مواسم وخيرات

خضارنا زرع أيدينا...
إعداد: الدكتور حسين حمود
أستاذ في الجامعة اللبنانية كلية الزراعة

إنه لأمر سهل وممتع ولا يحتاج بالضرورة إلى حقل وحديقة

بإمكان كل إنسان اليوم، أينما وجد، في القرية أم في المدينة، في الطابق الأرضي أم في الطابق العاشر، ومن دون امتلاك أي متر مربّع من الأرض، أن ينتج أنواعًا من الخضار، يقطفها طازجة وينقلها مباشرة إلى مائدة الطعام...
إنتاج الخضار في الأحواض، على الشرفات وسطوح المنازل أمر سهل وهو يوفّر لنا متعة نفسية وراحة جسدية، إلى كمية من الخضار الطازجة غير الملوّثة ببقايا المبيدات، ومن دون وسيط أو كلفة...


الزراعة بلا تربة
يعرف إنتاج الخضار في الأوعية أو الأحواض بإسم الزراعة بلا تربة لأنّها تتمّ خارج تربة الأرض الزراعيّة. وتقسّم زراعة الأحواض إلى نوعين، الأوّل هو زراعة نباتات الزينة داخل المنزل، والثاني هو زراعة الخضروات على سطح المنزل وشرفاته.
يمثّل السطح البيئة الأفضل لأنّه يؤمّن أطول فترة من أشعّة الشمس الضروريّة لنمو الخضار ونضوجها، إلاّ أنّ الشرفة أيضًا بإمكانها أن تكون مكانًا جيّدًا لإنتاج الخضار بنجاح، شرط أن يؤمّن موقعها إضاءة لفترة تراوح بين 4 و6 ساعات على الأقل خلال اليوم.

 

ما هي أنواع الخضار التي تزرع في الأحواض؟
يؤكّد الخبراء أنّ جميع أنواع الخضار تقريبًا يمكن زرعها وتربيتها في أحواض وأوعية مختلفة، حيث بإمكاننا إنتاج البقدونس والفجل والجرجير والنعناع والملوخيّة والخسّ والبندورة والبازيلا والثوم والبصل والجزر والفاصوليا والخيار والفليفلة والكزبرة وحتّى الكوسى والأرضي شوكي والكرنب وغيرها.

 

أنواع الأوعية والأحواض الملائمة لزراعة الخضار
هناك أشكال وأنواع كثيرة من الأوعية تخصّص لزراعة الخضار، منها الخشبيّة ومنها البلاستيكيّة ومنها الفخّاريّة، وهي تختلف من حيث أشكالها ومقاساتها (الأبعاد والعمق)، إلاّ أنّ أهمّ عامل يجب توافره في الأوعية هو وجود فتحات لتصريف المياه في أسفلها (قد يكفي وجود فتحة واحدة قطرها 5 سنتمتر)، لأنّ عدم وجود هذه الفتحات يثقل التربة بالمياه ما سيؤدّي إلى تعفّن جذور النبات. عند اختيار الحوض من حيث الأبعاد والعمق يجب مراعاة حجم الثمار وعمق الجذور لكل نوع من الخضار في فترة النضوج والشروط الطبيعيّة المطلوبة للنمو. لذا، فهذه الأحواض يجب ألاّ يقلّ قطرها عن الثلاثين وعمقها عن الستّين سنتمترًا، وكلّما زادت هذه الأبعاد كلّما تحسّنت الشروط الطبيعيّة لنمو النبات ونضوج ثماره.

 

خلطة التربة (البيئة) التي يزرع فيها
هناك نوعان من الخلطات لزرع الخضار في الأحواض على السطوح والشرفات. النوع الأول هو الذي تدخل فيه التربة كمكوّن أساسي، أمّا النوع الثاني فهو الذي لا تدخل فيه التربة بل مواد أخرى أخفّ وزنًا وملائمة بشكل خاص للزراعة على السطوح والشرفات. ففي ظروف الإنتاج الواسع للخضار يصبح من غير المقبول إستعمال التربة على سطوح البيوت والعمارات بسبب المخاطر التي تشكّلها من حيث الضغط والرطوبة على المبنى ككل. أمّا إذا كانت كميّة الإنتاج قليلة ولا تتعدّى سدّ حاجات أسرة صغيرة، فمن الممكن إستعمال التربة شرط التعاطي بحذر شديد مع عمليّة الري التي يشكّل الهدر فيها إلى جانب الأخطاء والأعطال مصدر الخطر الأساسي على سلامة المبنى.
إن المزيج الذي يحلّ محل التربة لإنتاج الخضار على السطوح والشرفات هو المؤلّف من خليط البيتموس والبرليت (الصخور البركانيّة) الذي يؤمّن تصريفًا جيّدًا للمياه وتهوئة جيّدة للتربة والجذور.
إن مادتي البيتموس والبرليت متوافرتان في الأسواق ويمكن استعمالهما في خلطات مختلفة منها:
- بيتموس (الثلث) + برليت (الثلث) + رمل (الثلث).
- بيتموس (الثلث) + برليت (الثلث) + سماد عضوي (بلدي) مخمّر (الثلث).
أمّا إذا أردنا استعمال تربة الحقل فالخلطة تصبح:
- تربة ( الثلث) + برليت أو رمل (الثلث) + بيتموس (الثلث) + ملعقة كبيرة من الجير (الكلس).
 في حال عدم توافر البرليت والبيتموس يمكن اعتماد خلطة أخرى كما يلي:
- تربة (النصف) + سماد عضوي (بلدي) مخمّر (النصف).
يشار هنا إلى أن تربة الحقل تكون عادة موبوءة ببيض الحشرات وبذور الأعشاب البريّة والفطريّات، ومن الضروري تعقيمها قبل استخدامها. والتعقيم يمكن أن يتمّ بتسخينها في فرن الغاز لمدّة عشرة دقائق، أو بوضعها على صفيحة معدنية وتسخينها وخلطها جيدًا فوق أي مصدر للنار، ثم إضافة الماء الذي سرعان ما يتحوّل إلى بخار يعقّم التربة خير تعقيم.
إلى جانب الخلطات المذكورة، يجب الإشارة إلى وجود خلطة أثبتت نجاحها وهي على النحو الآتي: 800 ليتر بيتموس + 200 ليتر برليت + 1 متر مكعّب رمل + 10 كلغ كربونات الكلسيوم (بودرة البلاط) التي تضاف لتعديل حموضة البيتموس، أمّا الرمل فمن الضروري غسله جيّدًا قبل استعماله للتخلّص من الملح الذي يحتويه والذي بإمكانه أن يقضي على النبات المزروع.

