحديد والفولاذ والإسمنت والسيارات والسفن والمعدات العسكرية والهندسية والآلات، فظهرت الشركات العامة الضخمة في هذه الميادين([18])

علاوة على ذلك ورغم تخصيص 3 بالمئة فقط من الدخل القومي للتعليم مقابل 6 بالمئة لدول العالم الأول، فإن الهند توجه قدراتها التعليمية وعلماءها نحو المصانع الحربية لدعم قواتها العسكرية لأسباب أمنية قومية([19])

إنما بقيت الصناعة فيها متخلفة عن مثيلاتها في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان لأسباب، أبرزها قرار الهند الابتعاد عن الأسواق العالمية لحماية صناعتها المحليـة ، مما أدى إلى عدم تطور الشركات العامة الهندية لتصبح منافسة على الصعيد الدولي ولا سيما على الصعيد الآسيوي الجنوبي([20])

سياسياً، مرّ العام 1997 على الهند حاملاً معه الذكرى الخمسين للاستقلال الذي كان الثمرة الأولى لموجة التحرر من الاستعمار الغربي التي انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الذكرى توفر للهند عدداً من المعايير  المهمة التي تتمكن من خلالها من المقارنة بين الآمال والمنجزات خلال نصف قرن من الحكم الوطني.

فالإنجاز الأكبر هو محافظة الهند على النظام الديموقراطي البرلماني، بعكس غالبية الشعوب المجاورة في الشرق الأقصى. والهند عريقة في هذا النظام، إذ أجرت أول انتخابات بلديـة في السبعينات من القرن الماضي، وتمكن حزب المؤتمر الهندي بحلول ثلاثينات القرن الحالي من تشكيل عدد من الحكومات الإقليمية، مما أمَّن للناخبين السياسيين والإداريين دروساً مهمة في الحكم التمثيلي المسؤول. وقد لعب جواهرلال نهرو وزملاؤه من الرعيـل الاستقلالي الأول دوراً مهماً في هذا الإطار بعد الاستقلال، رافضين التوجهات القومية والإيديولوجية([21])

وبالفعل، خلت احتفالات 1997 من الشعارات الرنانة والمزايدات العاطفية التي تنتشر عدة في بلدان العالم الثالث.

ومن إنجازات الهند التاريخية، الدور الذي لعبه نهرو في حركة عدم الانحياز التي صبغت التاريخ العالمي، خاصة خلال أزمة السويس عام 1956.

وضمن الإطار نفسه، يُعتبر مبدأ المقاومة السلميـة من أهم إنجازات المهاتما غاندي ومن أهم المساهمـات في الممارسة السياسية للقرن العشرين. لقد استطاع غاندي ونهرو مشتركين إقناع بريطانيا باستحالة السيطرة على الهند دون مساعدتهما. كما أدخل غاندي إلى السياسة أيضاً أبعاداً محلية ودينية بارزة، وساهم في اعتماد الهند لنظام التعددية الحزبية وحرية الصحافة وروحية النقد للقادة السياسيين والحرية الاقتصادية([22])

ومن مميزات الهند البارزة، نذكر سوقها الاستهلاكي الضخم والنخبة التكنوقراطية المؤهلة لقيادة البلاد خلال دخولها القرن الحادي والعشرين، والشركات ذات المستوى العالمي والتكنولوجيا المتطورة خاصة في برمجة الكومبيوتر في "سيليكون فالي" الهندي في بنغالور. وتتميز أيضاً بالجامعات والمؤسسات الدراسية الراقية.

ومن إنجازات الهند تصنيع القنبلة الذرية منذ 1974 ودخولها نادي الدول التي تملك القدرات النووية. فقد أجرت بالفعل تجربتها النووية الأولى والأخيرة عام 1974، ورفضت توقيع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ما لم تقترن بنزع كامل للسلاح النووي في العالم، مسجلة بذلك موقفاً سياسياً وستراتيجياً مستقلاً ضمن لعبة الدول الكبرى. فالهنـد تريد إبراز دورها العالمي الذي يتناسب وحجمها، ديموغرافياً وجغرافياً، وهذا الموقف اتخذته رغم أنها كانت أول من رعى، إلى جانب الولايات المتحدة، معاهدة حظر التجارب النووية عام1993 .

كتبت صحيفة تليغراف الهندية أنه "في الوقت الذي ينتشر في البلاد فقر دائم، يرد بعض الهنود ممن هم في أعلى مراتب السلطة، على ذلك بالبحث عن مسالك القوة الخارقـة(([23])). ففي الواقع، يرغب كبار السياسيين والعسكريين في أن تنخرط بلادهم في الخيار النووي بالمفهوم الواسع. ويؤيدهم في ذلك غالبية الشعب، حسب استطلاعات الرأي.

والهند ترى أنه من غير المنطقي أن تلجأ الدول المصنعة للأسلحة النووية إلى الحفاظ على ترسانتها فيمـا تطلب من الآخرين عدم اللجوء إلى تسليح أنفسهـم بالمقدار الذي ذهبت إليه. وهي تسمي ذلك التمييز العنصري النووي أو "الابارتييد النووي". وهذا الموقف أذكته أنديرا غاندي التي رفضت الاستعمار الجديد للهند، التي تمتلك حالياً 25 قنبلة نووية.

حتى على صعيد البحرية، تمتلك الهند حاملتي طائرات، الكيكرانت والفيرات  (Virat - Kikrant)، وقد أنهت خدمات الأولى في 31 كانون الثاني 1997 بعد خدمة 36 سنة. وتحاول شراء حاملة طائرات روسية هي الأميرال غورشكوف (Gorshkov). والهند خاضت ثلاث حروب مع باكستان في الأعوام 1947 و1965 و1971 وحربـاً مع الصين عام 1962. وخلال هذه الحروب الأربعة، لعبت البحرية دوراً مهماً، خاصة عام 1971 عندما شوشت بشكل كامل على الاتصالات البحرية الباكستانية. وما زالت البحرية تلعب هذا الدور المهم في السياسة الخارجيـة لأن 97 بالمئة من التجارة الهندية توجه بطريق البحر الذي تمتد شواطئها عليه مسافة 7500 كيلومتر، فيما تجاورها لجهة البر ثلاث دول معادية هي الصين والهند وبنغلادش. وهي تحاول أن تبقى قوة بحرية بارزة في المحيط الهندي بهدف حماية مصالحها، حسب الناطق الرسمي باسم الخارجية الهندية. كما تحاول القيام بتغطية بحرية لجوارها المباشر وصولاً إلى آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا والصين وشبه الجزيرة العربية(24)

ومن إنجازات السياسة الخارجية، وعلى الصعيد العالمي، ما تزال الهند تتابع طريقها الخاص مرتكزة على مبدأ عدم الانحياز الذي خطه نهرو وعلى صداقتها الدائمة مع روسيا وعلى موازنة الجبار الصيني في جنوب الشرق الآسيوي. وستتبع هذه السياسـة خلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين، كما يبدو في مخططاتها الحالية. وهي ما زالت تُسمِع صوتها في الأوساط الدولية وتطالب بالدخول إلى نادي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. كما تشكل سدس البشرية مما يعطيها أهمية قصوى على صعيد الاستثمارات الخارجية الاقتصادية([24])

وضمن الإطار نفسه، بدأت الهنـد منذ عام 1996 بالتخطيط لزرع الثقة بينها وبين الصين مما يحفظ الهدوء والسلام على الحدود. وهي بذلك تنظر بمنظار الدولـة العظمى التي تستعمل معايير جيوستراتيجية في علاقاتها الدولية بدلاً من المعايير العاطفية والسياسية والاقتصادية.

وبالفعل، وقَّعت الحكومتان الصينية والهندية، بتاريخ 29 تشرين الثاني 1996 بالأحرف الأولى، اتفاقاً لحفظ قواتهما على الحدود المشتركة، على ألا يلجأ أي منهما إلى القوة ضد الآخر، وذلك للحد من إمكانات الصراع المسلح بينهمـا. وأفادت وكالة "برست تراست" الهندية أن البلدين قررا حفظ مستويات التسلح في المنطقة الحدودية، وتجنب إجراء مناورات عسكرية كبيرة، ومكافحـة تجارة المخدرات عبر الحدود وإقامة خطوط ملاحية مباشرة بينهما. كما وقّع الرئيس الصيني زيمين، خلال زيارته للهند في تشرين الثاني 1996، اتفاقات ثلاثة حول المواضيع المذكورة أعلاه، بهدف زرع الثقـة بينهما([25])

وإثر توقيع الاتفاقات، صرح الناطق الرسمي باسم الخارجية الصينية أن بلاده لن تزوِّد مستقبلاً باكستان، الخصم الأكبر للهند، تكنولوجيا نووية أو أسلحة نووية([26]). بالمقابل، يرى مسؤولون هنود أن توقيع اتفاق اقتصادي مع الصين، وخفض عدد القوات على امتداد الحدود معها، ودفع التجارة والاستثمار يمكن أن تساعد في تحسين العلاقات معها.

وضمن الإطار الخارجي نفسه، قامت ملكة بريطانيا إليزابيت الثانية منذ الخامس عشر من تشرين الأول 1997 زيارة للهند تهدف إلى المحافظة على العلاقات الجيدة معها([27]). كما شهدت الهند محادثات أجراها مساعد وزير الخارجيـة الأميركي للشؤون السياسية توماس بيكر ينغ تمهيداً لزيارة الرئيس كلينتون والوزيرة أولبرايت لهـا في مطلع العام 1998 وذلك لإجراء محادثات موسعة لبدء بحوار ستراتيجي مباشر مع الهند([28])

حتى في الشرق الأوسط، أبدت الهند رأيها الخاص الذي ينطلق من مفهومها للقوة الكبرى وللدور العالمي الذي تريد أن تلعبـه. فخلال زيارة الرئيس الإسرائيلي عام 1996، طلب منه وزير الخارجيـة الهندية أندير جوجرال أن يسعى لتحسين علاقة بلاده مع الدول العربية المجاورة. وجاء هذا الموقف بعد أن أبدت الهند مخاوف بشأن تعثر محادثات السلام في الشرق الأوسط. كما تركزت زيارة وايزمن على اكثر من 100 مشروع مشترك بين البلدين، معظمها في الميادين الزراعية والثقافية.

 

هـ - الهند أمام المشكلات

اعترضت الهند في مسيرتها الستراتيجية والاقتصادية والسياسية صعوبات حاول المسؤولون معالجتها. كما سينصب اهتمام الإدارة الهندية في العقود المقبلـة على متابعة الجهود لتأمين تغذية سكانـها، لا سيما مع تقلص نسبة وفاة الأطفال وتحسن مستوى المعيشة. أما جهودها لتحديد النسل فتعترضها صعوبات عدة بسبب الإيمان الديني والتقاليد المحلية والجهل بوسائل منع الحمل. يضاف إلى ذلك أن من عادات المجتمعات الزراعية كمجتمع الهند، الإكثار من الأبناء الذين يشاركون في سن مبكر بالنشاطات الزراعية. يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد الهندي ينمو بشكل أبطأ منه في الصين، مما يزيد من مشكلة الزيادة السكانية غير المترافقة مع النمو الاقتصادي.

وضمن التدابير للحد من النسل، أجريت عمليات تعقيم إلزامية في عهد سنجاي غاندي، الابن الأصغر لانديرا، رغم المعارضة المتزايدة لها. كما سجلت اقتراحات بمنع الرجال الذين يتزوجون قبل سن الـ21 سنة، والنساء اللواتي يتزوجن قبـل الثامنة عشر، من الحصول على وظائف في القطاع العام، وعدم منح ترقية لكل شخص لديه أكثر من طفلين.

وهكذا يعيش نصف عدد سكان الهند في فقر مدقع، خاصة وأن مواردهم هي زراعية فقط، ليس بالإمكان بالوسائل البدائية المستعملة تأمين حد لائق من الحياة للعائلات الكبيرة([29]). وينعكس هذا الوضع سلباً على اقتصاد البلاد، رغم "الثورة الخضراء" الزراعيـة التي بدأت منذ الستينات وعززت بشكل كبير إنتاج المحاصيل لاسيما الأرز والقمح([30])

ومع تصاعد مخاوف عجز محاصيل الحبوب في آسيا المترافق مع الزيادة السكانية، خاصة في الهند، أكد مسؤول في "معهد أبحاث المحاصيل الزراعية" في أواخر عام 1996 أن "نمو إنتاج الغذاء في الهند منذ سبع سنوات لم يكن مشجعاً([31])، وحذر من أن زيادة سكان البلاد بنحو 100 مليون نسمة في خمسة أعوام، دون أن يتزامن ذلك مع ارتفاع في إنتاج الغذاء، قد يدفع نحو مجاعـة كبرى.

إن عدد السكان الضخم في الهند، كان من الممكن أن يؤمن مصدراً للغنى وللأهمية الدولية. لكن ذلك يفرض أن يوفر المجتمع لهم تعليماً أفضل وتشجيعاً للتقدم وطرقاً جيدة للمبادرة الفردية وروح الاكتفاء. وما يظهر مدى تخلف بعض العناصر المكونة للمجتمع الهندي على الصعيد الثقافي والحضاري، ما أوردته وكالات الأنباء من أن هندياً في الرابعـة والعشرين من عمره انتحر في 14 تشرين الثاني 1996 احتجاجاً على إقامـة مسابقـة ملكة جمال العالم خلال السنة نفسها في الهند.

