- En
- Fr
- عربي
أسماء لامعة
سيدة على الخشبة وفي الحياة سرقها الوقت وما برحت تغني
سيدة على المسرح وفي الحياة، امتلكت جمال الصوت وبهاء الإطلالة وأصالة الموهبة. عملت بصدق لفنها وعائلتها ووطنها. احتلت مساحة كبيرة على الساحة الفنية وفي قلوب الناس.
سلوى القطريب أو «ماي فير ليدي» (My Fair Lady) كما لقّبت، رحلت باكراً، قبل الأوان بكثير، تاركة الكثير من البصمات الحلوة.
ولادة صوت
في المينا - طرابلس، ولدت سلوى القطريب (في 17 أيلول 1950)، وهي من أصل كوراني من بلدة بترومين - قضاء الكورة.
والدها عازف العود القدير ومغني الموشحات صليبا القطريب، الذي تعاون مع كبار الملحنين أمثال محمد عبد الوهاب، والشيخ زكريا أحمد وكل من عزف على العود في الثلاثينيات.
والدتها السيدة فدوى حيدر، ربّة منزل ربّت عائلتها على الطموح والعلم، وهي الطفلة السابعة بين خمس شقيقات وثلاثة أشقاء.
تلقت علومها الابتدائية ولغاية الثانوية في مدرسة زهرة الإحسان في منطقة الأشرفية، التي إنتقل إليها الوالد بحكم ظروف عمله وتنقلاته الفنية.
حبها للرياضة استحوذ على وقتها وشغلها عن متابعة دراستها الجامعية. كانت رياضية من الطراز الأول، إنتسبت إلى فريق نادي الكهرباء لكرة المضرب ومن ثم إلى منتخب لبنان، وقد حققت عدة بطولات على صعيد لبنان، وشاركت في العديد من المباريات الرياضية في دول عربية.
امتلكت سلوى القطريب صوتاً جميلاً رخامياً، قوياً وفريداً من نوعه. وقد تأثرت منذ يناعة أظافرها بوالدها، الذي لقّنها أصول الغناء. كانت تغني في الحفلات العائلية، فهي نشأت في منزل كل من فيه يعشق الطرب والغناء ويتمتّع بالصوت الجميل.
لعبت الصدفة دوراً كبيراً في حياة سلوى القطريب، حين التقت المخرج المسرحي والمؤلف الموسيقي روميو لحود، الذي كان خطيب شقيقتها الكسندرا، ويبحث عن صوت جميل لمسرحيته. بخجل أسمعته مقطعاً، فأعجب بصوتها المميز القوي المشبع طرباً، وبشكلها الجميل وطلّتها البهية. وهكذا في عمر العشرين، بدأ مشوارها الفني، وتألقت متنقّلة من قمة إلى أخرى.
تمكّنت من فرض موهبتها في زمن نهضة الأغنية في لبنان والبلاد العربية، فبرز إسمها في زمن الكبار، وبموهبتها وظرافة الشخصيات التي جسّدتها في المسرح الاستعراضي، استحقت بجدارة لقب «سيدة المسرح».
إعتباراً من العام 1974 شكّلت مع روميو لحود ثنائياً فنياً، قدّم أعمالاً مميزة في الغناء والمسرح.
أدّت سلوى القطريب أدوار البطولة في مسرحيات روميو لحود إلى جانب نخبة من الفنانين الكبار ومنهم: انطوان كرباج، ملحم بركات، إيلي شويري، عبدو ياغي، طوني حنا، غسان صليبا وعصام رجّي، كما تعاملت مع كبار الملحنين ومن بينهم زكي ناصيف، وإيلي الشويري والياس الرحباني.
رصيدها المسرحي والثقافي
قدّمت سلوى القطريب 11 عملاً مسرحياً أولها، «سنغف سنغف» (1974)، الذي عرض على مسرح الإليزيه، وكرّت بعده سبحة الأعمال. فمن «بنت الجبل» (1977)، إلى «زمرّد» (1978) و«أوكسيجين» (1979)، ذاع صيت النجمة الاستعراضية في لبنان، فعرض عليها تلفزيون لبنان المشاركة في مسلسل «شهرزاد»، الذي كان محطة هامة في مسيرتها الفنية، وقد عُرفت من خلاله في الأقطار العربية كافة.
