قانون دولي إنساني

حظر مشاركة الأطفال في النزاعات المسلّحة بموجب القانون الدولي الإنساني
إعداد: العقيد الركن زياد رزق الله

وضع الإنسان منذ القدم ضوابط عرفية أو مكتوبة للحد من الآلام الناتجة عن النزاعات المسلّحة. وتشكّل هذه الضوابط قواعد تقيِّد حق المتحاربين في إلحاق الأذى بخصومهم. مع تطوّر وسائل القتال، دعت الحاجة إلى وجود قانون دولي ينظّم قواعد الحرب وأعرافها، ويحكم العلاقات بين الأطراف المتحاربة، ويضمن حماية المدنيين والجرحى والأسرى والمقاتلين الذين أصبحوا خارج المعركة، بالإضافة إلى الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال، وذلك لتخفيف المآسي التي تخلّفها النزاعات المسلّحة.


إنّ الأطفال، بحكم ضعفهم وعدم تمتعهم بالحد الأدنى من حرية الاختيار، هم الأكثر معاناة لآثار الحروب سواء كانت هذه الآثار مباشرة أم غير مباشرة، وقد برزت خلال العقود الأخيرة ظاهرة تزايد عدد الأطفال الذين يتم تجنيدهم وبالقوة في غالب الأحيان.
تستخدم الجماعات المسلّحة الأطفال لأنّ التحكم بهم في معظم الأحيان أسهل من التحكم بالراشدين. فالأطفال يقومون بالقتل من دون خوف ويطيعون الأوامر من دون تفكير، سواء جُنِّدوا بالإكراه أم انضموا إلى الجماعات المسلّحة للهرب من الفقر والجوع أم تطوّعوا لدعم قضية ما، مما يعرّضهم للمخاطر النفسية أو البدنية. يضاف إلى ذلك سهولة التأثير عليهم وتشجيعهم على ارتكاب أفعال إجرامية، يعجزون في كثير من الأحيان عن فهمها.

 

الظاهرة باتت أكثر شيوعًا
ترتبط مشاركة الأطفال في الأعمال العدائية كظاهرة متزايدة الشيوع، بظهور أنماط جديدة من النزاعات، التي تواجه الجيوش النظامية. على الرغم من وجود هذه الظاهرة منذ الحرب العالمية الثانية، إلّا أن الجهود الدولية لمواجهة قضية الجنود الأطفال لم تتحّدد ملامحها إلّا مع بداية السبعينيات من القرن الماضي، بعدما غفلت اتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949 عن معالجة هذه المسألة، وأصبح من الضروري استحداث نوع جديد من الحماية لمصلحة أولئك الأطفال الذين يتورّطون في أعمال القتال، ولما لهذه الظاهرة من أبعاد إنسانية وقانونية مختلفة.
لقد تزايد استخدام الأطفال في الحروب، وأصبح لهم دور في أعمال القتال أو في الجاسوسية أو المقاومة أو أعمال التخريب، لذلك وجد المجتمع الدولي نفسه ملزمًا التدخل لوضع حد لهذه الظاهرة. إن اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949والمتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب، تحدثت فقط عن وضع الأطفال كمدنيين ليس لهم أي دور في أعمال القتال، ولم تفرِّق بين الطفل المدني والطفل المقاتل، حتى بدأ الاهتمام الجدّي بهذا الموضوع من جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العام 1971.

 

