- En
- Fr
- عربي
إقتصاد ومال
بنظرةٍ سريعة إلى ما يحيط بنا يمكن أن نكتشف أنّ العمل الأكثر رواجًا في لبنان حاليًا هو ملاحقة الأسعار، ومحاولة تخزين ما تيسّر من السلع قبل أن يرتفع سعرها مجددًا، وعلى ما يقول الفنان زياد الرحباني مخاطبًا رضا: كل لحظة في سعر جديد...
سميرة تخبر جارتها نجاة أنّ بائع الخضار في الحي المجاور ما زال يبيع باقة الحشائش بـ٧٥٠ ليرة، والأخيرة تفيد الأولى بأنّ مسحوق الغسيل في هذه السوبرماركت أرخص من مثيله في المحلات الأخرى بخمسة آلاف ليرة، ورانيا تعرض للاثنتين لائحة مقارنة بالأسعار بعد أن تجولت طوال قبل الظهر في أربعة محلات كبيرة...
إنّها الدوامة الرهيبة، ارتفاع جنوني للأسعار، فروقات واضحة في كثير من الأحيان بين محل وآخر، الدولار يحلق عاليًا الرواتب تآكلت. كيف نعيش؟ ماذا نأكل؟ ماذا نفعل؟ من يوقف هذا الجنون؟ أكثر من نصف اللبنانيين باتوا في خانة الفقر. هل يبرر ارتفاع سعر الدولار وصول ثمن كيلو البندورة إلى خمسة آلاف، وزيادة ثمن كيلو اللحم مئة في المئة؟
فرق المراقبة التابعة لوزارة الاقتصاد تجول، تراقب، تنظّم محاضر الضبط، لكن غالبًا ما تنتهي الأمور هنا، فقانون حماية المستهلك يحتاج إلى تعديلات أساسية ليصبح بالفعل رادعًا للجشع اللامحدود. وإلى أن تُقر هذه التعديلات ويقر قانون المنافسة، يبدو أنّ على اللبنانيين أن يصارعوا كثيرًا ليتمكنوا من الاستمرار.
لقمة العيش خط أحمر
الفلتان الجنوني للأسعار دفع برئيس الحكومة حسان دياب إلى القيام بجولةٍ مفاجئة إلى أحد المحال التجارية في منطقة الجناح برفقة وزيري الداخلية محمد فهمي والاقتصاد راوول نعمة، مسجلًا سابقة يقوم بها رئيس حكومة لبنانية. تفقّد الرئيس دياب أسعار السلع، وقال: «إنّ لقمة عيش اللبنانيين خط أحمر، وممنوع المسّ بالأمن الغذائي من قبل التجار، وإن زيادة الأسعار بنسبة ٧٠٪ أمر مرفوض». كان ذلك في نهاية الأسبوع الأول من نيسان، نكتب هذه السطور في آخر نيسان، الزيادة في أسعار الكثير من السلع تخطت الـ٧٠٪...
من جهتها أعدّت وزارة الاقتصاد خطة طوارئ وشكّلت خليّة أزمة، تعمل ليلًا ونهارًا لمتابعة المستجدات الحاصلة على وضع الأسعار، ولكن سعر صرف الدولار الذي وصل إلى ٤٠٠٠ ليرة، ينسف جميع القرارات المتخذة ، والتدابير المنفّذة، ويعيد الأمور إلى المربّع الأول.
وضع مقلق وحزين، ينعكس على وجوه العاملين جميعًا في الوزارة بمن فيهم وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة الذي تحدث إلى «الجيش» موضحًا «أنّ مشكلة الأسعار هي سعر صرف الدولار الذي يحتاج إلى تدخّل مصرف لبنان»، ومشيرًا إلى أنّ هذه النسبة تظل أقل من نسبة ارتفاع الدولار، فالكلفة ليست بمجملها بالدولار، فأسعار النفط انخفضت، وكلفة الكهرباء ما زالت تُسعّر بالليرة اللبنانية».