بعد ذلك تتالت العروض على النجمة الكبيرة، حيث أحيت مهرجان «مسرح الأندلس» في الكويت (1980). ثم عادت إلى لبنان لتلعب دور البطولة في مسرحية «ياسمين» على مسرح «الإليزيه»، ومسرحية «سوبر ستار» على خشبة مسرح كازينو لبنان، وكذلك على مسرح البيكاديللي، ثم مسرحية «أمل» (1983).
اشتد سعير الحرب اللبنانية، وتوقف العمل المسرحي، لكن العروض من البلاد العربية توالت، فكان أن شاركت سلوى القطريب في مهرجان الأغنية العربية في الجزائر (1984) ملبية دعوة الحكومة الجزائرية. كما شاركت العام نفسه في «معرض بغداد الدولي»، والعام 1985 قدّمت مسرحية «الحلم الثالث». لتلبي في السنوات اللاحقة دعوات وزارات الثقافة في العديد من الدول العربية (الاردن، سوريا، الامارات العربية المتحدة والكويت)، وحفلات فنية برفقة فرقتها الموسيقية.
سجّل العام 1987 حدثاً بارزاً في حياة سلوى القطريب، حيث تألقت بإطلالتها المميزة في مهرجانات جرش، ومنحت جائزة تقدير بإسم المهرجان.
والعام 1988 عادت إلى المسرح اللحودي، لتقدّم مسرحية «بنت الجبل» بحلة جديدة على مسرح كازينو لبنان.
العام 1989 لبّت دعوة الجالية اللبنانية في لوس أنجلوس في أميركا، وأحيت حفلتين على مسرح «Long Beach Convention Theatre»، ومن ثم عادت إلى لبنان لتحيي عدة مهرجانات في صور (1991)، وفي بيبلوس (1992).
ولمناسبة العيد ال125 للجامعة الأميركية في بيروت، أحيت العام 1991 حفلة غنائية على ملعب ال«GREEN FIELD»، وكانت المرة الاولى التي يُستعمل فيها هذا الملعب لغير النشاطات الرياضية.
بين العام 1992 والعام 1996 مرت سنوات من دون أن تقدّم سلوى القطريب عملاً، غيابها فرضه عدم توافر أعمال فنية تليق بقدراتها ومستواها.
العام 1996 شاركت في مهرجان «الأغنية العربية» الذي أقيم في أبو ظبي بمشاركة العديد من المطربين والمطربات العرب، (ماجدة الرومي، وردة الجزائرية، سميرة سعيد وذكرى الخ...)، وتخلّل المهرجان مسابقة أفضل مطرب وأفضل أغنية عربية، فحازت سلوى القطريب جائزة «الصقر الذهبي» كأفضل مغنية ولأفضل أغنية («ذكريات» من ألحان روميو لحود). أما ظهورها المسرحي الأخير، فكان في مهرجانات بيبلوس العام 1998، حيث قدّمت مسرحية «ياسمين».
من ثكنة إلى ثكنة
خصّصت سلوى القطريب حيّزاً مهماً من وقتها وفنها للجيش اللبناني، معبّرة عن عمق محبتها وتقديرها له. في التسعينيات راحت تجوب ثكناته المنتشرة في المناطق اللبنانية كافة، وتحيي فيها الحفلات. كما خصت الجيش بعدة أغان، أبرزها: «وحدك يا عسكر لبنان» من كلمات وألحان زكي ناصيف، و«يا هادر من بعيد» من كلمات العميد الركن المتقاعد عبدالله واكيم وألحان روميو لحود، و«أنت يا لبنان» شعر عمر أبو ريشة وألحان روميو لحود، و«يا جيش لبنان» من كلمات وألحان الياس الرحباني، و«سلمّتك الأرزة» من كلمات هنري زغيب وألحان روميو لحود، و«يا جيش الفرسان» من كلمات نزار الحر وألحان جورج عبود، وآخرها كان «يا أول من آب» من كلمات وألحان ايلي شويري العام 1995.
غنّت أيضاً في البرنامج الذي أعدّته مديرية التوجيه بعنوان «المرأة في الإستقلال» (العام 1996)، والذي شاركت فيه السيدة الأولى منى الهراوي، النائبة السابقة نايلة معوض، الصحافية مي منسّى والسيدة بهيجة الصلح (ابنة الرئيس رياض الصلح). أما نشاطها الفني الأخير مع الجيش اللبناني فكان مشاركتها في الحفلة الفنية، التي أقيمت لمناسبة عيد الجيش في بلدة عمشيت العام 2001.