كما أثارت هذه الانتخابات موجة من الاحتجاجات لدى منظمات تحرير المرأة والقوميين الهندوس([32])

ومن المعروف أن عدد المتعلميـن من الرجال في الهند لا يتجاوز 50 بالمئة، فيما تبلغ النسبة لدى النساء 20 بالمئة فقط(34)

ومع محاولات الهند تحويل اقتصادها نحو الصناعة، تساءل بعض المحللين الاقتصاديين عن جدوى تحول بلـد كالهند يمتلك نحو نصف مليار فلاح إلى التصنيـع؟ فهل يمكن للهند بناء عالـم تنافسي مع أوروبا عالي التكنولوجيا، لا سيما مع العدد الكبير من العمال غير المهرة لديها؟.

 

ويعكس هذا التساؤل صعوبة إلحاق الهند بالبلدان المتطورة التي تحولت من الاقتصاد الزراعي إلى الصناعي منذ 150 عاماً كأوروبا الغربية مثلاً([33])

ويترافق مع النمو الاقتصادي في الهند أضرار بيئيـة مهمة، إنْ لجهة المناخ وتلوث الهواء وخسارة سطح التربة وملايين الهكتارات من الأرض الزراعية والأحراج وتلوث آلاف الأميال من الأنهـار بالمواد السامة الكيميائية والصناعية وتدمير مناطق واسعة من الصيد البحري. فبسبب النمو السكـاني، فقدت المنطقة المحيطة بنيو دلهي 60 بالمئة من غاباتها خلال العقدين الأخيرين لاستعمال الأشجار في أغراض الطبخ والتدفئـة. كما أشار أحد التقارير إلى أن الفقر واستمرار القضاء على الغابات والأثر السلبي للتنمية الاقتصادية، وصلت بالتلوث البيئي إلى نسبة عالية خطرة(35)

ويقول التقرير إنه، من أصل 304 ملايين هيكتار التي تتشكل منها البلاد، يخضع 60 بالمئة للتدهور الإيكولوجي. ويعيش حوالى 80 بالمئة من السكان في ظروف معيشية متدنية. وجميع الأنهار الأربعة عشر، بما فيها نهر الغانج، والتي توفر 85 بالمئة من مياه الشرب، ملوثة، مما يضاعف الأمراض. ويعتبر منظم التقرير أن ما نسبته 80 بالمئة من المرضى في المستشفيات هم ضحايا التلوث البيئي([34])

سياسياً، لا تؤمن الهند، خلافاً لجاراتها الإقليمية، بالنظام العالمي الجديد، بل تتوقع أن يكون عالم المستقبل كالماضي تماماً([35]). كما أن المواجهة المستمرة مع باكستان حول كشمير، والقلق من سياسات الصين على الحدود المشتركة، تبقيان الهند في وضع سياسي وعسكري غير مستقر. فخطر الاشتباكات شبه الدائم بين الهند وكلا من باكستان والصين، يدفـع البلاد للاحتفاظ بجيش ضخم، إضافة إلى عدد كبير من الطائرات والقدرات البحرية والنووية، مع ما يلحق ذلك من علماء ومهندسين ومعاهد بحث وتطوير ومصانع عسكرية مما يؤثر على تنمية الاقتصاد الوطني([36])

أما الوضع الداخلي للهند فهو لا يساعدها على التطور اقتصادياً وصناعياً. فهي لا تتمتع بالوحدة الوطنية الجاهزة لمواجهة التحديات العالمية الحديثة في ظل الفئوية الداخليـة والتوترات الإقليمية. ففي الهند 25 هوية عرقية مميزة، ونظام طائفي تراتبي، وفروقات كبيرة في الدخل بين الفقراء والطبقة المتوسطة. هذا علاوة على وجود أحزاب سياسية ماركسيـة منتشرة، وأقلية ناشطة من طائفة السيخ المعارضة، إلى جانب أغلبية هندوسية ساحقة.

يضاف إلى ذلك مشكلات داخلية كبيرة، كسرعة تشكل الحكومات الإئتلافية وسرعة سقوطها، والخلافات بين الحكومة المركزية والولايات، والفساد المنظَّم والمحسوبية، والقرارات البيروقراطية الخاطئة، والصراعات الطائفية والعرقية والطبقية التي أدت إلى الفوضى السياسية([37])

ومن المشكلات التي تعترض الهند، عجز الإدارة ومؤسسات البلاد عن التصدي لويلات الطبيعة وللأمراض الاجتماعية بشكل فعلي. ففي كل عام، تنزل بالهند إعصارات قوية وسيول تؤدي إلى وفاة العديد من السكان. وعلى سبيل المثال، نذكر الإعصار القوي الذي اجتاح الساحل جنوب شرقي الهنـد خلال الأسبوع الأول من تشرين الثاني 1996 والذي أودى بحياة أكثر من ألفي شخص، ودمر العديد من المنازل دون أن تتمكن السلطات من التدخل بفاعلية لوقف أضراره التي توَّجها وباء الكوليرا بشكل مخيف مما استدعى تدخلاً على الصعيد العالمي للمساعدة([38])

كما تشكو البلاد من صعوبة السيطرة الميدانية والأمنية، من قبل الحكومة المركزية، على أنحائها لا سيما البعيدة منها عن العاصمة. وهذا ما يشجع حركات الانفصال والصراع المسلح الدموي لأسباب عرقية خاصة، ودينية وقبلية ومحلية أحياناً. ومن المعروف إن منطقة شمال - شرق الهند التي تحدها بنغلادش وبورما، يسودها عدم الاستقرار ويتمركز فيها عدد من الحركـات المتمردة التي تحارب من أجل إقامة كيانات عرقية وقبلية خاصة بها. وقد ازدادت هذه الحركات شراسة منذ عقدين بعد تدفق هندوس بنغاليين إلى المنطقة، مما حوّل قبائلها المحلية إلى أقليات. وقد أدى هذا الوضع إلى وقوع حروب بين السكان، نذكر منها هجوم إنفصاليين ينتمـون إلى حركة "قوة نمور ولاية تريبورا"، في منتصف كانون الأول 1996، على إحدى قرى البنغاليين الهندوس وقتل أكثر من 25 شخصاً كانوا نائمين في ساحة السوق. وقد أدى ذلك إلى إرسال تعزيزات من الجيش الهندي إلى المنطقـة لتهدئة السكان. وجاء هذا الاعتداء بعد هجوم آخر شنـه مسلحون ينتمون إلى شعب "الناجا" في ولاية ناجالاند الشمالية على حافلة ركاب([39]).

أما الانتخابات النيابية التي جرت في شهر آذار 1996، فقد سادتها أعمال العنف في الولايات الشمالية حيث واجه عشرات من الساسة المحليين تهماً تتصل بجرائم عنيفـة. وبالفعل، ساد تاريخ الهند، منذ استقلالها، صراع دامٍ قامت به حركات هندوسية للسيطرة في الانتخابات النيابيـة، خاصة وأن هذه الطائفة تتمتع بأغلبية مطلقة في البلاد. وهكذا أقدم متطرفون هندوس عام 1991 على هدم جامع أيوديا ((AYODHYA  مما أدى إلى معارك عنيفة داخل مدينة بومباي بين الهندوس والمسلمين([40]).  

 

والخلافات بين الهندوس والمسلمين متأصلة في الهند. فعلى سبيل المثال، وفي ولاية ايتار براديش  (PRADESH (UTTAR  ، التي تعتبر من أهم الولايات والقلب السياسي للبلاد، بدأت أزمة سياسية في أواخر تشرين الأول 1997 أثارها الوطنيون الهندوس من حزب بهاراتيا جاناتا. فقد اتُّهمت الحكومة المحلية بممارسة التمييز الديني ضد مسلمي الولاية، مما أوقع صراعات دينية خلال الانتخابات النيابيـة في الشهر نفسه حيث جرح عدد من الوزراء والنواب. بسبب هذه الأحداث، اتخذت الحكومـة المركزية القرار بإدارة هذه الولاية مباشرة مما هدد أمنها وحريتها([41]).  

وعلى صعيد الفساد السياسي، افتقدت الهند خلال السنوات العشر الأخيرة نزاهة غاندي ونهرو. فقد أحيل حشد من السياسيين والبيروقراطيين أمام القضاء بتهم الرشاوى. كما أكد العالم السياسي الهندي البارز "بارثا تشتارجي" أن السياسيين في الهند هم أناس وصوليون يديرون المؤسسات الحكومية التي تضم مصالح اقتصادية هائلة([42]).  

وتشكو الهند من عدم السيطرة التامـة على عمليات دخول البضائع إلى أرضها، مما شجع أعمال التهريب، خاصة تهريب الدولار والذهب التي تعد الهند أكبر دولة مستهلكة له في العالم. فقد قدرت كمية الذهب التي تدخل البلاد سنوياً بطريق التهريب بـ125 طناً من أصل 500 طن من الذهب المستورد، وبغيـة الحد من أعمال التهريب هذه، حررت الهند استيراد الذهب، وسمحت للبنك المركزي ولسبعـة مصارف أخرى وهيئات حكوميـة باستيراده دون إذن خاص. ويعكس إقبال الناس على المعدن الثمين تخوفاً مستمراً من التضخم، أكثر من كونه شعوراً بالثروة([43]).  

ومن مظاهر التخلف في الهند، التفاوت في المستوى الحضاري داخل المجتمع. فالفقر المدقع يجاور الغنى الفاحش، وتنشيط الثقافة في الجامعات تحيط به الأمية، وممارسـة إجهاض البنات خوفاً من دفع المهر تجاور نشأة ثاني طفل أنبوب في العالم. أما الفيلة فتستعمل في الورش داخل بومباي بدل الآليات الحديثـة، فيما تطلق البلاد الصواريخ عابرات القارات وتنجز القنبلة الذرية([44]).  

وفي الهند، ما زالت قرون التاريخ، المتباعدة أصلاً، تتجاور. فما برح قسم من الشمال الشرقي للهند يعيش في مرحلة ما قبل التاريخ، وتجتاز أقسام كبيرة من الريف مرحلة القرون الوسطى، وتطبق في المعامل معايير الرأسمالية الصناعية المتوحشة حيث يعمل الأطفال في حين تنتشر وسائل التكنولوجيا والأتمتـة تحضيراً للقرن الحادي والعشرين.

 

2- المشكلات الخارجية

على الصعيد الخارجي، اعترضت مسيرة الهند مشكلات حدودية مع الدول المجاورة، أبرزها مع باكستان وبنغلادش والتيبت وروسيا. فبين الهنـد وباكستان كثرت خطوط الفصل الحمراء والمعلنة، وشهد إقليم كشمير ثلاث حروب في الأعوام 1948 و1965 و1971. كذلك عادت الاشتبـاكات إلى الإقليم في 14 أيار 1995 بين المسلمين والهندوس، مما أدى إلى إحراق حوالى مئـة منزل ومعبد للهندوس ومقتل العشرات([45]).  كما أن الحرب قد تندلع مستقبلاً في أيـة لحظة لأن أسباب الخلاف ما زالت قائمة، ولأن كلاً من الدولتين يحاول منذ أكثر من نصف قرن جذب الإقليم إليه رغم تكريس انفصاله عنهما منذ 1972 وتبعية كل جزء منه لأحدهما([46]).  

واحتمال وقوع الحرب بين الهند وباكستان يثير الخوف لأنهما دخلتـا ميدان التنافس النووي، ممـا دفع بواشنطن لتعليق مساعدتها لاسلام آباد منذ 1990 لإلزامها على الحد من نشاطاتها النووية. بالمقابل، ترى باكستان وجوب إكمال برنامجها لتحقيق التوازن الستراتيجي مع الهند.

وتقطن في كشمير أكثرية 80 بالمئة من المسلمين. وقد أدى الانفجار الطائفي بينهم وبين الهندوس إلى تجاوز حدوده في هملايا إلى مناطق هندية مجاورة كبومباي التي كادت أحداثها الطائفية تهدد كيان البلاد بأكمله، وأدت إلى تبادل التهديدات بالتدخل العسكري في الإقليم بين راجيف بيلوت، مساعـد وزير الأمن الداخلي الهندي، وسردار غسان علي، وزير خارجية باكستان، خلال شهر أيار 1995([47]).  

والخلاف الحدودي بين البلدين أدى إلى تدخل الصين. ففي  أواخر تشرين الثاني عام 1996،وقّع الرئيس الصيني جيانغ زيمين اتفاقـاً عسكرياً مع نيودلهي خلال الزيارة الأولى لمسؤول صيني كبير إلى الهند منذ نصف قرن. وفي الوقت نفسـه، دعا الرئيس الصيني إلى إنهاء الخلاف بين نيو دلهي و إسلام أباد(84).  

رغم هذا التدخل، فإن العلاقات مع الجار الأكبر، أي الصين، لم تكن جيدة. فرغم توقيع اتفاق بين الهند والصين لفصل القوات على الحدود البالغة 4000 كيلومتر، ما زال الخلاف مستمراً، ويتواجه الجيشان الهندي والصيني على الحدود في بامير والهملايا حيث نشر كل من البلدين مائة وخمسين ألف جندي.