تطوّر الضوابط
وضعت اللجنة المذكورة أعلاه تقريرًا ضمّنته ملاحظاتها في «شأن ازدياد تجنيد الأطفال في النزاعات المسلّحة، أو استخدامهم كمدنيين في الحرب، وما ترتّب عن ذلك من موت ما لا يقل عن نصف مليون طفل دون سن الخامسة عشرة في ميدان القتال خلال العقدين الماضيين». وقد أثير هذا الموضوع في المؤتمر الأول للخبراء الحكوميين، بشأن إعادة تأكيد وتطوير قواعد القانون الدولي المطبّقة في أثناء النزاعات المسلّحة والذي عقدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العام 1971، وأيضًا في المؤتمر الدبلوماسي حول إعادة تأكيد وتطوير القوانين الإنسانية المطبقة في أثناء النزاعات المسلّحة الذي عقده المجلس الاتحادي السويسري بين 1974و1977.
وقد تمّ تحويل مشروع المادة التي اقترحتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مجموعة عمل انتهت إلى أنه: «يجب على أطراف النزاع اتخاذ التدابير المستطاعة، التي تكفل عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف، بوجه خاص، أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء الصغار في قواتها المسلّحة. ويجب على أطراف النزاع في حالة تجنيد هؤلاء ممن بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا بعد الثامنة عشرة، أن تسعى إلى إعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنًا». كان هذا التعديل في أساس النص الرسمي للمادة 77 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949 المتعلق بالنزاعات المسلّحة الدولية.
أما في حالة قيام نزاع مسلح غير دولي فقد أشارت المادة الرابعة من البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949 المتعلق بالنزاعات المسلّحة غير الدولية، إلى السن الذي لا يحق للأطفال دونه أن يشاركوا في الأعمال العدائية، وذلك على النحو الآتي: «لا يجوز تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلّحة، ولا يجوز السماح باشتراكهم في الأعمال العدائية». من الملاحظ أن الأمر هنا يتعلق بحظر قاطع سواء اقتضى الأمر المشاركة في الأعمال العدائية بصفة مباشرة، أم غير مباشرة، كالعمل مثلًا على جمع المعلومات ونقل الأوامر والذخيرة والمؤن. وبالتالي فإن على الدول الأطراف أن تكون أكثر صرامة في النزاعات المسلّحة غير الدولية مما هي عليه في النزاعات المسلّحة الدولية، كما أن هذا النص ينطبق على الجماعات المسلّحة الأكثر استفادة من الأطفال في النزاعات غير الدولية».
لم تتوقف ظاهرة الزج بالأطفال في الحروب والنزاعات، بعد توقيع بروتوكولَي جنيف للعام 1977، وبدت هذه النزعة واضحة في أماكن متفرقة من العالم، وهذا ما أكّدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، باعتبارها الجهة القيّمة على تطبيق القانون الدولي الإنساني والمبادئ التي يجسدها.
بناءً على ذلك وفي أثناء إعداد مشروع اتفاقية حقوق الطفل، بُذلت جهود دولية حثيثة من أجل رفع السن الأدنى لمشاركة الأطفال في الأعمال العدائية من الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة، إلا أن المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل للعام 1989، لم تسجّل أي تقدم، فقد جاءت إعادة لنص المادة 77 من البرتوكول الإضافي الأول.
من الملاحظ في هذه الاتفاقية أن مادتها الأولى عرّفت الطفل بأنه «كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه»، وقد طلبت من الدول عدم تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في قواتها المسلّحة. ومعنى ذلك أن الطفل ما بين سن الخامسة عشرة والثامنة عشرة، مسموح بتجنيده في القوات المسلّحة للدول الأطراف على الرغم من أنه طفل بحسب تعريف الاتفاقية.

 

