- En
- Fr
- عربي
خيارات الانفتاح الأميركي على إيران وسط تشكيك إيراني ورفض إسرائيلي ومخاوف عربية
فشلت إدارة الرئيس بوش في وقف البرنامج النووي الإيراني الذي استمر على زخمه لتصبح إيران على بعد سنتين أو ثلاث سنوات من امتلاك القدرة على صنع أول سلاح نووي(1).
فتحت عملية غزو العراق وسقوط نظام صدام حسين جميع الأبواب التي كانت مغلقة في وجه إيران لمد نفوذها وتوسيع أطر دورها السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط والخليج. لقد أعادت التطورات التي نتجت عن احتلال العراق تعريف دور إيران "الجديد" في المحيط الجيو – استراتيجي الإقليمي. وهو ينطلق من مجموعة من المعطيات الأساسية وأبرزها:
- - موقع إيران في وسط منطقة الأزمات التي تشكل مواقع تركيز الاستراتيجية الأميركية واهتمامها بعد أنتهاء الحرب الباردة، وأهمها: أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين بالإَضافة إلى باكستان.
- - الأيديولوجية الإسلامية التي تعتمدها إيران، والتأثير الذي تمارسه على السكان الشيعة في دول الخليج وأفغانستان، بالإضافة إلى دينامية السياسة الإيرانية تجاه الجماعات الأصولية السنية في أكثر من منطقة، وخصوصاً مع منظمتي حماس والجهاد الإسلامي.
- - الدور الذي تريد إيران أن تؤديه على مستوى الخيارات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، (في الخليج ومنطقة المشرق العربي). وتعمل على الربط بين أمن هاتين المنطقتين حيث تعتقد أن ذلك سيحقِّق لها الأمن الذي تبحث عنه في معادلة مزدوجة لمواجهة النفوذين الأميركي والإسرائيلي.
- - الصراع المفتوح الذي تخوضه إيران في مواجهة الولايات المتحدة منذ العام 1979، والذي بلغ أوجه بعد الاحتلال الأميركي للعراق، حيث عمدت إدارة بوش إلى استعمال كل وسائل الضغط للحد من نفوذ إيران، معتبرة أن التقصير في هذا المجال سيؤدي إلى تقدم المصالح الإيرانية على حساب المصالح الأميركية وعلى حساب مصالح حلفائها في المنطقة.
لم يقتصر الصراع المفتوح على قضية النفوذ السياسي والعسكري والدور الذي تريد أن تؤديه إيران على المستوى الاقليمي، بل زاده حدةً الموقفين الأميركي والأوروبي من البرنامج النووي الإيراني، وما نتج عن ذلك من ضغوط وعقوبات مارستها الولايات المتحدة ضد إيران سواء بوسائلها الخاصة أو عبر نظام عقوبات أقرَّه مجلس الأمن الدولي.
أدت هذه التطورات والمنطلقات الاستراتيجية الإيرانية والأميركية إلى وضع إيران والولايات المتحدة في مواجهة شبه شاملة، بحيث يمكن اعتبارهما كخصمين استراتيجيين يسعى كل منهما لتعديل موازين القوى الأقليمية والدولية لصالحه. وهكذا فإن كل ما يمكن أن تنسجه الولايات المتحدة من علاقات سياسية وأمنية مع دول المنطقة يشكل في نظر إيران تحديًا لها وتهديدًا لأمنها ومصالحها. وكان آخر وأبرز ما قامت به إدارة بوش في هذا المجال الاتفاقية الأمنية الأميركية – العراقية، التي ترى فيها طهران تهديدًا مباشرًا لأمنها، بالإضافة إلى أنها تستهدف النفوذ الإيراني داخل العراق.
انتهت إدارة بوش بالرغم من كل العقوبات والضغوط التي مارستها على إيران إلى فشل ذريع سواء لجهة احتواء الدينامية السياسية والأمنية التي مارستها في العراق ومنطقة الخليج، أو لجهة الدينامية العسكرية التي مارستها ضد إسرائيل والمصالح الأميركية من خلال حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
والسؤال المطروح الآن: ما هي قدرات الرئيس أوباما على اعتماد سياسات جديدة مع إيران تعوّض من الفشل الذي اتسمت به سياسات الرئيس بوش؟
سياسة أوباما تجاه إيران
بدأ الرئيس أوباما مبكرًا، وفي أثناء حملته الانتخابية، بالإعلان عن نيته اعتماد مقاربة جديدة تجاه إيران تقوم على الانفتاح والعمل الدبلوماسي بدل سياسة العزل والعقوبات التي اعتمدها سلفه.
وهو يدرك أهمية أن يبدأ مبكرًا في معالجة الهواجس السياسية والأمنية الناتجة من سوء العلاقات مع إيران، والتعقيدات المتعلِّقة بطموحاتها النووية. ولقد امتلكت هذه خلال السنوات الماضية قدرات تخوِّلها التدخل بقوة في مختلف الأزمات التي يواجهها العالم العربي، بحيث أصبحت فعليًا المحرك الأساسي لحالات عدم الاستقرار التي يشهدها كل من العراق ولبنان وفلسطين ومنطقة الخليج(2).
يستعجل فريق أوباما الدبلوماسي رسم الخطوط العريضة للسياسة الجديدة تجاه إيران. وجاء أول الغيث من السفيرة الأميركية الجديدة في الأمم المتحدة سوزان رايسي التي أعلنت أن الولايات المتحدة ستعتمد حيال إيران "دبلوماسية نشطة" تشمل العمل الدبلوماسي المباشر، مع مواصلة التعاون والشراكة مع مجموعة الدول الست المعنيَّة بالتفاوض حول البرنامج النووي الإيراني وهي: الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا. وأضافت رايس "سندرس ما هو ضروري ومناسب للقيام به حفاظًا على الضغوط بهدف الوصول إلى نهاية البرنامج النووي الإيراني"(3). وشدّدت على "أن على الحوار والدبلوماسية أن يسيرا جنبًا إلى جنب مع رسالة حازمة جدًا من جانب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مفادها أنه ينبغي أن تلتزم إيران واجباتها التي حددها مجلس الأمن الدولي، وأن رفضها سيؤدي إلى زيادة الضغوط عليها". لكن يبدو بوضوح أن إدارة أوباما لن تتخلَّى في طرحها سياسية الحوار والانفتاح مع إيران عن الخيارات الأخرى التي تمتلكها، وقد عبّر عن ذلك صراحة المتحدث بإسم البيت الأبيض روبرت جيبس بقوله بإن إدارة أوباما ستستخدم "جميع عناصر قوتنا الوطنية" للتعامل مع مخاوف واشنطن بشأن برنامج إيران النووي.
وترجح مصادر أوروبية أن المبادرة الدبلوماسية الأميركية قد تتأخر بسبب قرب موعد الانتخابات الإيرانية، ولكن إمكان تأخير موعد بدء المفاوضات يقترن بمحاذير يثيرها بعض أجهزة الاستخبارات القريبة من إعطاء طهران المزيد من الوقت للنجاح في استكمال دورة صنع الوقود النووي حيث تفيد الدراسات بإمكان حصول مثل هذا التقدُّم خلال سنة واحدة ما يضع الأمور في نقطة اللاعودة.
الموقف الإيراني تجاه أوباما
عبّرت قيادات إيرانية عن اعتقادها بعدم إمكان حصول تغييرات أساسية في العلاقات الإيرانية – الأميركية في عهد أوباما، وبأن سياسة الضغوط التي كانت تعتمدها إدارة بوش مرشحة للاستمرار. وتنطلق في نظرتها التشاؤمية هذه من خلال اعتقادها بأن الاستراتيجية الأميركية ستعمل على الحد من دور إيران السياسي والأمني في العراق ومنطقة الخليج، الأمر الذي تؤشر إليه الاتفاقية الأمنية مع العراق، بالإضافة إلى التوجه الأساسي للاستراتيجية الأميركية للحفاظ على ميزان القوى في الخليج، ودعم الدور الإسرائيلي الإقليمي. وترى طهران في استمرار هذه الاستراتيجية الأميركية تهديدًا لدورها السياسي والأمني، والحؤول دون انخراطها الفعلي في اقتصاد المنطقة، واستهداف حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية، مع الأبقاء على مقولة إن إيران تشكِّل مصدر التهديد الأساسي للاستقرار في المنطقة(4).
وترى إيران، على لسان رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، أن أي تغيير في سياسة أوباما تجاهها يجب أن يستند إلى إعادة تعريف دورها كجزء اساسي من السياسات الأميركية تجاه المنطقة. وينطلق المطلب الإيراني من حقيقة أن المتغيرات الإقليمية قد غيّرت توزيع الأدوار بين مختلف القوى، وأن إيران قد تحوّلت إلى لاعب أساسي، وأن نفوذها لم يعد يقتصر على العراق ومنطقة الخليج بل تمدّد ليبلغ فعليًا الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
وتعتقد أن محاولة أوباما للاحتفاظ "بميزان القوى" القديم ستصبح العنصر الأساسي الذي يشجع على عدم الاستقرار واندلاع حروب جديدة على غرار ما حدث في لبنان العام 2006 وفي غزة مؤخرًا. وتشدِّد على أن سباق التسلح لن يخدم السلم والاستقرار في المنطقة، مع التذكير بأنه كان السبب الأساسي وراء الحرب العراقية – الإيرانية. ان استمرار المحاولة الأميركية في الحفاظ على "ميزان القوى" يتعارض مع المصالح الإيرانية ومع دور إيران الأقليمي، وهو خيار لا يمكن أن تقبل به إيران(5).
مناورات لتحسين المواقع
تحدث الرئيس الإيراني الأسبق آية الله هاشمي رفسنجاني في صلاة يوم الجمعة في 30 كانون الثاني/ديسمبر 2009 عن إمكان الانفتاح الأميركي على إيران فقال "إن طهران تنصت بانتباه تام إلى إشارات التغيير الصادرة عن واشنطن"، وأكد أن الإيرانيين ينتظرون من الإدارة الأميركية الجديدة إتخاذ موقف حكيم لأنه "في غياب مثل هذا الموقف سيضيعون عدة سنوات أخرى من وقتنا، مكرِّرين كلام الرئيس بوش حول ضرورة وقف إيران لبرنامجها النووي ومكرِّرين التهديدات نفسها لنا، وأن كل ما يقدِّمونه لنا لا يتعدَّى مجموعة من الوعود غير القابلة للتنفيذ"(6).
