مهرجان رياضي

جيش لبنان وشبابه في مهرجان الأمل
إعداد: ندين البلعه خيرالله

جلسوا على مقاعد المدرّج بانتظام كما لم يرهم أساتذتهم جالسين في الصف من قبل، أوراقهم وأقلامهم كانت أعلام لبنان والجيش. أعينهم شاخصة إلى وسط الملعب، حيث وقف المعلمون لشرح الدروس، ولكن ليسوا أي معلمين وليست أي دروس! برنامج اليوم هو كناية عن دروس في الشجاعة، والروح الرياضية، وطبعًا الشرف والتضحية والوفاء... دروس في معنى الاستقلال من الخبير الأول في هذه المواد ورمز الاستقلال، «الجيش».

 

المركز العالي للرياضة العسكرية تحوّل في عيد الاستقلال إلى مدرسة استقبلت طلابًا وشبابًا من مختلف المدارس والجامعات والأندية الرياضية اللبنانية. ولكن الفارق الوحيد هو أن هذه المدرسة يحبها جميع التلامذة من دون استثناء، ويقصدونها بلهفةٍ وحماسة. وإلى جانب عناصر المركز، استمتع الحضور بيوم مليء بالأنشطة الرياضية المختلفة، ولم يجدوا مكانًا أفضل من أحضان المؤسسة العسكرية للاحتفال باستقلال وطنٍ يطمحون فيه إلى مستقبلٍ زاهرٍ.

 

علاقة راسخة

لبنان مُنهك، وشبابه تعب ويائس ولكنه لم يتخلَّ بعد عن إيمانه بوطنه، والسبب الوحيد لذلك هو الجيش! صدِّقوا أن كل حافز للبقاء في هذا الوطن تلاشى من قلوب شبابنا، إلّا هذا الحافز الوحيد الأوحد الذي يتمسّك بهم كما هم متمسكون به، يشكّل واحدهم خشبة الخلاص وسترة النجاة للآخر. وها هي المؤسسة العسكرية لا توفّر فرصةً لترسيخ هذه العلاقة، من هنا كان هذا اليوم الرياضي وغيره من الأنشطة التي عمّت الثكنات والمراكز العسكرية على كامل أرض الوطن في عيد الاستقلال، بحسب ما يؤكّده قائد المركز العالي للرياضة العسكرية العقيد الركن مخائيل موسى.

حتى اختيار الألعاب والأنشطة لهذا اليوم المميز، كان له دلالاته. فقد تعرّف الشباب إلى الرياضات التي تمارسها فرق الجيش، من الألعاب الإجمالية والإفرادية إلى ألعاب القوى، وشاركوا في مباريات ودية على أرض الجيش. وقد تم التركيز على الألعاب القتالية التي تعزز الثقة بالنفس لدى الطالب وتؤهله للدفاع عن نفسه عند الضرورة، وتحديدًا التايكواندو والتي تُعرف بلعبة الانضباط والاحترام. ويشير العقيد الركن موسى في هذا الإطار إلى أنّ فريق المركز لهذه الرياضة شارك في مخيم تدريبي أقامته الكتيبة الكورية العاملة ضمن قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. فالكوريون يحترفون هذه اللعبة وقد تشاركوا خبرتهم هذه مع فريق الجيش الذي تدرّب عناصره على العرض الذي قدّموه خلال هذا اليوم الرياضي.

 

مشاعر إيجابية

عند افتتاح هذا النهار المميز، عَلَت أصوات شبابنا وهم يردّدون النشيد الوطني اللبناني على الألحان التي عزفتها موسيقى الجيش، وكأنها المرة الأولى التي ينشدونه فيها منذ فترةٍ طويلة... وكأنهم لا يفهمون معاني هذا النشيد إلّا في أحضان المؤسسة العسكرية. لحظات مقدّسة امتزجت فيها الأصوات، والأنفاس وحتى الدموع التي لم يستطع البعض حبسها لاشتياقهم لهذا الشعور بالأمان!