 

ماذا يمكننا أن نزرع في الأحواض ومتى؟
إن طريقة زراعة البذور والشتول ومواعيد الزراعة في الأحواض هي نفسها المتّبعة في طرق الزراعة التقليديّة في تربة الحقل. فالبقدونس والكزبرة والنعناع تتطلّب جوًّا معتدلاً مائلاً إلى البرودة، ولكنّها تحتاج أيضًا إلى الشمس، ما يجعل من زرعها في الأحواض ممكنًا في الربيع والصيف والخريف. هذه البذور تزرع على عمق حوالى 1 سنتمتر وتغطّى بطبقة خفيفة من التراب أو الخلطة المستعملة، ثم تروى بالماء بالرش الخفيف. بالنسبة إلى البندورة والفليفلة والباذنجان والخيار يفضّل زرع شتلاتها في حال توافرها لأنّنا بذلك نختصر الوقت لإثمارها وإنضاجها، وبالتالي يمكن زراعتها في الربيع وخلال الصيف على عمق حوالى خمسة سنتمترات وتغطّى بالتراب أو بالخلطة، ثم تروى مباشرة بعد الزرع. ويفضّل أن تكون هذه الشتلات عند زرعها مكوّنة من 3-4 أوراق، ويجب ألاّ أن ننسى وضع الدعّامات أو الأسلاك للخضار المعربشة كالبندورة والبازيلا والفاصوليا والخيار. في المبدأ هناك خضار شتوية وأخرى تزرع في الصيف والخريف والربيع. أمّا عمليًّا فلكل منطقة خصوصيّاتها المناخية التي تلائم في لحظة معيّنة زراعة نوع من الخضار، بينما تستحيل زراعة نوع آخر. أمّا في ما يتعلّق بعمق زراعة بذور الخضار في الأحواض فهذا يعتمد على حجم البذور بحيث يكون هذا العمق بحدود 1 سنتمتر للبذور الصغيرة كالخس والبقدونس وبين 2 و5 سنتمتر في حال البذور الكبيرة كالبطّيخ والكوسى.

 

عمليّات الخدمة ما بعد الزراعة
تحتاج الخضار المزروعة في أحواض وبعد الإنتهاء من عمليّة الزرع إلى الري والتسميد والنكش والتفريد والترقيع.
- الري: تتميّز زراعة الخضار في الأوعية بأنّها توفّر المياه بحيث يتسرّب الفائض منها من فتحات الصرف، ويمكن بالتالي إعادة استخدامه. في حال الزراعة على السطح فالري ضروري كل يوم، أمّا في حال الزراعة على الشرفة فالري لا يعود ضروريًا كل يوم لأن أشعة الشمس لا تصل إلى الشرفة طوال النهار كما هي الحال على السطح. لكن نظرًا إلى الكميّة القليلة من التربة داخل الأوعية فهي تجف بسرعة، خصوصًا تلك التي تحتوي على بيتموس. في مثل هذه الحال ينبغي العمل على تخفيف حدّة التبخّر من خلال التظليل وخصوصًا في أيام الحر الشديد.
- التسميد: في حال إستعمال خلطة البيتموس والبرليت، من الضروري أن يضاف إلى مياه الريّ محلول غذائي (كل ثالث عمليّة ري) يحتوي على جميع العناصر الكبرى والصغرى التي تحتاجها النبتة (ليتر واحد لكل مئة ليتر ماء). هذا المحلول الغذائي المكوّن من مواد معدنيّة لا يستعمل في حال استخدام تربة الحقل في خلطة الأحواض، بل يفضّل في هذه الحال إستعمال أسمدة عضوية الأصل قابلة للذوبان.
- النكش: يهدف لإزالة الأعشاب والحشائش التي تنافس الخضار المزروعة على العناصر الغذائيّة، كما يساعد على تهوئة التربة بشكل أفضل.
- التفريد: يرمي إلى الإبقاء على بادرة نامية واحدة بعد الإنبات لتأمين نمو أفضل.
- الترقيع: هو إعادة الزرع مكان البذور التي لم تنبت.