جاء كلام رفسنجاني بعد يومين من إدلاء الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بتصريح أكد فيه انفتاح إيران على أي مباحثات تضمن عرضًا أميركيًا بتغيير سياساتهم تجاه الشرق الأوسط. وكان بمنزلة الرد المباشر على كلام الناطق باسم البيت الأبيض روبرت جيبس يوم الخميس في 29 كانون الثاني/يناير 2009 بأن الرئيس أوباما لم يغّير موقفه من "ضرورة الاحتفاظ بكل خياراته" في ما يعود إلى التعامل مع البرنامج النووي الإيراني(7). وجاء هذا التصريح في معرض الرد على خير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية نقلاً عن مسؤول أميركي بأن هناك عدة مسودات رسائل (قيد المراجعة) في البيت الأبيض ووزارة الخارجية للرد على رسالة التهنئة التي وجهها أحمدي نجاد إلى أوباما.
صرَّح عضو الكونغرس ورئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب الأميركي بيتر هوكسترا في مقابلة مع مركز نيو ماكس الأميركي. بأنه "لا توجد طريقة ولا أمل لوقف البرنامج النووي الإيراني"، وأعتبر أن أي هجوم يمكن أن تشنَّه الولايات المتحدة ضد المنشآت الإيرانية "سيكون في غاية الصعوبة". وشرح أنه لا يمكن المقارنة بين الهجوم السهل الذي شنته مقاتلات إسرائيلية على ما يعتقد بأنه مفاعل نووي في سوريا والهجوم على المنشآت النووية الإيرانية حيث يتطلَّب "الهجوم على إيران تكرار الهجمات ضد أهداف موزَّعة على مساحات واسعة ومدفونة في باطن الأرض". لقد تعلَّم الإيرانيون من خلال الأحداث الماضية أهمية أن يوزِّعوا منشآتهم بدل أن يجمعوها في مكان واحد بحيث يسهل على أي قوة مهاجمة تدميرها. ردًا على معلومات مؤسسة الدراسات الاستراتيجية التابعة للجيش الأميركي بأنه بمقدور إيران أن تنتج خلال سنة واحدة ما يلزمها من الوقود النووي اللازم لصنع أول قنبلة نووية اعتبر هوكستر أن المعلومات عن هذا الموضوع محدودة "وأن ما نعلمه هو التزامهم إنتاج سلاح نووي، وأن معارفهم التكنولوجية تسمح لهم بتطوير وتصنيع صواريخ هي في تحسُّن مستمر". وخلص إلى القول بإن "إيران هي مصدر تهديد لاستقرار الشرق الأوسط ولدول مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهما تشعران بالخوف مما قد تفعله إيران في المستقبل"(8).
حاول رئيس لجنة الخارجية في مجلس النواب الأميركي الاجتماع في أواسط كانون الأول/ديسمبر مع أحد المسؤولين الإيرانيين المقربين من السيد خامنئي ولكن الاجتماع ألغي في اللحظة الأخيرة. كان يمكن أن يشكل هذا الاجتماع بين السيد على لاريجاني رئيس مجلس الشورى والمفاوض السابق في الملف النووي الإيراني والنائب الديمقراطي هوارد بيرمان رئيس لجنة الشؤون الخارجية، اللقاء الرسمي الأعلى مستوى الذي يجري بين إيران والولايات المتحدة منذ العام 1979. ويؤكد إلغاء الاجتماع الذي كان مقررًُا في المنامة في آخر لحظة وجود تباين كبير بين المسؤولين الإيرانيين حول إجراء اتصالات رسمية مع الأميركيين. وذكرت المعلومات بأن بيرمان كان قد أطلع الرئيس بوش وفريق الرئيس المنتخب أوباما على التحضيرات الجارية للقاء لاريجاني(9).
سُجِّلَت من قبل الجانب الأميركي عدة تصريحات ومواقف متناقضة لمسؤولين إيرانيين حول استعدادهم للانفتاح على الحوار مع الولايات المتحدة، كان أبرزها طلب الرئيس أحمدي نجاد ووزير الخارجية منوشهر متكي من إدارة أوباما، التي أعلنت عن نيتها تغيير سياسات أميركا تجاه إيران، أن تقدّم واشنطن أعتذارًا علنيًا على أعمالها السابقة ضد إيران وخصوصًا عن الانقلاب العسكري الذي حضَّرته الولايات المتحدة في إيران العام 1953، كشرط لقبول طهران بإجراء محادثات على مستوى عالٍ.
في مقابل هذا الموقف المتشدِّد صدر تصريح للوزير منوشهر متكي في أثناء مؤتمر دافوس الاقتصادي يقول فيه: "تحن نعتقد بإن الإدارة الأميركية الجديدة، وكما يقول السيد أوباما، ستعتمد سياسات جديدة فعلية، وجوابنا أنهم سيجدون في المنطقة ردود فعل متعاونة"(10).
بُذِلت جهود مكثفة في الأشهر الأخيرة لتنظيم لقاءات بين إيران والولايات المتحدة وكان أبرزها في تشرين الثاني/نوفمبر 2008 زيارة رؤساء ست جامعات أميركية طهران لتنظيم التبادل العلمي بين البلدين، وكانت وعود الإيرانيين بالعمل على تكثيف عملية التبادل. لكن بعد أسابيع من هذا اللقاء الأكاديمي الكبير أوقف أحد كبار المساهمين في هذه المهمة السيد غلن شوايتزر، من أكاديمية العلوم الأميركية، وجرى استجوابه من قبل أحد أجهزة المخابرات الإيرانية، وأبلغ أن التبادل العلمي المقترح سيئ وغير مرحب به من قبل إيران.
تباينات أميركية حول التوقيت والأسلوب
تقول مصادر من داخل الخارجية الأميركية إن إدارة أوباما تدرس مجموعة واسعة من الأفكار حول إيران، وإن هناك عدة استراتيجيات على الطاولة لكن لا يخفى على أحد أن النقاش حول إيران ما زال في بدايته. وترفض هذه المصادر الخوض في توصيف الاستراتيجيات المطروحة على بساط البحث.
في هذا الوقت، الذي ما يزال البحث عن السياسة التي يجب أن تتبعها إدارة أوباما حيال إيران، ترى هذه المصادر أنه من الطبيعي أن تكون هناك تباينات داخل الإدارة حول تعيين دنيس روس مبعوثًا خاصًا إلى إيران. فثمة تيار داخل الإدارة يخشى أن تفسّر إيران هذا التعيين على أنه انتصار للنهج المتشدِّد الذي يتبعه التيار المتشدِّد بقيادة الرئيس أحمدي نجاد. في المقابل، هناك تيار آخر داخل الإدارة يقول بضرورة الإنتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجري في حزيران/يونيو 2009 على أن تُعزَّز على أساس نتائجها الطريقة التي يجب أن تتواصل فيها الإدارة الأميركية مع إيران، بواسطة مبعوث خاص أم بطرق وقنوات أخرى.
لكن هذا لا يعني أن الإدارة الأميركية لن تتواصل مع إيران خلال هذه الفترة حيث قرَّرت واشنطن أن توفد مسؤولاً أميركيًا رفيع المستوى للمشاركة في اجتماع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا الذي عقد في ألمانيا في الأسبوع الأول من شباط/فبراير 2009 لبحث الملف النووي الإيراني. كما يجري الإعداد لدعوة إيران للمشاركة في مؤتمر الدول المجاورة لأفغانستان لبحث مسألتي أمن ذلك البلد واستقراره الأمر الذي يُشكِّل أكبر التحديات التي تواجهها إدارة أوباما بعد الإنسحاب من العراق. وتنتظر الإدارة الأميركية من إيران في المقابل أن تتخلَّى عن دورها غير الداعم للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط(11).
قال مسؤول في الخارجية الأميركية "هناك من يريدون إعلان تعيين روس خلال أسبوع أو نحو ذلك. لكن هناك أيضًا من يقولون بضرورة الانتظار بعض الوقت، ربما إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ومن ثمَّ تحديد الخطوة التي يجب اتخاذها". ويعقب بأن دعاة الإسراع في تعيين روس يرون أن التأخير يعطي إيران إشارة إلى عدم رغبة واشنطن بالانفتاح عليها، أما من يرغبون بالانتظار حتى حزيران/يونيو فإنهم يرون في الإسراع بتعيين مبعوث إشارة قد تستغل من قبل المتشدِّدين والبناء عليها على أنها انتصار لتهجم على إدارة بوش، ويمكن استغلال ذلك في المعركة الانتخابية ما يضعف حظوظ التيار الإصلاحي في استعادة رئاسة الجمهورية من المحافظين.
يبدو من خلال تتبع تصريحات المسؤولين الأميركيين أن هناك قرارًا بضرورة الانتظار إلى ما بعد حزيران/يونيو 2009 من أجل البدء بعملية الانفتاح والحوار الفعلي. ومن المرجَّح أن تعتمد مقاربة متأنية من خلال التقدم خطوة خطوة، يتلو كل منها تقويم للرد الإيراني، وعلى أساس ذلك تتقرَّر الخطوة التالية.
لا بدّ من التذكير بأن مشاركة الولايات المتحدة في اجتماع الدول 5 زائد واحد في ألمانيا لدرس الملف النووي الإيراني في الأسبوع الأول من شباط/فبراير ليست بالشيء الجديد، فقد سبق وشارك مساعد وزير الخارجية ويليام بيرنز في اجتماع مماثل عقد في جنيف العام 2008، وقد كانت المرة الأولى التي يشارك فيها مسؤول أميركي مع مسؤولين إيرانيين لبحث الملف النووي.
الصفقة الكبرى
يتساءل الخبير الاستراتيجي أنتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن حول سرعة الحوار بين طهران وواشنطن حيث يتوقَّع أن يكون "بطيئًا ولن تكون نتائجه فورية" وذلك بسبب تعقيدات القضايا المطروحة على الطاولة وفي مقدمها الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى الوضع في العراق وأفغانستان والشرق الأوسط وخصوصًا العلاقة القائمة بين طهران وحزب الله وحماس.
ويعتبر كودسمان أن لا داعي لإستعجال الأمور، فالحوار بين واشنطن وطهران قائم ومستمر وعلى عدَّة محاور مثل الأمم المتحدة وفي اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمات دولية أخرى. إن الاتصالات قائمة ويدرك الطرفان أهمية ما يتحدثان عنه لكن الاختلافات بينهما كبيرة ولا يمكن حلها بالعصا السحرية. ويتحدَّث الطرفان، الأميركي والإيراني، الآن عن ضرورة البحث لتحقيق "الصفقة الكبرى" بينهما الأمر الذي. يتطلَّب أن يسعيا لتقليب مختلف الخيارات المتاحة. وهذا يفرض أكثر من الحوار من أجل الحوار.
