تربية وطفولة

سلوكيات مقلقة عند الأطفال: براءة أم إنذار مبكر؟
إعداد: روجينا خليل الشختورة

في ظل التحديات التربوية والنفسية التي يواجهها الأهل في كلّ يوم، تتزايد التساؤلات حول كيفية التعامل مع بعض السلوكيات المقلقة عند الأطفال، وعلى رأسها الكذب والسرقة. فما هي أسبابها وكيف يمكننا التعامل معها؟
«ماما، أنا ما عملت شي!»… عبارة شائعة قد تسمعها أُم وهي واثقة من أنّ طفلها يخفي الحقيقة. وأب يكتشف أنّ ولده الصغير أخذ بعض النقود من محفظته، ليشتري حلوى من الدكان. مشهد مألوف ضمن عائلات كثيرة، لكنّه يترك الأهل في حيرة: هل هو مجرد تصرف طفولي عابر، أم بداية مشكلة تستدعي التدخل؟
توضح المستشارة النفسية جويل وهبه أنّ لهذه السلوكيات أبعادًا طبيعية وأخرى مقلقة. ففي سنوات الطفولة الأولى (ما دون 3 سنوات)، يعيش الطفل في عالمٍ من الخيال الواسع؛ يختلق قصصًا، أو يأخذ لعبة صديقه لأنه لم يستوعب بعد معنى الملكية. هذا السلوك طبيعي واستكشافي ولا يدعو للقلق، ولكن في الوقت عينه، يجب ألّا يمر من دون توجيه. ومع تقدّم الطفل في العمر، تتبلور لديه مفاهيم الصدق والأمانة، وعندها يصبح تكرار الكذب أو السرقة مؤشرًا يجب التوقف عنده. فهذه السلوكيات مرتبطة بشكلٍ مباشر بالمهارات الانفعالية والإدراكية للطفل، وبالقيم الأخلاقية والاجتماعية المكتسبة من محيطه.

 

خوف وضغوطات
وراء الكذب عند الأطفال دوافع كثيرة، تقول وهبه، أبرزها الخوف من العقاب ومن خذلان الوالدين، أو الرغبة في لفت انتباه الأهل وتعويض نقص عاطفي. وبالمثل، قد تكون السرقة ناتجة عن الفضول، أو ضغط الأصدقاء، أو ببساطة عن رغبة الطفل في الحصول على ما لا يملكه.
والطفل مرآة بيئته، بحسب وهبه، فإذا كان البيت يسوده التوتر أو العقاب القاسي، يلجأ الطفل إلى الكذب ليحمي نفسه. وإذا كان مهمَلًا، قد يسرق ليقول: انظروا إليّ، أنا هنا. كذلك، قد يكذب الطفل ليبدو «أشطر» أو يسرق ليحصل على ما يملكه رفاقه. حتى وسائل التواصل الاجتماعي اليوم تزيد من الضغط على الصغار، فتدفع بعضهم لاختراع قصص غير واقعية عن حياتهم شبيهة بما يشاهدونه على الشاشات.

 

العقاب الجسدي مرفوض
تشدد وهبه على أنّ الكذب أو السرقة يصبحان مدعاة للقلق عندما يتحوّلان إلى عادة متكررة بلا أي شعور بالذنب، أو يترافقان مع عدوانية أو عزلة اجتماعية. وهنا، على الأهل التدخل بهدوءٍ وحكمة، بعيدًا عن الصراخ أو الضرب الذي يدفع الطفل إلى الانغلاق والكذب أكثر. المطلوب مواجهة هادئة، شرح الخطأ، وتشجيع الطفل على إصلاحه.
فإذا أخذ لعبة غيره مثلًا، من الأفضل تشجيعه على إعادتها والاعتذار عمّا فعله، وبالتالي تدريبه على المسؤولية. أمّا العقاب الجسدي فمرفوض كليًا، فيما تبقى العواقب التربوية البنّاءة الخيار الأنسب، كمثل منع الطفل من مشاهدة التلفاز ليومٍ واحد، أو تكليفه بإصلاح ما أفسده. في المقابل، يجب مكافأة الصدق حتى لو تضمّن اعترافًا بخطأ كبير.

 

القدوة أولاً
تؤكّد وهبه أنّ الأهل هم القدوة الأولى لأولادهم. فالطفل الذي يرى والديه يعترفان بأخطائهما ويلتزمان وعودهما، يتعلم أنّ الصدق قيمة أساسية. أمّا الوعود التي لا تُنفّذ، فتهمّش الحقيقة وتُفقدها قيمتها في نظر الطفل.
إلى ذلك، فإنّ تلبية الحاجات العاطفية من احتضان وحوار واهتمام، تبقى العامل الأهم. فالطفل الذي يشعر بالأمان لا يُضطر إلى الكذب ليُسمَع صوته.

 

متى نلجأ إلى الاختصاصي؟
في حال استمرار السلوكيات الخاطئة وترافقها مع مؤشراتٍ مقلقة كالعدوانية وعدم الشعور بالذنب، يصبح العلاج النفسي ضروريًا، تقول المستشارة النفسية. ومن أبرز الوسائل العلاجية الفعالة العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، إضافةً إلى جلسات التدريب التي تساعد على التحكم بالانفعالات.
وتختم وهبه بالتأكيد: «استمعوا لأولادكم! فخلف كل كذبة رسالة، وخلف كل سرقة نداء. لا تخافوا من مواجهة المشكلة، ولا تستعملوا العنف. أعطوا أبناءكم الأمان ليعترفوا بالحقيقة، وكونوا أنتم النموذج الذي يتعلّمون منه الصدق والأمانة».