سلوى والعائلة
العام 1979 تزوجت من المنتج ناهي لحود (شقيق المخرج والملحن روميو لحود) وأنجبت منه إبنة (آلين 22 عاماً).
تسير آلين على خطى والدتها في الغناء والتمثيل كما أنها تجيد الغناء الأجنبي، وهي حائزة شهادة في المسرح والموسيقى والإخراج المسرحي والسينمائي من جامعة القديس يوسف، وأستاذة مسرح في مدرسة الإليزيه، وتقوم حالياً بتصوير مسلسل تلفزيوني، بعد أن شاركت في العديد من المسلسلات التلفزيونية، وفي مهرجانات بعلبك (مسرحية فرقة كركلا).
حازت آلين أيضاً جائزة «الفيدوف» (لجنة المهرجانات العالمية للأغنية، مهرجان البحر المتوسط، تركيا العام 2004)، وجائزة الأغنية الفرنكوفونية، (فرنسا العام 2005).
أحبت سلوى القطريب فنّها، وإعتبرته رسالة تساهم في إسعاد الناس وإدخال الفرح إلى قلوبهم. كانت صاحبة شخصية فنية خاصة ومميزة، وكانت إنسانة بريئة صادقة، متواضعة، مرحة، حساسة، ونظامية، فهي أول الواصلين إلى المسرح، وآخر المغادرين. وقد استطاعت أن تواكب طموحات المخرج روميو لحود، صاحب الشخصية الفنية القاسية والصعبة، وتكون عند حسن ظنه. وعلى الرغم من حضورها المميز وجرأتها على المسرح، كانت إنسانة خجولة.
لم تنخرط في صخب الوسط الفني واختارت أن تخص عائلتها بوقتها ورعايتها.
تدني المستوى الفني كان يشعرها بالحزن مع ذلك كانت تقول: «ثمة أصوات جميلة فلتأخذ نصيبها...».
في السنوات الثماني الأخيرة من حياتها، تقربّت سلوى كثيراً من الله، وانغمست في العمل الكنسي، حيث كانت تنشد تراتيل الآلام في الجمعة العظيمة، وتميّزت بأنشودة «العطاء» من ألحان روميو لحود.
كانت نباتية في غذائها وتمارس الرياضة يومياً، فجأة في صباح الرابع عشر من شباط 2009، شعرت بإنزعاج في معدتها، ما لبث أن تحوّل إلى نزيف دماغي، وتبيّن إثر الفحوصات الطبية أنه ناتج عن ورم دماغي، أدخلها في غيبوبة، لمدة 18 يوماً، حيث فارقت الحياة في 4 آذار عن عمر يناهز 59 عاماً، تاركة مسيرة غنائية واستعراضية حافلة بأجمل الأغنيات والمسرحيات...
المطربة التي شبّهوا صوتها بصوت نجاة علي في البدايات، ونعتَها زملاؤها ب«شفيعة الفنانين»، قدّمت أغانٍ ستبقى في الأذهان وفية لذكراها، وشاهدة لها كواحدة من المطربات القديرات، فهي وإن سرقها الوقت ما برحت تغني.
جوائز ودروع وميداليات
تكريماً لعطائها الفني المميّز، حازت السيدة سلوى القطريب العديد من الجوائز والدروع والميداليات أهمها:
- جائزة سعيد عقل 1976.
- جائزة تقدير للعطاء الفني من مدينة لوس أنجلوس 1989.
- دروع تقديرية من العماد إميل لحود (يوم كان قائداً للجيش) ومن العماد ابراهيم طنوس.
- درع تكريمي من بلدية عمشيت.
- ميدالية الاستحقاق الذهبي برتبة ضابط من الرئيس العماد ميشال سليمان.
في البال
في رصيد سلوى الفني 120 أغنية، ومن أغانيها الجميلة: «طال السهر»، «خدني معك»، «شو في خلف البحر»، «على نبع الميي»، «بدي غنّي غنّي»، «وعدوني»، «قالولي العيد»، «اسمك بقلبي»، «سرقني الوقت»، «بو العبا»، «مش كل سنة»، «عنقودي الحلو»، «قولولي وينن»، «يمكن بكرا»، «يا رايح».