ويضيف كوردسمان أنه من الممكن التحرك قدمًا في العلاقات الأميركية – الإيرانية من خلال اعتماد البراغماتية السياسية التي تعني استعداد الجانبين لتقديم تنازلات والقبول بحلول وسطى. لكنه يبقى من الصعب التنبؤ بسرعة التحرك حيث يبقى من المرجَّح أن يبقى التقدم بطيئاً ومحدود النتائج.
يبدو بوضوح أن الولايات المتحدة تسعى لعقد صفقة كبرى مع إيران، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال عدم ممانعتها إشراك إيران بمؤتمر دول الجوار لأفغانستان والتي تعتبر من القضايا الكبرى في الأجندة الأميركية في عهد الرئيس أوباما. وتؤكد المعلومات الصادرة عن القيادات الأميركية أن رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مايكل مولن وقائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس يرحِّبان بدعوة إيران للمشاركة في مؤتمر جوار أفغانستان(12).
يمكن لإيران أن تضطلع بدور مهم في البحث عن الاستقرار داخل أفغانستان ولكن يبقى من الصعب، لا بل المشكوك به، أن تقدم إيران تنازلات في إفغانستان من دون ربطها بالموقف الأميركي حول القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
تدرك القيادتان الأميركية والأوروبية أهمية اعتماد مقاربة أقليمية لتحسين الوضعين السياسي والأمني داخل أفغانستان، وأن عودة الاستقرار لا يمكن أن تقوم على العامل العسكري. من هنا تبرز أهمية البحث عن حلول على المستوى الإقليمي وبمشاركة الهند وباكستان وإيران ودول وسط آسيا، وأيضاً الصين وروسيا. ومن هذا المنطلق ستتم دعوة إيران للمشاركة في الاجتماع الدولي حول أفغانستان والذي سيعقد في الربيع المقبل.
لا يتوقَّع جون الترمان، رئيس قسم الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، حدوث اختراق سريع وكبير في العلاقات بين طهران وواشنطن. ويستبعد حدوث لقاء بين رئيس إيراني والرئيس الأميركي خلال هذه الفترة التمهيدية لإعادة بناء العلاقات بين البلدين. لكن هل يجلس مسؤولون أميركيون مع مسؤولين إيرانيين وجهاً لوجه في المرحلة المقبلة؟ الجواب نعم. فقد سبق وحدث ذلك في عهد بوش وليس هناك من سبب أن لا يحدث ذلك في ظل إدارة أوباما. سيأتي وقت يجلس فيه الرئيس أوباما وجهاً لوجه مع رئيس إيراني ولكن من المرجح وفق راي بعض الخبراء الأميركيين أن لا يكون الرئيس أحمدي نجاد.
يرغب الطرفان الأميركي والإيراني في تحقيق "صفقة كبرى" تحل من خلالها جميع القضايا العالقة بينهما. لكن التعقيدات القائمة لا تبشّر بإمكان إيجاد حلول سريعة لها جميعًا. ومن المؤكد أن إدارة أوباما تضع في رأس أولوياتها إيجاد حل للبرنامج النووي الإيراني، وهي تعلم أن الوقت يشكل عاملاً أساسيًا، حيث من الممكن أن تصل إيران في برنامجها النووي إلى نقطة اللاعودة خلال عام أو عامين بحيث تتمكَّن من إنتاج كمية كافية من الوقود النووي لصنع أول سلاح نووي.
تدرك إيران حقيقة الموقف الأميركي وتركيزه على التوصل إلى حل للمشروع النووي وخصوصًا ما يعود لمطلب وقف عمليات تخصيب اليورانيوم، لذلك من المرجح أن تعمل على كسب الوقت من خلال إطالة أمد المفاوضات حول هذه القضية وقد نجحت خلال خمس سنوات في خوض غمار هذه المواجهة مع الثلاثية الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي داخل مجلس الأمن الدولي، كما قاومت كل العقوبات والضغوط الأميركية بما فيها التهديدات باللجوء إلى الخيار العسكري.
مفاعيل الانفتاح على مسار الأزمات والقضايا الإقليمية.
يبدو من خلال تحليل المواقف الأميركية والإيرانية، في ما يعود للدخول في عملية تفاوضية جدية تحل كل الخلافات القائمة بين البلدين أن الظروف والعناصر الموضوعية لم تنضح بعد، وأن واشنطن وطهران ما زالتا تدرسان احتمالات النجاح والفشل. تؤشر التباينات حول عملية الانفتاح وتوقيتها إلى مدى إدراك المسؤولين الأميركيين المخاطر التي يمكن أن تترتَّب على فشلها وذلك بسبب طبيعة الترابط والعلاقات المعقَّدة بين مختلف القوى والديناميات الإقليمية، بالإضافة إلى صعوبة التنسيق بين مختلف وجوه ومسارات الاستراتيجية الأميركية الكبرى تجاه منطقة جنوبي – غربي آسيا ومنطقة الشرق الأوسط.
سيترك الانفتاح الأميركي على إيران تأثيرات ومفاعيل على مجمل المسائل والقضايا الإقليمية، كما أنه سيؤثر على علاقات الولايات المتحدة مع الدول العربية في منطقة الخليج والمشرق العربي.
سيكون لسياسة الانفتاح تأثير مباشر على مسار المفاوضات السلمية، كما أنها ستؤثر على مستقبل العراق وعلى سرعة تنفيذ القرار الأميركي للإنسحاب منه. يمكن أن تستغل إيران انسحاب القوات الأميركية من أجل فرض نفوذها على العراق، وفرض نظام من الهيمنة الأمنية على غرار ما كان سائدًا في لبنان في فترة الوصاية السورية. ستترك سياسة الانفتاح على إيران مفاعليها على مسار الحد من التسلح وضبط نزعة الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم.
لا بد أيضًا من دراسة مفاعيل الانفتاح الأميركي على مسار الحرب على الإرهاب وذلك في ظل اتهام إيران بالضلوع في تعاطي الإرهاب وتشجيعه في كل من العراق وأفغانستان، وخصوصًا على ضوء الاتهامات السعودية الأخيرة لإيران بإيواء 35 مطلوبًا سعوديًا شوهدوا يتنقلون بين إيران وافغانستان.
نستعرض فيما يأتي مفاعيل الانفتاح الأميركي على مجمل القضايا الإقليمية الرئيسة.
أولاً : تأثير الانفتاح على العراق
شكَّل الاحتلال الاميركي للعراق خلال السنوات الخمس الماضية أحد ابرز عوامل الاختلاف بين مختلف الديناميات الأساسية في المجتمع الاميركي وخصوصًا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. لم يكن الاختلاف مقتصرًا على ضرورات شن الحرب بل تعدَّاه ليشمل الطريقة التي عالجت بها إدارة بوش تداعيات تلك الحرب، وزيادة عدد القوات الاميركية، والاستراتيجية الأمنية المتبعة وعلاقات أميركا مع مكوِّنات الشعب العراقي ومع دول الجوار. وامتد النقاش ليشمل المستقبل، وخصوصًا لجهة تحديد الفترة الزمنية للانسحاب من العراق. وشكَّل البند الاخير أحد أبرز العناوين للنقاشات في اثناء الحملة الانتخابية الرئاسية والتي فاز بها باراك أوباما ليصبح الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة .
وعد الرئيس أوباما في اثناء معركته الانتخابية بالانسحاب من العراق خلال فترة ستة عشر شهرًا .
والآن وبعد انتخابه وتسلُّمه مقاليد الرئاسة لا بدّ له من الانتقال من النقاش السياسي الى العمل الواقعي والتطبيقي "حيث لا يشبه منظر روما من فوق منظرها من تحت"
صحيح أنه قد تحقَّق في السنة الأخيرة بعض التقدم في مسيرة تفعيل الحكم العراقي، وفي إعادة بناء القوات المسلَّحة والأمنية، بحيث أصبح من الممكن تكليفها مهمة تحقيق الاستقرار والأمن في أكثر من محافظة. لكن هذا لا يعني توافر صلابة القرار السياسي وتماسك بنية الدولة في مواجهة كل الضغوط التي يمكن أن يتعرَّض لها العراق من الداخل والخارج في حال انسحاب القوات الاميركية بشكل كامل في خلال سنتين او ثلاث سنوات. لكن يمكن للولايات المتحدة في حال استمرار النزعة الراهنة للتطورات السياسية والأمنية أن تسحب تدريجًا عددًا من الألوية المقاتلة من العراق واستعمالها في تدعيم الحكم والاستقرار في أفغانستان. لا بدّ من اعتماد الحذر الشديد في تنفيذ هذه العملية، حيث يمكن أن يجد فيها خصوم أميركا المناسبة لإعادة شن هجمات داخل العراق سواء من خلال تسلل جماعات إرهابية عبر الحدود أو من خلال إعادة تنظيم بعض التنظيمات شبه العسكرية وأبرزها متفرِّعات جيش المهدي وغيره من الجماعات التي كان لها ارتباطات عبر الحدود وخصوصًا مع إيران.
على ضوء التطورات التي يمكن أن يشهدها المسرح العراقي بعد تنفيذ الانسحابات الأميركية "التدريجية" ويقتضي أن يعتمد العراق والولايات المتحدة استراتيجيات أمنية جديدة تتناسب مع تطور طبيعة الصراع مع القوى الساعية الى تعبئة الفراع الحاصل. يجب أن لا يرتبط الانسحاب الأميركي التدريجي بالتحسن الطارئ على الوضع الأمني داخل العراق فقط، بل يجب أن يراعي أيضًا تطور الوضع السياسي سواء لجهة التأكد من تماسك العراق وتأمين استمرار وحدة الدولة، أو لجهة ضمان استمرار العملية الديمقراطية وصقلها، وقد يتطلَّب ذلك استمرار الدعم الأميركي لفترة عمليتين انتخابيتين متتاليتين. يمكن أن ينتج عن العملية الانتخابية المقبلة نكأ بعض الجروح القديمة أو التسبُّب بصراع قوي بين الأحزاب والقوى العلمانية وبين القوى الدينية، والتي ستشعر بتهديد وجودي إذا استمرّت موجة الخسائر التي أشَّرت إليها الانتخابات المحلية في المحافظات مؤخرًا .