وبعدها، ضجّت الملاعب والمدرّجات بالحماسة، إذ يقول علم النفس أن الرياضة تحوّل الضغوط والمشاكل النفسية التي يواجهها الإنسان إلى مشاعر إيجابية تدعم شعور الرضا عنده وتسهم في تعزيز ثقته بنفسه. وهذا ما اختبره الطلاب خلال هذا النهار، وكان منهم مَن شارك شخصيًّا في المباريات إلى جانب زملائهم وعناصر من الجيش ومن باقي الأجهزة الأمنية والأندية المدنية. الملاعب أصبحت لوحةً من مختلف الألوان التي تمثّلها البزّات الرياضية، فلكل لعبةٍ لباس محدد وأحزمة تدلّ على مستوى احتراف الفرد.

إناث وذكور شاركوا في مختلف المباريات أمام جمهور من الرفاق، بروحٍ رياضية عالية أظهرت صورةً جليّةً عن شباب قادر على بناء مستقبل مميز وزاهر للبنان، إن أُعطي الفرصة.

 

بعض دروس الحياة

هنا عروض مميزة وراقية قدّمها الاتحاد اللبناني للتايكواندو وفريق الجيش من حَمَلة الأحزمة السوداء، وبلياقة وليونة قدّم شباب وفتيات أجمل الحركات الخاصة بهذه الرياضة الكورية، والتي شجّعت عددًا من الحضور على الرغبة بالانضمام إلى مثل هذه الفرق.

وقد فاز منتخب الجيش في هذه اللعبة على فريق أندية الاتحاد الدولي للرياضة، فأشار عضو المنتخب العريف كميل حرب (فوج المدفعية الأول) إلى أنهم تدربوا مع الكتيبة الكورية في منطقة صور، مما زادهم احترافًا. وبدوره أشاد النقيب Jung Yi Sak (قائد الفصيلة الأولى في السرية العملانية الثالثة وقائد فريق التايكواندو الكوري) بشغف منتخب الجيش لهذه اللعبة، الذي جعل المستحيل ممكنًا. كما أبدى إعجابه بحب المدنيين والعسكريين لهذه الرياضة، واصفًا العلاقة مع الجيش بالممتازة.

وفي دائرة مجاورة مباراة حماسية في الجودو اليابانية، وأخرى في المصارعة بين مختلف الأوزان، وبين لاعبين من الجيش ومن الأندية المدنية. حكّام المركز حاضرون لإعطاء التوجيهات، والتحكيم وإعلان النتائج، والطلاب يتولّون تشجيع اللاعبين، يصوّرون بهواتفهم وينتظرون النتائج مراهنين على ربح هذا اللاعب أو ذاك، ليكتمل المشهد الرياضي الحماسي. مشهد عززت نسبة الحماسة فيه العروض القتالية التي قدمها نادي fitness expert (قتال system)، إضافة إلى عرض steel combat مع الملازم أول هادي أبي خليل.

مدرّب فريق قوى الأمن الداخلي للجودو حنا أروادي أثنى على التنظيم المميّز الذي قدمه المركز العالي للرياضة العسكرية، وأشاد بالقدرات الممتازة للفرق العسكرية، مشيرًا إلى ضرورة تطويرها وتطعيم منتخباتها بعناصر فتيّة. وبدوره نوّه رئيس نادي المعني صيدا محمد يقظان بالمباراة الرائعة والجميلة، واعتبر أنّ الأداء الذي تقدّمه الفرق العسكرية يجعل المركز العالي للرياضة العسكرية يحتل المراكز الأولى في لبنان.

وإلى الألعاب الإجمالية، إذ انتقل الحضور إلى ملعب كرة السلة المشابه لملاعب كبرى الأندية والفرق، حيث لعب فريق الجيش ضد فريق نادي الأهلي صربا وجاءت النتيجة لمصلحة فريق الجيش بنتيجة ٣٢-١٦. وبالتزامن مع تصفيات بطولة المدارس والجامعات في كرة القدم المصغّرة، أُقيمت مباراة ودية بكرة القدم للصالات بين فريق الجيش ونادي جونيه انتهت بالتعادل الإيجابي ٣-٣.

وانتهى اليوم الرياضي مع نهائي بطولة كرة القدم المصغّرة للمدارس والجامعات بين فريق مدرسة هربسي ميان (College Stes Hripsimiantz) وفريق مدرسة المون لاسال (Mont La Salle) والتي جاءت لمصلحة المون لاسال بنتيجة ٤- صفر.