وخلاف الهند مع الصين دفعها إلى رفض توقيع معاهدة المنع الكامل للتجارب النووية، وذلك تخوفاً من الصين التي تعتبر إحدى الدول الآسيوية النووية التي تفرقها مع الهند خلافات حدوديـة وعقائدية وسياسية. وبالفعل، عمدت الصين خلال عام 1992 إلى تنفيذ إحدى تجاربها النووية فيما كان يزورها الرئيس الهندي([48]).   كما ساعدت باكستان، عدوة الهند، للحصول على القدرة النووية وعلى صواريخ باليستيا نموذج م11 (M11) تحمل رؤوساً نووية.

إقليمياً، للصين مطامع جغرافية في مناطق كبيرة من أراضي شمال - شرق الهنـد. وهي لا تعترف بخط ماكما هون الذي رسم بموجبـه البريطانيون الحدود بين البلدين في بداية القرن العشرين، وخاصة في جبال الهملايا. فإقليم تاوانغ (TAWANG)، الذي يتبع حالياً للهند، يعتبر تاريخياً من إحدى مناطق التيبت الصينية. وفي عام 1962، هاجمت الصين الهند وأهانت جيشها، وذلك بسبب استقبال نهرو للدالاي لاما. ومنذ ذلك التاريخ، احتفظت ببضعة آلاف الكيلومترات المربعـة من المناطق الهندية تحت احتلالها العسكري، ونصبت مئات الصواريخ الباليستية حاملة الرؤوس النووية (IRBM) على هضبة التيبت([49]).  

واختلفت الهند مع بنغلادش أيضاً بسبب مياه نهر الغانج الذي يعتبره الهنود مقدساً وحاملاً لحضارة تعود إلى عشرة آلاف سنة، والذي يجمع مياه الهملايا العليا ليصبها في خليج البنغال. فمنذ بداية الخمسينات، قرر نهرو إقامة سد لحفظ مياه النهر وتحويلها إلى الهند وعام 1974، انتهى العمل في السد الذي أطلق عليـه اسم "سد الحوت". ورداً على ذلك، اتهمت داكا الهند بتحويل الميـاه في زمن الجفاف وحرمانها من حقوقها التي تعادل 50 بالمئـة من مجمل منسوب النهر، وبفتحها في زمن الحصاد مما يغرق مناطق واسعـة من البلاد. علاوة على ذلك، زاد الجفاف نسبـة الملوحة في 600 ألف هكتار من أراضي الغابات بسبب صعود مياه البحر في مجرى النهر الفارغ، وراحت نمور البنغال الشهيرة يتضاءل عددها بسبب الجفاف.

أخيراً، ورغم توقيع رئيس وزراء الهند ورئيسة وزراء بنغلادش اتفاقاً، في كانون الأول 1996، لمدة 30 عامـاً لاقتسام النهر مناصفة بين البلدين، فإن العلاقات بينهما لم تبلغ بعد مرحلة التطبيع. كمـا عارض العديد من نواب البنغال الهندي الاتفاق متهمين رئيس الوزراء بعدم الحصول على ما يوازي التنازل الذي حصلت عليه بنغلادش([50]).  

 

الخلاصة

كل هذه المشكلات، إضافة إلى المناورات السياسية المتزايدة التي يقوم بها المتطرفون، تساهم في إبقاء الهند أمام مستقبل غير مؤكد لجهة التأثير على الصعيد الدولي مع بداية القرن المقبل.

وتحتاج الهند للمزيد من تشجيع الوسائل الممكنة لتحسين الإنتاج الزراعي، وإلى زيادة التكنولوجيا الصناعية وصولاً إلى الأتمتة أسوة باليابان، مع توفير البنى التحتية الضرورية للصناعة ولإنتاج الغذاء، وإلى خلق المزيد من الوظائف الصناعية لتأمين استيعاب انتقال سكان الريف نحو المدن المزدحمة أصلاً.

عليها محاربة سوء التغذية والمجاعة والتذمر الاجتماعي، وتحسين مستوى التعليم وضبط الزيادة السكانيـة ورفع المستوى الاجتماعي لأعداد المزارعين الهائل في الريف مع زيادة اعتمادهم على التكنولوجيا الزراعية.

عليها ضبط قضيـة تحول مجتمعها أو قسم منه من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي، مع كل ما يفرض ذلك من تغيرات ديموغرافية وإنمائية وتنظيمية.

عليها التخفيف من الاعتماد غير الضروري على المؤسسات التكنولوجية الغريبة التي تعمل لتحقيق أرباح عالية، كذلك التخفيف من الاعتماد على المواد الأولية الخارجية لصناعاتها.

عليها تشجيع الطبقـة المتوسطة الكثيرة العدد التي تضمها البلاد، كونها منفتحة على التطور وتمتلك عدداً لا بأس به من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم.

عليهـا الاستفادة من علماء الرياضيات والمهندسين والاقتصاديين الذين لديها، خاصة لإتقانهم اللغة الإنكليزية، لغة المال والكومبيوتر والاتصالات والأعمال الدولية، مع العمل على تقليص العقبات البيروقراطية والتشريعية التي تعيق حالياً تطور النظام التجاري الهندي.

وينبغي منع تدمير مناطق الصيد الساحلية بالتلوث، وتنظيف الأنهار، ووقف قطع الغابات، والحفاظ على الحياة البرية وتقييد استخراج المعادن من المناجم.

فالهند هي في سباق بين التزايد السكاني، من جهة، وتأثيره على المكاسب الزراعية والصناعية، من جهة أخرى، مما يقلص التوقعات بزيادة الدخل الحقيقي ويزيد عدم التوازن والإضرار بالسلام الاجتماعي. كما أن هذا التأثير قد يمتد إلى جنوب آسيا وإلى العالم كله بسبب حجم الهند السكاني.

أخيراً، يبدو أن الهند ستلج القرن الحادي والعشرين في وضع صعب رغم محاولاتها للحاق بالعالم المتطور، لا سيما إذا لم يُساعدها الغرب في إيجاد الحلول لمشاكلها.

 

ثالثاً - باكستان

باكستان، الجمهورية الإسلامية البرلمانية، انفصلت عن أمبراطورية الهند في الرابع عشر من آب 1947 ونالت استقلالها، فانتقل سبعـة ملايين من المسلمين إليها، وتركها بالمقابل عشرة ملايين من الهندوس والسيخ نحو الهند. عاصمتهـا اسلام اباد ومساحتها 803943 كيلومتر مربع مع 5355 كيلومتر من الحدود منها 2380 مع الهند و820 متنازع عليها بين البلدين. بلغ عدد سكانها عام 1996 مائة وأربعة وأربعين مليون ونصف المليون، مع توقعات بلوغه مائة وستة وخمسين مليون نسمة في العام 2000([51]).  

 

أ- لمحة تاريخية

في عام 1949، قام نزاع بينها وبين الهنـد حول كشمير تجدد عام 1965، مما أدى إلى وقف المساعدات الأميركيـة عنها. وفي عام 1971، تجددت الحرب مع الهند التي ربحتها، ووقع الاستسلام والهدنة في داكا في السادس عشر من كانون الأول 1971. وفي العشرين منه، استقل الجزء الشرقي من باكستان عنها وشكل دولة بنغلادش، فاعترفت بها بريطانيا مما دفع باكستان إلى الانفصال عن الكومنولث البريطاني في الثلاثين من كانون الثاني عام 1972. وفي السابع من شباط وقع اتفاق "سيلما" مع الهند، كما وقع في نيسان عام 1974 اتفاقـاً مع الهند وبنغلادش اعترفت فيه باكستان بهذه الأخيرة دولة مستقلة، فأعيدت العلاقات الدبلوماسية مع الهند في الرابع عشر من أيار 1974([52]).  

وفي شهر شباط 1979، قرر محمد ضياء الحق اعتبار الشريعة الإسلامية كدستور أعلى للبلاد، وأعدم بوتو شنقاً في الرابع من نيسان 1979. وفي السادس عشر من شباط 1981، وقعت محاولـة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في كراتشي. وفي الثاني عشر من شباط 1988، انتخبت بنازير بوتو رئيسة الوزراء بعد نجاح حزبها في الانتخابات العامة. وبعد أن أقيلت بسبب الفساد والتعسف والديكتاتورية في الثامن من حزيران 1990، عادت إلى الحكم في التاسع عشر من تشرين الأول 1993.

ومنذ عام 1987، بدأت باكستان بامتلاك القدرة النووية والسلاح النووي، إلا أنها أوقفت جميع تجاربها النووية اعتباراً من الحادي عشر من تشرين الثاني عام 1993.

 

ب- الاقتصاد

بلغ الناتج الداخلي الصافي لباكستان ثلاثة وخمسين مليار دولار عام 1995، فيما وصل الناتج الوطني الصافي إلى أربعماية وثلاثين دولاراً للشخص الواحد عام 1994. ووصل الدين الخارجي إلى حدود 27.5 مليار دولار خلال العام نفسه مما استوجب مساعدات خارجية بلغت خلال عام 1996 - 1997 ما يقارب 2.4 مليار دولار. وبلغ احتياط البلاد بالعملة الصعبة في أيار 1995، 3 مليار دولار فيما تملك باكستان ممتلكات في الخارج بقيمة 38 مليار دولار([53]).  

تبلغ مساحات الأراضي الزراعية في البلاد 31290 مليون هكتار ثلثها مروي مع مساحات واسعة للمراعـي (4640 مليون هكتار) وللغابات (3070 مليون هكتار) وللمياه (2522 مليون هكتار). أبرز الزراعات هي قصب السكر(44.4 مليون طن عام 1994) والقمح (15.1 مليون طن) والأرز (5.5 مليون طن) والقطن (5.1مليون طن) والذرة (2.1 مليون طن.)

وهي تتمتع باكتفاء ذاتي غذائي، باستثناء القمح، لا سيما في السنوات الناشفة. مجمل أعداد المواشي بلغ عـام 1994 ما يقارب 112.6 مليون رأس([54]) ,مع 250مليون طير وما يقارب 628000 طن من الأسماك سنوياً.

تزاول البلاد زراعة الأفيون التي تبلغ محاصيلها بين 160 و 200 طن سنوياً، أي ما يوازي 2.5 مليار دولار أو 5 بالمئة من الناتج لداخلي الصافي.

وتنتج باكستان الفحم واللينيت بمعدل 3 ملايين طن سنوياً، والبترول بما يقارب 2774000 طن سنوياً مع 11 مليون كاحتياط عام. إنتـاج الغاز يبلغ 17.6 مليون متر مكعب مع احتياطي يبلغ 651 مليار متر مكعب([55]).

إنتاج المناجم بلغ عام 1994 - 1995، ما يقارب 9226 مليون طن من الكلس و604 ملايين طن من الجص و925 مليون طن من الملح مع كميات من الأحجار الكريمة والفوسفات والكروم والكبريت.

إنتاج الكهرباء عام 1995، بلغ 48750 ميغاوات، منها 21112 ميغاوات مائية و27056 حرارية و5820 نوويـة. كما تميزت البلاد بصناعات الجلود وخيوط القطن والأرتيزانا من السجاد والمعدات الرياضية.

مجمل الطرق البريـة بلغ عام 1992 نحو 179752 كيلومتراً، فيما امتدت سكة الحديد طوال 12500 كيلومتر.

تجارياً، صدّرت باكستان عام 1994 - 1995 بما يقارب 173.4 مليار روبية خاصة نحو الولايات المتحدة، فيما استوردت بما يعادل 223.7 مليار روبية من الآلات ومعدات النقل والفيول والزيوت والمواد الكيمائية والغذائية.

أما مركزها العالمي في الإنتاج فبلغ عام 1994 الرابع في القطن والسادس في قصب السكر والعاشر في القمح والثاني عشر في الأغنام والثالث عشر في الأرز والسادس عشر في البقريات والثاني والعشرين في الغاز.

وتتمثل مشكلة باكستان الاقتصادية في ارتفاع الدين العام بشقيـه الداخلي والخارجي عام 1996 ليصل إلى 51 مليار دولار، أي ما يوازي 90 بالمئة من الدخل القومي. وتصحيح هذا الوضع يتطلب خفض النفقات التي تذهب بنسبة 26 بالمئة إلى أغراض دفاعية تُعتبر غير قابلة للخفض بسبب الخلاف مع الهند.

ويسعى رئيس الحكومة الجديد نواز شريف لسلوك طريق الخصخصة إلى جانب السعي لاستيفاء ضريبي أجدى ولمحاربـة الفساد. علماً أن الوضع الاقتصادي المتدهور كان من أهم أسباب إقالة حكومة بنازير بوتو في خريف 1996. إلا أن سلطات شريف في الميدان الاقتصادي مقيدة بموافقة كل من رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين الأمنيين([56]).

 

ج- دور باكستان في جنوب شرق آسيا

مع بداية كانون الأول 1996، بدأ الرئيس الصيني زيارة إلى باكستان استغرقت أربعة أيام أكد خلالها أن بلاده ستواصل تعاونها النووي السلمي مع اسلام اباد، متجاهلاً التحذيرات الغربية ومخاوف الهند التي كان قد غادرها لتوه. وهدفت زيارة الرئيس الصيني إلى تبديد مخاوف نيودلهي إزاء علاقات الصين وباكستان، وإلى تأكيد أهمية هذه الأخيرة سياسياً وستراتيجياً، خاصة في الميدان النووي([57]).

