- En
- Fr
- عربي
قضايا اقليمية
شهدت المنطقة العربية خلال العام الماضي وبداية العام الحالي العديد من الأحداث المفصلية ذات الطابع الاستراتيجي، التي أثرت وستؤثر خلال المرحلة المقبلة على واقع المشهد الإسرائيلي وتطوراته. على رأس هذه الأحداث، المتغيرات الإقليمية المرتبطة بما سمي تفاؤلًا بإسم «الربيع العربي» (تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا والبحرين...)، وما يتمخض عنها من إعادة صوغ المشهد الإقليمي وخارطة التحالفات فيه.
فقد وصفت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية العام الفائت بأنّه مرحلة انتقالية في اتجاه إعادة إنتاج بيئة إستراتيجية غير ملائمة لإسرائيل ومليئة بالتهديدات لأمنها القومي، الأمر الذي رافقه عمليًا تحوّل تدريجي وحتمي لهذا الكيان، بسبب عناده وتجاوزه القانون الدولي والإنساني في الأراضي العربية المحتلة، إلى كيان مرعوب ومطعون في شرعيته وأكثر يمينية وتعصبًا وانعزالاً.
إضافة إلى هذه الأحداث الدراماتيكية، شهدت الساحة الدولية أحداثًا مهمة أخرى أثرت وستؤثر على ملامح وتوجهات المشهد الإسرائيلي والإقليمي على المدى القريب، من بينها انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، وتوجّه منظمة التحرير الفلسطينية إلى طلب عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، إضافة إلى تسخين الملف الإيراني وعودة التلويح بتنفيذ ضربة عسكرية لمنشآت ايران النووية.
هذا المخاض العنيف في المنطقة أعاد رسم خارطة التحالفات الإقليمية من جديد، بحيث يمكن النظر إلى التحولات في مصر، بوصفها إغلاقًا لحقبة خروج إسرائيل من عزلتها التي بدأت منذ اتفاقية كامب ديفيد العام 1978. فقد خسر هذا الكيان «ثروة إستراتيجية»، إثر سقوط الرئيس مبارك، آخر حلفائه الأوفياء بعد خسارته نظام الشاه في ايران، وكذلك تركيا بعد حادثة السفينة مرمرة، وأصبح اليوم عمليًا كيانًا منبوذًا من غير حليف إقليمي مهم. وهذا يعني استراتيجيًا أن الشروط التي وضعت في معاهدة كامب ديفيد من أجل ضمان أمن إسرائيل من خلال تقييد الوجود الرسمي العسكري والأمني المصري في سيناء، قد تحولت إلى شروط ممتازة لنمو تهديد غير رسمي مختلف يمتاز بكونه تهديد حرب عصابات متشعبة تصعب مواجهتها. وقد وصف بعض المسؤولين الإسرائيليين الوضع المستجد في المنطقة بقوله : «كل شيء الآن محفوف بالضباب الكثيف، فنحن أمام عالم آخر، ليس عالم مبارك، هذا هو شرق أوسط متطرف وإسلامي ويكره إسرائيل».
لم تعد خارطة تحالفات إسرائيل وتوازناتها الإقليمية اذن كما كانت، وإن أي تخطيط للسياسات الإسرائيلية المستقبلية سيأخذ في الحسبان دخول الشعوب وإراداتها حتمًا في المعادلة كعامل سياسي مؤثر، بعد أن كانت هذه الشعوب عاملاً غائبًا أو مغيبًا لعقود، اعتادت خلالها إسرائيل على صوغ سياساتها الهوجاء على مزاجها مقابل أنظمة ورؤساء تربطها بهم علاقات ود وصداقة وتحالف يصل في أغلب الأحيان إلى المستوى الاستراتيجي. وفيما تتحول مصر عمومًا وسيناء خصوصًا إلى مصدر خطر محتمل على اسرائيل، فإنّ هذه الأخيرة تبذل قصارى جهدها بشكل مباشر أو غير مباشر من أجل إسقاط النظام السوري، وبث التطرف والنزاعات الطائفية والمذهبية في كل من سوريا ولبنان وفلسطين لموازنة الخسارة المصرية الفادحة عبر تفكيك محور «حزب الـله، إيران، سوريا، حماس، الجهاد الاسلامي»، والعمل في الوقت نفسه لإقامة نظام عربي براغماتي مقبول غربيًا، ويعمل لعدم تحويل المناطق المحيطة بإسرائيل الى ساحة مستباحة لعمل التنظيمات الأصولية والفوضوية.
في ظل هذه التطورات، وعلى الرغم من أي شيء، تبدو إسرائيل أكثر من أي وقت مضى دولة معزولة في محيطها، متوجسة مما سيتمخض عنه المستقبل في ما يتعلق بجيرانها، لذلك وفي مواجهة هذه التغيرات الخارجية، بادرت أخيرًا إلى الدخول في تحولات داخلية بنيوية، الأمر الذي يجعل منها دولة شبه اوتوقراطية تتراجع فيها الديموقراطية والقوى العلمانية واليسارية، ويتم تضييق الخناق على منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان من قبل قوى شوفينية تعمل على إعادة تأكيد القيم القومية الصهيونية. ومن هذه القوى منظمة «ايم ترتسو» التي أقيمت بعد الإعتداء على لبنان العام 2006 وتهدف إلى إعادة تقوية قيم الصهيونية الأساسية وترميمها، وتجديد خطابها وفكرها وإيديولوجيتها. وعلى هذا الأساس ظهرت حكومة الإتحاد الوطني الإستثنائية في حجمها (مدعومة من 94 عضو كنيست من أصل 120) وغاياتها والتي شكلت أخيرًا في خطوة وقائية احتياطية لمواجهة المجهول، وتضم الأحزاب الكبرى في الكيان وأبرزها «الليكود» و«كديما» و«اسرائيل بيتنا» التي يترأسها عتاة التطرف والإجرام أمثال نتنياهو وموفاز وليبرمان وباراك ويعالون.