- En
- Fr
- عربي
أحداث وتداعيات
في مطلع نيسان الماضي أحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما يشبه الزلزال في الأسواق التجارية العالمية، إذ أعلن فرض رسوم جمركية بنسب غير مسبوقة على الصادرات الوافدة من عشرات الدول إلى الولايات المتحدة الأميركية. وفي حين شهدت الأسواق بلبلة كبيرة، جرت مناوشات سياسية بين رؤساء الدول بسبب هذه الرسوم. وطُرحت الأسئلة حول ما يمكن أن يؤدي إليه هذا القرار من تداعيات على الاقتصاد العالمي.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ عمد الرئيس ترامب إلى إصدار عدة قرارات متراجعًا ومعلنًا تجميد تنفيذ قرار فرض الرسوم لمدة 90 يومًا، أو تغيير النسبة التي كان قد فرضها على دولة أو مجموعة دول صعودًا مرة وهبوطًا مرة أخرى، وتجميدًا مرة ثالثة… إلى أن بدأ التطبيق الفعلي للتعريفات الجديدة مطلع آب الماضي عقب مفاوضات مع الدول المعنية، أدى بعضها إلى تفاهمات واتفاقات بينما لم يؤدِّ بعضها الآخر إلى هذه النتيجة.
وقد وصف المراقبون الموعد النهائي الذي كان قد أعلنه الرئيس ترامب لتطبيق الرسوم الجمركية بأنّه مُهلة لشركاء الولايات المتحدة التجاريين للتقدم بعروضٍ لاتفاقات تجارية والعمل على التفاوض بشأنها، وإلّا تعرّضوا للعودة إلى تفعيل التعرفة الجمركية التي حدّدها، بما يحقق مصالح واشنطن أولًا، متجاوزًا بذلك ما اعتاد عليه العالم، منذ تأسيس النظام التجاري متعدّد الأطراف بعد الحرب العالمية الثانية.
قواعد مغايرة
بعد أسابيع من الرسائل المتناقضة للرئيس الأميركي دونالد ترامب والمفاوضات المحمومة التي أجرتها واشنطن مع عواصم عدّة لتجنّب صدام تجاري شامل، أعلنت الإدارة الأميركية في مطلع آب الفائت أنّ الهدف من الرسوم الجمركية تقليص العجز التجاري، الذي وصفته بـ «التهديد غير العادي للأمن القومي والاقتصاد الأميركي»، بالإضافة إلى زيادة إيرادات الخزينة لتمويل تخفيضات ضريبية داخلية.
خففت المفاوضات من حدّة الرسوم التي كان الرئيس ترامب قد أعلنها في «يوم التحرير» (في الثاني من نيسان 2025)، إلّا أنّ متوسط معدل التعرفة الجمركية الأميركية بات عند أعلى مستوياته منذ عقود، في مؤشر إلى توجّه الرئيس ترامب لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي وفق قواعد مغايرة، ولو جاء ذلك على حساب عقود من الليبرالية الاقتصادية، الأمر الذي يُنذر بمزيد من الاحتكاكات الاقتصادية والسياسية خلال المرحلة المقبلة.
باكورة التداعيات
كانت باكورة تداعيات الرسوم الجمركية التي دخلت حيّـز التنفيذ بنسبة 10% وشملت مجمل الواردات الأميركية – مع استثناءات نادرة مثل الذهب والطاقة – ما شهدته البورصات العالمية من انهيار وتراجع حاد في الأسهم خلال التداولات.
وفي هذا الإطار، دعا أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تَعتبِر الولايات المتحدة السوق الرئيسة لصادراتها، إلى «التحرك بجرأة» ردًا على مخاطر الحرب التجارية. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه الكبير حيال الدول النامية الأكثر عرضة للتأثر بالقرار الأميركي، محذّرًا من أنّ «التبعات ستكون كاسحة».
اتفاقات ولا اتفاقات…
في مواجهة الهلع الذي سيطر على العالم، سعى الرئيس ترامب للطمأنة، فوعد بإبرام «اتفاقات مصمّمة على المقاس» مع الشركاء التجاريين. وقد تم التوصّل إلى اتفاقات مع عدد من هؤلاء الشركاء، وأبرزهم المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وفيتنام وغيرها من دول الاقتصادات الرئيسية والناشئة على مستوى العالم.
على الجانب الآخر، ثمة دول مهمة على صعيد التبادل التجاري مع الولايات المتحدة الأميركية لم تتمكن من التوصل إلى اتفاقات تجارية مع واشنطن، أبرزها: كندا، المكسيك، تايوان والهند، وهو ما أدى إلى فرض تعرفة جمركية مرتفعة على صادراتها إلى الولايات المتحدة.