وتُعتبر باكستان الدولة الثانية في جنوب آسيا من حيث الأهمية النووية بعد الهند. وقد شغل العداء بين الدولتين الجارتين الأوساط الدوليـة خلال النصف الثاني من القرن الحالي([58]). إنما، ومع حصول باكستان على القدرة النووية، برز تحول في الوضعين الستراتيجي والعسكري وحتى في الوضع الاقتصادي في المنطقة.

والعلاقات الباكستانية - الهندية مثقلة بثلاث حروب قامت بين البلدين بعد انشطار المستعمرة البريطانية القديمة عام 1947 بينهما. وسبب النزاع الأساسي هو ولايـة كشمير الهندية التي تطالب باكستان بأن يطبق فيها قرار الأمم المتحدة عام 1948 الذي ينص على وجوب تنظيم استفتاء لتقرير المصير([59]).

وما يميز الصراع الباكستاني - الهندي، قدرة البلديـن على اللجوء إلى سبل الدفاع النووي إذا انفجر الوضع. ورغم إعلان باكستان مراراً أنهـا لا تريد التسلح النووي في المنطقة، واقتراحها جعل المنطقة خالية من الصواريخ النووية، إلا أنها تعتبر نفسها مضطرة للعمل ببرنامجها النووي، طالما أن الهند لم توقع معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.

ورغم الضغوطات الأميركية لحمل باكستان على الموافقة على المعاهدة وعلى إجراء انتخابات عامـة في كشمير، فإن اسلام اباد تستفيد من خبرات وصادرات الصين في الميـدان النووي، وتعمل على تجميع المواد التي تمكنها من تصنيع قنبلة ذرية، رغم تأكيد سلطاتها عكس ذلك. وكانت واشنطن قد اتهمت بكين بنقل تكنولوجيا نوويـة إلى باكستان، وبتزويد الجيش الباكستاني صواريخ "أم 11" القادرة على حمل رؤوس نووية([60]).

وجاءت زيارة أخرى لتظهر مدى أهمية باكستان في التوازنات الإقليمية في آسيا الجنوبية: زيارة ملكة بريطانيا اليزابيت الثانية خلال شهر تشرين الأول 1997 إلى البلاد([61]).

وضمن مفهوم الدور الإقليمي، تُعتبر باكستان إحدى الدول الفاعلـة في الحرب الأفغانية. فقد زار اسلام اباد في 17 تشرين الأول 1997 رئيس المجلس الانتقالي لحركة طالبان الأفغانية ملا محمد رباني، تحضيراً للسلام في بلاده. وكان رئيس وزراء باكستان نواز شريف قد زار تركمنستان واجتمع بالرئيس الأفغاني المخلوع برهان الدين رباني، وذلك بهدف إيجـاد حل سياسي وتقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة الأفغانيـة. وتدعم باكستان حركة طالبان التي تمكنت من السيطرة على 75 بالمئة من أفغانستان. لذلك فإن باكستان تريد أن تلعب دور العراب لحل الأزمة الأفغانية المستعصية، وذلك ضمن مفهومها لدورها كإحدى الدول الكبرى والفاعلة في جنوب آسيا، وبصفتها إحدى الجارات الأكثر أهمية لأفغانستان حيث يجري القتال حالياً([62]).

وضمن المفهوم نفسه للدولة الكبرى التي خرجت من نظام التبعية ومن مركب النقص النووي، ترغب باكستان في انتهاج سياسة اكثر ليونـة في التعاطي مع الهند بشأن سباق التسلح، كما تريد ترتيب وضعهـا الداخلي بشكل موافق للمصالح الاقتصادية الغربية التي تتجه إلى رصد استثمارات عملاقة لاستغلال ثروات آسيا. وهكذا تتمكن باكستان من استقبال القرن الحادي والعشرين في وضع أفضل من الوضع الذي ستغادر به القرن الحالي.

علاوة على علاقاتها الغربية والإقليمية، ترتبط باكستان بعلاقات اقتصادية جيدة مع أغلب الدول العربية، إضافة إلى عضويتها في منظمة البلدان الإسلامية([63]).

وعلى الصعيد الداخلي، تبدو اسلام اباد جادة في ضبط أوضاعها لاسيما الاقتصادية والأمنية ومحاربة الفساد. فعلى الصعيد الاقتصادي، لجأت الحكومة إلى الخصخصة مما قد يعود على الدولة بنحو مليار دولار. وقد تعهد الرئيس الجديد للحكومة، نواز شريف، بسلوك هذا الدرب مع سعيه إلى استيفـاء ضريبي افضل في البلاد، وذلك باعتماد سلسلة من التدابير الضرائبية الطارئـة تمشياً مع إرشادات صندوق النقد الدولي. كما عمد إلى اقتطاع مبلغ 674 مليون دولار من النفقات الحكومية، وخفض قيمة العملة الوطنيـة بنسبة 7.9 بالمئة، مما أدى إلى ترحيب صندوق النقد الدولي الذي تعهد بدعمه مالياً([64]).

سياسياً، ساهمت إقالة بنازير بوتو في 5 تشرين الثاني 1996 من قبل رئيس الجمهوريـة فاروق احمد ليغاري، في تعزيز موقع الرئاسة الأولى في النظام البرلماني الباكستاني الذي طُعِّم خلال ولاية الرئيس ضياء الحـق بسمات النظام الرئاسي. وكان رئيس الجمهورية قد سبق وأقال نواز شريف، الرئيس الحالي للحكومة، عام 1993([65]).كما عزز الرئيس ليغاري صلاحياته بإقرار تشكيل مجلس الأمن القومي الذي ضمَّ، إضافة إلى وزراء الدفاع والخارجية والداخلية والمال، رئيس القيادة المشتركـة لهيئة الأركان وقائدي القوات البحرية والجوية. وهذه الخطوة عززت دور القوات المسلحة في باكستان، مما جعلها تقوم بحماية السياسات الاقتصادية للحكومة وتؤمن الاستقرار الاقتصادي، وبالتالي السياسي.

لقد أدى دور الجيش الباكستاني في إقالـة بوتو إلى قلق في الهند من تعاظم دور هذا الجيش في تنظيم الشؤون الداخلية للبلاد، لما له من قيمة عسكرية وتنظيمية وقدرة قتالية كبرى، خاصة وأن سياسة بوتو تجاه الهند كانت توصف بالمعتدلة رغم تصريحاتها العنيفة المؤيدة لثوار كشمير([66]).

وبالفعل، يعتبر الجيش الباكستاني من أفضل الجيوش تدريباً وتكنولوجية وعتاداً. وهو يعادل بالقيمة والقدرة الجيش الهندي في منطقة جنوب آسيا. فخلال الانتخابات العامة التي جرت في الثالث من شباط 1997، جندت باكستان نحو 600 ألف جندي لمنـع أعمال العنف ولوقف أعمال الجماعات المتناحرة والمتطرفة.

وفي المجال الجوي، أعلنت الهند في 20 كانون الثاني 1997 أنها أسقطت فوق أراضيها طائرة باكستانيـَّة دون طيار انتهكت مجالها الجوي. ونقلت وكالـة الأنباء عن خبراء عسكريين هنود قولهم إن الحادث يظهر مدى حاجة الهند إلى تطوير قدراتها العسكرية وامتلاك أجهزة دفاعية أفضل لمواجهة التكنولوجيا الباكستانية([67]).

أمنياً، وبعد تكاثر أعمال العنف خلال السنوات الثلاث الماضية، قررت حكومة نواز شريف التعامل مع هذه المشكلة بجدية من خلال إجراءات إداريـة وعسكريـة مركزة. فقد أعلن شريف أن شن حرب على الإرهاب والعنف السياسي سيكون من ضمن أولوياتـه. كما طردت حكومته عدداً من الأشخاص معظمهم من أصل أفغاني كانت لهم علاقـة بتأهيل وتدريب وتسليح عناصر إرهابية تعمل في دول أخرى مصدرة للإرهاب إليها. وتعمل باكستان حالـياً، ضمن فكرة التعاون الإقليمي مع تزايد الجهود التي تبذلها الصين وكزاخستان وروسيا وجورجيا، لتجميع مواردها من أجل التغلب على عناصر الإرهاب، وذلك بهدف جعل منطقة جنوب آسيا أفضل أمنياً لاستقبال التوظيفات الاقتصادية العالمية([68]).

 

د- باكستان أمام المشكلات

في الخامس من تشرين الثاني 1996، أقال رئيس باكستان، فاروق ليفاري، بنازير بوتو وحكومتها للمرة الثانية بتهم الفساد وسوء الإدارة من قبلها ومن قبل زوجها عاصف زرداري، وقد عبرت غالبية الرأي العام عن ارتياحها لهذا القرار([69]).

لكن هذه الحكومة ليست المسؤولة الوحيدة عن الفساد، فقد تناوب على حكم باكستان، منذ الاستقلال، العسكريون والمدنيون وكان أسلوب الحكم من الجهتين متشابهاً لجهة سوء الإدارة وضخامة حجم البيروقراطية فيها([70]). فقد أهملت الحكومة قضايا مهمـة بالنسبة للمجتمع الباكستاني، كالقضاء على الأمية والحد من زيادة السكان وتحسين مستويات التعليم والاقتصاد وإعادة توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل وتنفيـذ أعمال الإصلاح الزراعي لمنع سيطرة كبار الملاكين. كما استفادت جميع الحكومات من حساب الصالح العام للمصالح الخاصة، وحافظت على نسبة عاليـة من الفساد والهدر مما أدى إلى تصاعد النقمة الشعبية، وبالتالي الارتياح لدى كل تغيير حكومي، كإقالة بوتو مرة جديدة.

اقتصادياً، ساهم الإصلاح الزراعي، الذي بدأ منذ عهد ذي الفقار علي بوتو في تقويـة كبار ملاكي الأراضي. كما أدت حملته التي شملت الصناعات والمصارف، إلى القضاء على طبقة الصناعيين الناشئة دون أن تأتي بالفوائد المتوخاة من الاشتراكية. أما بنازير فقد فرضت ضرائب مبيعات إضافيـة وقعت على عاتق المواطن العادي، فبما استمر الأغنياء من مالكي الأرض بالتهرب من دفع الضرائب.

مالياً، انخفض سعر الروبية بنسبة 35 بالمئة، منها 15 بالمئة في كانون الثاني 1996، كما زاد العجز في الموازنة عن طريق الدعـم الحكومي للاستثمار، خاصة في مجال البضائع التي تعد للتصديـر وبسبب تشجيع رجال الأعمال الأجانب على الاستثمار في البلاد. لقد وصل العجز التجاري إلى 2.9 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 1996، بعدما كان 1.63 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق([71]).

أمنياً، استمدت الأزمة الاقتصادية قسماً من تصاعدها من حدة العنف في كراتشي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث سقط أكثر من ألفي قتيل. وقامـت قوى الأمن والجيش بحملات تفتيش وتدمير متواصلة في أنحاء المدينة احتجزت خلالها آلاف المواطنين خلال النصف الثاني من العام 1996. كما أطلقت الحكومـة يد الشرطة ووحدات المليشيا للتعذيب وقتل المئات من المحتجزين. وقد قُتل مرتضى بوتو، شقيق بنازير بوتو، الذي اعتُبـر المعارض لها والوحيد الباقي على قيد الحياة من العائلة. وأشارت أصابع الاتهام عن مقتله إلى جهاز الحكومة([72]).

أما العنف الطائفي فهو يشكل مشكلة أمنية واجتماعية أخرى، خاصة الصراع بين السنة والشيعة الذين يشكل عددهم نسبة 19 بالمئة من سكان باكستان. لقد بات هذا الصراع الطائفي يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي كونـه حصد أرواح 15 ألف شخص منذ عام 1979، من خلال الاغتيالات المتبادلة والتي ارتفعـت وتيرتها عام 1996، إذ سقط 170 قتيلاً من الجهتين. وتتداخل مع العنف الطائفي العلاقات مع الدول المجاورة، خاصة إيران و أفغانستان.

وقد أمسى العنف خلال السنوات الثلاث الماضية، من أبرز عناوين الحياة اليومية الباكستانيـة، إذ لا يكاد يمر يوم دون أخبار عن الصراع الدائر بين الجماعات المتطرفة التي تحارب بعضها البعض من أجل فرض النفوذ، خاصـة في البنجاب. وبدأ العنف الذي أصاب البلاد وكأنه انعكاس للصراع الأفغانـي الدائر منذ الثمانينـات، حيث تلقى عشرات الآلاف من المجاهدين التدريب والتسلح في مناطق باكستانيـة بهدف إقامة نظام كابول المدعوم سوفياتياً آنذاك([73]).

وارتدى العنف مظاهر أخرى، منها مذهبية ومنها نشاطات جماعات المخدرات المنظمة في أنحاء غرب ووسط آسيا، وأخيراً أعمال بعض الجماعات ذات العلاقة بحركة "مهاجر قومي" في كراتشي التي تستهدف معارضيها السياسيين والعرقيين. وفي شمال وغرب الأقاليم الحدودية مع الهند، يحتفظ كبار الإقطاعيين بجماعات مسلحة كجيوش خاصة بهم، رغم إجراءات الرئيس شريف الحالية للحد من العنف السياسي في البلاد([74]).