أما بالنسبة إلى الخبز فالدولة تدعمه من خلال دعم مادة الطحين بنسبة ٨٥ ٪، بينما تقتصر الزيادة في الكلفة على الـ ١٥ ٪ المتبقية.
قانون حماية المستهلك
وعن مصير قانون حماية المستهلك الذي من شأنه ردع المحلات المخالفة والحدّ من ارتفاع الأسعار ومكافحة الغش بشكلٍ أفضل، قال الوزير نعمة: «لأنّ المستهلك هو المعني الأول، وإيمانًا منها بأهمية الشراكة مع المواطنين لا سيما لدى صياغة القوانين التي ترعى حياتهم اليومية، وضرورة الاستفادة من الخبرات الكبيرة المتوافرة، نشرت الوزارة مسوّدة مشروع تعديل أحكام قانون حماية المستهلك على موقع الوزارة أمام الرأي العام اللبناني والهيئات المختصة، وتلقّت الملاحظات على أن يأخذ طريقه إلى الإقرار بأسرع ما يمكن».
وأضاف: «يسمح هذا التعديل بحمايةٍ فعّالة للمستهلك بما يتطلبه من نظام متكامل لناحية المراقبة والتحقيق والعقوبات، بحيث لا يقتصر دور قانون حماية المستهلك على ضبط المخالفات، بل يتعداها من خلال إجراءات ردعية من شأنها الحدّ من المخالفات المرتكبة ضد أحكامه. كما يرمي التعديل إلى تحسين حماية المستهلك، والحدّ من ارتفاع الأسعار، ومكافحة الغش بشكلٍ أفضل، من خلال تفعيل الإجراءات والتدابير كافة المتخذة من قبل الوزارة، واستحداث نظام الغرامات المالية الإدارية، التي يمكن تطبيقها عبر إجراءات التحقيق العادية وفرضها مباشرة، من قبل الإدارة من دون اللجوء إلى إجراءات قضائية طويلة عبر المحاكم».
وجزم الوزير نعمة بعدم قدرة وزارة الاقتصاد على القيام بأي إجراء أو تدبير مباشر للحدّ من مخالفات التجار، إلا من ضمن ما تتيحه النصوص القانونية الحالية وذلك على الرغم من فرض حالة التعبئة العامة في لبنان.
ما العمل في ظل غياب قانون المنافسة؟
تدنّي مستوى المنافسة في السوق اللبناني وسيطرة المحتكرين من أبرز المشاكل التي ينبغي التصدي لها ومعالجتها، وفي هذا السياق ثمة مشروع لقانون المنافسة ينبغي إقراره. ويوضح الوزير نعمة أنّ «تصنيف لبنان في المرتبة ١٢٠ من أصل ١٣٧ دولة في مؤشر سياسة مكافحة ﺍلاحتكاﺭ، ﻭفي المرتبة ٦٣ من أصل ١٣٧ دولة، في مؤشر مدى الهيمنة على السوق (وذلك عن الفترة ٢٠١٧ – ٢٠١٨)، يدل على تدنّي مستوى المنافسة في السوق اللبناني الذي يعاني ضعفًا في تركيبته الاقتصادية نظرًا لصغر حجمه من جهة، وبسبب كثرة الامتيازات والاحتكارات الممنوحة لأشخاص الحق العام والخاص في معظم القطاعات الاقتصادية والخدماتية من جهة أخرى».
ويؤكد نعمة أنّ مشروع قانون المنافسة يُسهم في تحقيق نمو في الاقتصاد الوطني، علمًا أنّ تحقيق هذا النمو يستوجب إطلاق عملية ترشيد للنفقات العامة غير المجدية، والتركيز على الإنفاق الاستثماري والتصدّي لمختلف عمليات التواطؤ وعروض المُجاملة التي تحصل في المشتريات العمومية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال أحكام قانون المنافسة. وقد أخذ مشروع القانون المطروح بعين الاعتبار حاجات الاقتصاد الوطني وخصوصياته، إذ تهدف أحكامه إلى ضمان التوازن العام للأسواق وتكريس حرية المنافسة فيها، من خلال حظر السلوكيات التجارية المناهضة للمنافسة، وخصوصًا الاتفاقيات وعمليات التواطؤ وإساءة استغلال وضعيات الهيمنة بالسوق، هذا إلى جانب ممارسة رقابة مسبقة واحتياطية على عمليات التركيز الاقتصادي في مختلف الأسواق (عمليات الدمج والتملُّك).