وتوصل الجانبان الأميركي والصيني لما وُصف بالهدنة التجارية التي تتضمن تعليق العمل ببعض التعريفات الجمركية في بعض القطاعات، علاوةً على تأجيل تفعيل بعض الرسوم مع سريان تلك التي كانت مفروضة من قبل. وفي حين كانت نسبة الرسوم التي فرضها الرئيس ترامب على واردات بلاده من الصين 145%، عاد ليهدّد برفع هذه النسبة إلى 200% بعد المفاوضات، بسبب ما وصفه بـ «احتكار» بكين لمغناطيسيات المعادن النادرة.
سوف تهتزّ الصين
وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطاب القسم بتقديم الكثير لدعم الاقتصاد الأميركي وإعادة أميركا دولة عظمى، الأمر الذي ستكون له انعكاسات على الاقتصاد العالمي، ولا سيما أنّها المنافسة الكبرى للصين وفق ما يرى الدكتور فؤاد زمكحل، رئيس الاتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف.
وعن الحرب الباردة مع الصين، يشير زمكحل إلى أنّ هدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال الرسوم الجمركية هو فرض عقوبات مباشرة على بكين، التي تُعتبر المنافس النقدي والمالي الكبير لأميركا، والبرهنة أمام الرأي العام العالمي، أنّ الصين ستهتزّ من دون المساعدة الأميركية والتبادل التجاري بينهما.
وبحسب رأيه، قد يتسبّب هذا التدبير باختلالٍ كبير في الأسواق المالية العالمية والاقتصادات، إذ إنّ للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين تداعيات كبيرة على النواحي الاقتصادية والنقدية والمالية والتجارية، إضافة إلى القطاعات الصناعية والتجارية والتربوية. ويشير في هذا السياق إلى التدابير التي اتخذها الرئيس ترامب لناحية التشديد على تأشيرات السفر الخاصة بالطلاب حول العالم ولا سيما الصينيين منهم، ما سيدفعهم إلى التوجّه نحو دول أخرى للتحصيل العلمي، مؤكّدًا أنّ تداعيات هذه الخطوة ستطال الجامعات الأميركية، التي كانت تعوّل على الأعداد الكبيرة من هؤلاء الطلاب.
وعن تداعيات الرسوم الجمركية على الدول الأوروبية، لفت زمكحل إلى الانكماش الاقتصادي الذي أصاب أوروبا نتيجة رسوم الرئيس ترامب، إذ تسبّبت بارتفاع الأسعار ما فاقم المعاناة التي تتعرّض لها نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية. وإذ أشار إلى معاناة الدول العربية كتونس والعراق وبعض الدول الأفريقية من هذه الرسوم الأميركية، أكّد أنّ كندا هي المتضرّر الأكبر منها، على اعتبار أنّ الاقتصاد الكندي مبني على التبادل التجاري مع أميركا، فكندا تبيع أميركا الكهرباء والحديد والألمينيوم…
أمّا بالنسبة إلى لبنان، فلن يكون لنسبة الـ 10% التي فرضها الرئيس ترامب على الصادرات اللبنانية إلى الولايات المتحدة الأميركية تأثير كبير على التبادل التجاري، على اعتبار أنّ أرقام الصادرات اللبنانية إلى أميركا لا تتخطى الـ 7 ملايين دولار، في حين أنّ التصدير بنسبٍ عالية جدًا يتمّ من أميركا إلى لبنان. ونفى زمكحل أي نيّة لدى الحكومة اللبنانية لإضافة رسوم على السلع الأميركية.
من الانفتاح إلى التقوقع
وفي السياق عينه أضاف الدكتور زمكحل أنّ التنبّؤ مستحيل حول تداعيات الرسوم التي فرضها الرئيس ترامب، ولكن من المؤكد أنّ الاقتصاد يتجه اليوم من العولمة الكبرى والانفتاح وإزالة الحدود، إلى اقتصاد متقوقع منغلق على ذاته.