وفي مسلسلات الصراع على النفوذ، نذكر أن هذا الصراع قائم أيضاً بين العلمانية والأصولية. فقد أُعلنت باكستان عام 1956 دولة إسلامية. إنما، وفي عام 1958، حصل انقلاب عسكري بقيادة ايوب خان، فنسف دستور الدولة الإسلامية بهدف الحد من تأثير رجال الدين الذين استطاعوا عام 1963 إجبار الجمعيـة الوطنيـة على إعادة دستور 1956 الديني. وفي عام 1969، شكل ايوب خان حكومة عسكرية. وفي عام 1972، انحاز بوتو إلى العلمانية رغم دعم الأحزاب الدينية لـه. وفي عام 1979، دعا ضياء الحق إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فعارضتـه منظمات حقوق الإنسان بسبب التضييق على الحريات، إضافة إلى قيام صراع بين السنة والشيعة.

ومع وصول بنازير بوتو إلى الحكم، اعترض ألفا عالم دين ارتقاء امرأة إلى درجـة رئاسة الوزارة ودعوتها إلى اشتراكية ملحدة([75]).وما زال الصراع قائماً بين هذين التيارين والعقليتين، العقلية الغربية العلمانية، والعقلية الإسلامية الدينية، لذلك ما زالت الحالة الأمنية متدهورة، بعد خمسين عاماً من الاستقلال، الأمر الذي يُعبِّر عنه أفضل تعبيـر منظر الجنود المسلحين الذين يحرسون المساجد كي لا يتعرض المؤمنون للعنف، وربما للاغتيال.

والمثال الصارخ عن الحالة الأمنية هذه جاء من لاهور في شرق باكستان، حيث وقع، في 18 كانون الثاني 1997، حادث اعتداء أسفر عن مقتل 26 شخصاً منهم زعيم "فرسان الصحابـة"، ضياء الحق فاروقي و 19 عنصراً من الشرطة. وقالت الشرطة أن محرم علي الشيعي العضو في "الحركة الجعفرية الباكستانية"، أقر بوضع قنبلة شديدة الإنفجار وبتفجيرها لحظة نقل الشرطة اثنين من الأصوليين السنة من السجن إلى المحكمة بتهمة قتل عدد من زعماء حزب شيعي منافس([76]).

ورداً على ذلك، أضرم نحو 800 ناشط سني النار في اليوم التالي في المركز الثقافي الإيراني في عاصمة البنجاب مما أدى إلى احتجاج إيران على هذا العمل([77]).

خارجياً، تتمثل المشكلة الباكستانية الكبرى بالعلاقات المتدهورة مع الهند حول كشمير والتي تهـدد باندلاع حرب جديدة بينهما، خاصة بعد مناوشات الحدود في كانون الثانـي 1996. وفيما تطالب باكستان بمنح سكان كشمير حق تقرير المصير، تعتبرها الهند جزءاً منهـا. وآخر التحركات تنظيم الأحزاب السياسية في كشمير الباكستانيـة في 24 تشرين الأول 1997 سلسلة بشرية من خمسة آلاف شخص امتدت نحو 50 كيلومتراً، تعبيراً عن التضامن مع سكان كشمير الهندية، بمناسبة الذكرى الخمسين لقيام كشمير الباكستانية([78]).

وفي ميدان العلاقات الخارجية، وبعد المتغيرات الجديدة في السياسة الخارجية الأميركية إثر انتهاء الحرب الباردة، تقلص دور باكستان في إطار الستراتيجية الأميركية، فيما تجتاز العلاقات بين واشنطن واسلام اباد مرحلة جمود وتراجع في الأهمية. فقد رفضت واشنطن تزويد باكستان بالطائرات الحربية الحديثة، وعارضت برنامجها للتسلح النووي، واحتجت على المساعدات التي تقدمهـا الصين في هذا المضمار. كما أدرجت الولايات المتحدة، منذ عام 1992، كلا من الصين وباكستان مؤقتـاً في القائمة السوداء، بسبب مساهمة بكين بدعم برنامج التصنيع النووي الباكستاني بتكنولوجيا تدخل في تصنيع الصواريخ الباكستانية([79]).

من جهة أخرى، اعترضت الولايات المتحدة على القوانين التي أصدرها البرلمان الباكستاني بشأن التجديف في حق الإسلام، واعتبرتها تشجيعاً على التعصب الديني، مطالبة بإلغائها وبالتضييق على "حركة الأنصار الكشميرية" المسلحة التي وضعتها الإدارة على لائحة المنظمات الإرهابية([80]).

 

الخلاصة

تُعتبر باكستان من دول جنوب آسيا التي يمكنها لعب دور بارز، ليس فقط في منطقتها، إنما أيضاً في التوازنات الدولية المستقبلية. وما يؤهلها لهذا الدور، حجمها وعدد سكانها وإمكاناتها العسكرية وخاصـة النووية وموازنتها للهند ستراتيجياً وسياسياً. فقد استقطبت باكستان الاهتمام العالمي من خلال زيارات رؤساء الدول الكبرى إليها، ومحاولات هذه الدول الدخول إلى الأسواق الاستهلاكية للبلاد. ويمكن لباكستان أن تلعب دوراً أيضاً في ميدان علاقاتها مع الدول العربية الصديقة، والدول الإسلامية التي ترتبط معها اقتصادياً وسياسياً نظراً لعضويتها البارزة في منظمة البلدان الإسلامية.

وتحاول باكستان ضبط ساحتها الداخلية، اقتصادياً وأمنياً وحياتياً، كما أنها لجأت إلى الخصخصة في بعض الميادين لتخفيف الأعباء عن الدولة المركزية في زمن الصعوبات الاقتصادية العالمية. كما انصاعت إلى إرشادات صندوق النقد الدولي مما أهلها تلقي المساعدات والقروض الدولية.

ويبقى أمام باكستان طريق طويل لضبط ساحتها الداخلية وتعزيز اقتصادها وتسلّم الدور الذي يليق بحجمها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

عليها تطبيع علاقاتها مع الدول الكبرى في آسيا، لا سيما جارتها الهند، وإنهاء الخلاف حول كشمير الذي يهدد بحرب رابعة بين البلدين. وعليها إعادة دورها الستراتيجي في الميزان الأميركي إلى ما كان عليه قبل انتهاء الحرب الباردة.

وعليها دعم اقتصادها الزراعي، وإنهاء سيطرة كبار ملاكي الأرض، وتعزيز الطبقة الصناعية الناشئة، وتعزيز عملتها وإنهاء العجز في موازنتها.

عليها إنهاء العنف المتصاعد في البلاد، ولا سيما العنف الطائفي والقبلي، ومنع انعكاس النزاع الأفغاني على الأمن داخل المناطق المحاذية لأفغانستان. وعليها منع الاغتيالات السياسية، وإنهاء الصراع بين العقليـة العلمانية والعقلية الدينية الذي ما زال يسود البلاد، وذلك بهدف استقبال القرن الحادي والعشرين بشعب موحد ومجتمع متجانس وقدرة عسكرية توحي بالاحترام وبعلاقات خارجية نشيطة، خاصة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا.

 

رابعاً -النمور الآسيوية

منذ ثلاثين عاماً، اعتُبرت منطقة آسيا الجنوب شرقية من أكثر المناطق ازدهاراً في العالم بشهادة البنك وصندوق النقد الدوليين.

دول المنطقة تلك، التي شُبِّهت في الميدان الاقتصادي، بالنمور أو التنينات  هي: تايلاندا، أندونيسيا، الفيليبين، سنغافورة وهونغ كونغ التي انتقلت مؤخراً إلى السيطرة الصينية([81]).

واعتُبرت هذه الدول النموذج الأمثل للتطور الاقتصادي الحديث في العالم، وذلك عن طريق الانفتاح بلا حدود على العالم الخارجي. ولم يتوقف الرأسماليون المقيمون في هذه البلدان عن زيادة حصصهم في السوق، من خلال تنشيط التصديـر بفضل يد عاملـة وافرة وأسواق جيدة وتدخّل الحكومات الإيجابي وتعميم المساعدات العامة، وذلك رغم الفساد السياسي الذي لم يوفر أعلى المناصب في الدولة، ورغم الوسائل الديكتاتوريـة الممارسة في الحكم والتي قضت على أية معارضة نقابية. وذهبت أندونيسيا إلى أبعد من ذلك، فهي تحكمها ديكتاتوريـة وصلت إلى الحكم عام 1965 بعد مجزرة ذهب ضحيتها خمسون ألف محارب يساري.

لقد تشابكت اقتصادات بلدان النمور الآسيوية في النظام العالمي مع ازدهار المؤسسات المتعددة الجنسيات، وعرفت فترة من أهم فترات الازدهار في التاريخ بين 1960 و1996 رغم التباين بينهما. إذ أنَّ هونغ كونغ وسنغافورة، على سبيل المثال، تميزتا بالمداخيل الفردية المرتفعة.

 

أ- إنجازات النمور

تتمتع بلدان النمور بفائض تجاري هام جداً، فقد ظهرت زيادة حصة تصدير السلع والخدمات في الإنتاج من إجمالي الناتج القومي جلية في هونغ كونغ (أكثر من 39 بالمئة) وسنغافورة ( 97 بالمئة) ([82]). وأدهشت النمور العالم بمدى التقدم الاقتصادي السريع، إذ حققت معجزة اقتصاديـة حقيقية جعلتها على أبواب تخطي الدول الصناعية وذلك خلال بضعـة عقود فقط. وقد نـما اقتصادها خلال العقود الثلاثة الأخيرة بمعدل سنوي يزيد عن 8 بالمئة، وراحت تستوعب، منذ بداية الثمانينات، 25 بالمئة من الاستثمارات الأجنبيـة العالمية المباشرة، مما جعلها تشكل محركاً اقتصادياً عالمياً، فيما كانت الدول الأوروبية والأميركية الشمالية تعاني من الركود في المناطق الصناعية.

ففي عام 1980، كان 15 بالمئة من الصادرات العالمية ينطلق من آسيا الشرقية، ووصلت هذه النسبـة إلى 23 بالمئة عام 1994. لكن النمو الاقتصادي الذي بلغ 9 بالمئة عام 1995، تراجع إلى  7 بالمئة عام 1996 بسبب زيادة الإنتاج الصناعي، كما ظهر بعض العجز في ميزان مدفوعات بعض الدول مثل ماليزيا و تايلاندا، دون أن يعني ذلك تراجعها لأن معدلات النمـو تبقى أكبر مما هي عليه في الدول الصناعية الكبرى([83]).

علاوة على ذلك، أتقنت دول النمور، بشكل عام، تطبيق قواعد النمو، وخاصة النسبـة العالية من الادخار والرسوم والنفقات الضعيفة، وسوق العمل المرنة، والالتزام القوي بالتنشئة التربويـة والانفتاح على التجارة والتكنولوجيا الأجنبية. وهذا التطور مرشح للاستمرار، ربما بنسبة أقل من السنوات الماضية([84]).

هذا الوضع الاقتصادي المزدهر للنمو بدأ بالتراجع، لا سيما منذ بدايـة عام 1997، بعد أن تعثر نمو صادرات تلك الدول مما دق أجراس الإنذار في المكاتب الحكومية ومجالس إدارة الشركات من سيول  حتى كوالالامبور([85]).

وتساءل المشككون في "المعجزة الآسيوية" عما إذا كانت القوة التصديرية الهائلة للنمور قد فقدت تفوقها النسبي. أمـا الاقتصاديون الآسيويون، فيرون أن النمور ما زالوا يشكلون قوة تنافسية في أسواق العالم، وأن الصادرات تراجعت بسبب عوامل دورية. ويرى بعض المحللين أن نسبة النمو الاقتصادي التي حققتها هذه الدول في بداية التسعينات لا يمكن لها أن تستمر في المدى القصير، خاصة مع تصاعد الرواتب وتراجع الصادرات وانخفاض أسعار العملات وتضعضع البورصات والضغوط الشديدة التي تتعرض لها سوق الأوراق المالية([86]).

   ويكفي، لإعطاء صورة عن مدى تأثر الاقتصاد العالـمي بالوضع الاقتصادي في شرق وجنوب شرق آسيا، أن نذكر أزمة بورصة هونغ كونغ التي هزت البورصات العالمية في 23 تشرين الأول 1997، ولا سيما الأوروبيـة منها، وأفقدت بورصة لندن 35 مليار جنيـه سترليني. فقد عم الاضطراب أسواق المال العالمية ابتداء من 20 تشرين الأول 1997 بسبب أزمة الأسهم والعملات في المنطقة، مما أثار مخاوف المستثمرين الدوليين ودفعهم للبحث عن أسواق أكثر أمناً.

وبدأت الاضطرابات مع هبوط حاد في بورصة هونغ كونغ أفقد مؤشرها أكثر من 10 بالمئة من قيمته خلال أربعة أيام. ويعود ذلك إلى مساعي سلطات المدينة للدفاع عن الدولار المحلي واستمرار ارتباطه بالدولار الأميركي، إضافة إلى المخاوف من تنفيذ السلطات الصينية ما وعدت به وهو خفض الأسعار في قطاع العقارات في الجزيرة. وهذا الأمر حتّم صعود أسعار الفائدة إلى ما يتراوح بين 250 و 300 بالمئة([87]).

وامتدت الأزمة بسرعة إلى باقي البورصات الآسيوية، ومنها إلى البورصات الأوروبية التي انخفضت مؤشراتها بنسب تتراوح بين 3 و 4 بالمئة في لندن وباريس وفرانكفورت. كما انخفض مؤشر بورصة وول ستريت الأميركيـة بحدة أدت إلى تدخل الرئيس كلينتون لدعمها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بورصة طوكيو.

