العوافي يا وطن

حذار تكرار المشهد الأسود
إعداد: إلهام نصر تابت

في الأيام الأخيرة من شهر نيسان المنصرم كان المشهد الأسود يتجول في عدة ساحات وشوارع: اعتداءات على الجيش والقوى الأمنية، حرق، تكسير، تخريب، قطع طرقات... إلى أين يريد أبطال السواد الوصول؟ ١٥٨ إصابة في صفوف الجيش حصيلة ثلاث من «سهرات النار» الجهنمية، وخسائر فادحة في الممتلكات.ماذا حصل في تلك الليالي السوداء؟ أهو وجع الجوع؟ أهو غضب القهر؟ نعم هو هذا وذاك، ولكن هو أيضًا أكثر منهما وأخطر.
التعبير الديموقراطي حق، لكن حين ينزلق هذا التعبير إلى الفوضى والشغب والاعتداء على الجيش والقوى الأمنية وتخريب الأملاك العامة والخاصة، يتحوّل إلى شيء آخر. شيء هو أبعد ما يكون عن الديموقراطية، وعن السير على طريق معالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي الكارثي. وهو في أي حال نتيجة عقود من الفساد وسوء الإدارة، فهل يأتي الحل بسحر ساحر؟ وهل ثمة حل خارج الدولة؟ الدولة التي تشكّل المظلة الحامية للجميع. الدولة التي تحفظ حقوق الناس وتحمي أبناءها.
«ليس في قاموسي كلمة مرادفة للدولة» قال رئيس الحكومة حسّان دياب في كلمته إلى اللبنانيين (١٦ نيسان الماضي). نعم دولة الرئيس ما من كلمة مرادفة للدولة، ليس فقط في قاموسكم، وإنما في قواميس العالم كلها. ونحن اللبنانيون اختبرنا أكثر من سوانا ما معنى ضعف الدولة وانهيارها. في الحرب اختبرنا ما معنى أن تنهار مؤسسات الدولة وأوّلها الجيش، وأن تنبت مكانها قوى الأمر الواقع. وبعد الحرب اختبرنا ما معنى أن تتقاسم الدولة قوى الأمر الواقع. النتيجة ماثلة أمامنا اليوم. هي هذا القهر وهذا الغضب المندفع إلى الشوارع بقوة الأزمات القاسية التي تجرأت حتى على آخر لقمة عيش في مخابزنا.
من يستهدف الجيش يستهدف العمود الفقري للدولة. فلمصلحة مَن ضعفها؟ المجتمع المدني سيكون أول ضحايا ضعف الدولة وانهيارها لا سمح الله. من دون الدولة سيصبح مكسورًا، يتيمًا، مجرّدًا من أي حماية. فلنتذكّر الماضي القريب القريب. الاحتجاجات الشعبية استمرت أشهرًا، من حماها؟ من دون حماية الجيش هل يستطيع المحتجون التجمّع ورفع الصوت والمطالب؟
فلنتذكّر أيضًا، لأسابيع خلت ومع بداية انتشار وباء كورونا في بلادنا كيف أصابنا الهلع. الدولة، نعم الدولة رغم أزماتها وأحمالها الثقيلة هي مَن واجه الوضع الصعب وجعلنا نفتخر بأنّها خاضت المواجهة بكفاءةٍ ومسؤولية شهدت لها أهم المرجعيات العالمية. هل نتعلّم من الدرس؟
نحن في قعر الهاوية، «لا يمكن لعاقلٍ أن يلوم الناس على صرختهم. لكن لا يمكن لعاقلٍ أيضًا أن يقبل تبديد الممتلكات والاعتداء على الجيش، ولا أن يقتنع بأنّ الشغب الذي رأيناه... هو عفوي... الفوضى والشغب والاعتداء على القوى العسكرية والأمنية والأملاك شيء آخر لا علاقة له بالجوع ولا بالديمقراطية»، يقول الرئيس دياب. يجب أن نقف مليًا عند هذا الكلام وأن نقرأه على ضوء التحقيقات التي يجريها الجيش مع الموقوفين، وعلى ضوء البيانات التي أصدرها عن ليالي الشغب السوداء ونيرانها.
من أين للمتظاهرين الجياع أن يحصلوا على قنابل مسيلة للدموع يرمون بها القوى العسكرية والأمنية؟ لماذا يوجد بين الموقوفين من أطلق النار؟ ولماذا يوجد بينهم أشخاص من جنسيات غير لبنانية؟
المستور سوف يُكشف، والعجلة لن تدور إلى الوراء. لطالما أكّد الجيش بالفعل لا بالقول، بأنّه لن يسمح لنيران الفتنة أن تشعل البلد، ولن يسمح للمندسّين والعابثين أن ينالوا من استقرار كلّفنا الكثير الكثير من الدماء النقية.
جنودنا المنتشرون في كل منطقة وحي وشارع ليحفظوا أمن الجميع وحقوقهم، هم أيضًا في خانة الموجوعين من الغلاء والفقر. هم أيضًا بشر، ليسوا رجالًا آليين يؤدون مهماتهم من دون مشاعر، من دون ألم. هم أيضًا معرّضون للإصابة بالوباء بينما يحاولون حماية الناس منه عبر منع التجمّعات. هم الحريصون على كل مواطن، وعلى كل مؤسسة ومنشأة.
هم وجه الدولة الساعية إلى رعاية مواطنيها، مواطنيها جميعًا. وهم اليد الممدودة للمساعدة والخدمة في كل أزمة ووقت عصيب.
فحذار، حذار أن تمتد الأيادي السود لزرع السوء بين الجيش وأهله. هذه الأيادي ستُقطع... فصوت الوجع مسموع، أما شغب الفوضى فممنوع. ولنا ملء الثقة بأنّ جيشنا هو اليوم كما بالأمس، عل قدر المسؤولية.


.العوافي يا جيشنا
.العوافي يا وطن