ملف الحرب على العراق

سقطت بغداد.. واللعبة انتهت
إعداد: يونس عوده

..وفي اليوم الحادي والعشـرين مـن الحرب سقطـت بغداد.
وشكل السقوط المريع, المفاجأة الأقسى والعكسية لما حصل في مفاجـأة أم القصـر, وتبددت كـل المراهنـات على ان صـدام حسين يحتفـظ باوراق سيذهل لها الأميركيون..
من دون أي طلـقـة, دخلـت العربات الأميـركيـة من كل نـوع الى العاصمة العراقية, فلا مقاومـة ولا حرس جمهوري ولا جيـش القدس ولا فدائيو صدام ولا حتى شرطة سير.
عمليات نهب وسرقة.. بغداد مستباحة لكل من تمكنت يده من الحصول على أي شيء مهما كان بخساً, والمؤسسات الرسمية والمنشآت العامة كانت المرتع الأكبر للنهب.
لعل نذر الانهيار مهّد له الليل الهادئ الذي سقطت فيه بغداد بعد عشرين يوماً من القصف الجوي وصواريخ توما هوك وكروز.
لقد شكل سقوط بغداد صدمة ليس فقط للمراهنين على الصمود مدة اطول في مواجهة القوات الهاجمة, بل لجموع المحللين العسكريين والسياسيين سيما انه لم يظهر أي من القادة العراقيين في اللحظات العصيبة. فقبل ساعات كان الوعيد بأن القوات الأميركية مقطعة الأوصال وسيتم الاجهاز عليها. الأمر الذي اخذ العقول الى صفقة ما بانت معالمها عملياً قبل 3 ايام عند دخول البصرة, بلا مقاومة, بعد ان قاتلت المدينة الثانية من حيث المساحة والسكان لسبعة عشر يوماً بلا كلل ولا ملل.
والشيء المريب الذي سكن ليس بغداد فحسب بل العالم أجمع, هو اختفاء القوات العراقية بآلياتها واسلحتها من بغداد من جهة, ودخول القوات الأميركية بهدوء وبدون تشكيلات قتالية, وكأنها على يقين بأنها لن تواجَه بالنار.
والواقع ان صفقة ما عقدت, والدليل الأول على ذلك, هو عدم وجود أي عوائق على أي طريق. وهو ما يستخدمه عادة المحاصرون من عوارض حديديـة وقواطع رمليـة والغـام.. الخ.
مما يؤثر على حركة القـوات المهاجمـة ويؤخر تقدمها. وهذا مـا كان مبعث دهشة لدى البغداديين, الذين تساءلوا عن الجيش الذي كان سيقاتل بضراوة.
هل كانت الخطة مرسومة منذ البداية بأن لا دفاع عن بغداد, أي لا خطة دفاعية عن العاصمة؟ وربما هذا ما رمى اليه وزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف في آخر ظهور له: “غداً ستكون مفاجأة كبيرة”.
في الحروب عادة تكون هناك اسرار, واسرار كثيرة لن تتضح بسهولة.. لكنها في النهاية تظهر وإن بعد سنوات.
في العام 1258 دخلت جحافل المغول الآتية من عمق الشرق بقيادة هولاكو بغداد ونهبتها فضاع ما كان لها من مجدٍ وثراء وعلم وأدب. لكن وبعد 745 عاماً وفي 9 نيسان 2003, دخلت القوات الأميركية الآتية من عمق الغرب بغداد لتقيم حكماً موالياً لها, او تعد بذلك بعد ان تنصب حاكماً عسكرياً اميركياً لفترة غير محدودة.
بعد ساعات من الانهيار والسقوط, قال مندوب العراق في الأمم المتحدة محمد الدوري: “اللعبة انتهت.. وقضي الأمر.. واتمنى السلام للجميع .. اتمنى ان يعم السلام”.
لكن هل حقاً انتهت اللعبة..؟
هناك من يراهن ان الشعب العراقي سيقاطع الأميركيين رغم بعض مظاهر الفرح بسقوط صدام حسين, واسقاط تماثيله في الشوارع.
الواقع ان مرحلة انتهت من تاريخ العراق وربما من العالم العربي, والعرب على موعد مع مرحلة اخرى اذا فتح الأميركيون ادراج مكاتبهم واستلّوا منها خطاب رئيسهم ان العديد من الأنظمة سيتغير.
لا شك ان عهداً جديداً سيبدأ من العراق... ولكن كيف؟!
فالمأساة ستبدأ ملامحها بالظهور بعد شهور, عندما يكتشف الكثيرون ان مقاليد الامور لن تكون في يد عراقية. وعندها لن ينفع الاختفاء خلف الاصابع المفتوحة.. لأن التهاون ينقلب وبالاً على القائمين به.