تشير كل المعلومات المتداولة في واشنطن إلى أن الرئيس أوباما لن يبدأ عملية الانسحاب من العراق قبل أوائل العام 2010، وتستكمل تدريجًا خلال فترة قد تمتد الى النصف الأول من العام 2011، على أن لا يتعدَّى حجم القوات المنسحبة نصف القوى المنتشرة على أرض العراق، وذلك ضمن خطة لا تفسح في المجال لانتكاسات سياسية أو أمنية في العراق أو في منطقة الخليج. لن يكون من الحكمة أن يُقدم أوباما على تنفيذ انتخابات سريعة من العراق. إن صيانة الأمن والاستقرار وحماية " المكاسب الديمقراطية" تفترضان استمرار الدعم الأميركي السياسي والأمني لسنوات عديدة مقبلة(13).
يفترض أن تدرك إيران أهمية الانسحاب التدريجي بالنسبة إلى إدارة أوباما، لأن ذلك يمثِّل أول انتخاب يمكن أن يخضع له في سياسته الخارجية، وسيترتَّب على نجاح تنفيذ الانسحابات أو فشلها وفق البرنامج الذي وعد بتطبيقه أوباما في إبان حملته الانتخابية حجم المبادرة التي يمكن أن يعتمدها تجاه إيران.
سيتوقَّف على النشاط الإيراني داخل العراق مستوى الاطمئنان الأميركي إلى نوايا إيران للدخول في مفاوضات جدية مع الولايات المتحدة، وأيضًا إلى مدى تعاونها في البحث عن نظام إقليمي تعاوني، وبالتالي تخلِّيها عن نزعة الهيمنة التي تحاول أن تمارسها على دول الجوار.
إذا حاولت إيران استغلال الانسحاب الأميركي من العراق لفرض نفسها كلاعب كبير قادر على التلاعب بأمن الخليج وأمن العراق ولبنان وغزة فإن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة سيرفضون هذا الدور الذي تريده إيران لنفسها على حساب أمنهم ومصالحهم، وسيطالبون الولايات المتحدة باتخاذ موقف صارم منها. وقد يؤدي ذلك إلى تبدّل في الاستراتجية الأميركية تجاه إيران، ووقف عملية الانفتاح والحوار والانتقال تدريجًا إلى خيارات أخرى كتلك التي كانت معتمدة في عهد جورج بوش.
سيشكل العراق في الفترة المقبلة حقل اختبار للدور الذي تسعى أن تضطلع به إيران على مستوى المنطقة، فإذا كانت طهران مستعدة لمواجهة الانفتاح الأميركي بإيجابية فإن عليها أن تعيد النظر في تعريف دورها داخل العراق وفي لبنان وفلسطين وأفغانستان، مع إدراك أهمية المصالح الأميركية في مختلف هذه المناطق، وفي الخليج، بالإضافة إلى مجريات الحرب على الإرهاب.
ويجدر بالسلطات الإيرانية أن تدرك بأن الانفتاح الأميركي عليها لا يعني تحت أي ظروف تخلِّي الولايات المتحدة عن مصالحها في العراق التي يبدو أن عمقها سيفرض على إدارة أوباما إعادة النظر بشأن الوعود التي أطلقها الرئيس في إبان حملته الانتخابية وتعهده الانسحاب خلال ستة عشر شهرًا .
ترتبط "الصفقة الكبرى" من وجهة النظر الإيرانية بمدى قبول أوباما للدور الإيراني على المستوى الإقليمي. لا تبحث إيران كما يظن البعض في واشنطن عن ضمانات لأمنها ولكنها تريد اعترافًا أميركيًا بالدور الكبير الذي ينطلق من عناصر القوة التي تمتلكها. إذا أظهرت إدارة أوباما عن رغبتها في قبول هذا الدور، فإن إيران ستكون مستعدة لتقديم تنازلات في لبنان وفلسطين وتجاه إسرائيل مقابل التأكيد على دورها في العراق والخليج(14).
في المقابل تؤكد مصادر الإدارة الأميركية الرغبة في الانفتاح على إيران من موقع قوة من خلال اعتماد خطوات مترابطة، ومتدرِّجة ومتوازية، وقد يستدعي ذلك اعتماد مقاربة تتكامل فيها سياسة الحوار مع التهديد بالعودة الى سياسة العقوبات. ويقتضي أن تكون رسالة أوباما إلى إيران بأن سياسة التقارب معها لن تكون على حساب العراق وأمنه واستقلاله كما أنها لن ةكون على حساب العراق وأمنه واستقلاله.كما أنها لن تكون على حساب الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة(15).
ثانيًا: مفاعيل الانفتاح على العملية السلمية.
تحولت عملية السلام بين العرب وإسرائيل بعد سبع سنوات من الإهمال المتعمَّد لإدارة جورج بوش إلى رأس أولويات إدارة أوباما الذي سارع إلى تعيين السناتور السابق جورج ميتشل كمبعوث خاص مفوَّض من قبل الرئيس القيام بكل ما يلزم من اتصالات وخطوات من أجل إعادة إطلاق العملية التفاوضية بزخم وبدعم أميركي كامل. ويبدو أن الرئيس أوباما قد أدرك المخاطر المترتِّبة على تداعيات الوضع الميداني في غزَّة، وعلى التطورات الإقليمية وخصوصًا المواجهة السياسية القائمة بين المحور الإيراني – السوري المدعوم من قطر ومحور الاعتدال العربي بقيادة مصر والمملكة العربية السعودية والمدعوم أميركيًا. يُنبئ مجمل التطورات فلسطينيًا وإسرائيليًا، بدفع الأمور نحو حافة الهاوية بحيث تتحوَّل قضية إنشاء الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية خيارًا مستحيلاً وغير قابل للتطبيق على الأرض. وسيؤدي فشل إدارة أوباما أو تأخرها في شق الطريق لمعاودة العملية التفاوضية بين إسرائيل والفلسطينيين، وإحراز تقدم ملموس على طريق الحل، إلى الإضرار بالمصالح الأميركية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، حيث يشكل السلام مسألة محورية لا تقتصر مفاعليها على مستقبل إسرائيل والشعب الفلسطيني والدول المجاورة لفلسطين بل يتعدَّاه ليشكِّل أرضية أساسية لمجمل علاقات الولايات المتحدة بالدول العربية والإسلامية.
سيكون من نتائج فشل أميركا في قيادة مفاوضات مثمرة حدوث تساقطات سلبية تولِّد مجموعة جديدة من التحدِّيات الاستراتيجية والأخلاقية والتي لا تخدم موقع أميركا وسياستها الخارجية. من هنا تبرز أهمية المهمة التي يضطلع بتنفيذها السيناتور ميتشل، وفقًا للأولوية التي حدَّدها الرئيس أوباما والتي تقف على طرف نقيض مع سياسات الرئيس جورج بوش خلال سبع سنوات من ولايته.
تشكل عملية السلام على المسار الفلسطيني القضية الأكثر سخونة على أجندة الرئيس أوباما الشرق أوسطية: هناك قضية الوجود الأميركي في العراق والمعضلة النووية مع إيران وقضية الحرب على الإرهاب وملاحقة فلول تنظيم "القاعدة" بالإضافة إلى مسألة أمن الطاقة واسعارها.
تترابط كل هذه القضايا بعضها مع البعض الآخر. وهناك تأثيرات سلبية أو إيجابية مباشرة في ما بينها. وأي تأخير في العمل المتزامن على مختلف المسارات سيؤثر سلبًا على المصالح الأميركية في المنطقة وعلى أمن العراق ولبنان وفلسطين واستقرارها. يبدو لأول وهلة أنه لا يمكن تحديد آثار أي تأخير أو عرقلة تحصل على مسار عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن ردود الفعل العربية على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة خلال كانون الثاني/يناير 2009 تؤكِّد مدى حساسية الشعوب العربية والإسلامية من تأخر السياسة الأميركية في ضبط الاستعمال الإسرائيلي المفرط للقوة العسكرية وفي تخلُّف الإدارة الأميركية عن ممارسة الضغوط اللازمة على إسرائيل للإنسحاب من الأراضي الفلسطينية، تمهيدًا لإعلان الدولة الموعودة. ويبدو من التطورات المتلاحقة أن الوقائع على أرض الواقع باتت تهدد خيار الدولتين الذي أطلقه الرئيس بوش وتلتزمه إدارة أوباما بناءً على آخر التصريحات التي أدلى بها السيناتور ميتشل في إبان زيارته الأولى للمنطقة.
لا يكفي للرئيس أوباما أن يُعيّن موفدًا خاصًا بقضية السلام الإسرائيلي – الفلسطيني، حيث أن حرج الأوضاع الراهنة يستدعي إطلاق مبادرة أميركية واسعة تعمل بشكل مترابط على عدة مسارات بحيث تربط ما بين المسار الفلسطيني – الإسرائيلي والمسارات لحل القضايا الأخرى وفق استراتيجية أميركية شاملة تتجاوب مع الوعود التي أطلقها الرئيس أوباما في أثناء حملته الانتخابية وفي خطبه وتصريحاته بعد توليه الرئاسة.
لا بد من الاعتراف بأن حل الصراع العربي – الإسرائيلي لن يحل مجمل مشاكل المنطقة، لكن من الخطأ التقليل من أهمية تحقيق السلام على الإزدهار والاستقرار في المنطقة، وعلى العلاقات الأميركية – العربية. يشكل السلام قضية مركزية لإسرائيل وللفلسطينيين ولسوريا ولبنان، كما يحتل أهمية خاصة بالنسبة إلى كل من مصر والأردن(16).
يشكل الصراع العربي – الإسرائيلي المرآة التي تعكس صورة قاتمة عن السياسة الخارجية الأميركية، وهي تؤثر بصورة سلبية جدًا في الرأي العام العربي. كما يشكل أيضًا الدوافع الأساسية لعسكرة المجتمعات العربية، وللتطرف الديني وما ينتج عنه من نشاطات جهادية تؤدي في غالب الأحيان إلى اعتماد الإرهاب كوسيلة للثأر على الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني(17).
تستغل إيران الصراع العربي – الإسرائيلي من أجل الدخول كلاعب أساسي على المستوى الإقليمي، وتوصَّلت بالفعل إلى الهيمنة على مجريات الأمور على جبهتين مع إسرائيل هما الحدود مع لبنان والحدود مع قطاع غزة. وتبرز الحاجة ملحة إلى احتواء هذا المد الإيراني بإتجاه هذا الصراع، وإن نجاح ذلك يرتبط بنجاح الإدارة الأميركية في إحراز تقدم ملموس على المسارين السوري والفلسطيني.