 

ب- النمور أمام المشكلات

مع نهاية عام 1997، وخلال بضعة أشهر فقط، تحولت الأنظمة الاقتصادية الآسيويـة من الازدهار إلى التراجع، وراح مديرو الأموال العالميون يعاقبون الحكومات الآسيوية بقسوة بعد أن كانوا يثنون عليها وعلى نشاطاتها في الميدانين المالي والاقتصادي.

والأزمة الآسيوية مماثلة لحال الإرهاق في مصرف يتسابق المستثمرون على سحب ودائعهـم منه. فالقسم الكبير من الذعر الذي ظهر في البورصات هو نوبـة من الجنون المؤقت. ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أن أنظمة النمور يمكنها استيعاب حال الهستيريا هذه بسهولـة نظراً لإمكاناتها التي بنتها خلال سنوات طوال على قواعد ثابتـة وآمنة. كما أن التضخم في هذه البلدان ما يزال منخفضاً، والموازنات تشهد فائضاً، واحتياطات الصرف الأجنبيـة خلال عام 1997 كانت مستقرة، وحتى في حال ازدياد.

لقد اجتمعت عوامل عدة لتفجير الأزمة المالية هذه أبرزها ضعف "النمور" التصديري، وارتفاع كلفـة الأجور، ومنافسة الصين، وانخفاض الطلب على الصادرات ولا سيما الإلكترونية منها. كما بات من الواضح أنـه، إذا رغبت هذه الدول في منافسة الولايات المتحدة، عليها خفض قيمة عملاتها بالنسبة إلى سعر الدولار كي تصبح كلفة الإنتاج لديها أقل، كما عليها تعزيز نقاط القوة في موازناتها وأسواق العمل المرنة والضريبة المنخفضة وإمكانات النمو على المدى الطويل([88]).

ويرى بعض الاقتصاديين أن ما تشهده الأسواق المالية في جنوب وشرق آسيا هو مرحلة من الركود يمكن أن يكون مـن الصعب بعدها على اقتصاديات هذه الدول العودة إلى تحقيق معدلات النمو السابقة([89]).

كتبت جريدة لوموند الفرنسيـة بتاريخ 30 آب 1997: "بعد سنوات عديدة من النمو السريع، وُضعت ستراتيجية النمور التنموية موضع الاتهام. فقد تبخر بسرعة مدهشة من أسواقها 200 مليار دولار ترافـق مع انـهيار فاحش للعملات. وهذا المبلغ يعادل المدخول السنوي لكل من ماليزيا وسنغافورة والفيليبين مجتمعة."

لقد فقدت بورصـة بانكوك خلال شهر آب، 21 بالمئة من موجوداتها، أي 12.4 مليار دولار، وفقدت أسواق جاكرتا 33 ملياراً، وهبط رصيد بورصة هونغ كونغ بمعدل 13.5 بالمئة، أي 80 مليار دولار. وبلغت التقديرات الأولية لخسارة المستثمرين الأجانب 30 مليار دولار، بينما وصلت خسارة السيكاف (CICAF) الفرنسيـة إلى 100 مليار دولار. أما العملة التايلاندية فخسرت 38 بالمئة من قيمتها، والأندونيسية 21 بالمئة، والماليزية 15 بالمئة. أما الرابحون فكانوا كبار المضاربين الذين قادوا عمليـة المضاربة، وعلى رأسهم مجموعة توتال([90]).

والمستفيـد الأكبر من عمليات انهيار البورصات هذه كان عدداً قليلاً من المضاربين المستندين إلى صناديق المضاربات الأميركية (HEDGE FUNDS)، قادوا حملة بيع السندات والأسهم الوهمية التي ليست في حوزتهم. فالأمركة في النظام العالمي الجديد لن تسمح لغيرها من الشركات، التي خلقتها هي بالذات، بأن تنافسها بعد الآن.

علاوة على ذلك، قام عدد كبير من المصارف والمؤسسات المحلية بالمضاربـة على عملات بلدانها، كما راحت أسواق المال الغربية تهتز بسبب ما أصاب أسواق المال في جنوب وشرق آسيا.

وما يخاف منه النمور هو أن يكون ما حصل حتى الآن ليس سوى بداية لما سيحدث مستقبلاً على الصعيد المالي والاقتصادي والذي قد يكون أشد ضراوة. فالازدهار الاقتصادي الذي كوّن قوة هذه البلدان، إن هو سوى سلاح ذي حدين، من الممكن أن يتحول ضدها لا سيما أمام المضاربات الخارجية، وخاصة الأميركية واليابانية منها.

 

مشكلات أخرى

ليست الصعوبات الاقتصادية التي تجتاح النمور الآسيويـة هي مشاكلها الوحيدة. فقد تعرضت تلك البلدان لهزات سياسية واجتماعية وأمنية نذكرها بإيجاز.

فسياسياً، ما زالت حكومات النمور غافلة عن الحاجات الديموقراطيـة التي لا بد أن تظهر لدى مواطنيهـا مع تقدم مستوياتهم الاقتصادية. فهي تعتبر أن هذه الحاجات ليست صفة كونية بمقدار ما هي منبثقة من الثقافات الغربية. لذلك يساور قادة هذه الدول قلق من احتمال تخلي الأجيال المقبلة، التي لم تختبر الجهود التي بذلها الآباء، عن التقاليد الموروثة والانضباطية الإنتاجية، لتتعرض للآفات الاجتماعيـة التي تضرب المجتمعات الغربية الليبيراليَّة.

وتواجه النمور تحد سياسي متمثل بضرورة تطوير أنظمتها السياسية لجهة جعلها أكثر انسجاماً مع تطلعات أجيالها الشابـة. وعلى الحكام الآسيويين أن يتذكروا أن حكماً أكثر قابلية للانفتاح على الشعب وللمحاسبة والمشاركة، سيأتي عاجلاً أم آجلاً كنتيجة للنمو الاقتصادي ولانفتاح الأسواق.

كتب آخر حاكم لهونغ كونغ، كريس باتن، في الإيكونوميست أن "البعض من زعماء آسيا يبدو قليل الثقة بأن مجموعاتهم قادرة على أن تكون عند مستوى مستلزمات النجاح الاقتصادي من غير فقدان هويتها"([91]).

والانتخابات الأخيرة التي حصلت في سنغافورة كانت موضع تحفظ عالمي شديد بسبب الضغوط الواضحـة التي مارسها الحزب والحكومة لمنع الناخبين من تأييد المعارضة. واستدعى ذلك انتقاد الولايات المتحدة مبادرة "حزب عمل الشعب" بإنذار الدوائر التي سوف يفوز فيها معارضون بأنـها ستكون آخر من يستفيد من المشاريع الحكومية. أما كبير الوزراء، فإنه لم يتراجع عن تحفظه حيال مبدأ المساواة بين الناخبين، ويرى ضرورة التخلي عن مبدأ الاعتراف بصوت واحد لكل ناخب، وهو مبدأ موروث عن البريطانيين([92]). بالمقابل، وبغياب المعارضة، قامت الحكومة خلال السنوات الأخيرة بتعيين ستة مواطنين، ذوي وجهات نظر مستقلة وغير حزبية، للمشاركة في المناقشات البرلمانية كمعارضة([93]).

وفي تايلاندا، سادت البلاد أزمة سياسية حكومية، فنزل في تشرين الأول 1997 إلى الشوارع آلاف المتظاهرين المطالبين باستقالة رئيس الحكومة، شافالي بونفنشايوده، الذي يرأسها منذ الانتخابات المبكرة في تشرين الثاني 1996. فقد فقدت الحكومة الكثير من مصداقيتها بسبب فشلها في إدارة الأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى استقالة وزير المالية الذي كان مصرفياً سابقاً محترماً من أوساط رجال الأعمال. و سبب الاستقالة كان إلغاء رئيس الحكومة قراراً كان قد اتخذ برفع سعر المحروقات لتغطية عجز الموازنة المتراكم منذ 1992، معتبراً أن هذا الإلغاء اتخذ لأسباب سياسية وليس اقتصادية([94]).

وبالفعل، استقال الرئيس وعين مكانه الجنرال شوان ليكسباي، زعيم الحزب الديموقراطي المعارض، الذي وعد بإصدار دستور جديد للبلاد. إلا أن الائتلافات الحكومية فشلت في معالجة الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ عام 1992، فراحت الحكومات تسقط الواحدة تلو الأخرى. ومنذ 10 تشرين الثاني 1997، انعكست عودة الجنرال ليكسباي إلى رئاسة الوزارة بشكل إيجابي، مالياً وسياسياً، إنما إلى متى؟

وفي أندونيسيا، لجأ الرئيس احمد سوهارتو إلى دعم القوات المسلحـة للسيطرة على حرائق الغابات الهائلة التي التهمت مساحات شاسعة من البلاد خلال أسابيع، وتسببت بتلوث بيئوي، وأدت إلى كوارث جوية وبحريـة أوقعت مئات القتلى. وألقت الدول المجاورة اللوم على أندونيسيا التي عجزت عن السيطرة على حرائـق الأشجار التي دمرت نحو 1.88 مليون فدان من الغابات، مما أثر على صحة أكثر من 20 مليون مواطن([95]).

وامتدت الأزمة الأندونيسية إلى العملة الوطنية التي فقدت 50 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، خلال عام 1997. وأبرزت الأزمة المالية انتشار الفساد في الميدان الاقتصادي، وعدم الكفاءة، ومحاباة الأقارب وغطرسة السلطة، علاوة على سوء الإدارة وارتفاع معدل البطالة وانخفاض المحاصيل بسبب الجفاف وارتفاع أسعار السلع. وقوبلت الأزمة بالتجاهل على صعيد الدولة، مما شجع على إشاعة ا الاضطرابات. كما حمّل البعض المسؤوليـة للرئيس سوهارتو الذي ما زال يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود ونصف. كما وجهت "الجماعـة المحمدية"، وهي منظمة اجتماعية تضم 20 مليون عضو، انتقادات لسوهارتو لأن ثقة الشعب بالحكومة تبددت خلال أسوأ أزمة عرفتها البلاد([96]).

وفي ماليزيا، أعلنت السلطات عن تنفيذ إجراءات اقتصادية معقدة تهدف إلى تهدئة مخاوف المستثمرين بشأن اقتصادهـا، ومنهـا تقليص معدل النمو الاقتصادي إلى أدنى مستوياته منذ عشر سنوات، وخفض عجزها الكبير في ميزان المعاملات الجارية. وأكدت وزارة المالية في تقريرها السنوي لعام 1997 أنها ستُبقي على سياستها الماليـة المتشددة للسيطرة على ارتفاع أسعار الأوراق المالية.

وعلى صعيد العملـة، تدهورت عملة ماليزيا وسوق أسهمها في الأشهر الأخيرة عام 1997، مع تخوف المستثمرين من ارتفاع معدل نموها الاقتصادي في أعقاب الأزمة المالية في تايلاندا. وانخفض المؤشر الرئيسي لبورصة كوالالامبور نحو 35 بالمئة خلال عام 1997، وتراجعت عملتها نحو 21 بالمئة أمام الدولار الأميركي مع سحب المستثمرين لأموالهم. وتوقعت وزارة الماليـة أن تغادر رؤوس اموال قصيرة المدى قيمتها نحو 13.9 مليار "رينجيت" البلاد مع بداية عام 1998([97]).

سياسياً،بدأت تظهر تباشير مشكلة في سماء ماليزيا، تتمثل بسوء العلاقة بين رئيس الوزراء مهاتير محمد ونائبه انور ابراهيم الذي راح نجمه يتألق تمهيداً للحلول مكان مهاتير. وهذا ما دفع بالرئيس إلى الدخول في مشادات إعلامية مباشرة مع الصحافة الأجنبية التي أخذت تشيد بابراهيم([98]).

ومهاتير، الذي يحكم ماليزيا منذ 1981 ويعتبر مؤسس البلاد الحديثة، يرأس حزباً مهيمناً على الحكومة هو حزب "المنظمة الوطنية للماليزيين المتحدين" الذي يتحلق حوله 14 حزباً في جبهة وطنية. لكن مهاتير حوّل النظام إلى نظام ملكي دستوري انتخابي لأن ملك ماليزيا يُنتخب لمدة 5 سنوات، وهو بالضرورة أحد سلاطين الولايات التسع. لقد عمل النظام الجديد على خلق طبقـة بورجوازية قوية تملك 6 شركات ضخمة تتوسع إلى خارج الحدود، وترتبط بحزب المنظمة الوطنية الذي يرأسه مهاتير. والتحدي أمام ماليزيا هو اجتماعي أيضاً، ويرتبط باشراك الفئات الفقيرة في الاستفادة من النمو([99]).

 

الخلاصة

يقول الكاتب البريطاني الشهير بول كندي في كتابه "صعود الأمم وهبوطها" إن "انحطاط الأمبراطوريـات يبدأ عندما لا تعود قادرة على تحمل نفقات توسعها، في وقت يكون التوسع ضرورة للمحافظة على قوتها".

فهل أن النمور الآسيوية بدأت بالتراجع الاقتصادي، في وقت يبدو العالم فيه وحدة مالية واقتصادية؟ وما هي المنطقة أو البلدان التي تندفع في الميدان المالي لتحل مكانها؟ وهل أن النظام العالمي الجديد بدأ حملتـه للحد من طموحات بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا؟

كلها أسئلة قد تلقى أجوبتها خلال السنوات القادمة، وربما الأشهر المقبلة.

