- En
- Fr
- عربي
تحية لها
نظرة الأمم المتحدة إلى مسألة انخراط النساء في القوات المسلحة، وحضورها في الجيوش العربية، بالإضافة إلى إشكاليات هذا الحضور وإيجابياته، مواضيع تحدثت عنها الممثلة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رويدا الحاج.
توضح السيدة رويدا الحاج أنّ مجلس الأمن أنشأ ولاية المرأة والسلام والأمن التي تُلزم جميع الدول الأعضاء، وذلك من خلال القرار رقم 1325 الذي أصدره في 31 تشرين الأول من العام 2000.
ويمثّل القرار المرة الأولى التي يتصدى فيها مجلس الأمن للتأثير المفرط والمحدّد للنزاع المسلح على النساء، ويبرز أهمية مشاركة المرأة على قدم المساواة وبشكل كامل كعامل للتغيير على جميع المستويات في حالات النزاع وما بعد الصراع، كما يثبت الحاجة لاحتضان منظور جنساني في عمليات ما بعد الصراع. على سبيل المثال تعمل الأمم المتحدة على مضاعفة عدد النساء في عمليات حفظ السلام خلال السنوات القليلة المقبلة. كما بذلت عدة بلدان في العالم العربي جهودًا كبيرة للاعتراف بالتساوي وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء بما فيها العمل في قواتها المسلحة. ومع ذلك، ما زال دمج النساء في الجيوش العربية غير مكتمل، فلا يتمّ إشراكهنّ بشكل كامل في الجيوش ولا يتمّ استبعادهنّ بالكامل. وسيكون الطريق إلى المساواة الكاملة طريقًا طويلًا ووعرًا لأنّ النساء ما زلن يواجهن تحجيمًا كبيرًا وتنميطًا في أنواع الأدوار التي يلعبنها داخل المؤسسات الأمنية.
اندماج محدود
وتقول الحاج: «صحيح أنّ المرأة العربية انتقلت إلى قلب الحياة العسكرية، وأنّ أعدادها ضمنها ارتفعت تدريجًا، لكنّ اندماجها في الجيوش العربية محدود. كمثال على ذلك، في تونس، وهي دولة في طليعة حقوق المرأة في العالم العربي، تشكل الإناث أقل من 7 في المئة من الجيش. لم يقتصر الأمر على بقاء عدد النساء منخفضًا نسبيًا فحسب، بل كان وصولهنّ إلى المناصب العليا في القوات المسلحة أمرًا صعبًا، ووصولهنّ إلى مواقع صنع القرار أمرًا لا يُعطى أي أهميّة أو انتباه. على العموم، وعلى الرغم من بعض الاستثناءات، ما زالت النساء في الجيوش العربية تُعطى أدوارًا تقليدية ونمطية، كأمينات سرّ، ومترجمات، وممرضات، وراسمات خرائط، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى أنّه تمّ استبعاد النساء بشكل منهجي من مواقع القتال ولا يُمكنهنّ قيادة العمليات العسكرية. وقد جعل ذلك من الصعب ترقيتهنّ إلى صفوف معينة تُعتبر الخبرة القتالية من المتطلبات الأساسية لها. ما زالت المؤسسة العسكرية منمّطة للرجال، وربما تكون هذه أهم عقبة أمام انخراط المرأة الكامل في القوات المسلحة العربية. ومع ذلك، فإنّ الانخراط لا يعني ببساطة إدراج المزيد من النساء في القوات المسلحة. هناك فجوة واضحة بين خطاب المساواة وواقع المرأة في المؤسسات العسكرية العربية. للتغلب على هذه الفجوة، يتعين على القيادة العسكرية أن تبدأ بالنظر إلى النساء كونهنّ جنديّات كاملات الأهلية للعمل العسكري».