يؤثر استمرار الصراع على استقرار أنظمة الحكم في عدد من الدول العربية بما فيها مصر والدول الخليجية ولبنان والأردن. وإذا كانت هذه الدول قد نجحت في احتواء نقمة شعوبها، ولكن تبقى النتيجة المباشرة لعملية الاحتواء متمثلة في توسيع الفجوة ما بين الحكومات والشعوب، والذي سينتج عنه نزعة ودعوة قوية إلى عسكرة المجتمعات العربية ما يهدِّد الاستقرار العام، كما المصالح الأميركية في المنطقة(18).
تسعى الولايات المتحدة لحل قضية وجودها العسكري في العراق، مع حرص واضح على احتواء التداعيات التي يمكن أن تحدث نتيجة انسحاب قواتها من هذا البلد. إن نجاح المبادرة السلمية التي يقودها ميتشل سيؤدي حتمًا إلى تعاون عربي واسع لإنجاح الخطة الأميركية للإنسحاب من العراق. من الواضح أن التوصل إلى سلام شامل وعادل سيغيّر جميع عناصر البيئة الجيو – استراتيجية في المنطقة، وسيفسح في المجال أمام تحالفات وتفاهمات سياسية تساعد على إنجاح المبادرة الإميركية للإنفتاح على إيران.
ستدعم عملية السلام وبلوغها هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الجهود الأميركية في الحرب على الإرهاب، بما فيها العمليات الخاصة ضد تنظيم "القاعدة"، حيث يتوقع أن يتسبب مثل هذا الإنجاز في تغييرات جذرية على مستوى الرأي العام العربي والإسلامي.
من المفترض أن توسع إدارة أوباما مبادرتها الدبلوماسية لتشمل عدة محاور ومسارات مع التركيز على عملية السلام وإتخاذ خطوات سريعة لتحقيق التقدم المطلوب وأبرزها.
- دعم البادرة المصرية وكل الجهود الأخرى الرامية إلى رأب الصدع السياسي والتنظيمي الحاصل بين منظمة التحرير وحماس. إن استمرار هذا الانقسام سيمنع إجراء انتخابات فلسطينية جديدة تؤمن سلطة متماسكة قادرة على أن تكوّن الشريك اللازم في عملية السلام.
- بذل اقصى الجهود (مع مختلف الأطراف) من أجل تثبيت وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ودعم مساعي الرئيس عباس لإقامة حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حماس.
- دعم الموقف العربي الذي تقوده مصر والسعودية، والذي تجلَّى في مؤتمر وزراء الخارجية لتسع دول عربية في أبو ظبي في 3 شباط/فبراير 2009 للوقوف في وجه النفوذ الإيراني ومساعيه للتخريب على وقف النار في غزة، ومنع أي جهود مثمرة لمصالحة فلسطينية وللتقدم في عملية السلام.
- الضغط على إسرائيل لوقف عمليات الاستيطان المستمرة سواء لجهة توسيع المستوطنات القائمة أو إقامة مستوطنات جديدة.
- دعم المباردة التركية للتوسط بين سوريا وإسرائيل، والإسراع في بدء الحوار مع سوريا تمهيدًا للإنتقال إلى مفاوضات سورية – إسرائيلية مباشرة.
- تحضير الخطط اللازمة لعقد مؤتمرين إقليميين يهدف الأول إلى قيام تعاون اقتصادي وإنمائي، ويؤسس الثاني لقيام تعاون أمني يحقق الاستقرار والهدوء.
إن أخطر ما تواجهه سياسة أوباما تجاه المنطقة يتمثَّل في محاولة إسرائيلية جادَّة لتخريب مشروع الدولتين من خلال تسريع عمليات الاستيطان بحيث تولِّد واقعًا يستحيل معه إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقادرة على الاستمرار. تعتمد اليوم إسرائيل تجاه الفلطسينيين سياسة تمييز "عنصري" وعزل، وتُسمع أصوات عديدة تطالب بطرد الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن.
سيجد ميتشل نفسه عاجلاً أم آجلاً مطوقًا بواقع المستعمرات على الأرض وبالمطالب الإسرائيلية للتخلي عن خيار الدولتين واعتباره ميتًا. وهذا ما دفع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز للتصريح مؤخرًا بأن أي محاولة لإخلاء المستعمرات ستؤدي إلى حرب مدنية داخل إسرائيل.
سيؤدي مثل هذا المنطق إلى عرقلة مهمة ميتشل وإفشالها في تدعيم وقف النار كمقدمة لمعاودة مفاوضات السلام على المسار الفلسطيني. وسينتج عن العراقيل التي ستضعها إسرائيل في طريقه إلى تأخير مبادرة الرئيس أوباما تجاه المنطقة مع كل ما يمكن أن يترافق ذلك من تعقيدات وتساقطات تهدد النفوذ والمصالح الأميركية الحيوية بما فيها الإنسحاب من العراق، وأمن الخليج والانفتاح على إيران من أجل احتواء برنامجها النووي.
لا بد من أن تعتمد إدارة أوباما موقفًا صارمًا من هذه المحاولات الإسرائيلية لإخراج قطار الدبلوماسية الأميركية الجديدة عن سكته.
إن المحاولات الإسرائيلية للعرقلة تصبُّ حتمًا في صالح السياسة الإيرانية سواء لتخريب عملية السلام أو لليهمنة على المنطقة العربية، وسيكون نجاح إيران في تحقيق أي من هذين الهدفين على حساب المصالح الأميركية وعلى حساب سيادة حلفائها من دول الاعتدال العربي ونفوذهم.
ثالثًا: تأثير الانفتاح على الانتشار النووي
فشلت كل الجهود الأميركية والدولية لوقف البرنامج النووي الإيراني، ونجحت إيران في استيعاب كل الضغوط ونظام العقوبات الدولي، واستمرت في تطوير قدراتها التكنولوجية وخصوصًا في مجالي تخصيب اليورانيوم وتطوير صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية. لكن، ولأسباب تقنية، ما زالت إيران على بعد زمني يراوح ما بين سنة وثلاث سنوات عن صنع اليورانيوم العالي التخصيب اللازم للقنبلة.
يعتقد الخبراء بإن إيران ما زالت تواجه بعض العقبات في برنامج تخصيب اليورانيوم بواسطة عمليات الطرد المركزي، ما يتيح للرئيس أوباما الوقت اللازم لتطوير مبادرة ديبلوماسية بإتجاهها من أجل إقناعها بالتخلي عن دورة صنع الوقود النووي. ويبدو أن الإعداد لهذه المبادرة يشكل عملية بالغة التعقيد حيث تتطلَّب أن تُعِدَّ واشنطن ملفاتها حول مختلف القضايا العالقة مع إيران كالعراق وأفغانستان وأمن الخليج والصراع العربي – الإسرائيلي وقضيتي سلاح حزب الله وحماس، بالإضافة إلى قضايا الإرهاب حيث تتهم إيران بإيواء جماعات من القاعدة، وبتشجيع نشاطات إرهابية متنوعة. وتريد واشنطن أن تناقش كل هذه القضايا مع إيران مباشرة. أما مسألة البرنامج النووي الإيراني فإن الولايات المتحدة ترغب في مناقشتها ضمن مفاوضات دولية تضم المجموعة الثلاثية الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) زائد ثلاثة وذلك بإنضمام روسيا والصين والولايات المتحدة. ويشكِّل هذا الإطار التفاوضي فرصة مشابهة للمبادرة التي اعتمدت في المفاوضات مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي(19).
تأمل الولايات المتحدة أن ترسم إطارًا أكثر فاعلية مع المجموعة الثلاثية الأوروبية، كما تأمل أن تتوصَّل إلى تفاهمات مع روسيا والصين لضمان مساندتهما لأي ضغوط أو عقوبات يمكن اعتمادها لإجبار إيران على وقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم. ويسود اعتقاد لدى إدارة أوباما (من خلال النقاش البطيء والهادىء لمختلف الخيارات) بأنه يمكن التوصل إلى أقناع إيران بالتخلي عن عمليات التخصيب إذا شعرت بأن روسيا والصين تتخليان فعلاً عن مساندتها أو حمايتها في مواجهة العقوبات.
لكن لا بد من التساؤل عن الأثمان التي يجب أن تدفعها واشنطن لكل من موسكو وبكين لقاء ذلك؟
يبقى السؤال الأبرز: ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل إذا فشلت المبادرة الدبلوماسية القائمة على الثلاثية الأوروبية زائد ثلاثة؟
في الواقع لا يمكن ضمان نجاح هذه المقاربة حتى لو تعاونت كل من روسيا والصين بصدق مع الولايات المتحدة وأوروبا خصوصًا في ظل تأكيدات القيادات الإيرانية المستمرة على أنه لا تراجع عن حق إيران في امتلاك كامل دورة التكنولوجيا النووية. لقد حوّلت القيادات الإيرانية من خلال اصرارهاعلى امتلاك هذه التكنولوجيا المشروع النووي إلى مشروع وطني يحظى بدعم شعبي شامل، ومن هنا فإنه لا يمكن لأي رئيس أو حكومة متشددة أو إصلاحية المساومة على مثل هذا الثابت الوطني.
ستواجه إدارة أوباما في مثل الحالة خيارات صعبة:
الخيار الأول: أن تقبل واشنطن بامتلاك إيران للقدرة التكنولوجية النووية الكاملة مقابل وضع قيود لجهة بناء إيران للسلاح النووي، وذلك على غرار الوضع القائم مع كل من ألمانيا واليابان حيث تمتلكان القدرات التكنولوجية من دون وجود إرادة لصنع أسلحة نووية.
الخيار الثاني: إذا فشلت المساعي لإقناع إيران بعدم صنع السلاح النووي فإن على الولايات المتحدة أن تقوم بخطوات حاسمة في أكثر من اتجاه. يمكن أن تلجأ (قبل وصول إيران إلى إنتاج كميات كافية من الوقود لصنع السلاح النووي) إلى شن هجوم عسكري من أجل تدمير المنشآت النووية الهامة داخل إيران. ويلِفُّ هذه العملية أجواء من الشك والغموض بسبب صعوبة تحقيق نجاح مضمون أو بسبب ما تتسبَّب به من تداعيات سياسية واستراتيجية قد تؤدي إلى توسيع النزاع ليشمل منطقة الشرق الأوسط وجنوبي غربي آسيا.
في مثل هذه الحالة لا بدّ من أن تخاطب الولايات المتحدة الدول المجاورة وإقناعها بعدم اللجوء إلى تطوير برنامج نووي خاص بها، لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة الانتشار النووي، والذي سيزيد من احتمالات عدم الاستقرار مع مخاطر حدوث مواجهة نووية ومستقبلية.