أداة سياسية بامتياز
قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتقلّبة في مجال الرسوم الجمركية تؤثر على حركة التجارة الدولية، ولا سيما أنها تدفع بالمؤسسات والتجار إلى التريّث في عملية التداول. وقد وضع الباحث لدى كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور محمد فحَيلي حركة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خانة تسييس الدولار الأميركي. وإنّ ما يحصل في سوق الذهب ناتج عن أداء الخزينة الأميركية لسنوات، لناحية فرضها عقوبات على كيانات ومصارف مركزية وأشخاص. فبعد أن كان الدولار الأميركي العملة المفضّلة لدى المصارف المركزية كاحتياطٍ بالعملات الأجنبية، بدأت هذه المصارف تتخلى عنه لمصلحة الذهب الذي يشكّل خشبة خلاص لها عند فرض العقوبات. ورأى فحَيلي أنّ هذه السياسات فرضت واقعًا جديدًا، لناحية إنشاء مجموعة دول الـ «بريكس» أو لناحية تمويل التجارة الدولية بالعملات المحلية، تمامًا كما فعلت الصين بعملتها اليوان، والسعودية بالريال لتمويل تجارتهما…
الدولار وأحادية المشهد
وأضاف فحيلي أنّ لحرية التبادل التجاري منفعة اقتصادية للبلدان المتداولة بالتجارة أكثر من أي نوع من الضوابط، مهما اختلفت أنواعها. وقد تتمكن إدارة الرئيس ترامب من تحصيل بعض الإيرادات من الرسوم المفروضة على التجارة الدولية على المدى القصير، ولكن سرعان ما ستتبدل الصورة وستؤثر على المؤسسات الأميركية التي تعتمد على الاستيراد، لناحية الانكماش في الإيرادات، الذي سينعكس بطبيعة الحال على الفاتورة الضريبية التي تدفعها للخزينة الأميركية. ممّا يعني أنّ معظم الإيرادات المحصّلة من الرسوم ستنخفض. وبالنتيجة، للرسوم والضرائب التي تُفرض على التعاملات الخارجية أثار سلبية في الاتجاهين. ولفت إلى أنّ خطوة الرئيس ترامب أضعفت الدولار مقابل اليورو والعملات الأوروبية، وهي عملات شركاء أميركا في التجارة الدولية.
ويعتبر المراقبون الاستراتيجيون في العالم أنّ ربط الرئيس ترامب الملفات التجارية بقضايا سيادية، مثل الأمن الحدودي وتهريب المخدرات مع كندا، يمثل سابقة خطيرة في التجارة الدولية. هذا التوسع في نطاق النزاع التجاري إلى ساحات سياسية يعقّد التوصل إلى حلول ويرفع احتمال استمرار التوتر لفترة أطول.
كما يُقرّون بأنّ السياسة التجارية الأميركية باتت أداة سياسية بامتياز، تتجاوز مقتضيات الاقتصاد الكلي إلى حسابات انتخابية وجيوسياسية.
في الختام، لا يمكن معرفة تداعيات خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما يُعرف «بالتعرفة الجمركية المتبادلة» على السلع الدولية، إلا بعد مضي ستة أشهر أقلّه على تطبيقها. وغدًا لناظره قريب.
مطالبات ألمانية وإيطالية باستعادة 245 مليار دولار من الذهب
في إطار سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضرائبية، وسياساته المتقلبة والاضطرابات الجيوسياسية المتزايدة، أُثير جدل في بعض أنحاء أوروبا حول ما إذا كان ينبغي الإبقاء على احتياطات الذهب في الولايات المتحدة. وكان الرئيس ترامب قد صرّح في تموز الماضي بأنّه «قد يضطر إلى فرض شيء ما على هذه الاحتياطات، في حال لم يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة .»
وفي السياق تواجه ألمانيا وإيطاليا دعوات متزايدة لنقل احتياطياتهما الذهبية من نيويورك، في ظل تصاعد الهجمات السياسية التي يشنّها الرئيس ترامب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية المتزايدة.
تحتل ألمانيا وإيطاليا المركزين الثاني والثالث عالميًا في حجم احتياطيات الذهب الوطنية بعد الولايات المتحدة، حيث تمتلك الأولى 3,352 طنًا، والثانية 2,452 طنًا، وفق بيانات مجلس الذهب العالمي. وتعتمد الدولتان بشكل كبير على الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك كجهة أمينة، حيث تخزّن كل منهما أكثر من ثلث احتياطياتها في الولايات المتحدة. وتقدّر القيمة السوقية لهذا الذهب المخزّن بنحو 245 مليار دولار، بحسب تقديرات الاقتصاديين. ويعود هذا الاعتماد في جزء كبير منه لأسباب تاريخية، إلى جانب كون نيويورك مركزًا عالميًا لتداول الذهب، جنبًا إلى جنب مع لندن.