وجود المرأة في الجيش يعزز القدرات الدفاعية
وعن الإشكاليّات التي يطرحها وجود المرأة في الجيوش، قالت: إنّ وجود المرأة في الجيوش يعزّز القدرة الدفاعية على تلبية الاحتياجات الأمنية المختلفة داخل المجتمع، وبالتالي نحن لا نرى أي إشكاليّات مرتبطة بوجود المرأة في الجيوش. إنّ الإشكالية الحقيقية هي في التنميط الذي تخضع له النساء في المؤسسة العسكرية، إذ يُنظَر لدورها داخل هذه المؤسسة كانعكاس لدورها الرعائي في المجتمع. وهذا يضر بالمؤسسة أولًا، إذ يؤدي إلى خسارتها فرصة عمل أفراد أكفاء من النساء في المهمات العملياتية من خلال حصر عملهنّ في وظائف مكتبية وخدماتية. ومن جهة أخرى فإنّ هؤلاء النساء يفقدن الحافز والدافع للتطور المهني إذ إنّهن يعلمن جيدًا أنّ ليس لديهنّ فرص متساوية مع زملائهنّ في العمل من الرجال. كما أنّه بغياب سياسات مراعية للنوع الاجتماعي، فمن الطبيعي أن تواجه الجنديّة، مثلها مثل أي امرأة عاملة في بلداننا الصعوبة المتمثلة بالوضع العائلي والأمومي، خصوصًا وأنّ الحياة العسكرية تفرض المسؤولية والعديد من المفاجآت. بالتأكيد يقل تأثير هذه الإشكاليات مع تبنّي الجيوش سياسات إدماج المرأة والاستفادة من كفاءتها للقيام بالمهمات الحمائية على أعلى مستوى، وبالاستناد إلى نهج قائم على المراعاة الكاملة لحقوق الإنسان. وهناك العديد من البلدان تضع على رأس وزارة الدفاع نساء إيمانًا بقدراتهنّ على إدارة المؤسسة العسكرية على أكمل وجه.
مصدر قيّم للمعلومات
في ما يتعلّق بإيجابيات دخول المرأة إلى القوات المسلّحة على صعيد حقوق المرأة كفرد كما على صعيد حقوقها في المجتمع عامةً، رأت الحاج أنّ «الإدماج الكامل للمرأة في القوات المسلّحة يعظّم من قدرات الجيش للقيام بدوره في حماية المجتمعات الديموقراطية، بما في ذلك الدفاع عن القيم الأساسية مثل المواطنة والمساواة. كما يمكن أن تزيد مشاركة المرأة في القوات المسلحة من فاعلية الجيوش في تلبية الاحتياجات المختلفة لجميع أفراد المجتمع إذ تختلف تلك الاحتياجات وتتنوع حسب العمر والجنس والعرق والقدرات البدنية وحالة المواطنة والهوية الجنسية وما إلى ذلك من اختلافات بين أفراد المجتمع. مثلًا هناك حاجة ضرورية إلى وجود العنصر النسائي ضمن الأفراد العسكريين لتأدية عمليات التفتيش الجسدي للنساء في نقاط التفتيش على الطرقات والمطارات وغير ذلك. كما يشعر المدنيون بشكل عام بالارتياح والتقارب عند رؤية مجنّدات نساء من العسكريين أكثر من وجود عسكريين رجال فقط. ويساعد وجود العنصر النسائي في الجيش على إمكان الحصول بسهولة على معلومات من النساء المحليّات، ما يوفّر مصدرًا قيّمًا للمخابرات. كما أنّ الأخذ بزمام المبادرة لإدخال المسائل المتعلّقة بالدور الاجتماعي في عملية إصلاح قطاع الدفاع ليس مسألة فاعلية تنفيذية فحسب، بل إنّه أيضًا ضروري للانصياع للقوانين والمواثيق والمعايير الدولية والإقليمية المتعلّقة بالأمن والنوع الاجتماعي. ومن المواثيق الرئيسية: مؤتمر وخطة عمل بكين (1995) وقرار مجلس الأمن رقم 1325 (2000). ونحن نعوّل على دور هذا المنشور، ودور الإعلام بشكل خاص، لإظهار صورة المرأة داخل قوات الدفاع بشكل يبرز قيمتها المضافة في هذا القطاع ويغيّر نظرة المجتمع إلى مؤسسات الدفاع».