الخيار الثالث: أن تقبل الولايات المتحدة بإيران نووية، وأن تعمل على تصحيح الاختلال الحاصل في ميزان القوى الإقليمي بتقديم مظلة نووية أميركية لدول المنطقة، بما يجعل السلاح النووي الإيراني من دون أي مفاعيل هجومية أو كقوة رادعة.
لن يكون من السهل إقناع حلفاء أميركا من العرب المعتدلين كمصر والمملكة العربية السعودية القبول بإيران نووية بالإضافة إلى إسرائيل نووية، وإذا قبلوا فإنه سيكون ضمن تفاهمات مؤقتة تعطي الفرصة الزمنية لمعالجة هذا الخلل الكبير في موازين القوى بالعمل الدبلوماسي أو بالمساعدة على تطوير برامج نووية خاصة بهم.
لكن تبقى المعضلة الأساسية التي ستواجهها إدارة أوباما بما يمكن أن تكون عليه ردود الفعل الإسرائيلية ضد إيران حيث يرجح أن تقوم إسرائيل بتنفيذ ضربة جوية ضد بعض الأهداف الأساسية داخل إيران، مع كل ما يترتب على ذلك من مخاطر توسيع النزاع وتحويله إلى نزاع إقليمي واسع(20).
سيكون لإمتلاك إيران السلاح النووي مفاعيل استراتيجية وأمنية تؤثر على استقرار المنطقة، حيث يمكن أن تلجأ إيران إلى ابتزاز جيرانها من خلال فائض قدراتها التدميرية، ولكن من دون أن يصل ذلك إلى درجة التهديد المباشر. وإن النتيجة الطبيعية لمثل هذا الابتزاز ستكون من خلال زيادة سباق التسلح، بما في ذلك السلاح النووي(21).
تفتقد الديبلوماسية الأميركية للمصداقية، وستتهم حتى من حلفائها العرب باعتماد مكيالين في معالجة موضوع إيران النووية إذا استمرت في السكوت على الترسانة النووية التي تمتلكها إسرائيل.
أمام مثل هذا الفشل في الحالتين الإيرانية والإسرائيلية فإنه لا يبقى أمام الولايات المتحدة من خيار بديل لإعلان وضع مصر ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق تحت المظلة النووية الأميركية كخطوة ضرورية لتصحيح الخلل في ميزان القوة الإقليمي.
ويبقى السؤال المطروح: هل يمكن أن تقبل إسرائيل بمثل هذه الخطوة الأميركية والتي من شأنها تعطيل مفاعيل الردع لقوتها النووية تجاه الدول العربية؟
من الصعب الإجابة على هذا السؤال، وهو لا يشكل عنواناً أساسياً في هذا البحث.
رابعًا: مفاعيل الانفتاح على الحرب على الإرهاب
ترتدي متابعة الحرب على الإرهاب أهمية خاصة بالنسبة إلى الإرادة الأميركية السابقة والراهنة، ومن هذا المنطلق لا يمكن لإدارة أوباما أن تعتمد أي مقاربة جديدة في سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط على حساب الحرب على الإرهاب وذلك نظرًا إلى التهديدات الكبيرة والمستمرة التي يواجهها الوجود الأميركي في العراق وأفغانستان بالإضافة إلى المصالح الأميركية الواسعة الانتشار. ما زال الإرهاب يشكل تهديدًا خطيرًا قادرًا على إزهاق حياة عدد كبير من الناس أو تدمير أهداف حيوية، بالإضافة إلى هدم قواعد الثقة بين الشعب والسلطة(22).
يبقى العنصر الأكثر خطورة متمثلاً في نجاح الجماعات الإرهابية الشرق أوسطية في شن هجوم كبير داخل الولايات المتحدة أو ضد تجمعات أميركية في الخارج، وأن يؤدي الهجوم إلى خسائر بشرية كبيرة حيث ستجد الإرادة الأميركية في مثل هذه الحالة نفسها مجبرة على الرد على قواعد هذه الجماعات أينما وجدت، من دون التقيُّد بأي ضوابط قانونية أو سياسية أو إنسانية من دون الأخذ بالاعتبار أي تداعيات لاحقة. يمكن أن يتسبب الرد الأميركي على أي عملية إرهابية بضغوط داخل الولايات نفسها، كما سينتج عنه ضرر مؤكد على علاقات أميركا مع عدد من الدول، وسيترتب عليه أيضًا إضعاف الموقف الأميركي تجاه المجتمع الدولي.
يمكن الاستنتاج بأن الحرب على الإرهاب ستبقى أولوية أميركية مع الحرص على خوضها ضمن ضوابط بحيث لا تتسبب بالأضرار للمصالح الحيوية الأخرى. لا يعني قرار أوباما بالانفتاح على إيران والدخول في مفاوضات حول برنامجها النووي إهمال التدخل الإيراني في شؤون العراق الداخلية، أو السكوت عن تهريب الإسلحة والمقاتلين الأغراب إلى داخل العراق. كما أن الانفتاح على إيران يجب أن لا يتسبب بأضرار لمصالح دول الجوار وخصوصًا الدول الخليجية. ولا بدّ من أن تتضمَّن أي مقاربة للانفتاح شقًا سياسيًا وأمنيًا يتعلق بدور إيران في دعم الإرهاب وتشجيعه، واستضافتها بعض قيادات القاعدة على أراضيها ومن بينها سعد أسامة بن لادن.
يجب أن تتضمَّن سياسة الانفتاح على إيران دراسة واسعة وتفصيلية حول مختلف السياسات الإيرانية التي تشجّع التطرف والإرهاب، وأشكال الدعم الذي تقدمه لهذه الجماعات. ومن أهم عناصر هذا الملف تبقى العلاقات الخاصة التي ترتبط بها طهران مع كل من حزب الله ومنظمة حماس حيث أنهما يصنفان ضمن المنظمات الإرهابية من قبل وزارة الخارجية الأميركية.
يمكن أن تلجأ إدارة أوباما إلى وضع إجراءات وشروط ضمن استراتيجيتها الجديدة لمعالجة مختلف القضايا والأزمات في منطقة الشرق الأوسط من أجل الحد من مخاطر الإرهاب ومن أبرز هذه الخطوات:
أولاً: دعم الجهود والسياسات المحلية لمحاربة التطرف والإرهاب. لا يمكن كبح الحركات الإرهابية وتدميرها خارج الجهود التي تبذلها دول المنطقة نفسها، ولكن يمكن للولايات المتحدة أن تضطلع بدور أساسي في هذا المجال وذلك من خلال الدعم المادي والمالي والتقني والاستعلامي الذي تقدمه لهذه الدول لتعزيز قدراتها على المكافحة(23).
ثانيًا: المساعدة في تطوير البرامج الخاصة ودعم خطط دول المنطقة لمحاربة التطرف ودعم ثقافة الاعتدال والتسامح. ويمكن أن تتضمن المقاربة الأميركية تجاه إيران عددًا من المطالب حول تعديل طبيعة العلاقات التي تقيمها طهران مع بعض الجماعات المتطرِّفة في عدد من الدول العربية.
ثالثًا: تبرز ضرورة توسيع الحوار الأميركي مع الدول العربية والإسلامية من أجل التأكيد على ما ورد في خطاب أوباما يوم تنصيبه بأن أميركا لا تضمر السوء للعرب والمسلمين، وبأنها ليست في حالة مواجهة مع الإسلام، وبأن المواجهة هي مع فريق من المتطرفين والإرهابيين الذين يسيئون للإسلام والمسلمين.
رابعًا: الإبقاء على مستوى كاف من الجهوزية العسكرية والإستعلامية داخل العراق منعًا لحدوث أي تطورات أمنية قد تخّرب المكتسبات التي تحققت خلال العام 2008. ويمكن انتهاز الفرصة ضمن السعي "للصفقة الإقليمية" الكبرى مع كل من إيران وسوريا للطلب إليهما وقف تدخلهما في شؤون العراق الداخلية والتزام منع عبور الإرهابيين والمقاتلين الأغراب إلى داخل العراق.
خامسًا: العمل على إيجاد الفرص لفتح حوار مع كل من حزب الله وحماس في ظل سياسة الانفتاح والحوار التي ستعتمدها إدارة أوباما مع إيران وسوريا.
سادسًا: تأمين الدعم والمساعدات اللازمة للدول الضعيفة أو تلك التي تواجه أزمات داخلية أو ضغوط خارجية كلبنان والصومال واليمن والحؤول دون تحولها إلى دول فاشلة يتفجَّر فيها التطرف وتتحوَّل إلى ملاذ آمن للإرهابيين والقراصنة.
سابعًا: العمل على ضبط السياسات الإسرائيلية القائمة على الاستعمال المفرط للقوة وعلى ممارسة إرهاب الدولة على غرار ما حدث في لبنان العام 2006 وفي غزة مؤخرًا.
يشكل التقدم في عملية السلام على المسارين الفلسطيني والسوري عنصرين أساسيين للحد من التطرف والإرهاب. إن الظلم الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني يشكل حافزًا قويًا لإشاعة مشاعر السخط والكره والضغينة لدى الإنسان العربي والذيي يدفعه مجتمعة نحو التطرف والعنف.
الخيارات والمخارج الممكنة
يبدو من التصريحات الجديدة وجود احتمال لاعتماد إدارة أوباما مقاربة إيران بدبلوماسية "محسنة" لتلك التي كانت تعتمدها إدارة بوش بطريقة "غير مباشرة" عبر الوساطة الأوروبية الثلاثية، والتي تقوم على سياسة "العصا والجزرة" وهي سياسة أثبتت فشلها خلال السنوات الخمس الماضية. تخطئ إدارة أوباما إذا اعتمدت مثل هذه المقاربة "المحسنة". فعليها إجراء تقييم بالعمق لاسترايتجيتها تجاه إيران، والبحث عن مقاربة شاملة تأخذ في عين الاعتبار تطلعات إيران إلى تأدية دور أساسي ومؤثر في أمن المنطقة واستقرارها.
