- En
- Fr
- عربي
أخبار جيشنا
“الاستراتيجية والعقيدة القتالية الفيتنامية” كان عنواناً للمحاضرة التي ألقاها البروفسور ريتشارد البستاني في قاعة العماد نجيم, بحضور ممثل قائد الجيش العميد الركن حسين شاهين الى عدد كبير من الضباط.
تناول البروفسور البستاني في محاضرته الخلفية التاريخية لحرب فيتنام والمراحل الثلاث للستراتيجية الفيتنامية, واستهلها برواية نشأة الجيش الفيتنامي في 22 ديسمبر 1944 على يد نوجين جياب في كاو يونغ على الحدود الصينية الفيتنامية تحت إسم “الدعاية الفيتنامية” و”جيش التحرير”, مشيراً الى أنه بدأ بأربعة وثلاثين عنصراً وازداد عددهم بانضمام “جيش الخلاص الوطني” المكون من عناصر شيوعية ووطنية تحت قيادة هو شي منه.
في تلك الأثناء, كانت الهند الصينية تشمل فيتنام, لاوس, وكمبوديا, التي كان يحكمها الأميرال ده كو الحاكم الفرنسي الممثل لحكومة فيشي, الذي كان تحت وصاية الجيش الياباني المحتل.
أما نشوء جمهورية فيتنام الديموقراطية فتم بعد سقوط القوات اليابانية واستسلامها في شهر آب من العام 1945, إذ تحرك حينها الحزب الشيوعي بقيادة هو شي منه لكي يوطد مركزه السياسي نتيجة للفراغ الذي حدث بسبب خروج اليابان المفاجئ من الحرب. وتمكن من إقناع مندوب الأمبراطور بوداي في شمال فيتنام بالتعاون معه. وفي 23 آب 1945 تنازل الأمبراطور عن سلطته للحزب الشيوعي, وفي 2 أيلول من العام نفسه أعلن هو شي منه قيام جمهورية فيتنام الديموقراطية.
رفضت فرنسا والحلفاء إعلان الجمهورية في شمال البلاد, فلم يقاوم هو شي منه في البداية وإنما اختار المفاوضة, إلا أنه حين شعر بعدم جدية فرنسا في المفاوضات قرر أن يبدأ الكفاح المسلّح ضد جيش الإحتلال الفرنسي. وبما أن القوات الفيتنامية لم تكن على مستوى الجيش الفرنسي, فقد قرر أولاً بناء الجيش الفيتنامي الذي كان أداة الصراع الطويل الأمد من أجل فيتنام.
تسلّم قيادة الجيش الجنرال جياب, المستشار العسكري لهو شي منه, وزاد عديده من مئات المقاتلين الى الألوف منهم. وبعد انتصار الصين الشعبية في العام 1950, بدأت عملية إمداد جيش جياب بالأسلحة الحديثة والمعدات والمدربين والخبراء العسكريين, فأصبح قائداً لجيش مؤلف من خمس فرق مسلّحة مستعدة لمواجهة تقنية الجيش الفرنسي الذي يحتل الهند الصينية.
المراحل الثلاث لاستراتيجية جياب
تناول المحور الثاني من المحاضرة استراتيجية جياب في مراحلها الثلاث, فأوضح المحاضر أنها بنيت على استراتيجية ماو الصينية في حرب العصابات, ونجح الجنرال جياب في تطبيق المرحلتين الأولى والثانية من هذه الاستراتيجية, ولكنه فشل في تطبيق المرحلة الثالثة في المعارك الثلاث ضد الجنرال ده لاتر.
في المرحلة الأولى التي حملت عنوان الدفاع الاستراتيجي, اعتمد جياب على الوقت الطويل غير المحدد الذي يتطلب أرضاً شاسعة جداً, لذلك تحلى بالصبر واختار منطقة الحدود الصينية الفيتنامية وأثمر صبره انتصار الصين الشعبية بزعامة ماو السياسية وقيادة المارشال لين بياو الذي أفاد جياب بخبراته في العمليات الحربية ضد الصين الوطنية.
التزم جياب الحذر الشديد وذلك بالامتناع عن القيام بعمليات هجومية ضد قوات الجيش الفرنسي القوية, نظراً لتفوقها الهائل في مختلف الأوجه العسكرية, منتظراً الظرف السياسي المناسب الذي يمكن أن يحول الضعف الى قوة. وبانتظار ذلك الحين, عمل على بناء قاعدة سياسية داخل البلاد عن طريق توعية السكان في المناطق القريبة من قواعدهم.
في المرحلة الثانية التي تحمل عنوان التوازن الاستراتيجي, بدأ الجنرال جياب بتركيز اهتمامه على حرب العصابات, ونظم وحداته بحيث تصبح على أهبة الإستعداد للتحول من الدفاع الاستراتيجي الى الهجوم المحدود المهمات وذلك بمهاجمة الحاميات الفرنسية المعزولة عن قاعدتها, وفي الوقت نفسه يؤمن لها ذلك تدريباً عملياً على الحرب الفعلية في إطار مصغر.
في المرحلة الثالثة التي انتقل فيها جياب الى الهجوم الاستراتيجي, فشل الجنرال في معاركه الثلاث ضد الجنرال لاتر بسبب العقبات الكثيرة التي اعترضته. ففي العملية الأولى التي كان هدفها مدينة هانوي, كان الدفاع الفرنسي في المناطق المحيطة بها هائل جداً, وكانت خطوط المواصلات الفرنسية قصيرة بينما خطوط قوات جياب طويلة, وذلك يعني أن نجدات الشيوعيين معرضة لهجمات الطيران الفرنسي قبل المعركة وأثناء القتال وبعده, والشيء نفسه يصح بالنسبة الى التموين بالذخيرة والغذاء, فمناطق العمليات مكشوفة لطيران فرنسا وتحركات الجنود يمكن رصدها بالعين المجردة. بالاضافة الى ذلك, فإن وسائل النقل الإنساني والحيواني لا تؤدي الى نتيجة طالما أن العدو يتحرك بسرعة ويمكنه تطوير المعركة بسرعة لتوفير المرونة وسرعة الحركة. وإذا أضفنا الى ذلك خبرة عناصر الجيش الفرنسي القتالي المكتسبة محلياً وفي معاركه في الحرب العالمية الثانية نجد أن مهمة جياب مستحيلة.
لم يتأثر وضع الجنرال جياب بعد فشل العمليات الحربية الثلاث, وظل يتمتع بثقة هو شي منه الزعيم الشيوعي وذلك لقناعة الأخير بولائه, وكفايته العسكرية وخدماته الكبيرة للثورة.