الحدّ الأدنى لسن التجنيد
على ضوء الوعي والاهتمام المتزايدَين داخل المجتمع الدولي بمعاناة الأطفال الجنود، اتُخِذت مبادرة في إطار نظام الأمم المتحدة بعد سنوات قليلة فقط من دخول اتفاقية حقوق الطفل حيّز التنفيذ من أجل رفع الحد الأدنى لسن التجنيد والاشتراك في الأعمال العدائية إلى 18 سنة.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيار من العام 2000، البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلّحة. ويُعَدّ هذا البروتوكول أهم انتصار من أجل الأطفال، وتتويجًا للجهود التي بُذِلت طوال فترة التسعينيات من أجل رفع الحد الأدنى من الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة.
تضمّن البروتوكول بعض الأحكام المهمة وبصفة خاصة تحديد سن التجنيد الإجباري، والتجنيد الطوعي أو الاختياري، وكذلك تناول مسألة تجنيد الأطفال في الجماعات المسلّحة المتميزة عن القوات المسلّحة للدولة، وذلك على النحو الآتي:
- يجب على الدول الأطراف اتخاذ التدابير الممكنة عمليًا لضمان عدم اشتراك أفراد قواتها المسلّحة الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر اشتراكًا مباشرًا في الأعمال الحربية.
- تكفل الدول الأطراف عدم خضوع الأشخاص الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر للتجنيد الإجباري في قواتها المسلّحة.
- ترفع الدول الأطراف الحد الأدنى لسن تطوع الأشخاص في قواتها المسلّحة الوطنية عن السن المحددة في الفقرة 3 من المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل. ويشترط البروتوكول قيام الدولة. بعد التصديق عليه، بإيداع إعلان يتضمن الحد الأدنى لسن السماح بالتطوع في قواتها المسلّحة الوطنية، وبتقديم ضمانات لمنع التطوع الإجباري أو القسري.
ويُلزم البروتوكول الدول الأطراف التي تسمح بالتطوع في قواتها المسلّحة دون سن الثامنة عشرة، أن تتخذ الضمانات التي من شأنها أن يكون هذا التجنيد تطوعًا حقيقيًا، وبأن يتم بموافقة الآباء والأوصياء القانونيين للأشخاص، وأن يحصل هؤلاء الأشخاص على المعلومات الكاملة عن الواجبات التي تنطوي عليها الخدمة العسكرية، وأن يتقدم الأشخاص بدليل موثوق به عن سنهم قبل قبولهم في الخدمة العسكرية الوطنية. وإذا كان الواجب على الدولة بشكل عام هو أن تقوم برفع سن التجنيد التطوعي، إلا أن ذلك لا ينطبق على المدارس العسكرية التي تديرها الدولة أو تقع تحت سيطرتها، والتي تقبل الطلبة الذين لا يقلّ عمرهم عن 15 سنة كحد أدنى.
هذا بالنسبة للدول، أما المجموعات المسلّحة المتميزة عن القوات الوطنية للدولة، فيحظر البروتوكول عليها أن تقوم تحت أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام من هم دون الثامنة عشرة من العمر في الأعمال الحربية، وينطبق هذا الحظر على المجموعات المسلّحة كافةً. وعلى الدول التي يوجد فيها مثل هذه الجماعات أن تتخذ جميع التدابير الممكنة عمليًا لمنع هذا التجنيد أو الاستخدام، بما في ذلك اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر هذه الممارسات وتجريمها.
من الملاحظ أن البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، بشأن اشتراك الأطفال في النزعات المسلّحة للعام 2000 يمثّل تقدمًا واضحًا بالنسبة لما يوفّره القانون الدولي الإنساني من حماية، كما أنه يعزز إبقاء الأطفال بمنأى عن أهوال النزاع المسلح، وعن الاشتراك في الأعمال العدائية على وجه الخصوص.

 

تجنيد الأطفال من جرائم الحرب
نظرًا إلى خطورة تجنيد الأطفال بالنزاعات المسلّحة ووجوب التصدي لهذه الظاهرة، ومعاقبة من يقومون بزج الأطفال في هذه النزاعات، أدرج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مادته الثامنة ضمن جرائم الحرب في حالة النزاع المسلح الدولي: «تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميًا أو طوعيًا في القوات المسلّحة أو استخدامهم للمشاركة فعليًا في الأعمال الحربية»، وفي حالة النزاع المسلّح غير الدولي: «تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميًا أو طوعيًا في القوات المسلّحة أو في جماعات مسلحة أو استخدامهم للمشاركة فعليًا في الأعمال الحربية».
ختامًا، يُحظِّر القانون الدولي الإنساني مشاركة الأطفال في النزاعات المسلّحة، ويعتبر أن مشاركتهم في الأعمال العدائية انتهاك للقواعد الإنسانية. ويوضح تطور الصكوك الدولية التي تعالج ظاهرة اشتراك الأطفال في النزاعات المسلّحة مسعى المجتمع الدولي في جعل عالم الطفولة مكانًا خاليًا من العنف. لقد أجبرت الطبيعة المتغيرة للحروب المجتمع الدولي على التصدي لظاهرة الجنود الأطفال، ومن المرجّح أن يستمر هذا التحرك ولكن بشكل أكبر نحو النزاعات المسلّحة غير الدولية، لأن آليات إنفاذ القانون الدولي الإنساني ما زالت غير كافية، وليس لها سوى تأثير ضئيل على الجماعات المتمرّدة المشاركة في النزاعات المسلّحة غير الدولية.

 

النزاع المسلّح غير الدولي
النزاعات المسلحة التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقّة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى وتمارس السيطرة تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه، ما يمكّنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسّقة، وتستطيع تنفيذ البروتوكول الثاني الإضافي الملحق باتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949.
 

النزاع المسلّح الدولي
- أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب.
- النزاعات المسلحة التي تناضل خلالها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق تقرير المصير، كما كرّسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودّية والتعاون بين الدول طبقًا لميثاق الأمم المتحدة.