في ظل غياب قانون المنافسة، تعتمد الوزارة على المادة الثانية من القرار الصادر في العام ٢٠٠٨، والمعدّل بقرارٍ صادر في العام ٢٠١٠، فقد عيّنت هذه المادة الحدود القصوى لنسب الأرباح في تجارة الجملة ونصف الجملة والمفرق، والتي تمنع بيع السلعة بأكثر من ضعف سعر الكلفة، وتراوح هذه النسب بين ٥ و١٥٪، فهي تتفاوت وفق فئات السلع (مواد غذائية، حبوب، ألبان، أجبان، زيوت...).
كما تعتمد وزارة الاقتصاد على المادة ١٦ من المرسوم الاشتراعي الصادر في العام ١٩٨٣ التي تتناول الاحتكار وخطورته على النظام الرأسمالي.
ولفت الوزير نعمة أخيرًا إلى أن الوزارة قد ضبطت مئات المخالفات، وهي تتعاون مع القوى الأمنية لتطبيق خطة طوارئ وبدأت بالاستعانة بـ٤٢ عنصرًا من الضابطة السياحية لمراقبة الأسعار في مختلف المناطق اللبنانية، من عدة أبواب: الباب الأساسي عدم السماح للمؤسسات بتحقيق أرباح غير مبررة، وذلك بالاستناد إلى المرسوم رقم ٧٣ الصادر في العام ١٩٨٣ الذي يتعلّق بجُرم المضاربة غير المشروعة، وتحقيق أرباح غير مشروعة، ورفع الأسعار بشكلٍ غير منطقي، وإثارة بلبلة في الأسواق، إضافة إلى مراقبة التقيّد بشروط السلامة الغذائية، ومحطات الوقود، والمقاييس والأوزان في الأفران، وتعرفة المولدات وغيرها من المواضيع. كما تقوم الوزارة بمتابعةٍ دائمة مع الجهات القضائية المعنية، للبتّ بأحكام مخالفات المحال التجارية بسرعةٍ قصوى، بهدف الحدّ من المخالفات.
جمعية مستهلك - لبنان
بدوره أكد رئيس جمعية المستهلك الدكتور زهير برّو أنّ أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفعت منذ ١٧ تشرين الأول الماضي بنسبة ٥٨.٤٣٪.
وأضاف: «إنّ موضوع الأسعار مقلق جدًا اليوم، وإنّ مؤشر ارتفاع الأسعار وفق آخر إحصاء للجمعية سجّل ارتفاعًا بحدود ٤٥٪ وهو يشمل المواد الغذائية والمنزلية ذات الاستخدام اليومي والشبه اليومي إضافة إلى الاتصالات. وثمّة الكثير من السلع المستوردة التي تباع بالدولار، كقطع السيارات والأدوات الكهربائية... ارتفعت أسعارها بنسبة ١٠٠ ٪».
وتابع الدكتور برّو: «قبل بدء الأزمة كان لبنان الدولة الأغلى بـ ٣٠ ٪ من كل دول المنطقة، وذلك بسبب سيطرة الاحتكارات والسياسات الاقتصادية المعتمدة، إضافة إلى الاعتماد على الاستيراد من الخارج، فنشاطنا الاقتصادي الرئيسي هو التجارة، في حين أنّ الصناعة والزراعة تحلان في المرتبة العاشرة وليس لهما وجود في السياسات الاقتصادية منذ ٣٠ عامًا ولغاية اليوم.
في ظل أزمات تاريخية خطيرة على أي دولة تحديد الأسعار، خصوصًا في ظل غياب لقانون المنافسة. لقد تقدّمنا بمشروع قانون منذ ١٥ عامًا، وهو ما يزال قابعًا في أدراج مجلس النواب.