تقدّم يستحق الثناء
كامرأة وكخبيرة في مجال حقوق الإنسان، تعلّق الحاج على تفعيل دور المرأة في الجيش اللبناني في السنوات الأخيرة، فتقول: «بينما يستحق كل هذا التقدّم الثناء، يبقى حجم دور المرأة في الجيش ونطاقه رهن قرارات وزارة الدفاع، ولا يُحدَّد بموجب قوانين أو مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء والبرلمان. جدير بالذكر هنا أنّ القرارات القائمة حاليًا، والتي وُضعت قبل ثلاثة عقود، يمكن أن يلغيها أي وزير أو وزيرة في المستقبل من دون الحصول على موافقة مجلس الوزراء. لذا، يتعيّن على الحكومة والبرلمان اللبناني إقرار قوانين أو مراسيم رسمية ترعى انخراط المرأة في الجيش، ما من شأنه أن يعزّز المكاسب التي تحققت أساسًا. أما على المستوى التنظيمي، فلا تمتلك القيادة العسكرية سياسات وهياكل إدارية خاصة بكلٍّ من الجنسين، تهدف إلى استيعاب احتياجات الجنديات ومساعدتهنّ على تحقيق إمكاناتهنّ المهنية».
أول وزيرة دفاع في العالم العربي
تثني الحاج على تعيين السيّدة زينة عكر عدرا وزيرة للدفاع. وتقول: «نحن نتمنّى أن لا ندع الاعتبارات السياسية تطمس إنجازًا إيجابيًا كبيرًا في البلاد، ألا وهو تشكيل حكومة ثلثها من النساء وتنصيب امرأة في موقع وزيرة للدفاع ونائبة لرئيس الوزراء هي سابقة في العالم العربي. ونحن نعوّل على هؤلاء الوزيرات في توجيه عمل الحكومة نحو تلبية تطلعات واحتياجات الناس، حتى يحدثن فرقًا حقيقيًا.
إنّ المرأة اللبنانية منذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية استطاعت أن تكون رائدة في مجال العلم والتطور والاقتصاد. ووصول ستّ نساء إلى الحكومة اللبنانية يُشكل نصرًا للمرأة التي ما زالت تناضل حتى هذه اللحظة من أجل الحصول على أبسط حقوقها الإنسانية في لبنان، لذلك فالأمل في أن تُنصَف المرأة بات مضاعفًا اليوم بوجود نساء في مناصب قيادية يستطعن من خلالها العمل على تعزيز المرأة وتمكينها في المجالات كافة».
أخيرًا علّقت الحاج على أداء الجيش اللبناني خلال الاحتجاجات الشعبية مؤكدة أنّ «مفوّضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أشادت مرارًا بالدور المسؤول الذي أداه الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية في الحفاظ على السلام والأمن، مع الحفاظ على حقوق المتظاهرين والمتظاهرات في التجمع السلمي، بما يتّفق مع واجبات لبنان ضمن إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان».
وتمنّت أن تواظب الجيوش العربية على تشجيع انضمام النساء إلى المؤسسة العسكرية، مع العمل على توسيع نطاق وظائف المرأة لتشمل الالتحاق بالوحدات القتالية، إذ يتعيّن عليها أن تؤدّي دورًا محوريًا في عمليات مكافحة الإرهاب، ما يتيح لها المساهمة في حماية البلاد. وأشارت إلى أنّ «المنطقة العربية تستطيع عبر دمج النساء في القوات المسلحة، المساهمة في الدفع باتجاه ثقافة عسكرية مختلفة جدًا. فبإمكان المرأة، عبر المساهمة في إعادة صياغة العلاقات المدنية العسكرية، ردم الفجوة بين الجيش والمجتمع».