تربية وطفولة

دعوا الأولاد يحلمون بـ«بابا نويل»
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

ينتظر الأولاد بفارغ الصبر قدوم «بابا نويل» حاملًا على ظهره كيس الهدايا التي يحلمون بها. وهو بالنسبة إليهم ذلك الرجل الحنون الذي يحبهم ويحقق أمنياتهم في هذه الليلة المباركة. فهل نعزّز إيمانهم به؟ وماذا لو خافوا منه أو اكتشفوا حقيقته؟

 

يصدّق بعض الأولاد أسطورة «بابا نويل» فينتظرونه ويحلمون برؤيته آتيًا من السماء في عربته الكبيرة المحمّلة بالهدايا، ويشكّك آخرون في وجوده، أو يكتشفون حقيقته، فيما يخاف منه البعض منهم. فمن هو «بابا نويل» بالنسبة إلى الأطفال؟ وهل يجوز للأهل أن يكشفوا لهم هويته؟
بالنسبة إلى الأطفال «بابا نوبل» هو رجل محبّ وصالح، يبتسم دائمًا، وهو كريم يوزع الهدايا على جميع الناس، وهذه الشخصية الإيجابية مهمة وتسهم في نموّهم النفسي والاجتماعي. فوجودها في حياتهم ينمّي خيالهم وحسّهم الإبداعي، وعلى الصعيد الاجتماعي يسهم تصديق أولادنا قصة «بابا نويل» والإيمان به وبشخصيته، في تكيّفهم مع المجتمع من خلال المشاركة بطقس اجتماعي يشارك فيه الناس جميعهم.

 

«بابا نويل» لا يعاقب
يرفض علم النفس ربط تصرفات الولد بالهدية التي سيتلقاها من «بابا نويل»، ومقولة «إذا أحسنت التصرف سيزورك «سانتا كلوز» وسيقدم لك هدية، أما إذا لم تحسن التصرف فلن يأتي». فثمة أولاد لا يحصلون على هدايا في عيد الميلاد بسبب أوضاع أهلهم الاقتصادية الصعبة، وبالتالي سيعتقدون أنّ «بابا نويل» لا يحبهم وهو يعاقبهم لأنهم أخفقوا في التصرف. إذًا، ربط تصرفات الطفل بالهدية التي سيتلقاها عشية العيد لا يجوز، لأنّه مهما خالف الأوامر وارتكب أخطاء في التصرفات، فهدية العيد تبقى حقًا له.

 

سحر الميلاد
بعض الناس يخبرون أولادهم بحقيقة «بابا نويل» لكي لا يعيشوا في كذبة. هؤلاء ندعوهم إلى ربط «بابا نويل» بسحر العيد وعدم اعتباره كذبة. فليس هناك أجمل من أن يحلم الأولاد بهذا السحر وينتظروا مجيء ذلك الرجل الحنون، فحتى الكبار يحلمون به وينتظرونه ويلتقطون صورًا برفقته.
بدءًا من عمر 6 سنوات يكتشف الولد تدريجًا حقيقة «بابا نويل»، وبأنّه غير موجود فعليًا، إلّا أنّه لا يخبر أحدًا باكتشافه الحقيقة، وذلك لأنّه في أعماقه لا يرغب في تصديق هذا الواقع.
أما في حال اكتشف الولد فجأة أنّ «بابا نويل» غير موجود، فمن المهم مساعدته على تخطي صدمته، وذلك لكي لا تنهار صورة أهله في نظره. فهو سيعتقد في هذه الحالة أنّهم كذبوا عليه فترة طويلة وجعلوه يعيش في كذبة، لذلك عليهم تذكيره بالأوقات الجميلة التي أمضاها وهو يعتقد حقيقةً بوجود ذلك الرجل الحنون الذي يُحضِر له الهدايا الجميلة عشية العيد.


أسئلة تكثر مع الوقت
لا يكتشف الولد فجأة حقيقة «بابا نويل» بل يحصل ذلك على مراحل، وبالتالي فإنه يبادر إلى طرح أسئلة حشرية (تتعمق مع الوقت ومع نمو الطفل) تتمحور حول هوية «بابا نويل» وعمله. ومنها، كيف يأتي عبر المدفأة؟ ألن تحرقه؟ لا نملك مدفأة فكيف دخل إذًا؟ هل فتحت له الباب أنت، وهل أعطيته المفتاح؟ كيف يمكنه توزيع الهدايا في ليلة واحدة على أطفال العالم جميعهم ؟ هل يعرفهم جميعًا؟
يدعو علم النفس الأهل إلى عدم محاولة جعل أولادهم يصدّقون أنّ «بابا نويل» موجود بعد أن يكتشفوا الحقيقة. فعندما يكتشفون الأمر، على الأهل أن يقرّوا فعلًا بأنّه غير موجود ويحثّوهم على حفظ السر فلا يبوحون به لإخوتهم أو أقاربهم الصغار. إذ من الضروري أن يفهم الأولاد أنّه يحق لإخوتهم الصغار عيش رونق العيد وذكرياتهم الجميلة، وهذا ما سيجعلهم يتفهّمون أهلهم وسبب إخفائهم رواية «بابا نويل».

 

خوف وبوح بالحقيقة
من المهم أن يكون «بابا نويل» شخصية أخرى غير الأب، ويفضّل شخص من خارج الأسرة، كي لا تختلط الأفكار في عقل الولد ويحفظ بالتالي في ذاكرته صورة «سانتا كلوز» الجميلة. وعلى الأب أن يكون موجودًا برفقة أولاده عندما يأتي «بابا نويل» لتوزيع الهدايا عليهم.
ختامًا، على الأهل أن يبوحوا بالحقيقة لأولادهم في حال بكوا وشعروا بالخوف لدى رؤيتهم «بابا نويل»، وبالتالي يمكنهم أن يطلبوا من مُرتدي الزي أن يخلعه أمام أعينهم، وأن يخبروا الطفل بأنّ هذا الشخص تَنَكّر بزي «بابا نويل»، من دون الإصرار على التقاط صور برفقته إذا لم يرغبوا في ذلك. ومن الأساليب التي يمكن للأهل استخدامها لجعل الطفل يتخطى خوفه من «بابا نويل»، جعله يرتدي زيّه، فهذه الطريقة تُنسيه خوفه وتساعده على اكتشاف شخصية «بابا نويل» واكتساب أخلاقه الحميدة، ومنها المحبة والعطاء ومساعدة الآخرين.