إنّ الأزمة الحالية تطال العالم بأسره، ولم نشهد مثيلًا لها منذ ١٠٠ عام. من هنا أدعو إلى تثبيت الأسعار ووضع سياسات جديدة لضرب الاحتكارات من خلال القيام بخطواتٍ للَجمها، ولا سيّما أنّ القضاء كان طوال ٣٠ عامًا خارج معادلة حماية المستهلكين، لا بل أدى دورًا سلبيًا جدًا».
ورأى برّو أنّ على الدولة إذا ما أرادت وقف الانهيار أن تعتمد خارطة طريق قوامها الآتي:
دعم قطاعات أربعة: الحبوب، اللحوم، مشتقات الحليب والأدوية. أما قطاع المحروقات فلم يعد يشكل عقبة بعد انهيار سعر النفط.
تحديد سعر هذه السلع من قبل وزارة الاقتصاد فور إعلان دعمها، إسوة بعدة دول عربية وأوروبية.
الإلغاء الفوري لأشكال الاحتكار كافة خاصة القانون ٣٤/١٩٦٧ الذي أسّس للاحتكارات التي تسيطر على الاقتصاد اللبناني، وإقرار قانون جديد للمنافسة، يسهم في فتح البلاد أمام اللبنانيين الموجودين في بلاد الانتشار، للمتاجرة وإعادة تحريك الاقتصاد وتخفيف الأعباء ووقف الانفجار.
نقابة الصناعات الغذائية
في ظل الارتفاع الدراماتيكي لسعر الدولار مقابل الليرة واستفحال الغلاء، تزداد الحاجة إلى الإنتاج المحلي خصوصًا في ما يتعلّق بالمنتجات الغذائية الأساسية. فما هو واقع الصناعات الغذائية في لبنان اليوم؟
يوضح نقيب الصناعات الغذائية السيد أحمد حطيط أنّ «قطاع الصناعات الغذائية يشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر الصناعة اللبنانية، يمكن الركون إليه، والمراهنة عليه في المرحلة المقبلة، خصوصًا وأن الصناعات الغذائية قد تطوّرت إيجابًا في السنوات الأخيرة. وهو القطاع الوحيد الذي حقّق نموًّا مستدامًا على الرغم من صعوبات التصدير التي واجهها في إقفال المعابر البرية إلى الدول العربية».
ويضيف: «تنتشر المصانع الغذائية (٦٠٠ مصنع) على الأراضي اللبنانية كافة، وخصوصًا في المناطق الزراعية، إذ إنها تعتمد في التصنيع على المنتجات الزراعية كموادٍ أولية. وعلى الرغم من كل ذلك فما زال لبنان يستورد مواد غذائية بنسبةٍ تفوق معدل صادراته من هذه السلع، الأمر الذي يدفعنا إلى تكثيف الجهود والمطالبة بصورةٍ دائمة بإزالة العوائق أمام هذا القطاع الواعد وصولًا إلى دعمه.
تعمل المصانع الغذائية اليوم بنحو ٥٠٪ من قدراتها الإنتاجية، علمًا أنّ أي من هذه المصانع لم يفلس أو يغلق أبوابه أمام العمال، بل إنه يسهم في توظيف يد عاملة لبنانية كبيرة».
وعن العقبات التي تواجه هذه الصناعة وتجعل من أسعار سلعها مرتفعة يقول السيد حطيط: «كنّا قد أخذنا على عاتقنا العمل على تأمين قفزة نوعية في مصانعنا الغذائية لمواكبة التحديات العالمية، ألا وهي الإنتاج الصديق للبيئة، لسلعٍ ذات جودة عالمية وبتكلفةٍ تسمح بالتنافس الشريف في الأسواق الداخلية والخارجية».