فمما لا شك فيه أن النمور التي اعتُبرت النموذج الأمثل في العالم للتطور الاقتصادي الحديث عن طريق الانفتاح الخارجي، قد اهتزت بورصتها وعملاتهـا خلال أشهر قليلة في نهاية عام 1997. وهذا ما دفع إلى التساؤل هل أن ساحتها المالية محصنة فعلاً أمام التطورات الاقتصاديـة والمضاربات التي يمكن أن تقودها الشركات الأميركية الضخمة مثلاً؟

لقد اعتُبر تعثر نمو صادرات النمور منذ بداية عام 1997، بدايـة التراجع الذي هز بلدان جنوب - شرق آسيا وبورصات العالمين الأوروبي والأميركي، منذ تشرين الأول من العام نفسه.

ولمعالجة هذا الوضع، اجتمع نواب وزراء مالية 12 دولة آسيويـة، من بينها الصين واليابان وكبار المسؤولين عن صندوق النقد والبنك الدوليين، في الثامن عشر من تشرين الثاني 1997، واتفق المجتمعون على وضع إطار جديد للتعاون الإقليمي، في محاولة لإنهاء حال الفوضى الماليـة في آسيا التي بدأت تؤثر على الاقتصاد العالمي. وهكذا دخلت العمولة الاقتصادية إلى داخل اقتصاديات دول جنوب - شرق آسيا، رغم معارضة الغرب ذلك، خشيـة أن تفقد هذه الدول الحافز لإصلاح أنظمتها إذا أدركت أن بإمكانها الحصول على المساعدات الخارجية.

إنما، من الظاهر أن الدول المتقدمة قد تتابع ضغوطاتها الاقتصادية ومضارباتها المالية، بهدف السيطرة على أسواق ومقدرات الدول النامية، وأبرزها دول النمور الآسيوية. فالتحولات السياسية عبر التاريخ تُعتبـر أمراً طبيعياً يقترن بالظروف المتغيرة التي يمر بها العالم. لكن التحولات تسارعت مع نهاية القرن العشرين، بشكل أمسى معه كل انهيار في مكان من العالم يؤثر على باقي الأمكنة.

وبرز التساؤل: هل تصبح الولايات المتحدة زعيمـة الاقتصاد العالمي بعد أن أصبح نظامها الأوحد مهيمناً على العالم سياسياً وأمنياً؟

إن ظواهر الأمور توضح انفراد الولايات المتحدة بذلك لما تملكه من قدرات وخبرات تكنولوجية متقدمة. إنما، لا يمكن لأحد الادعاء بأن الأمور قد استقرت على هذا الوضع وأن جميع الدول قد رضخت لهذه الحقيقـة. فالمنافسة التكنولوجية والتجارية والمالية ما زالت قائمة مع دول النمور، علاوة على دول آسيوية أخرى كالصين واليابان.

وهذا الوضع الاقتصادي ما زال غير مستقر، ويفرض على الدول النامية التضامن وطلب الحماية من شروط الدول الغنية التي تفرض قدراتها التكنولوجية وإراداتها من خلال أجهزتها الاقتصادية. وهذه الحماية قد تؤمنها الأنظمة المالية العالمية، كالبنك وصندوق النقد الدوليين. فقد أثبتت الانهيارات الاقتصادية في جنوب - شرق آسيا أنَّ طريق المستقبل الاقتصادي، بدون الحماية الدولية، غير ثابت ومؤكد للدول النامية هذه.

ففي عصر العولمة الذي يجتازه العالم اليوم، يبدو أن وضع الدولة القومية التقليدي ككيان مغلق على نفسه لم يعد محصناً، حتى في حالة أنظمة مغلقة ككوريا الشمالية. وحتى الدول العظمى تعاني من الضغوط والتيارات العالمية. وحتى اقتصاد قوي كاقتصاد الولايات المتحدة قد يتعرض للاهتزاز نتيجة تغييرات عنيفة في الميزان العالمي للقوى الاقتصادية.

والخسارة التي لا بد منها لجزء من سيادة كل دولة قومية، يُمكن تعويضها بدعم العالم لها، سياسياً وأمنياً واقتصاديا،ً عند تعرضها لهزات قوية قد تمتد لتشمل الدول المجاورة لها، وحتى البعيدة عنها.

 

                                       ملحق رقم 1 : معلومات عن دول جنوب وشرق آسيا

المستنـد :  .FREMY, Dominique et Michèle, Quid 1997, Laffont, Paris, 1996, PP 1058 - 1060

أولاً - جنوب شرق آسيا

الموارد

الدخل الفردي بالدولار1994))

الناتج الوطني الصافي بالدولار (الفرد)

السكان (بالمليون)

1995   | 2025

الكثافة السكانية

المساحة بآلاف الكيلومترات المربعة

العاصمة

الدولة

البترول-الغاز-الزراعة-المواشي

614 10

17000

0.4

0.291

60

765 5

بندر

بروناي

الزراعة-الأحجار الكريمة

-

240

22.8

10.6

60.2

035 181

بنوم بنه

كمبوديا

الزراعة-البترول-المناجم

508 3

730

276.5

198.4

108.6

826 1

جاكرتا

أندونيسيا

الزراعة-المواشي-الغابات-المناجم

-

290

9.8

4.8

20.8

231

فيانتيان

لاوس

الصناعات-البترول-المواشي-المناجم-التجارة

536 8

160 3

34.5

19.9

60.7

328

كوالالامبور

ماليزيا

الزراعة-المواشي-الغابات-المناجم

440 2

-

69.3

44.8

68.2

657

رنغون

ميانمار

الزراعة-البترول-المناجم-الأخشاب

367 2

830

102.7

68.4

229.5

298

مانيلا

الفيليبين

الصناعات البترولية-الألبسة-الأدوية

223 27

310 19

4

3

000 3

1

سنغافورة

سنغافورة

الزراعة-المواشي-الغابات-المناجم

424 6

040 2

75.4

60.2

117.8

511

بانكوك

تايلاندا

الزراعة-المواشي-المناجم-البترول

-

170

108.1

75

230.8

325

هانوي

فييتنام

 

ثانياً - شرق آسيا

الموارد

الدخل الفردي بالدولار (1994)

الناتج الوطني الصافي بالدولار (الفرد)

السكان (بالمليون)

1995   | 2025

الكثافة السكانية

المساحة بآلاف الكيلومترات المربعة

العاصمة

الدولة

الزراعة-الفحم الحجري-الغاز-البترول-المعادن-الصناعة

701 3

490

722.8 1

218.8 1

130.7

322 9

بكين

الصين

الزراعو-المواشي-المناجم

  -

  -

32.1

23.5

195.8

120

بيونغ يانغ

كوريا الشمالية

الصناعة-المناجم-الزراعة-التجارة والخدمات

545 11

670 7

50.8

44.9

453.5

99

سيول

كوريا الجنوبية

التجارة-الخدمات-المصارف والبورصة

876 21

860 17

6.3

6

000 6

1

هونغ كونغ

هونغ كونغ

الصناعات-التجارة-الخدمات

608 21

450 31

125.8

125.2

333

376

طوكيو

اليابان

الصناعات-التجارة-اللحوم-الخدمات

  -

  -

0.6

0.4

000 20

0.02

ماكاو

ماكاو

الزراعة-المواشي-المناجم

  -

400

3.6

2.3

1.5

566 1

اولان باتور

منغوليا

الزراعة-المواشي-التجارة-صناعة النسيج

663 15

  -

25.5

21.2

588.9

36

تايبة

تايوان

 

 

ثالثاً - جنوب آسيا

الموارد

الدخل الفردي بالدولار (1994)

الناتج الوطني الصافي بالدولار (الفرد)

السكان (بالمليون)

1995     |    2025

الكثافة السكانية

المساحة بآلاف الكيلومترات المربعة

العاصمة

الدولة

الزراعة-التهريب نحو باكستان

162 1

  -

41.4

18.4

28.2

652

كابول

افغانستان

الزراعة-الفحم الحجري-الغاز

066 1

  -

194.1

119.2

916.9

130

داكا

بنغلاديش

الغابات-الزراعة-المواشي-المناجم

147 1

170

1.5

0.8

17

47

بوماكا

بوتان

الزراعة-الغابات-الفحم

247 1

290

384.6 1

930.6

313.1

972 2

نيو دلهي

الهند

البترول-الغاز-الزراعة-المناجم

659 5

230 2

106.1

61.3

37.5

635 1

طهران

ايران

الزراعة-المواشي-المناجم

100 3

540 1

20.5

16.9

6.2

716 2

آلماآثا

كازاخستان

الزراعة-المواشي-البترول-الغاز

100 2

830

7

4.4

22.2

198

بيشكيك

كيرغيزيا

التجارة-الزراعة-الخدمات

  -

820

0.6

0.3

000 1

0.3

مالي

مالديف

 

 

 

الموارد

الدخل الفردي بالدولار (1994)

الناتج الوطني الصافي بالدولار (الفرد)

السكان (بالمليون)

1995 | 2025

الكثافة السكانية

المساحة بآلاف الكيلومترات المربعة

العاصمة

الدولة

 

الزراعة-المواشي-المناجم

822

160

43.3

22.6

165

137

كتماندو

نيبال

 

الزراعة-المواشي-المناجم-البترول

900 1

960

42.5

22.7

50.8

447

طاشقند

اوزبكستان

 

الزراعة-تجارة الأفيون-البترول-المناجم

131 2

430

251.8

129.7

168.2

771

اسلام اباد

باكستان

 

الزراعة(شاي-مطاط)-المناجم-المواشي

933 2

600

24

18.2

280

65

كولومبو

سيرلنكا

 

القطن-الزراعة-المواشي-المناجم(ذهب-تانكستان-زئبق)

700 1

470

13.1

5.8

40.6

143

دوشمب

طاجكستان

 

الزراعة-المواشي-البترول والغاز

800 2

300 1

7.9

4.5

9.2

488

اشكابات

تركمنستان

 

 

ملحق رقم 2 : معلومات عن الاقتصاد الهندي

1- الزراعة

تبلغ المساحات الزراعية في الهند 175 مليون هكتار، منها 000 930 3 تزرع بصورة مستديـمة و 27.4 بالمئة مرويـة، أي حوالى 43 مليون هكتار. إلا أن الأرض سيئة التربة والمناخ غير مستقر، مما يفرض الاحتفاظ بمحاصيل زراعية يعتبر من الصعب حفظها لفترات طويلة. لكن ازدياد سكان المناطق الزراعية يُبقي الطبقة المزارعة في فقر مُدقع.

أهم المنتوجات خلال فصل الصيف، الأرز والذرة البيضاء والقنب والقطن، وخلال الربيع، القمح والشعير واللفت وقصب السكر. أما وسائل الري فما زالت بدائية ومحدودة، 45 بالمئة من الهنود لا يستطيعون شراء ما يحتاجونه من الحبوب التي بلغ محصولها عام 1995:

          - 175 مليون طن من الأرز.

          - 81.6 مليون طن من القمح.

          - 93 مليون طن من باقي الحبوب.

 

2- الطاقة والمناجم

          وسائل الطاقة قليلة بالنسبة لعدد السكان، أبرزها :

          - البترول (1994) : 788 مليون طن.

          - اللينيت : 18.8 مليون طن.

          - الغاز : 18.8 مليون طن.

          - الكهرباء : 323.3 مليار كيلوات منها 253 حراري و70.3 مائي، لكنها غير كافية وتتعرض دائماً للقطع خاصة في القرى.

-ولوميت : 2.42 مليون طن.

- جبس : 1.8 مليون طن.

          -مانغنيز : 1.7 مليون طن.

          -كروم : 1 مليون طن.

          -صلصال : 0.6 مليون طن.

          -طبشور : 0.4 مليون طن.

          -ذهب : 938 1 كلغ.

- الماس : 707 19 كارا.

 

 

3- الصناعة

 أكبر الشركات الصناعية هي شركة (TATA) التي تصنّع السيارات وغيرها وتدير 250 ألف عامل، والتي بلغت أرقام ميزانيتها عام 1993 ثلاثين مليار فرنك فرنسي.

          وتصنِّع الهند الإسمنت ومعدات البناء والحديد والفولاذ والقاطرات والمعدات الكيميائية ومعدات الصيدلة والبترول والكهرباء.

 

4- النقل

          بلغ مجموع الطرق البرية عام 1992 مليونين ومائة وستين ألف كيلومتر، مع 024 299 25 سيارة منها 000 030 17 دراجة نارية و 000 330 3 سيارة خاصـة و 003 381 أوتوبيساً و 382 599 1 شاحنة و 000 963 2 مختلف.

          مجموع سكك الحديد لعام 1994 بلغ 462 62 كيلومتـر، منها 260 11 كهربائية، مع 37 مليون راكب سنوي و 000 100 37 طن نقل بضائع.

 

5- السياحة

          016 562 1 سائحاً عام 1994 غالبيتهم من باكستان وبنغلاديش.

 

6- التجارة

          بلغت الصادرات لعام 1994 الأرقام الآتية :

                             - الإجمالية : بقيمة 695.4 مليار روبية.

                             - إلى الولايات المتحدة : بقيمة 125.6 مليار روبية.

                             - إلى اليابان : بقيمة 54.8 مليار روبية.