وقد أكّد الأستاذ طوني نجم (منسق النشاطات في مدرسة الكرمليت-الفنار) على هامش هذه المباريات، أهمية هذا اليوم المميز الذي يهدف إلى تعريف التلامذة على الوجه الرياضي للجيش، وخصوصًا من خلال تفوقه في الكثير من الرياضات على الأندية المدنية. ونوّه بمشاركة العنصر النسائي اللافت في الجيش في الألعاب القتالية التي تتطلب مهارة وقوة بدنية، كما أشار إلى فرحة الطلاب الذين أبدوا حماسًا للمشاركة، وكانت فرصة لهم «للهروب من الدروس الصفية» لتعلم بعض دروس الحياة من الجيش.

 

شهادات وانطباعات

كل مَن تحدّثنا إليهم خلال هذا اليوم الرياضي الطويل والمميز، شدّدوا على أهمية مثل هذه الأنشطة لتعزيز التفاعل بين جيش الوطن وشعبه، وخصوصًا الشباب منهم، وأعربوا عن فرحهم بالمشاركة في فعاليات هذا المهرجان الذي كان غاية في التنظيم. وفي هذا السياق، يؤكد العقيد فادي الكبه (ممثل مدير عام أمن الدولة اللواء صليبا) على أهمية المهرجان الرياضي الذي تتفاعل من خلاله النخب الرياضية مع المجتمع العسكري، والذي جسّد التعاون العسكري المدني في لوحة جميلة لتلامذة المدارس وهم يلوّحون بالأعلام اللبنانية وأعلام الجيش.

«مشاركتنا في هذا اليوم المميز هي فخر لنا» يقول شربل مزهر قائد فريق الأهلي صربا لكرة السلة. أما مدرّب فريق جونيه مروان زورا فينوّه بحضور الجيش القوي حامي الوطن على الساحة الرياضية، والذي يحاول رفع شأن الرياضة على الرغم من الظروف الصعبة. ويشدّد على الفكرة نفسها رئيس فريق Kital System international الياس البيطار.

وللشباب كلمتهم في هذا الحدث الذي نظّمه الجيش من أجلهم، فقد عبّر مختلف الطلاب والمنتسبين إلى الأندية المشارِكة عن حماستهم وفرحهم: «هي المرة الأولى التي يشارك فيها صفنا في مباراة من تنظيم المركز العالي للرياضة العسكرية وأنا سعيد جدًّا». إنها فرصة للتعرف إلى الرياضات العسكرية، يقول التلميذ جورج نادر (من مدرسة الكرمليت)، وقد لفتته الألعاب القتالية التي تخوّل الشخص الدفاع عن نفسه في حال ممارستها وإتقان مبادئها.

أمّا غارود بيدرياتان (مدرسة Hripsimiantz) فيعبّر عن فخره بجيش لبنان وبالمركز العالي للرياضة العسكرية، ويؤكد أن مشاركته في المباراة الودّية التي جرت بين مدرسته ومدرسة الشانفيل هي للتشجيع والتعرّف على أناس جدد. وفي حين أحبّت كل من جويا شرفان (مدرسة الوردية) ويوري بركات (مدرسة الأنطونية) الأجواء، كانت لهما تحية «للجيش اللبناني البطل» الذي نظم هذا المهرجان الرياضي. وإذ يصف ماريو أبو جودة (فريق جونية للـ Fut Sal) مهرجان الاستقلال الرياضي بالمميز، يقول: «يكفينا فخرًا أننا نمارس الرياضة مع الجيش، حامي الوطن»!

انتهى هذا النهار الرياضي بتسلّم الرابحين الكؤوس والميداليات، وتمنّى الشباب لو أنه طال أكثر. غادروا حاملين معهم شيئًا من الفرح والأمل، والثقة بأن مستقبلهم سيكون مشرقًا طالما أنّ جيشهم إلى جانبهم، شاعرين بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، ألا وهي أن يُبقوا أيديهم متشابكة مع هذا الجيش، حتى يسيروا معًا بوطننا إلى برّ الأمان.