ولقد أقرّت موزانة ٢٠٢٠ رسم ٣٪ على السلع الغذائية المستوردة من الخارج لدعم الصناعة المحلية، ولكن للأسف لم نستفد منها، وجاءت الأحداث الاقتصادية والمالية الأخيرة، ففُقد الدولار من الأسواق المالية، وجاءت التدابير المصرفية الصارمة، لتضع أمامنا عقبة التحويلات لاستيراد المواد الأولية وتركتنا لمصيرنا أمام أسعار الدولار المرتفعة في أسواق الصيرفة، ما أدى إلى ارتفاع في أسعار الصناعات المحلية بنسبة ٩٩ ٪.
وجاء وباء كورونا ليزيد الأمر سوءًا، وليؤخر عملية استيراد المواد الأولية إلى أكثر من شهرين، لأن دورة الحياة معطّلة على الكرة الأرضية برمّتها. كما أن تمنّع لبنان من سداد سندات اليورو بوند المستحقة، أدى إلى انعدام الثقة بين التجار العالميين والتجار اللبنانيين، وباتوا لا يقبلون دفعات مسبقة على الحساب ولا شيكات مؤجلة، بل بات على الصناعي دفع الفواتير نقدًا، وعلى التاجر، دفع قيمة مشترياته قبل التصنيع (عكس ما كان يحصل في السابق)، الأمر الذي يسهم في ذوبان رأس المـال التجاري.
في النهاية، صحيح أنّنا نحتاج إلى تشريعات تحمي المواطنين من جشع التجار والمحتكرين، لكنّنا نحتاج وبصورةٍ عاجلة إلى تدابير فاعلة، وقد أثبتت الدولة أنّها حين تحزم أمرها تستطيع الكثير، والتعامل مع أزمة كورونا هو أفضل مثال على ذلك. لا تستطيع الدولة إعادة سعر الدولار إلى ما كان، ولكنّها تستطيع منع التلاعب بالأسعار، لماذا ندفع ثمن السلع المنتجة منذ سنوات وفق سعر الدولار اليوم؟
تدابير مجلس الوزراء للجم الأسعار
اتخذ مجلس الوزراء في جلسته (المنعقدة بتاريخ ١٢ أيار) مجموعة من القرارات المتعلقة بوضع حدّ لفلتان الأسعار بشكل جنوني. ودعا وزير الاقتصاد إلى وضع حدّ أقصى لهامش الربح للسلع الأساسية، من خلال تعديل الهوامش المحدّدة في قرار متّخذ منذ السبعينيات، وكذلك التحقّق من تطبيق المعايير نفسها لدى المتاجر، ومراقبة السعر والمطابقة مع الفاتورة. ومن الإجراءات التي اتُخذت زيادة التنسيق والتعاون بين الوازرات المعنية (الاقتصاد والداخلية والزراعة والصناعة) من أجل ضبط الأسعار، على أن تواكب دوريات أمنية فِرق حماية المستهلك لمنع الاعتداء عليها وتسهيل مهمتها.
وحرص مجلس الوزراء على أن يكون سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية من أولى الأولويات، لأنّه ينعكس على حياة اللبنانيين في مختلف النواحي، وفي حين بات ملف مخالفات الصيارفة في عهدة القضاء أكد مجلس الوزراء أنّ كل من يريد التلاعب بالعملة الوطنية سوف يُحاسب، كما طلبت الحكومة من حاكم مصرف لبنان، ضخ دولارات في الأسواق للجم ارتفاع سعر صرف الدولار عبر تحقيق حدّ أدنى من التوازن.
وفي الإطار عينه بدأت وزارة الاقتصاد بإعداد دورات تدريبية لمتطوّعين وعناصر من كل البلديات لمساعدة حماية المستهلك في قمع مخالفات الغش والاحتكار وتطبيق قوانين حماية المستهلك.
ومن ناحية أخرى حدّد وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه سعر وزن ربطة الخبر، استنادًا للدراسة العلمية التي أجرتها وزارة الاقتصاد والتجارة لمؤشر سعر ربطة الخبز، مقابل المتغيّرات العالمية والمحلية لأسعار المواد الداخلة في صناعة الرغيف، وفقًا لما يلي:
-ربطة حجم كبير: زنة ألف غرام كحد أدنى بسعر ١٥٠٠ ليرة كحد أقصى.