                             - إلى ألمانيا : بقيمة 48.3 مليار روبية.

                             - إلى بريطانيا : بقيمة 43 مليار روبية.

                             - إلى الإمارات العربية المتحدة : بقيمة 23.5 مليار روبية.

 

          أما أرقام الاستيراد فبلغت 728 مليار روبية، خاصة من المنتوجات النفطية والآلات غير الكهربائية، ولا سيما من الولايات المتحدة وبلجيكا وألمانيا واليابان والسعودية وبريطانيا.

          العجز التجاري السنوي سجل المبالغ الآتية :

                             -عام 1990 - 91 : 5.9 مليار دولار.

                             -عام 1991 - 92 : 1.5 مليار دولار.

                             -عام 1992 - 93 : 3.5 مليار دولار.

                             -عام 1993 - 94 : 1 مليار دولار.

 

ملحق رقم 3 : معلومات اقتصادية عن النمور الآسيوية

 

عدد السياح (1994)

التجارة (بمليارات الدولار)

تصدير  | استيراد

نسبة التضخُّم  بالمئة

نسبة البطالة  بالمئة

نسبة العاملين في الخدمات  بالمئة

الناتج الوطني لكل فرد (دولار)

نسبة النمو  بالمئة (1994)

المركز العالمي

إسم الدولة

156 331 9

250.7 1

947.7

9

3.5

76.8

650 18

5.5

الثاني في آسيا

هونغ كونغ

411 255 3

28.3

36.8

10

5

32

000 1

6.7

الثاني: القصديرالثالث: كاكاو، بن، أرزالرابع: نيكل

اندونيسيا

000 200 7

155.9 مليار رينجت

153.6 مليار رينجت

4

2.8

42

550 3

9.3

الأول: كاوتشوك، زيت النخيلالسابع: قصدير

ماليزيا

000 760 1

28.973

20.018

7

8.4

45

061 1

6

الحادي عشر: قصب السكرالثاني عشر: صيد الأسماكالثالث عشر: الذرة

الفيليبين

7 ملايين

156.3

147.3

1.7

2.7

62

000 22

9.5

-

سنغافورة

6.7 مليون

45.1

36.4

5.4

2.5

49

741 2

8.5

السابع: قصب سكر

التاسع: دراق

تايلاندا

 

[1] النمور الآسيوية هي الدول التالية: تايلاندا، ماليزيا، اندونيسيا، الفيليبين، سنغغفورة وهونغ كونغ

[2] ابراهيم احمد، "سباق التسلح في شرق آسيا وجنوبها"، الحياة، 11603، الخميس 24/11/1994، ص7

[3] مجلة الايكونوميست، لندن، 1996

[4] كنيدي بول، "أسطورة العملاق الآسيوي"، الشرق الأوسط، العدد 6351، الخميس 18/4/1996، ص16

[5] رزق عفيف، "شرق آسيا وسقوط الدبلوماسية التجارية"، النهار، 19427، الثلاثاء 30 نيسان 1996، ص14

[6] أنظر ملحق رقم 1: معلومات عن دول جنوب وشرق آسيا

[7] FREMY Dominique et Michèle, Quid 1997, Laffont, Paris, 1996, PP 1023 - 1028

[8] EPSTEIN Marc, "les fantômes du Pendjab", l'Express, 4 août 1994, p. 45 - 49

[9] FREMY, opcit, pages 1235 - 1237

[10] GAUTIER François, "La visite de la reine Elizabeth", le Figaro, No 16536, mardi 14/10/1997 , p. 6

[11] FREMY, opcit, p. 1239

[12] 45 بالمئة من الهنود لا يستطيعون شراء ما يحتاجونه من الحبوب التي بلغ محصولها عام 1995: 175 مليون طن من الأرز و81.6 مليون طن من القمح و63 مليون طن لباقي الحبوب

[13] FREMY, opcit, p. 1240

[14] لمزيد من التفاصيل عن الاقتصاد أنظر المحق رقم 2

[15] FREMY, opcit, p. 1240

[16] PONCHELET Herné, "Inde: le grand paradoxe", le point, 1146, 3 septembre 1994,   p. 43

[17] The Economist, 23 juin, 1990, p. 27

[18] Johnson, development in South - Asia, Harmondsworth, 1983, p. 214

[19] Asia, Economist, 23 juin 1990, p. 27

[20] روجر اوين، السنة الخمسون على استقلال الهند، الحياة، 12635، الجمعة 3 تشرين الأول 1997،       ص 17

[21] DE la GRANGE Arnaud, "L'Inde célèbre un demi - siècle de liberté", Le Figaro, 16478, jeudi 7 août 1997, p. 3

[22] بارثا بانرجي، "الهند بدأت أخيراً التحدث عن ممارسة خياراتها النووية"، الشرق الأوسط، 6643، الثلاثاء 4/2/1997، ص 15

[23] De la GRANGE Arnaud, "Une ambition de puissance régionale", le Figaro, 16478, jeudi 7 août 1997, p. 3

[24] De la GRANGE Arnaud, Idem

[25] وكالة رويتر، الجمعة 29 تشرين الثاني 1996

[26] وكالة الصحافة الفرنسية، الجمعة 29 تشرين الثاني 1996

[27] وكالة الصحافة الفرنسية، الجمعة 17 تشرين الأول 1997

[28] وكالة رويتر، 16 تشرين الأول 1997

[29] كينيدي بول، "الاستعداد للقرن الحادي والعشرين"، دار الشروق، عمان، 1993، ص 221

[30] World ressources, 1990, p. 245

[31] وكالة رويتر، الجمعة 27/12/1996

[32] وكالة الصحافة الفرنسية، نيو دلهي، الخميس 14/11/1996

[33] PONCHELET Hervé, "Inde: le grand paradoxe",Unesco  statiscal yearbook 1989. Le Point, 1146, 3 septembre 1994, p. 43

[34] Johnson, opcit, p. 214

[35] T. Wicker, "Battered and abused", New York Times, 25  november 1988, PA 31

[36] S.S KIM, "China and the World", Boulder, Colo, 1989, PA 31

[37] Far easter economic review, 7 June 1990, PP 47-51

[38] India's upheavals, Wall street journal, 14 november 1990, PA 16

[39] وكالة الصحافة الفرنسية، نيو دلهي، السبت 9/11/1996

[40] وكالة رويتر، الجمعة 13/12/1996

[41] GAUTIER François, "La droite hindoue: un militarisme sanglant", le Figaro, 16089, vendredi 10 mai 1996, PB3

[42] GAUTIER François, "Crise politique dans l'Uttar Pradesh", Le Figaro, 16544, jeudi 23 octobre 1997, p. 4

[43] مقابلة مع الدكتور بارثا تشتارجي، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة كالكوتا أجرته بارها بانيرجي، الشرق الأوسط،6681، الجمعة 14/3/1997، ص 15

[44] وكالة الصحافة الفرنسية، بومباي، الجمعة 17/11/1997

[45] PONCHELET Hervé, "Inde: le grand paradoxe", le point, 1146, 3 septembre 1994, p. 43

[46] GAUTIER François, "L'Inde et le Pakistan se disputent le Cashemire", le Figaro, 16478, jeudi 7 août 1997, p. 3

[47] GAUTIER François, "Entre l'Inde et le Pakistan: Guerre de nerfs sur le Cashemire", le Figaro, 15780, lundi 5 mai 1995, p. 5

[48] وكالة رويتر، الأحد 14 أيار 1995

[49] DU SABLON Jean Lecec, "La tension monte entre l'Inde et le Pakistan", le Figaro, 19265, lundi 2/12/1996, p. 5

[50] GAUTIER François, "A la dernière frontière des Indes", le Figaro, 1690, mardi 31 décembre 1996, p. 11

[51] GAUTIER François, "Inde - Bangladesh, le partage des eaux de la gange, le Figaro, 16275, vendredi, 13 décembre 1996, p.4

[52] FREMY Dominique et Michèle, Quid 1997, Laffont Paris, 1996, PP 1321 - 23

[53] FREMY, idem, PP 1323 - 24

[54] منها 42 مليون ماعز و28.3 مليون خروف و19.2 مليون جاموس و 18.1 مليون بقرة و 3.7 مليون حمار ومليون جمل و300 ألف حصان و70 ألف بغل

[55] أرقام مسجلة عام 1995

[56] مفرج جومانا، "باكستان: ضغط اقتصادي للجم التقدم النووي"، النهار، 19690، الثلاثاء 11/3/1997، ص 19

[57] وكالات الأنباء، الأحد 1/12/1996

[58] EPSTEIN Marc, "Les fantômes du Pendjab", l'Express, 4 août 1994, PP 45-49

[59] مفرج جمانة، "باكستان: ضغط اقتصادي للجم التقدم النووي"، النهار، 19690، الثلاثاء 11/3/1997، ص 19

[60] BERTHY Jefferson, "Pakistan: the demolition man", Time, september 1994, p. 36

[61] GAUTIER François, "la visite de la reine Elisabeth", le Figaro, 16536, mardi 14/10/1997, p. 6

[62] وكالات الأنباء، اسلام اباد، الجمعة 17 تشرين الأول 1997

[63] الليثي نظام، "ملفات ساخنة تنتظر الحكومة الباكستانية الجديدة"، الشرق الأوسط، 6668، السبت 1/3/1997، ص 16

[64] مفرّج، المرجع نفسه

[65] GIRARD Renaud, "le limogeage du premier ministre pakistanais", le Figaro 16243, mercredi 6 novembre 1996, p. 8

[66] GAUTIER François, "un coup dur pour Delhi", le Figaro, 16243, mercredi 6 novembre 1996, p. 8

[67] وكالة الأنباء، لاهور، الإثنين 20 كانون الثاني 1997

[68] طاهري أمير، "كبح جناح العنف في باكستان"، الشرق الأوسط، العدد 6884، الجمعة 3 تشرين الأول 1997، ص 8

[69] وكالة رويتر، 5 تشرين الثاني 1996

[70] GAUTIER François, "Benazir Bhutto : le péché de la faiblesse", le Figaro 16243, mercredi 6 novembre 1996, P 8

[71] الليثي نضال، "ملفات ساخنة تنتظر الحكومة الباكستانية الجديدة"، الشرق الأوسط، 6668، السبت 1/3/1997، ص 16

[72] احمد اقبال، "ملفات ساخنة تنتظر الحكومة الباكستانية الجديدة"، الشرق الأوسط، 7778، السبت 1/3/1997، ص 16

[73] طاهري امير، "كبح جماح العنف في باكستان"، الشرق الأوسط، 6884، الجمعة 3/10/1997، ص 8.

[74] وهبة مراد، "ما حدث في باكستان، نموذج للصراع بين الأصولية والعلمانية"، الشرق الأوسط، العدد 6910، الأربعاء 29/10/1997، ص 7

[75] وكالة رويتر، 18 كانون الثاني 1997

[76] وكالة الصحافة الفرنسية، 19 كانون الثاني 1997

[77] وكالة الصحافة الفرنسية، الجمعة 24/10/1997

[78] الليثي، المرجع نفسه

[79] اسماعيل جمال، "مقابلة مع زعيم ‘حركة الأنصار الكشميرية’"، الشرق الأوسط، العدد 6910، الأربعاء

[80] 29/10/1997، ص 7

[81] أنظر ملحق رقم 3: معلومات عن دول النمور الآسيوية

[82] عجيل أمل، "إعصار مالي يضرب نمور آسيا"، ترجمة عن "لوموند ديبلوماتيك"، الديار العدد 3283، الأحد26/10/1997، ص 17

[83] مفرج جمانة، "تحديات اقتصادية وثقافية أمام النمور الآسيوية

[84] De la GORGE Paul-Marie, "Le dernier empire", Grasset, Paris, 1996, P 129

[85] وكالة رويتر، سيول، السبت 19/1/1997

[86] بشنتاوي عادل، "سيول، الركود واضطراب العملات والأسهم يعصفان بمعظم أسواق شرق وجنوب شرق آسيا" الحياة      العدد رقم 12649، الجمعة 17/10/1997 ص 18

[87] وكالات الأنباء، هونغ كونغ، الإثنين 20 تشرين الأول 1997

[88] الهيرالد تريبيون، 4/11/1997

[89] بشتاوي عادل، مرجع سابق

[90] د. شوفان نعيمة، "عن مضاربات النمور الآسيوية"، السفير 7822، الأربعاء 15/10/1997، ص 17

[91] الإكونوميست، 4/1/1997

[92] BURUMA Ian, "Colonial attitudes never dies", Newsweek, 3, 1997, p. 33

[93] سنغافورة، "إلى متى تتفوق الفاعلية على الديموقراطية؟"، النهار، العدد 19730، الأربعاء 30 نيسان 1997، ص 14

[94] COMPAIN Florence, "Crise politique en Thaïlande", le Figaro, 16543,mercredi22octobre 1997, p. 5

[95] 23/10/1997 2416, l'Express,   indonésien",  le gâchis "Incendies  , CHARLES Gilbert -

[96] LUIZET François, "Atmosphère de fin de règne en Indonésie", le Figaro,  jeudi 13 décembre 1996, p. 4   16274

[97] وكالة رويتر، الجمعة 17/10/1997

[98] وكالة رويتر، الأربعاء 8/10/1997

[99] POWELL Bill, "Stocks head south", Newsweek, 3 november 1997, PP 22-23