يفترض أن تدرك الولايات المتحدة من خلال تقييمها هذا بأن تهديداتها بتغيير النظام في طهران، أو بضرب المنشآت النووية الإيرانية من الجو، بالإضافة إلى سياسة العقوبات والعزل لم تحقق أي نتائج تذكر، وأن إيران ما زالت مستمرة في تطوير برنامج امتلاكها للتكنولوجيا النووية، من هنا تبرز أهمية البحث عن خيارات جديدة ضمن مقاربة شاملة للبحث عن حل شامل، وذلك ضمن الأُطر الاتية:
أولاً: اعتراف إدارة أوباما بحكومة الجمهورية الإسلامية كلاعب أساسي ووحيد في تمثيل الشعب الإيراني وحكومته، والكف عن التعامل مع جميع قوى المعارضة المناوئة للجمهورية الإسلامية داخل إيران وخارجها. ويستتبع هذا الاعتراف نسج علاقات مباشرة بين إدارة أوباما ومرشد الثورة علي خامنئي بما يطمئن النظام الإيراني على نسج علاقات متبادلة بين البلدين(24).
ثانيًا: اعتماد مقاربة دبلوماسية متعددة المسارات بحيث لا يقتصر الأمر على الموضوع النووي، بل يتوسَّع ليشمل جميع القضايا المعقدة والعالقة بين البلدين منذ ما يقارب ثلاثة عقود وأبرزها: إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حل قضية البرنامج النووي الإيراني، دور إيران الأمني في منطقة الخليج والعراق، التدخل الإيراني في أزمات المنطقة الأخرى وخصوصًا في لبنان وفلسطين وأفغانستان.
ثالثًا: المستوى الدبلوماسي وتحويله إلى تفاهمات يمكن أن تخدم الجهود اللاحقة لحل مختلف القضايا. لكن يجب أن لا يعرقل عمل هذا الفريق إمكان استغلال الفرص المتاحة لاتصالات على مستوى القمة بين طهران وواشنطن.
رابعًا: تفترض هذه المقاربة الشاملة أن تطلع إدارة أوباما حلفاءها العرب على مسارات المفاوضات مع إيران، وأن تعمل على طمأنتهم بأن ما يجري لا يهدد مصالحهم الأساسية، وبأن واشنطن حريصة على الإبقاء على توازن استراتيجي يخدم مصالح الجميع.
خامسًا: لا بد من أن يترافق الانفتاح على إيران مع انفتاح أميركي على سوريا، وأن يكون ذلك كمقدمة لمفاوضات مباشرة بين سوريا وإسرائيل من أجل تحقيق اتفاقية سلام بينهما بعد انسحاب إسرائيلي كامل من هضبة الجولان. ويبدو أن المسار الفلسطيني – الإسرائيلي يحتل أولوية بالنسبة إلى إدارة أوباما، ولكن لا تكفي عملية الاتصالات التي يقوم بها الموفد الرئاسي السيناتور السابق ميتشل، فالمطلوب أن تقوم إدارة أوباما برعاية المفاوضات السلمية مع تغيير في المقاربة التي اعتمدتها إدارة بوش.
لم تطرح المسائل المعقدة والصعبة التحقيق في أثناء المعركة الانتخابية الرئاسية حول المقاربة التي يمكن اعتمادها من أجل احتواء "الخطر النووي" الإيراني. ولا يتعدَّى الطرح الذي يقدمه أوباما سوى بعض الأفكار التكتيكية، أما الجوهر الاستراتيجي فضاع في حمى المعركة الانتخابية. تبقى المسألة الأساسية مركزة حول السؤال: ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تطلب من إيران؟ وما هي حدود التنازلات الأميركية للتوصل إلى تسوية إذا رفضت إيران المطالب الأميركية الأولية؟
يرى ستيفن رادمايكر وهو مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الحد من التسلح والانتشار النووي بأن "العرض الأميركي الأول هو أمر متوقع بالكامل: تبدأ إدارة أوباما العملية التفاوضية بالطلب من إيران وقف جهودها لتخصيب اليورانيوم والتزام مضمون قرار مجلس الأمن الدولي المتخذ في تموز/يوليو 2006 والذي جرى التأكيد عليه مرات عديدة، والذي شكَّل الأساس الذي ارتكزت عليه المفاوضات الأوروبية – الإيرانية. وكان الرئيس أوباما قد لام الرئيس بوش على عدم انضمامه إلى تلك المفاوضات.
رفضت إيران دائمًا جميع الطروحات الأوروبية والطروحات الدولية وقد يكون من السذاجة توقع الحصول على جوب إيراني مختلف لمجرد جلوس الولايات المتحدة إلى طاولة الحوار. سترفض إيران بشكل شبه مؤكد الطلب الأميركي، انطلاقًا من حساباتها بأنها قادرة على إجبار العالم لقبول ببرنامجها لتخصيب اليورانيوم.
كيف يمكن أن يتطوَّر الموقف بعد عدة جلسات تعبّر فيها إيران عن إصرارها على استكمال عمليات التخصيب؟
من المنتظر أن يتقدم بعض الأميركيين باجتهادات للخروج من المأزق وبالتالي منع وصول المفاوضات إلى الحائط المسدود. تفترض البراغماتية أن يأخذ الموقف الأميركي بعين الاعتبار التقدم الذي أحرزته إيران في برنامجها للتخصيب ما بين العامين 2006 و2009، وبأن الواقعية تتطلب الاعتراف أيضًا بأن الوقت يعمل لصالح إيران. فلقد كانت تشغل العام 2006 مائة وأربعة وستين جهازًا للطرد المركزي، وهي تشغل اليوم أكثر من خمسة آلاف جهاز مع برنامج لزيادة عدة آلاف خلال هذا العام، ولا يبدو أنه يمكن أقناعها بوقف عملياتها ولو بصورة مؤقتة. في ظل هذه الظروف غير المؤاتية للمفاوض الأميركي لا بد من السعي للحصول على أفضل حل ممكن قبل أن تتوصل إيران إلى صنع وقود عالي التخصيب.
ما هي المخارج التي يمكن اعتمادها في عملية البحث عن حل مرضٍ بالحدود الدنيا؟
يمكن للولايات المتحدة أن تتراجع عن مطلبها بوقف عمليات التخصيب، وأن تقترح وضع البرنامج النووي الإيراني تحت رقابة دولية مشدَّدة بحيث يمكن أكتشاف أي نشاطات إيرانية لصنع السلاح النووي، وقد يتضمَّن هذا النظام السماح لإيران بتخصيب كميات محدودة من اليورانيوم مع ملاحقة صارمة لاحتسابها والاطلاع على وسائل استعمالها.
وهناك مخرج بديل سبق أن اقترحه الدبلوماسي الأميركي الأسبق طوماس بيكرينغ بالسماح لإيران بتخصيب اليورانيوم ولكن ضمن "كونسورسيوم" دولي يشرف على عمليات التخصيب.
إذا اعتمد أحد هذين الخيارين فسيكون له تداعيات كبرى على مسألة الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط، حيث ستطلب دول أخرى مثل السعودية ومصر معاملتها بالمثل. بالقياس على ذلك فقد أدّى قرار الرئيس بوش عدم معارضة المشروع الروسي لبناء مفاعل "بوشهر" للطاقة إلى مطالبة عدة دول عربية ببناء محطات مماثلة لتوليد الطاقة الكهربائية.
سيؤدي اعتماد ذلك إلى التساهل مع دول أخرى في المنطقة للعمل على إنشاء مصانع لتخصيب اليورانيوم، وستدخل منطقة الشرق الأوسط في مرحلة خطيرة من السباق على التسلح بشكل يزيد من حالة عدم الاستقرار واندلاع أزمات وحروب يصعب ضبطها.
تبرز مجموعة من الحواجز والمصاعب التي قد تعطل إمكان تنفيذ ذلك أبرزها:
- سترفض إسرائيل القبول بأي من المخرجين وذلك إنطلاقًا من قاعدة أنها لا تؤمن بقدرة أي نظام دولي على ضبط النشاط النووي الإيراني، مع إدراك تل أبيب بأن طهران قد تطلب في المقابل قبولها بهذا النظام بأن يطبق على المنشآت النووية الإسرائيلية.
- سيؤدي اعتماد مثل هذه الحلول إلى موجة واسعة من عدم التزام القيود التي فرضتها معاهدة الحد من الانتشار النووي (N.P.T) ولن يقتصر ذلك على الدول الشرق أوسطية بل سيتعداها إلى مناطق أخرى من العالم.
- هناك صعوبة كبرى لإقناع مستثمرين دوليين بالمشاركة في تطوير وإدارة منشأة ناطنز (Natanz) الإيرانية، وذلك بسبب افتقارها إلى التجهيزات الحديثة للتخصيب، وأن تجهيزها بتكنولوجيا متطوِّرة يعني إهداء إيران ما لا يمكن أن تملكه من معارف متطوِّرة خلال عقد أو أكثر.
ما هو إذن البديل؟
أمام هذه المصاعب والتعقيدات لا بد للولايات المتحدة من أن تدخل المفاوضات مع إيران على قناعة بأن المسؤولية في عدم فشل المفاوضات والتوصل إلى حل لا يشكل مسؤولية تقع على عاتقها لوحدها، وأن على إيران أن تتحمل أيضًا مسؤولية مثل هذا الفشل.
يبقى على الرئيس أوباما أن يعلم إيران بقدرته على التراجع عن كل استعداداته للتوصل إلى حل للأزمة القائمة بين البلدين، وبانه لن يتأخر في مواجهة كل التداعيات التي يمكن أن تنتج عن فشل سياسة الانفتاح والحوار.
الاستنتاجات
لا بد من أن تستعد إدارة أوباما للدخول في "مساومة كبرى" مع النظام الإيراني مع استعدادها للاعتراف بدور إيران الإقليمي، وخصوصًا لما يعود لأمن العراق والخليج، مع العمل على إيجاد حل لمعضلة تخصيب اليورانيوم التي تتمسك بها إيران. إن البحث عن حل لمعضلة التخصيب قد يستدعي توسيع المبادرة الدبلوماسية الأميركية لتشمل روسيا، حيث يبدو أنه يستحيل حل هذه المعضلة من دون تعاون وثيق مع موسكو. وهنا لا بد من أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتقديم نتازلات حقيقية في مناطق أخرى. وهنا يتبادر إلى الذهن إمكان تقديم تنازلات أميركية في موضوع الدرع الصاروخية التي تعمل واشنطن على بنائها في بعض الدول الأوروبية.
لن تقبل إيران بتقديم إي تنازلات لواشنطن لمجرّد أن تقدم لها هذه تطمينات حول أمنها، وخصوصًا لجهة عدم مهاجمة المنشآت النووية من قبلها أو من قبل إسرائيل. كما لن تكفي أي ضمانات أميركية بعدم السعي لإسقاط النظام في طهران مقابل التخلي عن عمليات تخصيب اليورانيوم. لقد تحوَّلت هذه المسألة إلى قضية وطنية، يتمسَّك بها كل مواطن إيراني. تشعر إسرائيل بالخوف تجاه ما يوفِّره الانفتاح الأميركي تجاه إيران من فرص للتوافق حول البرنامج النووي الإيراني، والذي يمثل في رأي القيادات الإسرائيلية مصدر تهديد وجودي. وستعمل إسرائيل ومعها "اللوبي الصهيوني" على تحويل فشل عملية الانفتاح وخصوصًا لما يعود للمسألة النووية إلى انطلاقة جديدة للسياسات المتشددة ضد إيران.