-ربطة حجم وسط: زنة ٤٠٠ غرام كحد أدنى بسعر ١٠٠٠ ليرة لبنانية كحد أقصى.
وفي المقابل أصدرت الأفران ممثلةً باتحاد نقابات المخابز والأفران بيانًا تعهّدت من خلاله إعطاء الأولية للبنانيين للعمل داخل الأفران وخصوصًا في صالات العرض، بناءً لطلب وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه، الذي دعاهم أيضًا إلى استخدام الطحين المدعوم لصناعة رغيف الخبز فقط.
«ميني ماركت» الجندي تدعم صمود الراتب في وجه الغلاء
الغلاء بل الارتفاع الجنوني وشبه اليومي للأسعار أمر واقع. في الأحوال العادية «يدوزن» العسكري مصروفه بدقةٍ لكي يتماشى مع راتبه، فما العمل اليوم بعد أن تآكلت القدرة الشرائية لهذا الراتب؟ واقع بالغ القسوة والصعوبة لكن دائمًا هناك مجال لابتكار حلول تخفّف من قسوة الواقع إذا لم تكن المعالجة ممكنة. المبدأ البسيط الذي يقول «أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام»، كان القاعدة التي طُبقت بفعاليةٍ في مديرية الشؤون الجغرافية، فما الذي حصل هناك؟
بموافقة قائد الجيش العماد جوزاف عون، وبالتنسيق مع جهاز إدارة النوادي، تم توسيع بيت الجندي في مديرية الشؤون الجغرافية ليصبح أقرب إلى «ميني ماركت» لناحيتَي المساحة والمواد التي يحويها. الفكرة كانت وليدة الغلاء الفاحش في أسعار المواد التموينية في التعاونيات ومحلات التموين الصغيرة والكبيرة على حد سواء. من هنا، يقول مدير الشؤون الجغرافية العميد الركن حسن يوسف: «بدأنا نفتش عن مصادر هذه المواد بسعر الجملة لكي نبيعها للعسكري بكلفتها تقريبًا، إضافة إلى شراء بعض أنواع الخضار والفاكهة الأساسية، مباشرة من المزارع وبيعها للعسكري بكلفتها. بنتيجة هذه المبادرة، تم توفير نحو ٩٠ سلعة أساسية بأسعارٍ متهاودة».
من يستفيد من هذه المبادرة؟ «المستفيدون ليسوا عسكريي المديرية فقط، فعسكريو القطع المتمركزة في بيروت وجبل لبنان أقبلوا بكثافةٍ على الشراء والاستفادة من الأسعار المتهاودة نسبة إلى السوق.
بالطبع اقتضت هذه الخطوة جهودًا ليست بقليلةٍ لتصبح واقعًا، وفي هذا الإطار تم تأليف لجنتَين: واحدة تدير بيت الجندي حسب الأصول القانونية، وأخرى للتعاطي مع السوق استلمها قسم التلزيم، مهمتها طلب البضاعة من الشركات والمزارعين، وإرسال رتباء الشراء إلى التعاونيات الكبيرة وأسواق الخضار التي تبيع بالجملة لجلب العروض».
«الهدف من هذا النشاط هو صمود العسكري وعائلته لوجستيًا، والتخفيف عن كاهله قدر المستطاع، علّنا نتجاوز هذه المحنة بأقل خسائر ممكنة» وفق ما يقول العميد الركن يوسف. هناك مشقّة بالعمل مقابل الأرباح التي لا تُذكر، لكن هناك شعور بالسعادة مصدره الابتسامة التي تُرتسم على وجوه العسكريين وهم يشترون السلع الأساسية بكلفةٍ معقولة.
«لن نتعب ولن نكلّ إلا عند استعادة راتب العسكري لقيمته الحقيقية»، يضيف مدير الشؤون الجغرافية، ومن الواجب إكمال هذا المشروع وتوسيعه ليشمل المناطق كافة.