يبقى الخيار الأصعب والأخطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة في أن تفشل مبادرتها الدبلوماسية "المتعدِّدة الأبعاد" في الحصول على وقف لعمليات تخصيب اليورانيوم. ويقتضي الوصول إلى مثل هذا الخيار أن تبدأ الولايات المتحدة في وقت مبكّر، بدراسة كل الاحتمالات المترتبة على هذا الفشل، مع حلفائها العرب ومع إسرائيل، ضمن سياسة البحث عن حلول أخرى، بما فيها إمكان اللجوء إلى الخيار العسكري كخطوة ضرورية لوقف تحول إيران إلى قوة نووية أو تأخيره.
مراجع وهوامش
- "The Evolution of Iraq Strategy", Stephen Biddle, Michael O'hanlon and Kenneth M.Pollack, www.bwokings.edu/pagers row8/12-Middle East.
- Kayhan Barzegar,"Iran and Obama,:The Grand Bargain on Roles" originally published in Farsi, www.belfercenter.ksg.harvard. edu/publications/18720
- Suzan Rice, "Obama will use Direct Diplomacy with Iran", www.beltwayblips.dailyroder.com /story/direct_diplomacy_with_Iran,
- Kayhan Barzegan "Iran and Obama: The Grand Bargains on Roles".
- ibid.
- AFP from Tehran, January 30, "Iran's Rafsanjani urges Obama not to copy Bush". www.spacewar.com/reports /Irans-rafsanjani-urges...
- ibid.
- "Iran as a strategic threat", www.globalsecurity.org/wmd/library/report2009.
- Wall Street Journal, February 2, 2009, "Senior Democrat Snubbed by Iran in Outreach Bid", by Jay Saloman, p.9.
- الشرق الأوسط، "مصادر أميركية للشرق الأوسط.تباينات حول تعيين مبعوث لإيران" 30 كانون الثاني/يناير 2009
- مماثل
- مماثل
- The Evolution of Iraq Strategy "see ref.1".
- "Iran and Obama: The Grand Bargains on Roles", see ref. Above.
- Chuck Freilich, "Engaging Iran effectively" December 4, 2008 www.bitterlernons-international.org/inside.php?id=1037
- "Addressing the Arab-Israeli conflict" Steven A. Cook, Shiblly Talhami. www.brookings.edu/papers/2008.
- Ibid.
- "Managing Nuclear proliferation in the Middle East", Bruce Riedel, Gary Samre, www.brooking.edu/restoringthebalance/2008
- Ibid.
- "Counter Terrorism and U.S. Policy toward the Middle East", Daniel Byrman, Steven Sinson, www.brooking.edu/papers/2008.
- يمكن التوسع في هذا الموضوع من خلال مراجعة تقرير معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية في لندن للعام 2008 حول البرامج النووية في الشرق الأوسط: في ظل البرنامج النووي
- Daniel C. Kurtzer and Scott B. Lasensky, with William B. quandt, Steven Spiegel and Shibley Z. Telhami "Negotiating Arab – Israeli Peace: American Leadership" Washington: U.S. Institute of Peace Press, 2008.
- "Toward a New Strategy in The Middle East , Richard N. Haass. Martin Indyk, www.brooking.edu/papers/2008.
- Steven Radmayker,"talk to Iran, then what", New York Times, February, 2009.
The options of the American overture towards Iran amid Iranian doubts, Israeli rejection and Arabic concerns
The Bush Administration has failed in its endeavor to halt the Iranian Nuclear Program which persisted in the same momentum and thus Iran is only two or three years away from possessing the capacity of creating its first nuclear weapon.
The Invasion of Iraq and the fall of Saddam Husein’s Regime opened all the doors which were once shut in the face of Iran and enabled it to spread its hegemony and widen its political and security role in the Middle East and the Gulf. The development resulting from the occupation of Iraq redefined the “new” Iranian role in the regional Geo – Strategic surroundings. This new role is based on a series of major elements and mainly:
1 – the location of Iran in the middle of the crisis region where the United States focused its interests following the Cold War and in this regard we can name the following countries: Afghanistan, Iraq, Lebanon, Palestine and Pakistan.
2 – the Islamic Ideology adopted by Iran and its influence over the Shiite communities in the countries of the Gulf and Afghanistan in addition to the Iranian policy’s Dynamism towards the Radical Sunni factions in many regions and especially with the Movements of Hamas and Islamic Jihad.
3 – the role which Iran wishes to execute on the level of political and security options in the Middle East region (in the Gulf and the Occident). In this framework, Iran endeavors to correlate the security of these two regions since it considers that this will ensure the security which it seeks in a dual equation in order to face the American and Israeli influences.
4 – the wide confrontation engaged by Iran against the United States since 1979. This confrontation reached its peak after the American invasion of Iraq when the Bush administration used all the pressure tools to reduce the Iranian influence since it considered that any negligence in this filed will result in the rise and development of Iranian interests at the expense of the American interests and the interests of its allies in the region.
The wide scale confrontation was not limited to the issue of the Iranian military and political influence or on the role which Iran wishes to play in the region. Yet, the escalation was intensified due to the American and European position regarding the Iranian Nuclear Program and the sanctions and pressures exercised by the United States against Iran whether through its own means or through a system of sanctions endorsed by the United Nations Security Council.
These developments, in addition to the American and Iranian principles, led to a full scale confrontation between Iran and the United States in such a manner that they can be considered as strategic opponents where each side is attempting to modify the regional and international balance of power to his benefit. Thus, all the security and political relations which the United States might shape in the region will constitute a challenge and a threat in the Iranian perspective. In this regard, the last action of this sort was launched by the Bush Administration through the American – Iraqi Security Agreement that was considered by Tehran as a direct threat to its security in addition of being a threat to the Iranian Influence inside Iraq.
The Bush Administration against Iran sustained a complete failure in spite of all the sanctions and pressures whether in the field of containing the security and political dynamism exercised by Iran in Iraq and the Gulf or in the field of limiting the military dynamism exercised against Israel and the American interests through “Hezbolla” in Lebanon and through “Hamas” and “Islamic Jihad” in Palestine.
The current question is: what are the capacities which Obama possesses that will enable him to adopt new policies towards Iran in a way to compensate for the failure of President Bush’s policies?
Les options de l’ouverture américaine vers l’Iran à l’ombre de doutes iraniens, d’un rejet israélien et de craintes arabes
L’administration du président Bush n’a pas réussi à mettre terme au programme nucléaire iranien qui poursuit ses activités sur le même rythme ; c’est alors que l’Iran sera d’ici deux ou trois ans, capable de produire la première arme nucléaire.
L’invasion de l’Iraq et la chute du régime de Saddam Hussein ont ouvert toutes les portes, jadis fermées, afin que l’Iran puisse étendre son influence et élargir les cadres de son rôle politique et sécuritaire dans la région du Moyen Orient et du Golf. Les développements ayant lieu après l’invasion de l’Iraq ont redéfini le rôle «nouveau» de l’Iran dans le cadre géostratégique régional. Cette définition repose sur une série de données principales, dont notamment:
- la position géographique de l’Iran au milieu de la région des crises qui constitue des positions de concentrations stratégiques américaines, surtout après la fin de la guerre froide, notamment: en Afghanistan, Iraq, Liban et la Palestine, en plus du Pakistan.
- L’idéologie islamique adoptée par l’Iran, en plus de l’influence qu’elle exerce sur les habitants chiites dans les états du Golf et l’Afghanistan, et le dynamisme de la politique iranienne envers les groupes fondamentalistes sunnites dans plus d’une région, surtout avec le «Hamas» et le «Jihad Islamique».
- Le rôle que l’Iran désire exercer au niveau des options politiques et sécuritaires au Moyen Orient (dans le Golf et la région de l’Occident arabe). Elle œuvre à lier entre la sécurité de ces deux régions, en croyant que cela lui assurera la sécurité qu’elle cherche dans une double équation pour faire face à l’influence américaine et l’influence israélienne.
- Le conflit ouvert mené par l’Iran en face des Etats Unis depuis l’année 1979, et qui a atteint son apogée après l’occupation américaine de l’Iraq, où l’administration Bush a utilisé tous les moyens de pression afin de réduire l’influence de l’Iran, tout en considérant que toute négligence dans ce domaine mènera à la progression des intérêts iraniens aux dépens des intérêts américains et de ceux de ses alliés dans la région.
Le conflit ouvert ne se limita pas sur la question de l’influence politique et militaire et le rôle que l’Iran désire exercer au niveau régional, mais il est devenu plus grave à cause de la position des Etats Unis et de l’Europe vis-à-vis du programme nucléaire iranien, et les pressions qui en résultèrent ainsi que les sanctions prises par les Etats Unis à l’encontre de l’Iran, que ce soit par leurs propres moyens ou par le règlement des sanctions promulgué par le Conseil de sécurité international.
Tous ces développements et données stratégiques iraniennes et américaines ont abouti à un affrontement total entre l’Iran et les Etats Unis qui sont considérés dès lors deux rivaux stratégiques, dont chacun d’eux œuvre à égaliser les balances des forces régionales et internationales à son bénéfice. C’est alors que toutes relations politiques et sécuritaires menées par les Etats Unis avec les pays de la région, sont considérées, du point de vue de l’Iran, une menace pour elle. L’accord sécuritaire américo – iraquien réalisé par l’administration du président Bush était le dernier exemple, considéré par l’Iran comme étant une menace directe à sa sécurité, tout comme il vise l’influence iranienne à l’intérieur de l’Iraq.
Malgré toutes les sanctions et les pressions exercées sur l’Iran, l’administration du président Bush a connu un échec terrible: elle n’a pas réussi à cerner le dynamisme politique et sécuritaire de l’Iran en Iraq et dans la région du Golf, ni son dynamisme militaire exercé contre Israël et les intérêts américains à travers le «Hezbollah» au Liban, et le «Hamas» et le «Jihad Islamique» en Palestine.
La question qui se pose actuellement est la suivante: à quel point le Président Obama est-il capable d’adopter de nouvelles politiques avec l’Iran pour récompenser l’échec des différentes politiques adoptées par le président Bush ?